<حتى لو متّ.>
“إنها قُطعان من الذئاب تهاجمنا!”
“آآآه!”
في تلك اللحظة، خرجت مجموعة الأمير الثالث من الغابة أيضًا.
تجمد الدم في عروق ديارين، ووجهها شحب وكأن الدم انسحب منه تمامًا.
وفي اللحظة نفسها تقريبًا، بدأت النيران تنتشر. وانقضت الذئاب مثل ألسنة اللهب نحو الناس.
“أوقفوهم!”
“ذئاب هناك أيضًا!”
تصدى الحراس للذئاب برماحهم، لكن أعدادها كانت كبيرة جدًا، ولم يكن ذلك كافيًا.
سقط الحراس واحدًا تلو الآخر على يد الذئاب.
“جلالة الإمبراطور، عليكم بالهروب!”
كانت الذئاب ضخمة وقوية إلى حد أن النبلاء، الذين لا يعرفون من الصيد سوى إطلاق سهم على فريسة حاصرها الآخرون، لم يستطيعوا مواجهتها.
“ما الذي يحدث هنا؟!”
“يبدو أن الذئاب البرية انجذبت برائحة الدماء! الوضع خطر!”
“تافه! أليس من المفترض أن نقضي على مثل هذا في لحظة؟! أين شجاعة لاكليون؟!”
غضب الإمبراطور من مجريات الصيد التي لم تسر كما خطط لها.
داس على الأرض وألقى بالكأس الذي كان يحمله.
لكن الاستعدادات لم تكن كافية لبدء صيد الذئاب. والأسوأ أن هذه الذئاب لم تكن عادية.
لم تُصدر حتى صوتًا عند إصابتها، ولم تهرب.
والنيران التي كانت تقترب كل لحظة زادت الأمر سوءًا.
“جلالة الإمبراطور، الرجاء الهروب فورًا…”
“من الذي لم يخرج من الغابة بعد؟”
“عدد ليس بقليل. خصوصًا جماعة الأمير الأول…”
قطّب الإمبراطور حاجبيه وأخذ يتفحص الساحة.
كان الأمير الثالث في القاعدة، والأمير الثاني قد عاد للتو. والتابعون لكليهما عادوا أيضًا.
“آآآه!”
“ذئاب! الذئاب هناك أيضًا! لا، حتى هنا!”
عندها، خرج أولئك الذين رافقوا سيريس في الصيد من بين النيران وهم يركضون.
“سيريس؟ لا، سيريندياس أين هو؟!”
اقتربت ديارين منهم على عجل.
لم تكن النار قد أمسكت بأجسادهم، لكن وجوههم كانت حمراء بالكامل من شدة الحرارة.
“قال لنا أن نهرب قبله…”
“ماذا؟!”
صرخت ديارين بصوت مرتفع.
رغم أنها لم تكن لتفيد بشيء لو بقيت، إلا أن حقيقة أنهم تركوا سيدهم وفروا جعلتهم يخفضون رؤوسهم خجلًا. لم يكن لديهم أي مبرر.
“يعني سيريس بقي وحيدًا؟ هناك؟ في الداخل؟”
كانت النيران تلعق مدخل الغابة بألسنتها.
نظرت ديارين إلى الغابة المشتعلة بدهشة وذهول.
بات صوت العالم من حولها كأنه آتٍ من بعيد.
“النار…!”
“اتركوا الغابة، وادفعوا الذئاب نحوها!”
“واجهوهم بالرماح!”
“انقلوا الأغراض إلى العربات!”
كان البعض مشغولًا بمواجهة النار، والبعض الآخر بالذئاب. ولم يلاحظ غياب الأمير الأول سوى جماعته.
“نحن… يمكننا العودة للدخول…”
إن مات الأمير الأول، فهم أيضًا في عداد الأموات.
رغم أنهم نجوا، إلا أن وجوههم كانت شاحبة كوجه ديارين، وبدؤوا بالكلام بصوت مرتجف، لكن لم يكن لديهم الشجاعة الكافية للدخول وسط النار.
نظرت ديارين نحو الغابة التي تتراقص فيها النيران.
“سيريس… إنه هناك الآن، أليس كذلك…؟”
“… نعتذر. لم نتمكن من مساعدته…”
“هل بقي هناك أحد آخر؟ أي شخص؟”
“لا نعلم…”
سيريس داخل تلك الغابة المشتعلة وحده.
مهما كان سيريس قويًا، فهو ليس بمنيع من النار.
“قد يموت سيريس.”
الموت.
مجرد التفكير في تلك الكلمة جعلها تشعر وكأنها على وشك فقدان عقلها.
“لا… لا يمكن.”
هزّت ديارين رأسها محاولةً طرد الفكرة من عقلها بالقوة. لكنها لم تستطع؛ الفكرة التي خطرت لها قد غرست مخالبها في عقلها بعمق، ولم تكن تنوي المغادرة.
القلق بدأ ينهش جسدها بأكمله.
والمشهد الذي رأته أمامها حوّل ذلك القلق إلى يقين.
عالم بلا سيريس… لم تستطع حتى تخيل ذلك.
كانت تظن أنها هي من سترحل يومًا، بينما سيبقى سيريس في مكان ما يضيء العالم بجماله ويعيش ببهاء.
لكن عالمًا يموت فيه سيريس؟
هل يُعقل وجود عالم كهذا؟
وإن حدث، وإن أتى ذلك العالم إليها؟
أصبح عقلها فارغًا تمامًا. ضاق تنفسها.
ما بعد ذلك سيكون مجرد ظلام.
عالم بلا هدف، بلا معنى، خالٍ من كل شيء إلا انسياب الزمن الجاف.
“سيريس…”
كانت تظن أن وجودها بجانب سيريس نابع من حاجة سيريس إليها.
لكن الأمر لم يكن كذلك فقط.
فقد أصبح سيريس جزءًا لا يتجزأ من حياة ديارين.
بل أصبح الركيزة التي تقوم عليها حياتها.
حياة بلا سيريس لا تعني سوى الظلام.
خطت ديارين خطوة نحو الغابة المشتعلة.
“أ… أوي!”
“يا معالي الكونتيسة! ماذا تفعلين؟!”
“خطر! هذا خطر للغاية!”
هرع الناس لإيقاف ديارين ومنعها.
لكنها لوحت بذراعيها لتبعدهم عنها.
“ابتعدوا عن طريقي!”
“إنه خطر!”
“لأنه خطر، عليّ أن أذهب!”
صرخت ديارين بكل ما أوتيت من قوة.
سيريس، حبيبي، داخل هذه الغابة المشتعلة.
“يجب أن… أن نجد طريقة آمنة…”
“وكم من الوقت نحتاج لنجدها؟!”
والحقيقة أن الجميع كان يعلم… لا توجد طريقة آمنة.
حتى وإن قالوا ذلك، فلا أحد كان يملك الشجاعة للدخول فورًا إلى تلك النيران.
ديارين لم تستطع الانتظار أكثر.
“تنحوا جانبًا.”
هذه المرة، لم يستطع أحد أن يعيق طريقها أو يوقفها.
رغم أنها لم تخطُ سوى خطوة واحدة، إلا أن الحرارة هاجمتها فجأة، وكأن إله النار نفث أنفاسه أمامها.
لكن حتى وإن تجسّد إله النار أمامها، كانت ديارين على استعداد لمواجهته دون تردد.
“آه! الكونتيسة أريانتي دخلت!”
صاحت الأصوات من خلفها بدهشة، لكنها لم تسمعها.
لم يتبق في ذهنها سوى صورة واحدة: سيريس وهو يتخبط في تلك الغابة المشتعلة.
لم تكن كل الأشجار والنباتات مشتعلة، رغم امتداد النيران في عدة أماكن. فقد دُهست الأعشاب في بعض المواضع، مما كوّن طريقًا بينها.
“النار تُقاوم بالنار.”
يُشعل الناس النيران لمواجهة حرائق الغابات أحيانًا.
النار التي أطلقتها ديارين كانت صغيرة، لكنها أحاطت نفسها بقوة نورانية تحميها من اللهب.
لم تجرب ذلك من قبل، ولم تكن واثقة من نجاحه، لكنه نجح.
تشجعت ديارين، وشقت طريقها وسط النيران.
“سي… كح كح!”
أرادت أن تنادي على سيريس، لكنها ما إن فتحت فمها حتى غمرها الدخان، فانفجرت تسعل بشدة.
المشكلة لم تكن فقط حرارة النار، بل الدخان القاتل.
سمعت من قبل أن المرء يختنق بالدخان أسرع من أن يُحترق حيًّا.
“سيريس!”
هل ما زال حيًّا في الداخل؟
لم يمضِ وقت طويل منذ بدء الحريق.
فبعد الانفجار، خرجت مجموعة الأمير الثاني، وهاجمت الذئاب، ثم تبعهم الأمير الثالث وجماعة الأمير الأول… كل شيء حدث بسرعة. لم تمضِ سوى دقائق قليلة.
والنيران لم تنتشر كثيرًا بعد. طالما بقي حيًّا في مكان ما، حتى لو حبس أنفاسه، فلا بد أنه لا يزال على قيد الحياة. كان ذلك إيمان ديارين الأكيد.
“غرووو…”
“أآآرغ! غوووف!”
كانت هناك ذئاب ما تزال في الغابة. سمعت أصواتها تعوي من بعيد.
قفزت ديارين نحو ذلك الاتجاه، متبعة أي علامة تدل على وجود كائن حي.
“……!”
وبينما كانت تقفز فوق شجرة محترقة، رأت سيريس.
سبعة ذئاب تتلوى على الأرض.
وسيريس يقف بينهم وهو يتمايل.
ولأن دماء الذئاب كانت متناثرة على الأرض، لم تشتعل النيران في تلك البقعة.
الذئاب التي بدت وكأنها سقطت للتو، كانت تلهث ثم تنهار تمامًا.
“سي… سيريس!”
ركضت ديارين نحوه.
بقيت ثلاثون خطوة فقط.
لكن تلك المسافة القصيرة بدت وكأنها أميال.
كان يجب أن يكون سيريس في أحضانها الآن، لكنه بدا بعيدًا للغاية.
اهتز سيريس فجأة، وتنفّس بصعوبة، وكأنه ذئب يحتضر.
ثم التقت عيناه بعينيها.
في عينيه الغارقتين في الضباب، مرّ وميض خفيف للحظة قصيرة.
ورأته ديارين. لم يفُتها ذلك النور، لأنها كانت تحمل نفس البريق في عينيها أيضًا.
كان وجود سيريس هو ما يمنح هذا العالم الضوء.
ولم تدرك تلك الحقيقة إلا في هذه اللحظة، بعد أن كانت على وشك أن تنساها.
حتى عثرت عليه، كانت هذه الغابة المشتعلة مظلمة كمنتصف الليل.
وكأنها استردّت النور أخيرًا…
لكن، في اللحظة التالية، انهار سيريس فجأة كجذع شجرة ضُربت بصاعقة.
“سي… سيريس؟”
توقف عقلها عن العمل.
بل، توقف العالم بأسره.
لم تعد تشعر بحرارة الغابة المشتعلة. عاد كل شيء ليغرق في الظلام.
“لا، لا، لا!”
صرخت ديارين وركضت نحوه.
كان سيريس على الأرض، جسده متهالك كدمية مكسورة.
جثت ديارين على ركبتيها وسحبته نحوها.
جسده انسحب بسهولة، بلا مقاومة.
وحين أمسكت بكتفيه لترفعه، تدلى رأسه إلى الخلف بلا حياة.
بدا كالميّت.
تجمد قلبها من الرعب.
“سيريس…؟”
تلاشت شعلات الوعي التي كانت تتشبث بها.
بدأت أنفاس ديارين تتقطع بعنف.
لم تعد قادرة على التنفس. شعرت بأن العالم ينهار.
ثم… أُغمي عليه.
الانستغرام: zh_hima14
التعليقات لهذا الفصل " 153"