في النهاية، هو مجرد افتراض. لا يمكنه رفع تقرير مباشر للأمير الثاني بشيء لم يتأكد منه بعد. إغضاب طبعه الناري مشكلة بحد ذاتها، لكن تحمل مسؤولية كلمة نُطقت بتهور هو مشكلة أكبر.
“هل ذلك الخائن الذي انضم إلى الأمير الثالث…”
“روبن؟”
“نعم، هل لا يزال منقطع الاتصال به نهائيًا؟”
“ذلك الجرذ، لا نعلم أين اختفى، إن كان قد مات أو لا. على الأرجح قُتل على يد ذلك الكلب المجنون الذي سرقه.”
“آه…”
تنهدت ميريان بعمق.
عدد الأشخاص المرتبطين بالفرقة الثامنة قليل جدًا، ومعظمهم قُتل خلال الحرب. روبن، رغم انضمامه لاحقًا، كان يحمل أكبر قدر من المعلومات عن الفرقة، لأنه كان يتولى أغلب الأمور بعد المعارك. لم يكن أحد يدرك حينها أنه كان ماهرًا في السير على الحبال الرفيعة بهذه البراعة.
“سواء أكان ما رأيناه في ساحة المعركة حقيقيًا أم لا، أو ما جرى بعد ذلك، لا يمكننا معرفته إلا من خلاله.”
“وماذا بعد؟”
القائد لا يرى كل شيء بنفسه.
يعتمد على التقارير فقط. إندين لم يرَ أي شيء بشكل مباشر.
بعدما سمع أن الأمير الثالث كان يهرب أعضاء الفرقة الثامنة لأغراض مجهولة، أصدر أمرًا بإرسال قتلة للتعامل معهم. لكنه لم يكن يعرف حتى مكان وجودهم.
الشخص الذي تلقى الأمر من إندين أصدره بدوره لمن تحته، ثم إلى منظمة القتلة. ولكن بما أن آثار القتلة فُقدت، لم يبقَ أي دليل أو تقرير.
وكذلك من كانوا في القصر معهم اختفوا تمامًا.
لذا لا توجد وسيلة لمعرفة ما حدث داخل ذلك القصر، ولا من كان هناك.
“هذا مجرد افتراض مني…”
طالما لا يوجد دليل، فكل شيء مجرد شكوك.
لكن لم يكن هناك شيء آخر يخطر بباله.
“يبدو أنها تمتلك قوة من نوع ما.”
“قوة؟”
ضيّق إندين عينيه بينما كررت ميريان كلمتها.
“نعم. لأنني لم أشعر بأي طاقة إلهية منها، لم أكن أفكر فيها كـ’واحدة من هؤلاء‘…”
لقد التقت بديارين بنفسها، بل أمسكت يدها أيضًا. ليس هذا فقط، بل استخدمت عليها تعويذة أيضًا.
في تلك اللحظة، مظهرها وتصرفاتها لم تكن توحي إطلاقًا بأنها كاهنة. أي شخص كان سيفكر بذلك.
ولكن، عند مراجعة تصرفاتها واحدة تلو الأخرى، كان هناك العديد من الأمور المريبة.
“أولاً، في حفل النصر، قامت بتغيير لون شعر الأمير الأول.”
ديارين قالت إنها مجرد ’حيلة بسيطة‘. وفي الواقع، يمكن لأي شخص أن يفعل ذلك مقابل المال. وبما أنها طبيبة، فلديها يد بارعة.
لكن، ماذا لو لم تكن مجرد حيلة؟
“وفي طقوس العبادة، قيل إنهما تسلما الحليب معًا من نفس الإناء. إن كانت القدرة على تغيير لون الشعر ليست لمرة واحدة، بل موهبة فطرية…”
“…إذن من الممكن أنها جعلت الحليب شفافًا أيضًا. هل هي كاهنة إذن؟”
أخذ إندين تكهن ميريان وكأنه تأكيد.
“لو كانت كاهنة، لما عجزتُ عن الإحساس بطاقة إلهية منها، ولما فشل المسؤول عن الطقوس في اكتشافها. وكاهنة بتلك القوة لا يمكن أن تبقى مجهولة أبدًا.”
أن يمتلك شخص طاقة إلهية عظيمة ولا يكتشفه اثنان من كبار الكهنة؟ مستحيل.
لو كانت بتلك القوة، لكانت حصلت على منصب كنسي رفيع منذ زمن. ولا يمكن أن تبقى كاهنة عادية في الظل.
“قد تكون شخصًا يمتلك قوة غير نقية.”
العالم كبير، وهناك من يملكون قوى أو مواهب غريبة لا ترتبط بالطاقة الإلهية.
“كثيرًا ما ادعى الشياطين أنهم آلهة.”
“شيطان، إذن.”
ارتفع ذقن إندين، وكأنه أعجب بالتفسير.
الشيطان بدا لها لقبًا أفضل من الكاهنة.
“إن كانت شيطانًا تتظاهر بأنها كاهنة وتُربك العالم، فيجب إبادتها.”
“كل شيء سيجري وفق مشيئة الإله.”
انحنت ميريان بهدوء.
لو كانت ديارين مجرد إنسانة عادية، لما كانت تستحق كل هذا العداء. حتى لو ساعدت الأمير الثاني من قبل، لم يكن من الضروري استهدافها بهذا الشكل.
لكن، إن كانت تتظاهر بأنها إلهية وهي ليست كذلك، فسيكون هو أول من يقطع رأسها.
✦✦✦
في هذه الأثناء، كانت “الشيطانة” – حسب زعمهم – عائدة إلى القصر الإمبراطوري وسط هتافات النصر، حاملة لقب “الوفية المقدسة”.
عقب ذلك، انقلب المعبد رأسًا على عقب.
الأمير الثاني انسحب أولًا، وغريليند أُخرج بالقوة بعد أن أثار الشغب.
“كله ملفق! خداع! هؤلاء محتالون!”
ربما أراد نبلاء الأمير الثاني أن يرددوا الصراخ ذاته، لكن بعد أن تحدث الكاهن باسم الإله، فإن الاعتراض كان سيُعتبر تحديًا للإله ذاته.
بعد سحب غريليند، غادر الأمير الثالث ومن معه بهدوء، وأضفى الإمبراطور شرعية على ما حدث قائلاً: “هذا أيضًا دليل على براءة العائلة الإمبراطورية.”
وتمتمت ديارين بسرعة خارقة: “كل هذا بفضل حكمة جلالتكم، يا صاحب الجلالة.”
وكان ذلك أسرع رد فعل ذكي في حياتها.
فورًا، أضيفت هتافات “يعيش الإمبراطور!” إلى تصفيق الجماهير.
الإمبراطور، راضيًا عن ذلك، ربت على كتفي سيريس وديارين، وغادر المعبد.
“يعيش الإمبراطور!”
“يعيش الأمير الأول!”
“يعيش لاكلريون!”
كل هذا كان متوقعًا.
لكن شعارًا آخر انطلق فجأة:
“تعيش الكونتيسة أريانتي!”
فباسم الكونتيسة أريانتي التي أصبحت أسطورة بجوار الأمير الأول، انتشر الهتاف في كل أنحاء البلاد.
لم تكن ديارين تدري كيف تتصرف أمام هذه الهتافات لها.
“لوّحي لهم بيدك وعودي بهدوء.”
قال الإمبراطور وهو يصعد إلى العربة مبتسمًا، ناصحًا ديارين المترددة.
ثم، كما لو كان يريها الطريقة، فتح سقف العربة ووقف.
“ووااااه! يحيا الإمبراطور!”
كان كلما لوّح بيده، تعالت الصيحات أكثر فأكثر.
تبعه سيريس وديارين بخجل، فوقفا على مقعد العربة ولوّحا للجماهير.
“يعيش الأمير الأول!”
“الكونتيسة أريانتي!”
ما زال التصفيق والهتاف موجهاً لها يبدو غريبًا على مسامعها.
لوّحت ديارين بيدها بتردد، ثم ما إن تحركت العربة حتى جلست بسرعة وكأنها تهرب.
حتى بعدما اختفى الاثنان عن الأنظار، لم تتوقف الهتافات.
بدأت تشعر أن اسم “الكونتيسة أريانتي” سيصبح مألوفًا أكثر من “ديارين”.
قالت ديارين وهي تنظر من بين ستائر العربة إلى الخارج، ووجهها شاحب:
“… لم أكن أظن أن الأمور ستنقلب بهذه الطريقة.”
كانت تنوي فقط أن تضع حدًا لتدخل الأمير الثاني بشأن ماضي سيريس. لكنها لم تتوقع أن تكون الضجة بهذه الحدة.
كانت لحظة مشحونة بالتوتر. لم يكن هناك وقت للتفكير في العواقب أو توقّع ما سيحدث. لم تمر بتجربة مماثلة، ولم تستطع أن تتخيل أنها ممكنة أصلاً.
تمتمت:
“لقد حدثت معجزة، فربما من الطبيعي أن تضج الأمور… لكن، هل سنتمكن من احتواء الوضع؟ هل سيكون كل شيء على ما يرام؟”
“سيكون بخير.” قال سيريس وهو يمسك بيدها.
عندها فقط أدركت ديارين أن يدها كانت باردة كالجليد، وشعرت بحرارة كفه تدب في أطرافها المتجمدة.
حينما بدأ الدم يجري من جديد في يدها، شعرت بأنها تستعيد صفاء ذهنها، ونظرت إلى وجه سيريس الهادئ الذي لم تلحظه من قبل.
قالت:
“يبدو أنك لم تتوتر إطلاقًا، سيريس.”
أجاب مبتسمًا:
“أجل.”
“من الواضح أنك وُلدت لتكون أميرًا.”
“ربما.”
“يقال إن القدرة على التماسك أمام أنظار الجميع نوع من الموهبة.”
الكهنة أحيانًا لا يترقّون لأنهم لا يجيدون التحدث أمام الحشود. تلك المواقف جزء من الوظيفة.
حتى الآن، لم تفكر ديارين كثيرًا في هذه الأمور.
لكن اليوم، أمام كل ذلك الجمع، كان عليها أن تكشف فخًا كاد يودي بحياتها. في اللحظة نفسها لم تشعر بالتوتر، لكنها الآن، بعد أن ابتعدت عن المشهد، بدأت ترتجف.
قال سيريس بهدوء:
“لم أكن أعر الأمر أهمية.”
فقالت ديارين مازحة:
“وأنت بهذه الحساسية تجاه الأصوات؟”
“لأن ديارين كانت بجانبي.”
“في الآونة الأخيرة، كنت تتصرف وكأنك لا تحتاجني.”
قال وهو يبتسم:
“يمكنني التحمل، هذا كل شيء.”
لكن التحمل لا يعني أن كل شيء بخير.
“عندما تكونين بجانبي، لا أرى شيئًا آخر. ولا أسمع أي صوت آخر.”
“… هل هذا شيء جيد فعلًا؟”
“أنتِ فقط من أراها.”
“… أنت متأكد أن هذا طبيعي؟”
ابتسم:
“وهو أفضل ما أشعر به.”
“…”
أطرقت ديارين برأسها، ولم تعرف ماذا تقول.
“إذا كنت سعيدًا هكذا… فليكن.”
“أنا كذلك.”
ثم أمسك يدها ووضع قبلة على ظهر كفها.
تفاجأت ديارين ونظرت إليه، فالتقت عيناهما بينما كانت شفتاه لا تزالان على يدها.
فجأة، تذكّرت البركة العظمى التي منحها كبير الكهنة لهما.
“… آه.”
أطلقت صوتًا وكأنها التقطت أنفاسها فجأة.
فرفع سيريس رأسه باستغراب وهو يفتح عينيه:
“هم؟”
قالت بجدية:
“لدينا أمر عاجل علينا القيام به حالًا.”
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 145"