شخص ما كان يشق طريقه بين الناس ممسكًا بفستانه، ربما لأنه كان قد غادر مقعده للحظة. لم يكن السبب فقط في حركته المزعجة، بل كان وجهه مألوفًا جدًا.
“ما الأمر؟”
“آه، لا… فقط ظننت أنني رأيت شخصًا لا يمكنني رؤيته هنا.”
“عدو؟”
شعرت ديارين بقبضة سيريس تتوتر.
ربتت ديارين على يده وأشارت برأسها نفيًا.
“لا، لا داعي للتوتر.”
“إذن صديق؟”
“مجرد شخص عرفته منذ زمن بعيد.”
“رجل؟”
عاد التوتر إلى قبضة سيريس.
“…امرأة، امرأة. من أين لي أن أعرف رجالاً أصلاً.”
باستثناء والدها وشقيقها، الرجال الوحيدون الذين تعرفهم ديارين هم روبن وهالت. ومؤخرًا، أُضيف إليهم الإمبراطور وإندين وسيبيان.
أما الجنود الذين التقتهم في ساحة المعركة، فلم تكن تعرف أسماءهم حتى.
جميع علاقات ديارين كانت محصورة في نطاق المعبد. لذا فإن الشخص الذي رأته للتو كان كاهنة سابقة.
والأكثر غرابة، أن مقعد تلك الفتاة لم يكن بعيدًا عن مقعد ديارين.
كان قريبًا لدرجة أن أحاديثها الجانبية مع من بجانبها كانت مسموعة بوضوح.
“لم أزر هذا المعبد منذ مدة، أشعر بالحماس! لكن لحسن الحظ، المعابد كلها متشابهة لدرجة أنني وجدت الحمام دون أن أحتاج للسؤال.”
كانت أكثر إشراقًا وحيوية مما كانت عليه حين كانت كاهنة.
‘اسمها… هل كانت تُدعى ليلين؟’
لم تكن بينهما علاقة وثيقة، لكن ديارين كانت تعرف اسمها.
لم يكن بينهما تواصل حقيقي حتى. فهي كانت تتجاهل ديارين عادة ولا تعيرها أي اهتمام.
رغم أنهما كانتا كاهنتين في نفس المعبد، فإن ليلين كانت من عائلة نبيلة ومرموقة، وديارين كانت مجرد فتاة فقيرة بالكاد تنتمي للنبلاء، لذا لم تكن مؤهلة حتى لتبدأ معها حديثًا.
“يبدو أن بنات العائلات الراقية يمكنهن الاستمرار في الحياة الفاخرة حتى بعد ترك الكهانة.”
عادةً، من يترك الكهانة يُعتبر منبوذًا من الحاكم، ويُنبذ حتى من عائلته، ويُطرد من قريته. وكان من الصعب عليهم إيجاد عمل إذا لم يخفوا ماضيهم.
عادةً يعيشون حياة قاسية جدًا.
لكن ليلين لم تكن تبدو كذلك على الإطلاق.
مجرد كونها حاضرة في احتفال كبير كهذا، وتجلس في مكان قريب من العائلة الإمبراطورية، يثبت أن حياتها كانت مريحة ومترفة.
“هل تعرفينها؟”
فجأة قطعت صوت جارة ديارين أفكارها.
كانت تلك المرأة من سكان القصر، ممن انتقلوا لدعم سيريس.
“آه… لا، لا.”
لم يكن بإمكان ديارين أن تتحدث عن ماضيها ككاهنة وتفضح نفسها.
رغبت بشدة أن تقول: “أنا تلك الفتاة التي كنتِ تحتقرينها! ها قد عدت!”، لكن لم يكن الوقت مناسبًا للانتقام الشخصي.
هزت ديارين رأسها وحاولت أن تُحوّل وجهها إلى الجانب الآخر.
تسارعت ضربات قلب ديارين وسقط شعورها إلى قاع صدرها.
“هل يُعقل أن تُكشف هويتي هنا؟!”
كانت تظن أنها آمنة من لقاء أي كاهن تعرفه، لكن يبدو أن كاهنة “سابقة” قد تكشف أمرها.
جفّ حلقها تمامًا.
“يا إلهي! يا إلهي! إنه الأمير الأول، أليس كذلك؟ قريب جدًا!”
“…؟”
بدأت ليلين تربّت على كتف من بجانبها بحماس.
“…آه، كانت تقصد ذلك الشخص؟”
إنه بالفعل “الأمير الأول” الذي عادت الإشاعات تتحدث عنه مؤخرًا. لا عجب أن تندهش بهذا الشكل.
“تمامًا كما كانت في المعبد… لم تتغير أبدًا.”
حتى في أيامها ككاهنة، كانت تقول إنها ستهرب مع أي زائر وسيم تراه في المعبد.
ويبدو أن عادتها في البحث عن رجال جذابين لم تتغير إطلاقًا.
مهما تغير المكان أو اللباس، فطبيعة الشخص لا تتغير.
هزّت ديارين رأسها بهدوء وهي تلعن داخليًا.
“لكن، من تكون تلك المرأة بجانبه…؟”
هذه المرة وجهت نظرها إلى ديارين.
“لمَ لا تتابعين طريقك فحسب؟ لمَ الإصرار؟”
ابتلعت ديارين ريقها الجاف وأجبرت نفسها على النظر مباشرة إلى الأمام.
“الكونتيسة أريانت. نالت لقبها حديثًا.”
“آه، إذن هي أقرب شخص للأمير الأول؟”
“نعم، صحيح.”
“واو، هل نالت اللقب بنفسها؟ ظننت أن المقرب من سمو الأمير سيكون رجلًا.”
“الكثيرون يتفاجؤون بذلك.”
“لا بد أنها حققت إنجازًا عظيمًا. تبدو عادية جدًا… هل هي موهوبة بشكل غير متوقع؟”
“لا يمكن الحكم على الناس من مظهرهم. سمعت أنها أنقذت حياة سمو الأمير بنفسها.”
“واو… مذهل.”
كانت همسات الجالسة بجانبها تُسمع بوضوح.
كان من الصعب التظاهر بعدم سماع ما يُقال بينما تعرف تمامًا أنهم يتحدثون عنها. لكن الغريب أن الكلام لم يكن سيئًا كما توقعت.
“لكن، هل يتواعدان؟”
“يُقال إنه أكد بنفسه أن لا علاقة بينهما إطلاقًا من هذا النوع.”
“أوه، إذًا لدي فرصة أنا أيضًا؟”
“ربما ليس مستحيلاً تمامًا؟”
الفتاة الجالسة بجانبها تبدو لطيفة حقًا. كانت تحاول الحديث بإيجابية قدر الإمكان.
‘أنتِ مستحيلة. مستحيلة جدًا. مستحيلة حتى النهاية.’
كيف تجرؤين على الاقتراب من سيريس خاصتي؟
صرّت ديارين على أسنانها وهي تتجاهل النظر نحوها عن عمد.
“إذن، لو اقتربتُ من تلك السيدة، سأتمكن من التقرب من سمو الأمير أيضًا، أليس كذلك؟”
“ربما، نعم…؟”
‘لن أكون صديقة لكِ أبدًا. ولا حتى في الأحلام. مهما حصل. أبدًا.’
رمقت ديارين ليلين بنظرة تحذيرية.
لم تكن تنوي حتى أن تلتقي نظراتهما، لكن ليلين كانت تراقبها كقطة تترقب فريستها، والتقت أعينهما.
“!”
ابتسمت ليلين بلطف.
تلك التي كانت تُدير رأسها بتعالي كلما مرت بها في المعبد، كما لو أنها غير مرئية.
“…….”
ما كان يجب أن تراها.
ارتجف جسد ديارين فجأة وهي تُدير رأسها بسرعة.
“آه… يبدو أنها لم تراني.”
كان صوتها الحزين لذيذًا لأذني ديارين لدرجة أنها شعرت بأنها لا تحتاج حتى إلى حلوى العشاء.
في تلك اللحظة، بدأ دعاء كبير الكهنة.
توقف الجميع عن الهمس وتوجهت الأنظار إلى المقدمة.
“اليوم هو يوم ولادة أول أبناء الحاكم في هذا العالم.”
قالها كبير الكهنة وبدأت المراسم.
“بعد انتهاء الصلاة، تحدثي معها أثناء طقوس التطهير.”
كان صوت جارتها الهمسي آخر ما سمعته ديارين قبل أن تركز نظرها نحو كبير الكهنة.
‘جربي فقط. لن أجيبك.’
“اليوم نُحيي ذكرى لحظة خلق الحاكم لهذا العالم، ونحتفل بالنقاء الإلهي الأبيض. يا من تملأ السماء وتعبر الأرض، يا من يحل في كل مكان وكل زمان، ليملأ اسمك هذا العالم جمالًا.”
تابع كبير الكهنة الدعاء.
ديارين كانت تحفظ هذه الكلمات عن ظهر قلب. حتى ترتيب الطقوس كان مألوفًا تمامًا.
كادت أن تغفو أكثر من مرة وهي تحدق بعينيها المفتوحتين.
أخيرًا، انتهى الدعاء وبدأ الجزء الرئيسي من مهرجان.
“فلنُحيي نقاء الطفل الذي وُلد لتوه تحت نعمة الحاكم.”
في هذه المراسم، يتم تقديم الحليب الأبيض بكلتا اليدين، في إشارة رمزية لتطهير الأيادي التي تلوثت بعالم البشر، عبر نقاء الأم السماوية.
بالطبع، لم يكن هناك أي سحر في الحليب. كان حليبًا عاديًا.
لكن معناه الرمزي جعل الناس يتطلعون لهذه اللحظة وكأنها تمسح خطاياهم السنوية.
فقط بهذا الطقس، يشعر الجميع وكأنهم يولدون من جديد.
كان الكهنة ينقلون أوعية الحليب من جانبي كبير الكهنة.
“ذلك الحليب ثقيل فعلًا.”
لم تستطع ديارين أن تنظر إلى ذلك كأمر لا يخصها.
تذكرت جيدًا كيف كانت تتلقى التأنيب لتُظهر وكأنها تنقل الحليب بخفة وأناقة، وكأنها ترفع ريشة، رغم وزنه.
ربما بفضل نقل الحليب في مهرجانات الحاكم، أصبحت تتمتع ببنية قوية كافية لهزيمة حتى الكلاب المسعورة.
نهض الإمبراطور من مكانه وتقدّم نحو كبير الكهنة.
“هل اقترف جلالتكم أي خطايا؟”
كان سؤالًا رسميًا يُطرح دائمًا قبل الطقس.
وكان الرد أيضًا محددًا مسبقًا.
“لا أذكر أنني اقترفت ذنبًا، ولكن بصفتي إنسانًا، وُلدت محمّلًا بالذنب، وقد يكون لي خطايا لا أعلمها، أعترف بها أمام الإله.”
رفعت ديارين حاجبيها بدهشة من إجابته.
غالبًا ما يذكر المشاركون خطأً صغيرًا على الأقل، حتى يشعروا أن خطاياهم قد غُفرت.
نادراً ما يتحدث أحد بهذه الثقة ويقول إنه بلا ذنب.
والأدهى، أن من بين كل هؤلاء الناس، يُعد أحد أكثرهم ذنبًا.
يبدو أن هذا هو المستوى الذي يؤهل المرء ليصبح إمبراطورًا.
“سنمضي كما خططنا تمامًا.”
“مفهوم.”
في النهاية، هذا الطقس مجرد استعراض.
لا يهم ما إذا كان قد ارتكب خطايا حقيقية أم لا. الغرض الأساسي هو الحصول على غفران رمزي.
“الحاكم سيُثبت طهارة جلالة الإمبراطور.”
جمع الإمبراطور يديه ورفعها نحو كبير الكهنة.
سكب الأخير الحليب في يدي الإمبراطور.
وبالطبع، كان الحليب أبيضًا كما هو دائمًا. إلا إذا حفر الإمبراطور فحمًا قبل الحضور.
“أووووووه!”
لكن الناس هتفوا كما لو حدثت معجزة مذهلة.
رفع كبير الكهنة يديه بفخر.
“لقد أثبت الحاكم طهارة جلالة الإمبراطور.”
“فليحفظنا الحاكم الرحيم.”
استدار الإمبراطور نحو الحضور وشرب الحليب الذي تلقاه بيديه.
وهكذا، أصبح الإمبراطور رجلًا طاهرًا مُصدقًا من الحاكم.
بعده، جاءت الإمبراطورة، واعترفت بندمها على عدم بذل المزيد من أجل سلام الإمبراطورية.
وغفر لها الحاكم وسُكب الحليب الأبيض كعلامة على المغفرة.
ثم حان دور سيريس.
لكن ديارين لم تستطع مرافقة سيريس في هذا الجزء من الطقوس.
“افعل ما بوسعك.”
أرسلت له دعواتها بنظراتها وهي جالسة في مكانها، وقلبها يخفق بشدة.
رغم أن الأمر لم يكن يستدعي، فقد شعرت بالقلق لرؤيته يتقدم وحده.
رفع سيريس رأسه وتقدم بثقة.
حين تقدم نحو كبير الكهنة، بدأ الحاضرون يتهامسون بدهشة.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 142"