حتى داخل العربة المتجهة نحو المعبد الرئيسي، كانت ديارين تهز ساقيها بتوتر وقلق.
“هذا التصرف لا يشبه الكهنة إطلاقاً.”
استمرت سيريس في مواساتها بلطف.
“أوه، هل هذا هو؟”
نظرت ديارين إلى ساقيها المرتجفتين بتعجب وكأنها اكتشفت شيئاً جديداً، لكن قبل أن تفرح بذلك، توقفت ساقاها فجأة.
“آه، لا!”
حاولت أن تهزهما مجدداً قسراً، لكن الشعور بالتوتر الفوضوي الذي كان يملأها منذ لحظات لم يعد كما كان.
“أوهه… هل من الممكن أن ألتقي بكاهن أعرفه هناك؟”
لم تكن تعرف الكثير من الكهنة، لكن لا يمكن التنبؤ بمصادفات القدر.
المهرجان هو حدث كبير تمتلئ فيه جميع المعابد عن آخرها.
حتى الناس الذين لا يهتمون بالمعابد كانوا يأتون إليها في يوم المهرجان. حتى أصغر المعابد كانت مكتظة بالكهنة الذين يعملون بلا توقف لإنجاح الحدث. لذا، لم يكن من الممكن استعارة كهنة من معابد أخرى.
الكهنة الذين تعرفهم ديارين أغلبهم من نفس المعبد. كان هناك بعض الكهنة الذين عملت معهم في ساحات القتال، لكن نصفهم قد مات.
وفي زمن الحرب، لم يكن هناك وقت لرؤية بعضهم البعض حتى، لذا حتى لو تصادف أن التقت بأحدهم، من المحتمل ألا يتعرفا على بعض.
تماماً كما لم تتمكن من ربط سيريس بـ”الكلب المجنون” من الوحدة الثامنة.
“لقد وصلنا.”
شدّت ديارين جسدها عندما رأت باب العربة يُفتح.
الآن بدأ الأمر فعلاً.
وبما أنها ترافق سيريس، رغم كونها سيدة، كان عليها أن تخرج من العربة أولاً.
“وااااه!”
بمجرد أن نزلت من العربة، أصابها دوار من شدة الحشد العظيم الذي ظهر أمام عينيها.
شعرت ديارين بالرهبة.
“أمام هذا العدد الهائل من الناس…”
تحت هذه النظرات الكثيفة، وجدت نفسها واقفة بجانب سيريس.
كان الكهنة قد خرجوا من قبل واصطفوا أمام المعبد، ينتظرون بأيدٍ موضوعة معاً بخشوع.
وعلى الدرج المؤدي إلى مدخل المعبد، وقف كهنة آخرون ينتظرون.
في القصر الإمبراطوري، كانت تشعر وكأنها تؤدي دوراً في مسرحية. كل ما عليها فعله هو التصرف وفق الدور المُعطى لها.
لكن الآن، وسط أجواء المعبد المألوف ونظرات الناس الكثيفة، اجتاحها الإحساس بالواقع دفعة واحدة.
الآن لم تكن الكاهنة ديارين، بل كانت ديارين، ابنة كونت أريانت.
وأدركت أن لقب كونت أريانت لم يكن مجرد دور تمثيلي، بل هو واقع حقيقي.
“هذا واقع.”
هي التي نزلت من عربة الأمير، تتلقى التحية من الكهنة أمام أعين العالم.
هذه ليست شخصية مزيفة، بل هي نفسها الحقيقية.
‘لا داعي للارتباك. لم أعد الكاهنة ديارين التي لا تملك شيئاً.’
بدأت الرجفة التي لم تستطع السيطرة عليها تتوقف.
طالما أن هذا ليس وهماً، بل واقع كونها ابنة أريانت، فلا يوجد سبب للارتباك.
هذه المرة، وقفت ديارين بشموخ ونظرت حولها بكل فخر.
كانت عربتا الأمير الثالث والأمير الثاني قد توقفتا أمام عربة سيريس. وكان كل من شارلوت وسيبيان قد نزلا بالفعل، بينما كان الأمير الثاني ينزل ببطء من عربته. ثم نزل سيريس.
فقفز قلب ديارين مجدداً كما لو كان سمكة خرجت من الماء.
رغم أن سيريس كان يرتدي أبسط الملابس، فإنه بدى ساحر بشكل لا يُقاوم.
“ديارين.”
اقترب سيريس وكأنه لا يرى أحداً سواها، دون أن يُبعد ناظريه.
اقترب كثيراً حتى أن الشمس خلف رأسه أضحت تلمع في عيني ديارين، التي تداركت نفسها بصعوبة.
“أ- أجل.”
اليوم كانت ديارين مرافقة سيريس وشريكته. وضعت يدها على ذراع سيريس الممدودة.
وعندما وقفا جنباً إلى جنب، همس سيريس بصوت خافت في أذنها:
“لا تبتعدي.”
“؟”
“الأصوات مزعجة… أحتاجك بجانبي، ديارين.”
“…آه.”
كان الحشد ضخماً. وعندما تجمعت أصواتهم، أصبحت صراخاتهم مدوّية لدرجة أن الجسد كله يهتز.
رغم أنه أصبح قادر على التحكم في حساسيته، إلا أن شعوره بما حوله لا يزال مضاعفاً مقارنة بالآخرين. لذا، كان يجب على ديارين أن تبقى قريبة منه لتخفف عنه هذا الإزعاج.
“سأبقى بجانبك، أعدك.”
قالتها ديارين بعزم.
حتى لو كانت الآن ديارين ابنة أريانت، فإن وجودها هنا من أجل سيريس لم يتغير.
وبما أن الطقس كان رائعاً، فإن شعرهم الثلاثة بدا وكأنه يلمع بألوان قوس قزح في الوقت نفسه. حتى ديارين، التي اعتادت على رؤية شعر سيريس، شعرت في تلك اللحظة بالرهبة.
ربما كان دماء هؤلاء الأمراء تنحدر من نسل محبوب جداً من الآلهة.
تسللت إلى عقلها هذه الفكرة.
فما بالك بمن لم يرَ العائلة الإمبراطورية من قبل؟ كم ستكون هذه اللحظة بالنسبة لهم معجزة لا تُنسى.
“يحيا لاكليون!”
“تحيا الإمبراطورية الراكليونية!”
بلغت الهتافات ذروتها عند دخول عربة الإمبراطور.
“جلالة الإمبراطور، جلالة الإمبراطورة قادمان!”
وأخيرًا، ظهرت عربة الإمبراطور.
كانت أكبر وأكثر فخامة بكثير من عربات الأمراء الثلاثة، حتى أن الجماهير نسيت الهتاف وتوقفت عن الصراخ لتتأمل في صمت.
هدأ الصوت، لكن لو كان للنظرات صوت، لكانت صاخبة بما يكفي لتمزق الأذان.
ترجّل الإمبراطور من العربة ببطء، وكأنه يتلذذ بتلك النظرات.
كانت الإمبراطورة “فينيليا” ممسكة بذراعه، ترتدي فستانًا أبيضًا فخمًا إلى درجة أن البياض لم يعد يوصف بالبساطة، لكن إلى جانب الإمبراطور، بدا أنها فقدت بريقها. هكذا كانت هيبة ألوان قوس قزح الخاصة بالعائلة الإمبراطورية الراكليونية… ساحقة.
لوّح الإمبراطور بيده تجاه الجماهير مرة واحدة.
“وااااه! جلالة الإمبراطور!”
انفجرت الهتافات مجددًا بعد لحظة الصمت.
ابتسم الإمبراطور برضى، واقترب من أبناءه الأمراء.
“نحن أمام جلالة الإمبراطور.”
ركع الأمراء الثلاثة على ركبة واحدة في نفس اللحظة، مقدمين تحية رسمية بوقار. كذلك، انحنت ديارين انحناءة عميقة، كأنها ستلامس الأرض.
أخذ الإمبراطور يتفحص وجوههم واحدًا تلو الآخر.
الأمير الثالث ارتدى ملابس بسيطة، ربما تخلى عن المنافسة. أما الأمير الثاني، فقد كان كما هو متوقع، متأنقًا بشكل مبالغ فيه.
وأخيرًا، وقف سيريس بجانب الأمير الثاني، مما جعله يبدو أكثر تواضعًا وبساطة.
ارتفع حاجب الإمبراطور قليلاً.
“لا يبدو أن المال ينقصك لِتَظهر بهذا الشكل، أليس كذلك؟”
“بالطبع لا، يا مولاي.”
“فلماذا إذًا تبدو بهذا البؤس؟ كميراث للإمبراطورية، هذا التواضع يبدو مفرطًا.”
“أعددت نفسي بهذه الهيئة تواضعًا أمام الحاكم.”
كان جوابًا مدروسًا تم التحضير له مسبقًا.
قضوا أيامًا يفكرون إن كان هذا الرد سيرضي الإمبراطور أم لا.
كانت ديارين تترقّب ردة فعل الإمبراطور بقلق يشبه قلقها عندما كانت تتحقق من إجابة سؤالها الأخير في امتحان العلوم الدينية.
“تواضعٌ أمام الحاكم، هه…”
ردد الإمبراطور كلمات سيريس ببطء.
“هاهاها! نعم، بما أن نجم هذا اليوم هو الحاكم، فقولك سليم!”
ثم ضحك بصوت عالٍ.
“هل هذه الفكرة من رأسك أنت أيضًا، أيتها الكونتيسة؟”
“فكرنا بها سويًا.”
“إن كان السبب هو ضيق ذات اليد، فبإمكانك أن تشتكي لأبيك وتطلب مصروفًا، هاهاها.”
“أعتذر، جلالتك.”
لقد نالوا الرضا.
“لندخل الآن.”
تقدّم الإمبراطور بخطى واثقة، وكأنه حاكم يسير بين الناس.
شيب رأسه جعله يفتقد قليلاً من بريق ألوان قوس قزح، لكن الأزياء البراقة التي كان يرتديها عوّضت ذلك.
وعلى العكس، فإن ملابس سيريس لم تلفت الانتباه، بل إنّ مظهره الشخصي وحده كان يجذب الأبصار.
تباين واضح بينه وبين الأمير إندين، الذي بدا متألقًا لدرجة أنك لا تدري أين تُوجّه نظرك وسط كل ذلك اللمعان.
“تعال إلى هنا، كيريندياس.”
الإمبراطور، كما هو متوقع، أراد أن يكون هو بطل المشهد.
مع أن المناسبة كانت في الأساس لتكريم إندين، إلا أنه اختار أن يسلّط الضوء على نفسه.
أمسك بيد سيريس وكأنه أب حنون، وصعدا سويًا درجات المعبد.
ديارين، التي اضطرت للسير خلفهم بخطوة، أفلتت يدها التي كانت متشابكة بذراع سيريس.
نظر إليها سيريس فجأة، كمن شعر بشيء.
“لا تقلق، أنا خلفك.”
نظرت إليه وابتسمت بثقة.
لكن سيريس لم يستطع إخفاء القلق في عينيه، وأعاد توجيه نظره إلى الأمام.
لكي تطمئنه أكثر، أمسكت ديارين بطرف عباءته بخفة بحيث لا يُلاحظ أحد، وضخّت فيها قليلًا من قوتها المقدسة.
عندها فقط، رأت كتفيه يهدآن وكأن الثقل قد زال عنه.
شعرت ديارين بالارتياح.
كانت درجات مدخل المعبد عالية جدًا.
قيل إن العلو يرمز إلى القرب من الحاكم، لذلك بُني على أرض مرتفعة، والمبنى نفسه شُيّد بشكل شاهق.
لكن بين الكهنة، كانت هناك نظرية شائعة تقول إن الهدف من ارتفاع الدرجات هو جعلهم يعملون بجهد أكبر ويقوّون سيقانهم!
وصعود الدرج مجددًا بعد فترة طويلة جعل التنفس صعبًا على ديارين.
“معبد القصر الإمبراطوري لا يوجد به درجات! هل هذا يعني أن لا حاكم فيه؟!”
كانت تهمس لنفسها غاضبة.
لكن بعد لحظة، غيّرت رأيها.
“…لهذا هم بارعون في التلاعب، أليس كذلك؟”
لأنهم يعتقدون أن الحاكم لا يراقبهم؟
وبينما تفكر بهذه الأمور، كانت قد وصلت إلى أعلى الدرجات.
امتد ممر طويل يؤدي إلى داخل المبنى، وكان مكتظًا بالناس من كل جانب.
دخل الإمبراطور وسط التصفيق والهتاف.
وبما أن هذا المكان مخصص للحاكم، لم تكن مقاعد العائلة الإمبراطورية في المنتصف، بل على أحد الجوانب.
جلس الإمبراطور في أعلى مجلس، وإلى جواره الإمبراطورة، ثم الأمراء حسب الترتيب. أما باقي المقاعد، فشغلها النبلاء.
جلست ديارين بجانب سيريس، وأخذت تنظر إلى وجوه النبلاء واحدًا تلو الآخر، إلى أن فجأة شعرت بقلبها يسقط في صدرها.
“ذاك الشخص!”
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 141"