كان القادمون يطرقون الباب دون توقف، وغرف الضيافة امتلأت بسرعة كبيرة.
ورغم أن الترتيبات في الجناح لم تكتمل بعد، إلا أن الأمر تطلب التخطيط للتوسعة حتى قبل الانتهاء منها.
حتى أن الخبر وصل إلى أذني إندين.
“بما أن كلبًا مجنونًا دخل القصر، فلا عجب أن الناس يأتون فضوليين لرؤيته.”
توقع أن يملّ الناس سريعًا وينصرفوا. ظنوا أن الأمير الأول عاد كالبطل، لكنه في الحقيقة ليس سوى كلب مسعور.
فحتى إن كانت الدماء التي تجري في عروقهم واحدة، فهذا لا يجعل الجميع نبلاء.
فشخص ترعرع كالكلب في البرية لا يمكنه أن يصبح أميرًا نبيلًا مثله.
“حتى لو تبادلوا النظرات معه بضع مرات، فسيكتشفون كم هو أحمق.”
قد لا تلاحظ العيون الغبية للنبلاء ذلك، لكن إندين كان يراه بوضوح.
كان يلاحظ جهله بالآداب الملكية، واتكاله على ذكريات طفولية، وتعاملاته المتخبطة.
وفوق هذا، لم يكن بارعًا في الكلام، وتعابير وجهه لا تزال صلبة ككلب حراسة.
“سيكتشفون عاجلًا أن الوقوف في صفه سيؤدي إلى الهلاك، وسينسحبون.”
ولن يستغرق ذلك وقتًا طويلًا.
لكن ما يغضبه هو اضطراره لتحمّل رؤيته حتى ذلك الحين.
لو كان الأمير الأول وحده، لكان من السهل طرده بعيدًا عن القصر. لكن تلك المرأة التي تلازمه… هي السبب في كل هذا.
تبدو فتاة ريفية تافهة، لكنّ جرأتها ليست عادية. تعرف كيف تحرّك الآخرين بدهاء، وتمتلك مهارات تخدع بها العيون.
صحيح أن ما تملكه لا يُقارن، فهو لا يُذكر.
بل إن لدى إندين أتباعًا أفضل منها بكثير.
“يجب أن تنسحب تلك المرأة أولًا…”
رغم أن الإمبراطور منحها لقبًا نبيلًا، إلا أن إندين لم يكن قادرًا حتى على نطق اسمها. لم يكن اسمها جديرًا بتذكره، لذلك اكتفى بمناداتها بـ”تلك الحقيرة”.
لم تكن تستحق الذكر، لكن السبب الوحيد الذي منع تجاهلها هو ولاؤها المطلق.
فحين يُظهر أحدهم ولاءً أعمى لشخص ما، فإن مكانة ذلك الشخص ترتفع تلقائيًا.
ويبدأ الناس بالتساؤل: “ما الذي يجعلها تُظهر هذا الولاء؟” وتُخلق توقعات.
وحين تتكوّن قاعدة داعمة على هذا الأساس، فإن ذلك الشخص يصبح فعليًا “شيئًا حقيقيًا”.
ولذا، كان على إندين أن يكتشف ما هو “الثمن” الذي يقف خلف ولاء ديارين قبل أن يكبر نفوذها أكثر.
“تقول إنه من أجل المال، لكنها لا تبدو مهتمة به فعليًا؟”
كانت محاولة جس النبض عبر أريان فشلًا ذريعًا.
من الواضح أن هناك شيئًا يتجاوز المال.
“هل تأكدتم أنهم لم يناموا معًا؟”
“الخادمات، وغرفة الغسيل، الجميع أكدوا عدم وجود أي أثر لذلك إطلاقًا… حتى الآن لم يظهر شيء.”
أجاب الجاسوس الذي كان يقف عند الحائط بصوت بارد خالٍ من المشاعر.
“هاه…”
مزّق إندين شعره بيده من شدة الغيظ.
لو اختفت تلك المرأة فقط، لكان التخلص من الأمير الأول — ذاك الأحمق عديم الحلفاء — مسألة وقت فقط.
“ما حقيقتها بالضبط؟ أما زلتم لم تعرفوها؟”
“…نعتذر. بسبب كثرة الأسماء، يستغرق الأمر وقتًا طويلًا.”
فالحرب استمرت لأكثر من عشر سنوات.
وكان عدد الجنود والموظفين في الخطوط الخلفية كبيرًا للغاية.
وبأمر من إندين، بدأ رجاله بنبش جميع السجلات العسكرية للعثور على “ديارين” الحقيقية.
كان عليهم العثور على جميع النساء باسم “ديارين”، ومن ثم التحقق من ملفاتهن، ومطابقة المعلومات مع الخلفية والمكان الأصلي، وإرسال محققين للتحقق إن كانت إحداهن هي “تلك المرأة”.
كان عملًا يستنزف وقتًا وجهدًا هائلين.
“أريد معرفة الحقيقة بسرعة! بسرعة!!”
“…نقوم بكل ما بوسعنا.”
“وروبن؟”
كان هناك شخص آخر يطارده إندين أيضًا.
روبن. ذلك الخائن.
كان يتلاعب بخفة كبهلوان.
في ساحة المعركة، كان يلتصق بإندين، ثم خالف أمره بتصفية الفرقة الثامنة، وتعاون بدلًا من ذلك مع الأمير الثالث.
وبعد ذلك عاد ليتقرب من إندين مجددًا، حتى ظن البعض أنه يدعمه فعلًا… لكنه اختفى فجأة دون أثر.
“…نبحث عنه.”
“إلى متى ستظلون تبحثون فقط؟!”
“…نبذل أقصى ما لدينا.”
“ذلك الـ‘أقصى ما لدينا’!”
كانت مسؤولية التعامل مع الفرقة الثامنة تقع على عاتق روبن.
وكان هو الوحيد الذي يعرف بالتفصيل الأشخاص المعنيين.
وحين لم يكن من الواضح إن كانت ديارين صديقة تقربت منه خلال الحرب، أم عنصرًا تم انتقاؤه بشكل استراتيجي، كانت شهادة روبن ضرورية.
“لا أريد وعودًا! اجلبوه إليّ فورًا!”
“…سنفعل ذلك قريبًا.”
“دائمًا تقولون: قريبًا! لا فائدة منكم جميعًا!”
صرخ إندين بغضب، ثم رمى الكأس الذي كان قد رفعه للشرب.
تحطم!
بدل أن يعود الكأس إلى الطاولة، اصطدم بالحائط وتحطم إلى شظايا.
ظهر الخادم الذي كان ينتظر بصمت في زاوية الغرفة وجمع الحطام بهدوء.
كان وجوده شيئًا لا يلاحظه عادة، لكنه هذا اليوم، بدا مزعجًا بشكل خاص في نظر إندين.
“أنت…”
“نـ-نعم؟ جلالتك؟”
تفاجأ الخادم بشدة من نداء إندين، الذي لم يناده قط من قبل، واعتدل واقفًا بسرعة.
قطّب إندين حاجبيه وراح يتفحص الخادم من رأسه حتى قدميه.
كان مجرد خادم عادي.
لكن حتى تلك العادية كانت تُثير أعصاب إندين في هذه اللحظة.
“…شعرك بني. لا يعجبني.”
“عفوا؟ ماذا؟”
سقطت الصاعقة على الخادم فقط لأنه يملك شعرًا بنيًا مثل روبن.
“أمثالك هم من يطعنونني في ظهري! أليس كذلك؟! بما أنك تملك شعرًا بنيًا!”
“آه! لا! ليس كذلك يا مولاي! أقسم!”
أنكر الخادم بلهفة وهو يرتجف، لكن إندين كان قد نهض بالفعل وركله بكل قوته.
“آه! أرجوك، أنقذني!”
تعالت صرخات الخادم المتألمة في الغرفة.
كان الجاسوس يراقب الموقف بصمت.
لقد اعتاد على هذا النوع من المشاهد.
لو أن إندين كان قد ضرب روبن هكذا، ربما لما تمكن من الهرب.
✦✦✦
“آه! توقف عن ضربي!”
وفي مكان آخر، كان روبن يتلقى الضرب… من شخص آخر.
“لم أضربك.”
“لقد ضربتني! هذا ضرب!”
“كان هناك حشرة سامة على ظهرك، فأزلتها لك.”
لوّح هالت بذيل الحشرة المسحوقة.
كاد روبن يُغمى عليه من الرعب عندما رآها.
“إن فقدت وعيك، فسأضربك بحق حتى تصحو!”
“لا، لا! لن أفعل!”
تمسّك روبن بما تبقّى له من وعي.
لقد مرّ أسبوع منذ فرّ من العاصمة. لكنه لم يعتد بعد على الحشرات.
بعد خيانته لإندين، لم يعد يستطيع العودة إلى إقطاعيته. ولتفادي الأنظار، لم يكن أمامه سوى الهروب إلى البراري.
أخذ معه هالت، وساعد كذلك في تهريب باقي أفراد الكتيبة الثامنة.
“آآآااه!”
“آآآااه!”
بفضل ديارين، أصبح هالت الآن يشبه الإنسان السوي تقريبًا.
أما بقية أعضاء الكتيبة الثامنة، فبعد أن أُطلق سراحهم في مكان فسيح وهادئ، بدأوا يستعيدون استقرارهم تدريجيًا. وبالطبع، كان الصراخ بهذا المستوى يُعدّ صراخًا “سلميًا” بالنسبة لهم.
ومع توجيه طاقاتهم نحو الصيد، أصبح الطعام متوفرًا بشكل غير متوقع.
“يبدو أن عشاء اليوم سيكون الأرنب…”
حدّق روبن إلى الأفق، حيث كان أحد أفراد الكتيبة الثامنة يقوم بتقطيع أرنب بيديه العاريتين، وتوقع ما سيكون على المائدة الليلة.
“الأرنب جيد.”
أجاب هالت وهو يزيل الغدد السامة من الحشرة ويقضمها بهدوء.
ارتسمت على وجه روبن تعابير الاشمئزاز للحظة، لكنه سرعان ما استعاد هدوءه.
لقد أصبح معتادًا على الحياة مع هؤلاء “الكلاب المجانين”، ولم يعد شيء يُدهشه.
“لكن الأرنب له رائحة زفرة…”
“هناك غزال هناك.”
“الغزال أيضًا له رائحة زفرة…”
“خنزير بري؟”
“أوه.”
هذا جيد.
أبدى هالت اهتمامًا فوريًا.
نقر لسانه بضيق ثم التقط حجرًا من الأرض.
رغم أنها برية، إلا أن وجود بعض الغابات جعل العثور على الحيوانات أمرًا سهلًا.
ولضمان السلامة بينهم، كانوا قد جمعوا الأسلحة وربطوها، لذلك لم يكن مسموحًا باستخدام أي شيء سوى الأيادي العارية، أو الأحجار، أو الأغصان.
ومع ذلك، كان أفراد الكتيبة الثامنة قادرين تمامًا على الصيد بهذه الأدوات.
نظر هالت إلى البعيد فرأى خنزيرًا بريًا، ثم رمى الحجر من مكانه.
شششخ!
صدر صوت حاد كالذي يُحدثه صقر ينقض، تلاه صوت انفجار مكتوم من داخل الغابة.
“أمسكته.”
أشار هالت بذقنه نحو الغابة.
رمش روبن وهو ينظر إليه.
“…؟”
وما شأني أنا؟
“أمسكته، لذا أحضره.”
“أنا…؟”
“ومن غيرك؟”
“أنا لا أجيد هذا النوع من الأشياء…”
رغم أنه كان في ساحة المعركة، إلا أن روبن كان مستشارًا. لم يتخيل يومًا أن يحمل صيدًا بيديه.
“كيف يمكنني فعل هذا؟”
“افعل.”
“لا أستطيع.”
في البداية، كانت العلاقة بينه وبين أفراد الكتيبة كالعلاقة بين المسؤول والحيوانات، لكنه الآن أصبح مثلهم… هاربًا.
وبعد أن أكلوا وناموا وتغوّطوا سويًا في البرية، بدأت الفوارق بينهم تتلاشى.
راح روبن يتساءل مجددًا، هل هذه الحياة التي يريدها فعلًا؟ أكان من الأفضل البقاء مع الأمير الثاني…؟
“لا، لا. ذاك الطريق كان خاطئًا تمامًا.”
كان الأمير الثاني مليئًا بالثغرات والمآخذ.
على العكس، كان الأمير الأول، سيريس، يمتلك الكثير بالفعل، ومع ذلك لا يزال يخفي الكثير من الأمور غير المعروفة. تلك الاحتمالات اللامحدودة بدت أكثر إغراءً.
الأمير الثاني كان شمسًا آيلةً للغروب.
حتى من ناحية الشخصية، كان سيريس أفضل بكثير… ربما؟ لا، يجب أن أفكر في هذه النقطة مجددًا.
هزّ روبن رأسه وهو يستعيد ذكريات صراعه مع ديارين.
لكنّه كان متأكدًا من أن الأمير الأول سيرتفع شأنه ذات يوم.
“يومًا ما!”
لم يشكّ روبن في صحة خياره أبدًا.
والآخرون كانوا مثله تمامًا.
“لابد أن يكون لدى الأمير الأول شيءٌ مميز… وإلا لما دعمه جلالة الإمبراطور هكذا.”
ذلك النوع من التفكير جعل جناح الأمير الأول يعج بالناس أكثر فأكثر.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 138"