أصيبت فينيليا بذهول شديد، لدرجة أنها شردت من فرط الاستغراب.
لم يسبق لها، طوال حياتها، أن واجهت إنسانًا يتصرف معها بهذه الجرأة.
حتى بدأت تشك: هل ما يحدث الآن حقيقي فعلًا؟
فينيليا لم تكن من النوع الذي يتدخل في الأمور علنًا بسهولة. مهما كانت الخدع التي تمارسها في الخفاء، كانت تُظهر وجهًا مطيعًا وهادئًا أمام العلن. فذلك كان ذوق الإمبراطور.
أسرة دوق “جويرن”، التي تنتمي إليها فينيليا، تُعد من أكثر الأسر نفوذًا في “لاكلِيون”،
لكن لا يهم مدى قوة العائلة، فهي تظل تحت سلطة الإمبراطور. ولذا، مهما كانت أعمالها الشنيعة في الخفاء، كان لا بد لها من التظاهر بالبراءة أمامه.
‘لكن، ما قصة هذه الفتاة؟’
لم ترَ امرأة تتصرف بهذا التهور أمام الإمبراطور من قبل.
أي شخص لا يرغب في الطرد من القصر الإمبراطوري، لا يمكنه التصرف على هذا النحو.
لكن ديارين فعلت ذلك.
وما هو أغرب من ذلك، أن الإمبراطور لم يغضب، بل كان يبتسم ساخرًا وكأن الأمر يُعجبه.
‘لا يمكن أن يكون قد غيّر شخصيته فجأة…’
الإمبراطور كان دائمًا إنسانًا يحسب كل خطوة. حتى النساء، لم يكن يُبقي أيًّا منهن إلى جواره بسهولة.
حين جاءت الإمبراطورة السابقة “أوليفيا”، جعل من فينيليا عشيقته عمدًا،
من أجل إضعاف نفوذ آل “سورفين” داخل القصر الإمبراطوري.
إذًا، فإن تركه ديارين تتصرف بهذا الشكل أمامه، لا بد أنه مقصود، وتحت حساباته.
‘هل عاد ليُراهن على الأمير الأول مجددًا؟’
كانت تعتقد أنه إذا جعلت “إندين” الأمير الثاني يبدو الأمير المثالي، فلن يستطيع الإمبراطور رفض تتويجه وليًا للعهد.
لكن ما حدث هو أن الأمير الأول عاد في اللحظة الحاسمة. بل وأحضر معه هذه التافهة لتكون قريبة منه.
كان من الجنون أن يبدو الإمبراطور وكأنه يستمتع بهذه الفوضى السياسية.
والأكثر جنونًا هو أن ديارين نفسها لم يكن من السهل التنبؤ بتصرفاتها، تمامًا مثل الإمبراطور.
‘من أين جاء بها الأمير الأول؟ كيف أصبحا صديقين؟ ما الذي عايشته هذه الفتاة؟’
“الآن وقد استعاد الأمير مكانته، فبالتأكيد سيبدأ المال بالتدفق عليه من جديد،
لكن… لا شيء يُقارن بمصروف الجيب الذي يحصل عليه من والديه، أليس كذلك؟
أنا لم أشعر يومًا بعطف الوالدين، لكنني أردت أن يشعر سيريس بشيء من ذلك الدفء، ولو مرة.”
ديارين لم تكتفِ بجملة واحدة.
من يتوقف عند الجملة الأولى يُعد مجرد هاوٍ. لكن من يريد أن يُصنّف كمجنون حقيقي، عليه أن يستمر بالكلام حتى يُسحب خارجًا.
وكانت ديارين قد تجاوزت نقطة اللاعودة منذ زمن، وباتت تتحدث بلا قيود وكأن عقلها قد خرج من رأسها.
“هدية دافئة من قلب أم. بالطبع، لو قدمتِ شيئًا لسيريس أيضًا فهذا أمر جميل كصديق،
لكنني سأكون ممتنة أكثر لو حصلت على هديتي أولًا، هههي.”
حتى لو كانت مقرّبة من الإمبراطور، فإن الناس من حولها يملكون عيونًا وآذانًا.
لو كان ما يُقال بينهما كلامًا خاصًا، لكان الإمبراطور قد طرد الجميع من الغرفة،
لكن بما أن هناك طرفًا خارجيًّا حاضرًا، فكل ما يُقال هنا له أثر علني.
الآن، بعد أن وصفت الإمبراطورة ديارين بـ”العائلة”، هل ستكون على قدر الكلمة؟
هل سترضخ لابتزاز هذه “الصديقة الوقحة”؟ أم أنها ستتجاهل الأمير العائد وتتصرّف ببخل ظاهر؟
في كل الأحوال، فينيليا لن تخرج سالمة.
“هل تجرئين على تهديد الإمبراطورة؟!”
لم يتمالك إندين نفسه وتدخل.
لكن ديارين لم ترتبك هذه المرة.
كانت تعلم أن الإمبراطور يرغب في خلق صراع بين الجانبين، فلم يكن لديها ما تخشاه.
“تهديد؟! يا للسماء، إنها دعابة! أم صديقي المقرب لا تستطيع تحمل دعابة خفيفة؟ أليس كذلك، يا جلالة الإمبراطورة؟”
قالت ديارين ذلك وهي ترسم ابتسامة واسعة، عينها تتلألأ بمكر ظاهر.
‘إنها مجنونة تمامًا!’
شعر كل الحاضرين بقشعريرة من جنونها.
المتظاهر بالجنون يمكن تجاهله. لكن المجنون الحقيقي لا أحد يعلم متى وأين سيعضّك. ودياريـن كانت كذلك تمامًا.
لقد أصبحت بارعة في تقليد الجنون الذي عاشته بجانب “الكلب المجنون” الذي رافقته.
ولم تشأ أن تتعمق في ما إذا كانت هي من الأصل مجنونة أيضًا.
في النهاية، كانت ديارين هي بطلة الجنون في هذا المشهد.
“إندين.”
استعادت فينيليا هدوءها بصعوبة.
لا يمكنها أن تفقد أعصابها مثل إندين.
“لقد ذكرتني، بعد زمن طويل، أن الإخلاص قد يتجاوز في بعض الأحيان قدسية العرش نفسه.”
قالت ذلك بابتسامة، لكنها كانت تحذيرًا صريحًا.
قد تكون تفاجأت مؤقتًا، لكنها لم تكن من النوع الذي يُؤخذ بسهولة بكلام ديارين.
‘توقفي عن التمادي أمام أفراد العائلة الإمبراطورية’
هكذا كان مضمون رسالتها.
بدأت ديارين تفكر:
هل من المناسب أن أتابع استفزازي الآن؟
أم أن الوقت قد حان للتوقف؟
فينيليا لم تكن ضعيفة أبدًا. كانت وكأنها مجموعة من عشرة كهنة كبار اجتمعوا في جسدٍ واحد.
“لم أنتبه إلى أن الأمير الأول في وضع مالي سيئ لدرجة أنه لا يستطيع رعاية تابعة له بنفسه. ذلك خطأي أنا، وسأتدارك الأمر سريعًا.”
كانت كلماتها ناعمة، لكنها كلها إهانات.
فقد قالت أمام الجميع أن الأمير الأول يواجه صعوبات مالية. ثم نسبت هذا “الخطأ” لنفسها، وكأن الأمير لا يزال تحت جناحها.
‘آه، يا إلهي…’
تنهدت ديارين في سرها، فردّ فينيليا لم يكن سهلًا كما توقعت.
لقد اتضح الآن أنها لن تموت ميتة سهلة. ولا حتى الآلهة يمكنها إنقاذها بعد الآن.
فالناس الذين لا يُهزمون، ليسوا الأقوياء أو الأذكياء، بل أولئك الذين لا يملكون ما يخسرونه.
“هههي. أنا سأكون ممتنة فقط لو امتلأت جيوبي. لا يهم من يعطيني، طالما أعطى!”
قالت ديارين ذلك وهي تضحك ببلاهة، موضحة أنها ستقبل أي شيء يُمنح لها من الإمبراطورة.
‘أحقًا ستأخذ ما يُعطى لها؟’
أصيبت فينيليا بالذهول مجددًا، ثم التفتت نحو سيريس.
‘هل سمعت؟ لقد قالت إنك مفلس، سيريس!’
لكن سيريس، أيضًا، لم يتزعزع.
فقد اعتاد الإهانة حتى أصبحت بلا طعم. كان يدرك أن امتصاص ثروات الإمبراطورة بالقانون، أفضل ألف مرة من الشعور بالإهانة.
“أنا ممتن جدًا، وأرجو أن تعتني بنا.”
“…”
لم يكن هناك مفر… كانوا على وشك أن يُجردوا من كل شيء.
كادت فينيليا، وقد فقدت أعصابها، أن تنهض من مكانها من شدة الغضب، لكنها تماسكت.
لم يكن الأمر ليخفى عن العيون التي تراقبها.
“هذا ما كان ينبغي عليّ فعله كأم. أشكركم لإعلامي بذلك.”
قالت فينيليا بنبرة هادئة وهي ترتشف من الشاي دون إصدار أي صوت.
رغم أن الكلمات بدت لطيفة،زإلا أن الأجواء أصبحت باردة وهادئة بشكل مخيف.
ثم انطلق الإمبراطور ضاحكًا بصوت عالٍ.
“من الجميل أن أرى حوارًا عائليًا دافئًا كهذا بعد وقت طويل.”
‘نعم، لا شيء يسعدك أكثر من رؤية الناس يتشاجرون، أليس كذلك؟’
لكن ديارين لم تجرؤ على قول ذلك. واكتفت بالضغط على شفتيها دون أن تنطق بكلمة.
“لقد أسعدني لقاء ابني مجددًا، لكن يبدو أنني نسيت أمرًا كان عليّ فعله فورًا… لحسن الحظ، لقد تذكرت الآن.”
عينا الإمبراطور لمعتا بنظرة مريبة.
“لابد أن يستعيد الأمير الأول كل ما كان يملكه سابقًا، أليس كذلك؟ أيها المشرف المالي!”
“نعم، جلالة الإمبراطور.”
تقدم أحد الحاشية، الذي كان واقفًا بجوار الإمبراطور طوال وقت الإفطار، وانحنى باحترام.
“قل لي، ما الذي كان يملكه الأمير الأول في السابق؟”
“نعم، جلالتك. كان يمتلك قصر الأمير الأول، ومقاطعة آلينت، وأراضي روبوا، ومنطقة سترولت، ومن بين المباني في العاصمة، كان يملك قاعة فاميلين، وقاعة رالتانتي، وشارع ريآل، كما كان تابعًا له خمس ورش نسيج، وخمس عشرة ورشة تطريز، وثماني مزارع نحل، إضافة إلى خمسٍ وثمانين منشأة أخرى، كلها كانت تحت اسم سموّ الأمير الأول.”
فتحت ديارين فمها في ذهول.
كانت تظن أن لقب “أمير” لا يعني سوى مكانة شرفية وموقع سياسي. لم تكن تدري أن هذا اللقب يأتي معه كل هذا الكم من الممتلكات الضخمة. كان حجمها مهولًا، لا يمكنها حتى تخيّله.
“حسنًا، وما هو وضع هذه الممتلكات الآن؟”
“جزء منها أصبح ضمن أملاك العائلة المالكة، وجزء آخر وُهِب لبعض النبلاء، أما الباقي، فقد تم توزيعه على جلالة الإمبراطورة، وسمو الأمير الثاني، وسمو الأمير الثالث.”
“أها، هكذا إذن. من الطبيعي أنه لا يمكن ترك تلك الأملاك بلا مالك إلى الأبد، ولذا كان لا بد من تصرفٍ كهذا.”
ففي النهاية، لا يمكن إبقاء أملاك الأمير معلقة باسمه إلى ما لا نهاية، خاصة حين لم يكن معروفًا إن كان حيًا أم ميتًا.
لكن الآن، الأمير الأول قد عاد حيًا يُرزق. فكيف سيتم التعامل مع هذا الوضع؟
بدت علامات التوتر واضحة. وكانت النظرات الصامتة تتبادل بين الحضور.
ما هي نوايا الإمبراطور الحقيقية من إثارة هذا الموضوع الآن؟
وماذا سيحدث للممتلكات التي وُزعت عليهم؟
لم تكن الثروات كبيرة لدرجة تمنع إعادة ما أخذوه، إذ أن كل واحد منهم يملك أضعافها.
لكن، في ذات الوقت، لم تكن قليلة بحيث يمكن التفريط بها بسهولة.
وتلك الحيرة والتردد، كانت بالضبط ما أراده الإمبراطور أن يراه.
“نعم، إنها معضلة محرجة فعلًا…”
أخذ الإمبراطور وقته، وكأنه متردد بالفعل.
الجميع ركز أنظاره عليه، مترقبين ما سيفعله.
كان واضحًا أنه يعرف ما يريد قوله، لكنه يتعمّد المماطلة، ليزيد التوتر.
“همم… ما رأيكم بهذا؟ نحلّ الأمر كما كنا نفعل في الصغر، من خلال رهان بسيط.”
“رهان… يا جلالة الإمبراطور؟”
سأل إندين بصوت منخفض، وقد بدا أنه فهم شيئًا.
ديارين استدارت فورًا نحو سيريس.
وكانت ملامح سيريس أيضًا قد تجمدت.
الإمبراطور قال كلماته وكأنها تسلية خفيفة،
لكن الجميع علم أن هذا “الرهان” لن يكون بسيطًا على الإطلاق.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 133"