جلس الاثنان في أبعد مكان عن الآخرين، لكن لم تبدُ عليهما أي علامة تذمّر. بدا أن الأمور قد توضحت، وأن الترتيبات قد استقرت إلى حد ما.
راح الإمبراطور يحدّق في شارلوت وديارين نظرةً حادة.
لقد حان وقت إصدار الحكم.
“حسنًا، لا بأس أن ترافقه واحدة على الأقل.”
كان يعني بذلك أنه، رغم أن شارلوت لا تحمل أي منصب رسمي، فإن بإمكانها مرافقة الأمير الثالث في جميع المناسبات. وكان هذا أيضًا إقرارًا بمرافقة ديارين.
زفرت ديارين تنهيدة خفيفة وأرخت كتفيها. لم تكن تتوقع أن يكون الإمبراطور هو من يبادر بالتنازل.
“هل قلت إنها منقذتك؟”
“نعم، لقد أنقذتني عدة مرات.”
“هممم…”
كل مرة يطلق فيها الإمبراطور هذا الـ”هممم”، كانت ديارين تشعر وكأن قلبها ينشطر.
كان لذلك التأثير ذاته عندما كان رئيس الكهنة ينظر إليها بابتسامة طيبة مخيفة.
كأن شيئًا حسنًا يُخفي وراءه شرًا مريعًا.
“وهل تم مكافأتها كما يليق بمن حمى حياة شخص من العائلة الإمبراطورية؟”
“لم يكن لدي شيء أقدمه بعد، فلم أفعل شيئًا حتى الآن.”
“إذا كان الابن لا يملك شيئًا، فعلى الأب أن يتصرّف بدلاً عنه. دعني أرى… هل هي من النبلاء؟”
كان والدها بارونًا بالاسم فقط، بلا أراضٍ ولا نفوذ.
بل وحتى هذا اللقب سينقرض بانتهاء جيله.
هل سيكون كشف هذا في العلن مفيدًا بأي شكل؟
كان عائلةً بلا نفع، بل قد تضرّها أكثر.
هزّت ديارين رأسها.
“كلا، لا لقب لدي، ولا عائلة، ولا أي شيء.”
“هكذا إذًا… ورغم ذلك، نشأتِ وحيدةً وتدبرتِ أمورك. عندما يكون المرء ذكيًا، يجد لنفسه طريقًا مهما كان.”
أن تسمع هذا الإطراء من إمبراطور لم يعترف بوجودها أصلاً بالأمس فقط، كان غريبًا.
فاكتفت ديارين بإحناء رأسها بعمق تعبيرًا عن شكرها.
“العائلة الإمبراطورية لا تمنح مكافآت تافهة. وإن كنتِ ستعملين بجانب ابني من الآن فصاعدًا، فلا بد من مكانة تليق بك. أمنحك أرض أريانتي ولقب الفيكونت.”
“!”
كانت مكافأة مبالغًا فيها، تفوق كل التوقعات.
اتسعت عينا ديارين في صدمة، ورفعت رأسها بسرعة. تقابلت نظراتها مع الإمبراطور، الذي كان يبتسم.
وإلى جانبه، كان إندين يبتسم هو الآخر ويبارك.
شعرت بقشعريرة تسري في جسدها، كأن برد الشتاء اجتاحها فجأة.
‘هذه ليست مكافأة.’
أن يمنحها الإمبراطور هذا اللقب وهذه الأراضي، ليضعها بجانب سيريس؟
لم يكن مجرد دعم لسيريس، بل أكثر من ذلك بكثير.
نقطة ضعف سيريس.
في تلك اللحظة القصيرة، أدرك الإمبراطور أن ديارين قد تكون نقطة ضعف سيريس.
ولم يفت هذا على إندين أيضًا.
كانت “مكافأة”، لكنها في الوقت ذاته، كانت طوقًا حول الرقبة.
طوق لُفّ حول عنق سيريس، كما لُفّ حول عنق إندين من قبل.
أراد الإمبراطور أن تظل كلابه المقاتلة، دوماً، تنبح وتعض بعضها بأمره.
“…أشكركم، جلالة الإمبراطور.”
لكن في تلك اللحظة، لم يُسمح لها بقول أكثر من ذلك.
رفعت ديارين رأسها بابتسامة مشرقة كما كانت تفعل دائمًا في المعبد.
كان صباحًا مشرقًا، يبتسم فيه الجميع… ببشاشة مُخيفة.
“حسنًا، فلنبدأ الطعام جميعًا.”
قال الإمبراطور ذلك وكأن سيبيان لم يكن حاضرًا أصلًا، وبدأ يتناول طعامه.
لأنه صباح، كان الطعام خفيفًا: عصائر، خبز، وفاكهة.
لم تكن وليمة لحوم، بل كان كل فرد يأخذ حصته على طبقه ويأكل.
ورغم ذلك، حاولت ديارين ـ بصفتها المقربة من سيريس ـ أن تجهز له طبقه.
لكن سيريس كان أسرع منها.
“ديارين.”
تصرف سيريس كعادته تمامًا.
عندما يتناولان الطعام سويًا، كان سيريس دائمًا يتذوق أولًا، ثم يعطيها.
وكانت ديارين تتلقى الطعام منه من دون تردد، لأنها تعودت على أنه يتذوق للتأكد من عدم وجود سمّ.
لكنها لم تتوقع أن يفعل ذلك أمام الإمبراطور أيضًا.
في مناسبة كهذه، من غير المعقول أن يحاول أحد تسميم الطعام.
لكن سيريس لم يهتم بذلك، واستمر في اختيار ما ستأكله.
“آه، ن-نعم…”
ردّت ديارين بتلعثم وبدأت تأخذ حصتها. لكن كل حركة من حركاتها كانت محط أنظار الجميع.
لم يعلّق أحد على تصرف سيريس، لكن النظرات الموجهة إليهما كانت كافية لتُظهر أن هذا التصرف غير طبيعي.
كانت تأكل كأن لسانها قد نبت عليه ألف شوكة، بسبب نظرات الناس الحادة الموجهة نحوها.
وكان سيريس يحرص ألا يترك طبقها فارغًا، فيضيف لها الطعام مباشرة، بعد أن يتذوق منه أولًا.
رغم أنها كانت مجرد خطوة احترازية من سيريس لاختبار السم، إلا أن الناس لم يروها كذلك.
لم يكن لديهم الكثير من المناسبات العامة ليتناولوا فيها الطعام معًا، ولم تكن ديارين تنتبه أن مثل هذا التصرف قد يلفت الأنظار بشدة.
“سيريس، يكفي هذا…”
حاولت ديارين إيقافه،زلكن في تلك اللحظة خطرت لها فكرة جديدة.
ماذا لو بدلًا من أن تظهر ضعيفة ومرتبكة، تجعل نفسها تبدو كشخص خطر، من الأفضل ألّا يقترب منه أحد؟
فهي لن تستطيع أن تعيش كأنها غير مرئية بعد الآن.
الإمبراطور أكد رسميًا أنها الأقرب لسيريس، بل وأعطاها لقبًا خصيصًا، كمن يقدمها لتكون درعًا يتلقى السهام بدلًا عنه.
‘مَن يموت مرة، لن يخاف الموت ثانية!’
إذا أصاب سيريس مكروه، فهي ستموت معه على أي حال.
دورها لم يكن أن تختبئ خلفه لتنال الحماية، بل أن تنتف ريشها وتقف أمامه، تحميه.
“ممم، لذيذ!”
ارتفع صوت ديارين فجأة بعد أن غيّرت رأيها.
ورغم أن كل الأنظار تجمّعت نحوها في لحظة، إلا أنها تابعت وكأن شيئًا لم يكن، تمضغ الطعام ببساطة وهي تبتسم بسذاجة.
لم يكن للطعام طعم، لكنها حرّكت فكها بحماس وكأنها تتناول أشهى أطعمة الدنيا.
“هل لأنني أتناول الطعام مع جلالة الإمبراطور؟ أشعر وكأن هذا ألذ طعام تذوقته في القصر الإمبراطوري!
سيريس، هل كنت تعيش على هذا المستوى يوميًا؟”
“لم أكن آكله من قبل.”
“ماذا؟ ولماذا؟ ألم تكن أميرًا؟”
“فرص تناول الطعام مع جلالة الإمبراطور لم تكن كثيرة.”
كان سيريس قد بدأ يدرك ما الذي تفعله ديارين. فبسرعة التقط مجرى الحديث وأجاب بالطريقة التي أرادتها هي تمامًا.
“حقًا؟ أتمنى أن تزيد تلك الفرص من الآن فصاعدًا.”
رغم أن ديارين لم تجرؤ على مخاطبة الإمبراطور مباشرة، إلا أن من حقها أن تتحدث بصوت مرتفع بما يكفي ليصل إلى أذنه.
هذا أيضًا كان مجازفة. لكن ديارين التي تخلّت عن الحذر منذ زمن، والتي أصبح قلبها على الأرض يُجرّ، لم تتردد.
“نعم، سيكون من الجيد أن نُقيم مثل هذه الاجتماعات العائلية الدافئة من حين لآخر.”
ردّ الإمبراطور على كلماتها الواضحة والمكشوفة بابتسامة.
الخطوة كانت محسوبة بدقة.
سيريس اختير ليكون الخصم المضاد للأمير الثاني. ولأنه لا يزال في بداياته وضعيفًا نسبيًا، فسيستمر دعم الإمبراطور له لبعض الوقت.
“بالفعل يا جلالة الإمبراطور. أنا أيضًا أشعر بالسعادة لرؤية العائلة كلها مجتمعة.”
في تلك اللحظة، تحدثت الإمبراطورة فينيليا لأول مرة.
طوال حفلة الأمس وفطور اليوم، لم تكن سوى حضورٍ خافت بالكاد يُلاحظ، لكنها الآن فتحت فمها لأول مرة.
فينيلّيا كانت ابنة دوق شهير من أسرة “جويرن”، إحدى العائلات النبيلة التي يعرفها حتى العامة.
امرأة ذات نفوذ لا يُستهان به، والآن، ها هي تتحدث بكلمات مجاملة بلا قلب.
كان واضحًا أن لا أحد، حتى الإمبراطورة، يمكنه الوقوف في وجه سلطة الإمبراطور.
فالمعادلة واضحة: القوة العليا للإمبراطور لا تُكسر.
‘وهذا يعني أن حتى الإمبراطورة لن تجرؤ على مواجهتنا لفترة من الزمن؟’
تلك المرأة هي من قتلت أوليفيا، الإمبراطورة السابقة ووالدة سيريس،
وهي التي دفعت بابنها إلى تلك المأساة.
حتى لو كان الأمير الثاني خبيث الطبع، إلا أنه كان لا يزال صغير السن. لا شك أن فينيليا كانت العقل المدبر.
امرأتان تستخفان بحياة البشر، لكن طالما أن الإمبراطور قرر أن يحمي سيريس مؤقتًا، فلن تجرؤ أيٌّ منهما على التهور حاليًا.
ديارين لم تكن لتفرّط في هذه الفرصة.
“أوه، يبدو أنني تسللت إلى اجتماع عائلي دون دعوة. أعذروني على قلة الذوق. لكن، أتعلمون، ما نمر به في ساحة المعركة أعمق من أي علاقة، بل وقد يجعلنا أقرب من العائلة نفسها. فسامحوني مرة واحدة فقط.”
نظرت الإمبراطورة فينيليا إلى ديارين.
“من الرائع أن يكون لدى أميرنا كيرندياريس صديق وفيّ بجانبه. فالصديق الذي يسد فراغ العائلة يجعل قلبي كأم مطمئنًا، بل ويستحق الشكر.”
رغم أن كلماتها كانت دافئة، إلا أن عينيها كانت تقول العكس.
كان الإمبراطور يراقب هذه المشاهد ويضحك باستهزاء خافت.
الجميع يبتسم ابتسامة مزيفة، وكأنهم عائلة سعيدة، بينما في الحقيقة، كلٌّ منهم يتمنى قتل الآخر، ولكن لا أحد يجرؤ ما دام الإمبراطور يشاهد.
ابتسمت ديارين بدورها، ولم تكن لتتراجع.
“أوه، عندما تقولين ذلك، أشعر بالخجل والامتنان في آنٍ معًا. لكن، بما أنكِ تشكرينني… هل يمكنني أن أتوقع هدية؟”
“هديـ…ـة؟”
تجمّد وجه فينيليا قليلاً من المفاجأة.
الإمبراطورة قالت كلمات شكر، وغالبًا هذا بحد ذاته كافٍ ليبكي المرء امتنانًا ويعتبره تكريمًا.
لكن ديارين لم تتوقف هناك.
“نعم، فالمشاعر يُعبّر عنها بالأفعال، أليس كذلك؟”
حتى أنها غمزت بعفوية كما لو كانت تكلم “أم صديقها المفضل”،
بطريقة طفولية تكاد تقول: “ماما، ممكن قطعة خبز أخرى؟”
تصلبت فينيليا في مكانها من شدة الذهول.
“…يبدو أن لديكِ مطالب معينة؟”
“آه، وهل يعقل أن أطمح بشيء كبير؟ لكن، جلالة الإمبراطور منحني لقبًا وأرضًا فقط لأني كنت بجانب ابنه…
فهل ستتجاوزين الأمر هكذا، بعد أن ناديتِني بالعائلة؟”
بهذا الشكل، حاولت ديارين أن تسلب الإمبراطورة مالها علنًا.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 132"