لم يكن المكان جميلاً ونظيفاً كما هي باقي منشآت القصر الإمبراطوري، بل كان عظيماً كأنه معلم طبيعي مخفي في أعماق الغابة.
ولذلك كان أكثر إدهاشاً.
بين المباني القديمة المتداعية نصفها، امتدت جذور الأشجار لتشكّل سقفًا، وغطت الأزهار البيضاء الأرضية كأنها سجادة.
دارت ديارين بنظراتها وتقدّمت بحذر وهي تطأ الأزهار برفق.
“هل يمكنني الدخول؟”
ترددت ديارين قليلاً وهي تتحرك بتوجيه من يد سيريس التي كانت تدعوها للدخول إلى المبنى الغريب، لكنها أدركت سريعاً أن سؤالها كان غبياً.
كم من الأماكن في القصر الإمبراطوري يُمنع على ولي العهد الأول دخولها؟
ضحكت ديارين بخفة وتقدمت خطوة أخرى.
“من هنا.”
كان سيريس يبحث عن أماكن آمنة للسير بينها بين الخراب، لكنه أدرك سريعاً صعوبة ذلك، فأصدر صوتًا خفيفًا في حنجرته.
عندما كان صغيرًا، كان جسده صغيرًا كفاية ليتسلل في كل مكان، والآن وقد أصبح قوي البنية، لم تكن الأنقاض تشكل له عائقًا. لكن الأمر كان صعبًا بالنسبة لديارين.
“سأحملك بنفسي.”
نظرت ديارين إلى الطريق أمامها ووافقت دون تردد.
كانت قد خرجت مرتدية خُفًّا خفيفًا ظنًا أنها مجرد نزهة قصيرة. ولو دخلت إلى هذه الأنقاض بهذا الشكل، لاحتاجت إلى حمام جديد تمامًا.
كوّن سيريس ذراعه كأنها مقعد لتجلس عليه ديارين، ثم بدأ بالمشي مجددًا. ورغم أن الوضع كان مستقرًا، تمسكت ديارين بعنقه بقوة احتياطًا.
لم يكن المكان بعيدًا.
وصل سيريس إلى بقعة حيث السقف مفتوح، ثم عدّل موقعه قليلًا وهو ينظر للأعلى، ثم جلس على كومة من الحجارة، ووضع ديارين على ركبته بدلاً من أن يجلسها على الصخور.
كانت فخذه أكثر راحة من الصخور الباردة والصلبة، فقررت ديارين أن تبقى على حالها.
“إن نظرت إلى القمر من هنا، فستبدو صورته على شكل أرنب.”
قالها سيريس وهو يشير بفخر نحو السماء.
ضحكت ديارين بخفة ورفعت نظرها نحو الاتجاه الذي أشار إليه. قمر على شكل أرنب؟ كم هو لطيف…
“آه…؟”
…لقد كان حقيقياً.
كانت الفجوة في السقف المتهدم على شكل أرنب تمامًا، ومع الظلال الطبيعية على سطح القمر، بدا الشكل وكأنه أرنب واقعي.
“واو، إنه حقيقي! فعلاً! أرنب!”
ديارين التي كانت تضحك منذ قليل على فكرة الأرنب اللطيف، صارت الآن تهتف بحماس: “أرنب! أرنب!”
مهما أمالت رأسها من هنا أو من هناك، لا تزال ترى الأرنب.
وبينما كانت تحدّق في القمر لفترة، أدركت أخيرًا أن سيريس لم يتحدث منذ مدة.
“لماذا لا تقول شيئاً…؟”
وعندما نظرت إليه، خفت نبرة صوتها فجأة.
سيريس لم يكن ينظر إلى القمر، بل كان ينظر إليها.
عيناه تعكسان زرقة القمر الباهتة، والضوء الغامض الذي ارتدّ من عينيه جعل ديارين مسمّرة في مكانها.
كان منظراً يفوق روعة أرنب القمر.
كان مُبهراً لدرجة أنها لم تستطع أن تحوّل بصرها، كأنها مقيدة بسحره.
“…أنتِ لطيفة.”
قال سيريس وهو يحدق بها.
“…ماذا؟”
“ديارين لطيفة.”
كررها سيريس دون أن يزيح عينيه عنها.
رمشت ديارين بعينها ولم تفهم فورًا ما قاله. لكن حين استوعبت المعنى، تصاعد اللهيب من خديها ليغطي وجهها بالكامل.
“م-ما هذا الكلام…؟”
“كان القمر من هنا يبدو لطيفاً… لكن ديارين ألطف.”
“…”
“لم أعد أرى القمر، فقط أراكِ.”
أصبحت ديارين ناضجة تمامًا من شدة الإحراج.
لم تستطع حتى أن تقول له “توقف عن النظر إليّ”. حلقها كان مملوءًا بحرارة لا تحتمل.
ولأنها لم تستطع الحديث، بدأت تعض شفتها بصمت.
والآن، عيني سيريس تحولت إلى تلك الشفاه.
كانت أكثر احمرارًا من المعتاد، ربما بسبب العض الخفيف.
“…جميلة.”
مرر سيريس إبهامه على شفتها.
قفزت ديارين من الصدمة، ما جعل إصبعه يبتعد عنها.
لكن الدفء الذي نشأ بينهما لم يختفِ، بل ظل يربطهما بخيط خفيّ.
كأن حرارة ما تحاصر جسدها مثل خيوط عنكبوتية.
لم تستطع حتى التنفس.
كان صدرها ضيقًا.
رغم أن المسافة بينهما لم تتغير، إلا أن وجود سيريس بات أكبر، أوسع، أقوى.
وبينما لم تعد ترى أحدًا سواه أمام عينيها، أغلقت ديارين عينيها بقوة.
“ديارين… لماذا لا تنظرين إلي؟”
“…نـ-نعسانة فقط…”
كانت حجة سخيفة، حتى ديارين نفسها شعرت بأنها تافهة ومحرجة للغاية.
“إذاً يمكنك النوم.”
“سـ… سأعود للنوم في غرفتي.”
“إن نمتِ، سأقوم بإعادتك بنفسي.”
مرة أخرى، لم تجد ديارين طريقًا للهروب، وكأنها حوصرت في الزاوية.
إغلاق عينيها والتظاهر بالنوم على الفور كان الملاذ الوحيد المتبقي لها.
ولحسن الحظ، لم يُشر سيريس إلى حقيقة أن قلب ديارين كان يخفق بعنف، رغم أنه كان يسمع ذلك بوضوح.
بدلاً من ذلك…
“تصبحين على خير.”
قالها بلطف وهو يطبع قبلة على خدها.
“!”
شعرت ديارين بلمسة شفتي سيريس الناعمتين على خدها.
كدت تقفز من مكانها، حتى كادت تنسى أنها كانت تتظاهر بالنوم.
لا بد أن سيريس شعر بجسدها وهو يقفز قليلاً، لكنه، وكأنهما اتفقا سلفاً على تجاهل ما حدث، لم يُعلّق، وديارين لم تفتح عينيها.
وربما حتى ضوء القمر قرر أن يتجاهل ما جرى ويغض الطرف.
“هممم…”
تحركت ديارين قليلاً، مدعية أنها تتقلب في نومها، لتفصل جسدها عن سيريس.
كانت الأجزاء التي تلامس جسده تزداد سخونة، لدرجة أنها لم تعد تحتمل البقاء بهذا القرب. لو استمر الحال، لشعرت أن جسدها كله سيشتعل.
لكن لم يكن لديها الشجاعة لفتح عينيها.
لأنها إن فعلت…
لا بد أنه لن يكون هناك شيء مميز.
مجرد نظرة أخرى مع سيريس.
ولكن هناك شعور غريب، كأن تلك النظرة وحدها ستكون كفيلة بقلب كل شيء رأساً على عقب.
لم تكن المشكلة في سيريس نفسه.
بل كانت في قلبها، وكأن شيئًا في داخلها بدأ يهتز.
ديارين لم تكن تريد أن تعرف ما هو ذلك الشيء. ما دامت مغمضة العينين، فلا بأس.
أما سيريس، فكان يعانقها بهدوء، مثل ضوء القمر.
حتى أعنف النيران، إن لم تقترب منها، ستبدو جميلة.
وفي داخل دفء سيريس الذي لم يتعدّ حدوده، نامت ديارين من دون أن تشعر.
—
“!”
فتحت ديارين عينيها فجأة.
وبمجرد أن فعلت، تسللت أشعة الشمس من بين رموشها بشدة.
“أه…”
تجهمت وأغلقت عينيها من جديد.
استفاقت، لكنها لا تزال في نصف حلم، ولم تتمكن من ترتيب أفكارها بعد.
ربما لم تغلق النافذة الليلة الماضية؟
بدأت تستفيق تدريجياً، وبدأ الهواء البارد يلامس كتفها.
“…آه، اللحاف…”
بدأت تتحرك بخمول، تبحث عن الغطاء بذراعها، لكنها لم تلمسه.
“…؟”
ثم، لاحظت أن الجزء السفلي من جسدها كان دافئًا بشكل غير طبيعي. هل من المعقول أن يكون السرير بهذا الدفء حتى الصباح؟ حتى في الشتاء، مهما كانت التدفئة، كان السرير يبرد بحلول الصباح. لكن هذا الدفء لم يكن عادياً.
وصوت زقزقة الطيور بدا قريباً جداً.
إما أنها دخلت من نافذة مفتوحة، أو…
انتظر… كيف نمت البارحة؟
“!”
تذكرت اللحظات التي سبقت نومها، وأدركت أنها لا تذكر دخول غرفتها.
فتحت ديارين عينيها على اتساعهما.
هذه المرة، أصبحت الرؤية أوضح.
ورأت الأنقاض التي يلفها نور الصباح.
أوراق خضراء مبللة بالندى، السماء الزرقاء المشرقة. وذراع قوية تحتضنها… ذراع؟
“استيقظتِ؟”
“آه!!”
شهقت ديارين وجلست فجأة.
وفي اللحظة التي أدركت فيها أن ما كانت تضع يدها عليه هو صدر سيريس، تحطّم سحر الصباح الزاهي كليًا.
“ماذا كنت تفعل؟! لماذا نحن هكذا حتى الصباح؟!”
لقد نامت فوق جسد سيريس كأن جسده فراش.
من الغريب أن يكون جسد شخص أكثر دفئًا وراحة من السرير نفسه، لكنها نامت بعمق، وهذا حقيقة.
لم تستيقظ حتى مع ندى الفجر، وهذا يدل على أنها كانت نائمة بعمق.
لكن لا يمكن أن يكون سيريس، الذي كانت تنام فوقه طوال الليل، بخير تمامًا.
أسرعت ديارين تحاول أن تنهض عنه.
“كخ!”
لكن سيريس شد ذراعيه حولها أكثر، وعانقها بقوة.
ديارين احتكت بصدره، محاوِلة الهرب.
“لا، انتظر لحظة… لست أهرب! فقط قلقت عليك. ألم تتنمل؟ هل ظهرك بخير؟”
“أنا بخير.”
لكن ديارين لم تصدقه.
حدقت في وجهه، وهي تنوي توبيخه إن بدت عليه أي علامات تعب. لكن وجه سيريس المشبع بأشعة الشمس كان مشرقًا ومتوردًا.
“لماذا تبدو مرتاحًا؟”
“نمت جيدًا.”
“…نمت؟”
ديارين لم تستطع تصديق أن سيريس نام في هذا المكان المتهدم، على الحجارة، وهي نائمة فوقه.
لكن وجهه المشعّ كان دليلاً على نوم عميق.
“لأنني كنت أعانق ديارين.”
“حتى من دون استخدام أي قوة مقدسة…”
“مع ذلك، عندما أحتضن ديارين، أشعر بالراحة.”
قالها سيريس وهو يعبّر بوضوح عن عدم رغبته في تركها، وضمها بقوة من جديد.
لم تستطع أن توبخه على ذلك، لا عندما قال إن احتضانها يجعله يشعر بالراحة.
تنهدت ديارين بعمق، ثم استسلمت وتخلّت عن محاولات الابتعاد.
فهي، أيضاً، لم تستطع إنكار أن دفء جسده كان مريحًا جدًا.
هيما: أول مره اغار من بطلة تباً ༎ຶ‿༎ຶ
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 130"
انتظر الافصل الجاية على احر من الجمر لا تقطعون 🥲
كيف أتحمل الفصل الجاي😫
قلبي الصغير لا يتحمل 😣
هيما قادح ادق لك التحية🫡🫡 متحمسة للفصول الجاية استعمري( ^ω^ )