“حتى لو كان الطفل غير مرغوب فيه، كيف يمكن أن يصل الأمر إلى قتله؟ لماذا؟ ما خطبه؟ ما مشكلته بالضبط؟”
رغم أن الأمر لا يخصها شخصياً، لكنها لم تستطع فهمه بعقلها.
مهما كان الأمر، فالدم لا يصبح ماء. حتى ديارين، رغم أنها كانت تلعن أخاها دوماً متمنية موته، إلا أنها كانت تقلق عليه عندما يمرض. هكذا هي الروابط الدموية، علاقة لا يمكن الانفكاك منها.
ومع ذلك، فإن الإمبراطور والأمير الثاني، والأمير الثاني والأمير الثالث، ورغم كونهم أباً وأبناءً، كانوا جميعًا في حالة حذر وترقب من بعضهم البعض. ما السبب يا ترى؟
“لأنه يخاف أن يتم تجاوز حقه ويُمنح العرش لسيبيان.”
“آه…”
لو لم تكن قد قابلت الإمبراطور، لكانت قالت إن هذا مجرد قلق سخيف لا أكثر.
لكن بعدما رأته، فهمت سبب خوف الأمير الثاني.
رغم أن الأمير الثاني اقترف الكثير من الآثام، لم يكن بلا إنجازات كأمير. ومع ذلك، فإن ظهور سيريس وحده جعل الإمبراطور يتجاهل كل تلك الإنجازات وكأنها لم تكن.
وليس لأن الإمبراطور كان يراه بصدق خليفةً له.
بل حتى مع سيريس، كان يعطيه الأمل بيده، ثم يسحبه باليد الأخرى.
لو كان سيريس طامعاً مثل الأمير الثاني، لجن من شدة الضغط.
“لكن على ما يبدو، لم يكن مقدرًا له أن يموت. أثناء هروبه من القتلة، ركض بالصدفة أمام موكب الإمبراطور الذي كان في رحلة صيد.”
“يا إلهي، الذي هو في كل مكان…”
في مثل هذه الحوادث التي تبدو عشوائية، يشعر المرء أحيانًا بأن هناك نية خلفها.
وفي النهاية، أنقذ الإمبراطور شارلوت وسيبيان، وبدافع الفضول، منح سيبيان لقب “الأمير الثالث” وقصرًا خاصًا به.
ومنذ ذلك الحين، ظل الأمير الثاني يحاول بكل ما أوتي من قوة أن يتخلص منهما، لكن الإمبراطور أوقفه.
كان الإمبراطور يحمي الأمير الثالث. لم يكن يغدق عليه الحب، ولم يتخلَّ تمامًا عن الأمير الثاني، لكنه جعل منهما خصمين في منافسة مستمرة.
“والآن بعد أن ظهر الأمير الأول، لم يعد هناك حاجة لوجود الأمير الثالث. كثير من المؤيدين سيتركونه لينتقلوا إلى جانب الأمير الأول. حينها، أنا وسيبيان سنواجه شتاءً قاسيًا دون غطاء.”
“لهذه الدرجة…؟”
“هذا القصر ساحة معركة، ويمكن للجميع تغيير ولائهم في أي لحظة. الكل يقاتل من أجل البقاء، لذا سيكون الانتقال سريعًا.”
قالت شارلوت هذا بابتسامة باهتة تخفي مرارة الواقع.
“قبل أن يظهر الأمير الأول، كنت سأُطيح بالأمير الثاني وأجعل سيبيان يجلس على العرش… لكن لم أعد بحاجة لذلك الآن.”
“إذًا، كل ما يلزم هو الإطاحة بالأمير الثاني؟”
سألت ديارين لتتأكد، فردّت شارلوت دون تردد:
“نعم. سيبيان هو طفلي العزيز… لكنه أيضًا ابن الأمير الثاني. كلما نظرت إليه، كانت تتصارع بداخلي مشاعر متناقضة. إنه طفلي… لكنه أيضًا من دمه.”
كم من الاضطرابات عانت وهي تربي ابن عدّوها.
طفلٌ تحبه بصدق، وأداةٌ يمكن أن تُسقط بها عدوها. كانت تتساءل كل لحظة كيف يجب أن تتعامل معه.
“إذا استطعت فقط الإطاحة بالأمير الثاني… ومنع تحقيق حلمه الأبدي في الوصول للعرش، فلن تكون لدي أي رغبة في العرش.”
“…”
“لذا، أرجوك، اصعد إلى العرش. سأدعمك بكل ما أستطيع.”
توسلت شارلوت إلى سيريس، وعيناها تلمعان برجاء يائس.
من الصعب تخيل مثل هذا اللمعان في عيني امرأة بهذه الطيبة. كم مرة أخفت ذلك النور، وابتلعت السم، وعاشت في صمت؟
وبعد أن أنهت حديثها، فتح سيريس فمه أخيرًا:
“أنا لا أهتم بالعرش.”
“…!”
حتى ديارين التفتت إليه بدهشة.
“إذًا، لماذا كشفت عن هويتك…؟”
“الإطاحة باندين تأتي أولاً.”
“آه…”
ربما لا يعرفون ما ستؤول إليه النتيجة، لكن على الأقل هدفهم مشترك.
سقوط الأمير الثاني.
ربما لم يكن سيريس يحمل في قلبه رغبة شرسة في الانتقام مثل شارلوت، لكنه يعلم أنه لا بد من إسقاطه ليتمكن من البقاء.
“حتى ذلك الحين، سأتعاون مع قصر الأمير الثالث.”
“شكرًا جزيلاً، صاحب السمو الأمير الأول.”
ابتسمت شارلوت أخيرًا، وانحنت له بانحناءة عميقة.
“بدءًا من الآن، سيتوقف قصر الأمير الثالث عن كل الأنشطة العلنية، وسنتبع أوامر الأمير الأول دون نقاش.”
بهذا، سيدرك الجميع داخل قصر الأمير الثالث أن النجاة تكمن في التحالف مع الأمير الأول.
وإن تمكّنوا من جذب النبلاء الذين دعموا الأمير الثالث سابقًا، سيكون لديهم قاعدة قوة مناسبة.
والباقي؟ يعتمد على جاذبية سيريس.
“لكن أعتقد أن ذلك لن يكون مشكلة.”
سيريس، وهو يناقش الأمور السياسية مع شارلوت بجديّة، بدا أميرًا فخمًا حتى لو وقف على رأسه.
—
بعد أن غادرت شارلوت، مسحت ديارين العرق عن جبينها وانسابت على الأريكة.
“أوه… يا إلهي…”
حياتها التي كانت تدور حول الأكل والنوم تحولت فجأة إلى مؤامرات سياسية.
الإطاحة بالأمير الثاني، التحالف مع الأمير الثالث، كسب ود الإمبراطور، بناء قاعدة مؤيدين…
وكل هذا مع احتمالية أن تُقطع رقبتها في أي لحظة.
هل هذا حقًا هو واقع حياتها الآن؟
العيش في القصر الإمبراطوري كان كأن تضع عنقك على المقصلة كل يوم.
سيريس كان يمسح بهدوء شعرها. غرابته في مثل هذه اللحظة كانت لافتة. هو الشخصية المحورية وسط كل الأحداث، ومع ذلك يبدو الأكثر هدوءًا.
“كيف كنت تعيش في مكان مثل هذا، يا سيريس؟”
“لأني وُلدت فيه.”
“وهل تستطيع الاستمرار في العيش فيه؟”
توقف سيريس قليلاً ثم قال:
“إن كانت ديارين معي.”
“…”
حتى في هذه اللحظات المصيرية، لم ينسَ أن يُلقي بكلامه المليء بالعاطفة.
تنهدت ديارين ثم سألت مجددًا:
“الأمير الثاني سيُطاح به، الأمير الثالث سيختبئ خارج القصر، والإمبراطور سيموت. فماذا ستفعل؟”
“سأصبح الإمبراطور، على الأرجح.”
لكن لم يُشعرها بأي حماسة.
هناك من يحرق عمره في السعي للعرش، أما سيريس، فيبدو كمن لا يريد هذا العبء حتى إن قُدّم له.
الراحلة الإمبراطورة أوليفيا أيضًا لم تكن طموحة تجاه العرش، وربما لهذا السبب أصابها سوء المصير.
فالطامعون غالبًا ما يكونون أكثر شراسة في الدفاع عن ما يملكونه، ولهذا يخسرون أقل مما يخسره الطيبون.
حتى بعد كل ما ارتكبه الأمير الثاني، لم يخسر شيئًا.
“وحتى لو اختفى الأمير الثاني، فبالتأكيد سيظهر شخص سيء آخر مكانه.”
دائمًا ما تظهر قوى تتحدى المطلق.
وكان القلق يساور ديارين: هل يمكن لحاكم مطلق بلا طموح مثل سيريس أن يحافظ فعلًا على مكانه؟
لكن، رغم ذلك، لم يكن من الممكن أن تبقى ديارين بجانب سيريس بعد أن أصبح إمبراطورًا. لم تحلم أبدًا بمكانة سامية إلى هذا الحد.
“علينا أن نهزم إندين أولًا، ثم نفكر في ما بعد ذلك.”
“… آه.”
كان على حق.
حتى لو هربا واختبآ، فإن إندين لن يتوقف عن المطاردة. لن يرتاح حتى يرى رأس سيريس مفصولًا أمامه.
وربما، إلى جانب رأس سيريس، سيوضع رأس ديارين أيضًا…
في الوضع الراهن، كانت ديارين الحليف الأقوى لسيريس، والشخص الذي أوقع الأمير الثاني في أكبر مأزق.
ولذلك، لن يتركها على قيد الحياة، من شدة الغضب. حتى لو اختبأت في معبد، سيجد وسيلة لقتلها. وسيتحدى الحاكم ذاتها فقط ليخرج ديارين من هناك.
“… حياتي أصبحت على المحك أيضًا.”
أيّ طريق هذا الذي انحدرت إليه حياتها؟
تنهّدت ديارين، وغطّت وجهها بكلتا يديها.
لقد جرفها التيار بعيدًا، إلى حدٍّ لا يمكن العودة منه.
“أنا سأحميكِ، ديارين.”
ضحكت ديارين بمرارة من تصريح سيريس.
كان سيريس في الأصل لا يستطيع العيش دون ديارين، لكن الآن أصبحت ديارين هي التي لا تستطيع العيش من دون حماية سيريس.
مع ذلك، سنحت لها عدة فرص للهروب.
حتى في القصر، كان بإمكانها أن تتراجع وتعود. وبعد دخولها قصر الأمير الثالث، كان بوسعها أن تستقيل دون أن تتحمل أي مسؤولية. بل حتى قبل الحفل، عرض عليها سيريس بنفسه فرصة الفرار.
لكن، من لم يستطع أن يترك سيريس في النهاية… كان ديارين نفسها.
مع ذلك، العاطفة عاطفة، والعمل عمل.
“بما أنني وصلت إلى هذه الحالة من أجلك، فمن الطبيعي أن تحميني.”
“نعم.”
“… وماذا عن المكافأة؟”
حتى لو كان سيريس، يجب أن تُحسم الأمور بدقة.
لقد تجاوزت ديارين ساعات عملها منذ زمن.
فقد نجحت في إعادة الأمير، بعد أن كانت مجرد خادمة في قصر نبيل. لكنها لم تتلقَّ هذا التكليف من أحد. لم يطلب منها أحد أن تتعب، أو تخاطر بحياتها، لكنها فعلت.
وهذا ليس نهاية الأمر، بل بداية طريق أكثر وعورة.
وكل ذلك، دون أي فائدة شخصية. فقط من أجل سيريس.
“أنا، الكاهنة الطيبة، لماذا أنا طيبة إلى هذا الحد…”
ذرفت ديارين دمعة صغيرة على حالها، ثم فتحت عينيها بجدية من جديد.
بما أنه فات أوان التراجع، فلا بد أن تحصل على ما تستحق.
والآن بعد أن أصبح سيريس أميرًا حقيقيًا، ترى، ماذا يمكن أن يمنحها؟
“أي شيء.”
“…”.
سكتت ديارين لحظة.
نعم، هكذا هو دومًا.
انسحبت أنفاسها الثقيلة أمام هذا العرض الباهت.
“لو طلبت مالًا، ستعطيني ما أريد، أليس كذلك؟”
“نعم.”
“حتى لو طلبت إفراغ خزينة الدولة بالكامل؟”
“كلما امتلأت، خذي منها مجددًا.”
“كنت أعلم أنك ستقول ذلك.”
الحصول على المكافآت عبر اتفاق متوازن هو الأفضل،
لكن حين يكون الشخص مثل سيريس، ويقول ببساطة “خذي كل شيء، لا يهمني”، يصبح الأخذ بحد ذاته أمرًا صعبًا.
فهذا لا يبدو وكأنك تنال ما تستحق، بل كأنك تبتزّه!
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 123"