الإمبراطور وضع الكأس على الطاولة ونزل بنفسه من المنصة. توقف الجميع عن التنفس، يراقبون حركاته بترقب. وقف أمام سيريس، الذي بات أطول منه بفارق واضح، وكانت نظرات الإمبراطور دافئة تجاه ابنه الأكبر.
فتح الإمبراطور ذراعيه وقال:
“يا بني.”
قبل أن يناقش خلافات فرقة الثامن أو فضائح الأمير الثاني، أعلن الإمبراطور بشكل واضح شرعية الأمير الأول. أومأ سيريس برأسه بهدوء وقبل عناق والده.
صاح الحضور بحماس:
“الأمير الأول!”
“الإمبراطور!”
كان المشهد هائلًا، فقد عاد الأمير الأول الذي اختفى منذ أكثر من عشر سنوات، وبقوة جسدية هائلة تمكن من هزيمة مقاتل كالوحش. وإذا كان كلامه صحيحًا، فهو بطل الحرب الذي قاد الجيش إلى النصر بنفسه.
الإمبراطور، الذي احتضن ابنه شخصيًا، لم يظهر هذا الحنان من قبل حتى عندما كانت الإمبراطورة الأولى، أوليفيا، على قيد الحياة. هل تغيرت مشاعره بمرور الوقت؟
تلاشت صيحات الفرح العفوي، وبدأت الأفكار تدخل حسابات دقيقة في أذهان الناس:
“لو نال الأمير الأول ثقة الإمبراطور، قد يهتز الأمير الثاني.”
“وقد يسقط الأمير الثالث تمامًا.”
كان الجميع منقسمين بين دعم الأمير الثاني أو الثالث، لكن ظهور الأمير الأول فجأة قلب الموازين. أدرك الجميع أنه من الأفضل الانضمام إليه مبكرًا، لأن الولاء المتأخر لا يُحسب.
لكن الأمير الأول بلا قاعدة.
“لكن إذا حظي بثقة الإمبراطور…”
“سيحصل على دعم قوي…”
تأرجحت موازين القوى في الأجواء.
—
قال الإمبراطور إنه يريد التحدث مع سيريس على انفراد، وغادر القاعة معه. وانتهى الأمر بشكل غامض دون مدح الأمير الثاني أو فضائح شارلوت التي لم تلقَ صدى قويًا.
حتى لو ناقش الإمبراطور الأمر لاحقًا، لن يكون للنقاش وقع قوي. خسر الأمير الثاني فرصته، ولم يتحسن وضع الأمير الثالث أيضًا. كلاهما خسر.
شعرت ديارين بالظلام يملأ أمام عينيها. لم يكن إعلان الإمبراطور الرسمي للأمير الأول بالأمر الجيد فقط، بل زاد الأمور خطورة. إذ أذى الأمير الثاني، وأطاح بالأمير الثالث، وجعل الأمير الأول نفسه في خطر. ما الذي يدور في رأس الإمبراطور بحق؟
نظرت ديارين إلى مؤخرة رأس الإمبراطور الذي سار أمامها.
قال الإمبراطور بصوت ودود متظاهراً بدفء الأب:
“ربما قد نسيت لأنه مضى وقت طويل، لكن هذا الدفيئة مكان جيد لنتحدث.”
مشى الإمبراطور إلى جانب سيريس في الممر، وكأنهما أب وابنه في هدوء منزلي. أومأ سيريس بهدوء ووافق على المشي بجانبه. أما ديارين فكانت تحاول اللحاق بهما، رغم أن سرعتهما لم تكن سريعة إلا أنها كانت تبدو تبتعد شيئًا فشيئًا.
قال الإمبراطور في الدفيئة:
“اجلس هنا.”
جلس سيريس على المقعد الذي أعده له، وجلس الإمبراطور مقابله. لم يكن لدي ديارين مكان.
وقفت ديارين بين الخدم، تشعر بقلة الاهتمام الواضحة من الإمبراطور، الذي ألقي نظرة خاطفة عليها ولم يسأل عن اسمها أو شيء آخر.
رغم أن ديارين كانت قريبة من سيريس واستخدمت قواها المقدسة أمام الجميع، إلا أن الإمبراطور لم يُبدِ أي فضول.
شعرت ديارين بالحيرة قليلاً. لم تتوقع هذا الإهمال الشديد، فقد ظنت على الأقل أنه سيسأل إن كانت من أتباعه.
قال الإمبراطور بسؤال مباشر:
“هل كنت مختفي عن قصد؟”
أخذ سيريس نفسًا عميقًا وبدأ يسرد القصة، قصيرًا لكن واضحًا، يركز على ما يريد الإمبراطور معرفته فقط.
“لقد تم اختطافي ومحو ذاكرتي.”
روى سيريس بموضوعية ما حدث له: اختطافه، وبيعه كعبد، وتدريبه القسري كعضو في فرقة الثامن. لم يكن هناك المزيد ليقوله بعد ذلك.
أجابه الإمبراطور باختصار:
“هذا ما حدث.”
نظرت ديارين إلى الجانب، وهي تفكر. ابنها البكر، ولي العهد، عانى كعبد لأكثر من عقد من الزمان، واجتاز مواقف كادت تودي بحياته، وعاش في فرقة الثامن كأنه مات.
لو كان ابنه عزيزًا عليه، هل لم يكن من المفترض أن يغضب ويثور؟
لكن الإمبراطور لم يظهر أي تأثر. حاولت ديارين قراءة مشاعره الخفية، لكنه لم يظهر أي علامة غضب على المأساة التي حلت بابنه.
كان سيريس يشاهد ذلك عن قرب، وتساءلت ديارين عما يشعر به وهو يرى أباه لا يغضب من مأساة حياته.
لكن سيريس كان هادئًا مثل الإمبراطور، وكأنه حدث وقع لشخص آخر. فسأل الإمبراطور بهدوء عن نواياه.
قال:
“هل تسمح لي بالانتقام؟”
“الانتقام… الانتقام، هاه.”
كان سيريس يريد الانتقام من الأمير الثاني. لكن الأمير الثاني كان الابن الآخر للإمبراطور ومرشحًا قويًا لخلافة العرش.
كان من الممكن أن يوجه له الإمبراطور تحذيرًا بسيطًا، يسأله قبل أن يزعزع الأسرة الحاكمة:
“من تريد أن تنتقم له؟ ومن تقصد بالضبط؟”
لكن الإمبراطور أعاد السؤال وكأنه غير متأكد مما يسمع:
“هل تقصد كل شيء؟ قتل والدتي الإمبراطورة، محاولات اغتيالي، اختطافي وبيعي كعبد، والمعاملة السيئة التي تلقيتها كعضو في الفرقة الثامنة؟”
سرد سيريس كل شيء دون أن يحذف أو يخفف أي شيء.
استمع الإمبراطور إلى سيريس صامتًا وثابتًا كالصخر.
نظر سيريس إلى الإمبراطور منتظرًا الرد، حتى ديارين كانت تحبس أنفاسها مترقبة ما سيقوله.
سأل الخادم الإمبراطور إن كان يريد المزيد من الشاي، فأومأ بالموافقة.
تسارعت اللحظات حول الإمبراطور ببطء شديد، بينما ملأ الخادم كأسه ثانية، وشرب الإمبراطور ببطء، ثم وضع الكأس على الطاولة بصوت واضح.
ثم قال الإمبراطور:
“ابني الذي لم أره منذ زمن طويل، أظن أنه من المناسب أن أمنحه هدية. خاصة أنك عدت ناضجًا رغم أن والديك لم يعتنيا بك جيدًا. أليست هذه من أجمل الأمور؟”
كان الحديث عن الهدايا وسط نقاش الانتقام محيرًا، ما جعل ديارين تكدّر ملامحها قليلاً لكنها سرعان ما خفتت تعبيرها. أما سيريس فظل بلا تعبير، كأنه مجرد شيء لا أكثر.
ابتسم الإمبراطور وهو يحدق في وجهه، وكأن ابتسامته تعني الموافقة.
قال:
“لقد أنجزت جزءًا من انتقامك بالفعل، حين هاجمت العربة التي خطفتك.”
جلس سيريس صامتًا ينتظر المزيد.
زاد ابتسامة الإمبراطور عمقًا وقال:
“حقًا، أنت تشبهني كثيرًا.”
كانت كلمة “تشبهني” قد تكون مدحًا، لكن سيريس لم يبدِ شكرًا أو امتنانًا، بل ظل هادئًا كأنه يسمع أمرًا بديهيًا، وكانت تلك الغطرسة تناسبه تمامًا.
تابع الإمبراطور:
“كان وراء هجوم العربة سوربن.”
هز سيريس رأسه نافيًا.
قال الإمبراطور:
“الملك سوربن لا يزال على قيد الحياة.”
تابع:
“لم يكن الملك سوربن هو المسؤول. لقد حاول فعلاً قبولك، وأنت بدورك من نسل سوربن، لذا أنت تستحق العرش.”
تنفس سيريس بعمق مؤكدًا أن كلام الإمبراطور منطقي.
عندما فهم أن هذا ما جرى، اتضحت له كل الأحداث التي لم تكن مترابطة سابقًا.
خسر المعركة مع الأمير الثاني وفقد والدته، وكان حتى في وطن أمه غير مرحب به، لذا لم ير الإمبراطور ضرورة لإنقاذه.
كان ضعيفًا وتم التخلي عنه، ولم يكن هناك ما يضمن أن مساعدته ستعود عليه بالنفع.
قال سيريس:
“بدأت الحرب من جانب سوربن.”
رد الإمبراطور:
“الملك سوربن لم يكن يعلم، بل أعمامك هم من دمروا سوربن.”
سأل سيريس:
“هل غريليند واحد منهم؟”
أضاءت عينا الإمبراطور بفضول وقال:
“هل قابلته؟”
أجاب سيريس:
“نعم.”
قال الإمبراطور:
“صحيح، هو من قاد الأمور.”
غريليند هو الناجي الوحيد من العائلة المالكة لسوربن، وكان رأس الجماعة التي حاولت قتل سيريس.
لم يكن واضحًا ما إذا كان سيريس قد انتقم بالكامل، لأن غريليند ما زال حيًا.
سأل الإمبراطور:
“هل تنوي إكمال انتقامك؟”
قال ذلك وكأنه يلقي ورقة في لعبة، بينما حياة سيريس على المحك.
شعرت ديارين بالغضب تجاه الإمبراطور لكنها أخفت ذلك بنظرة خفضها نحو الأرض، حيث رأت بلاطًا ملونًا فاخرًا مزينًا بأحجار كريمة تحت أقدامهم، تعكس ثراء القصر الذي لا يمكن للناس العاديين مجاراته.
قال الإمبراطور:
“إذا قضيت على غريليند، سيكون سوربن ملكك.”
كانت هذه الصفقة الحاسمة، كأن والد سيريس يوكل إليه مهمة قتل قاتله، رغم قسوتها البعيدة، لكنها الحقيقة الوحيدة التي تحكم اللعبة.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 119"