عادت إلى ذهن ديارين كل تلك المجاملات التي ظل سيريس يسردها كالسيل.
مجاملات مثل: “تشبه ابتسامة ديارين.” التي تجعل المتلقي يرغب بالاختفاء، والمستمع يفرّ هاربًا من الإحراج.
وسيقول مثل هذا، أمام ذلك الحشد الكبير؟
“ولماذا تمدح شريكتك أمام الآخرين؟”
“لأنها شريكتي.”
كانت ديارين تظن أن تلك المناسبات تقام لمدح الآخرين، لكنها كانت مخطئة.
يتلقى شريكه كل المديح، فيما يحصل الآخرون على مجاملة أو اثنتين مجاملةً لا أكثر.
ما زال هناك وقت. هل تهرب؟
لم تكن تملك الشجاعة لتصمد وسط نبلاء مترفين يضحكون بكل أناقة وهي تتلقى سيل المجاملات من الأمير.
“هذه الفساتين لا تصلح حتى لحفلة شاي.”
“…هذه؟”
“ولهذا السبب أُعطيت لك.”
حسب معايير ديارين، كانت تلك الفساتين مذهلة. حتى إن لم تُبع بالكامل، فإن الأزرار والدانتيل وحدها تكفي لتجميع ثروة. وخارج القصر، لا شك أنها ستكون كذلك.
لكن داخل القصر… كان عالمًا مختلفًا تمامًا.
“لذلك يجب أن تُفصّلي فستانًا جديدًا، ديارين.”
“…حسنًا.”
بحسب كلام سيريس، مظهرها المتواضع قد يجعلها مصدر إزعاج بالفعل.
“لكن يجب أن تُستخدم الأقمشة الفاخرة لملابسك أنت، سيريس. لا يمكنني التنازل عن هذه النقطة.”
زمّ سيريس حاجبيه، غير مرتاح لطلبها. لكن تهديد ديارين بأنها لن تتراجع جعل حتى سيريس يتردد في الاعتراض.
لو كان سيريس السابق، لقال ببساطة “حسنًا” وانتهى الأمر. لكن سيريس الذي أصبح أكثر دهاءً، لم يترك المسألة تنتهي عند ذلك.
“إذن فلتفصّلي خمسة فساتين.”
“…لماذا؟”
بالنسبة لديارين، كان هذا الحفل آخر التزام لها. حتى إن بقيت في القصر ريثما يتحسن سيريس، فهي لا تنوي حضور حفل آخر بهذه الفخامة.
“ألستِ تنوين مرافقتي إلى الحفلات بعد الآن؟”
“بعد هذا الحفل، ستكون إما أميرًا رسميًا أو نبيلًا من النخبة… هل سأظل ضرورية؟”
“إن لم تكن ديارين بجانبي، قد أفقد صوابي.”
ضيّقت ديارين عينيها ونظرت إليه. لم تعد تصدق كلامه. إنه يتظاهر بالجنون فقط. لكنها تعرف، لو أظهرت أنها تبتعد فعلاً، فسيبذل كل ما بوسعه ليقنعها بأنه مجنون حقًا.
“…حسنًا، فهمت.”
تخلّت ديارين عن المقاومة. لا داعي للجدال حول الفساتين قبل بدء الحفل حتى. فستان واحد أو خمسة… ما الفرق؟ فرق مالٍ فقط، لا أكثر.
…لكن ما كانت تظنه بسيطًا، كان خطأً فادحًا.
“حسنًا، ماذا عن تجربة هذا الشريط على الصدر؟”
“لا يعجبني.”
“آه، إذن ماذا عن هذه الزهور للزينة؟”
“ضعيها أسفل الخصر.”
“أوه، اقتراح ممتاز! أعجبني هذا الخيار أيضًا!”
“ليس هذا اللون، أريده أفتح قليلًا.”
“…سأبحث عن لون آخر فورًا.”
لكي تُفصّل خمسة فساتين، كان على ديارين تجربة خمسين نوعًا من الأقمشة، ومئة وخمسين نوعًا من الزينة.
وهي لم تكن تعرف هذا مسبقًا.
“هذا القماش ينعكس على الوجه ويجعله أكثر إشراقًا! كأنك تحملين لوحة عاكسة معك دائمًا!”
“باهت.”
كان تقييم سيريس حاسمًا وقاطعًا.
عاد الخياط بعد فترة، وقد اشتعل الحماس في عينيه.
“في الحقيقة، لطالما أردت تجربة تصميم الفساتين.”
بعض المصممين يتخصصون في الفساتين فقط، وآخرون في بدلات الرجال. القليلون فقط يجيدون الاثنين.
ولو كان هذا الخياط يعمل داخل القصر، فلا شك أنه بارع في بدلات الرجال. لكنه كان يملك روح تحدٍ عالية.
وبقدر حماسته، كان النقاش حول الفساتين ساخنًا.
وفي خضم كل هذا، كانت ديارين الوحيدة التي يذبل حماسها مع مرور الوقت.
“ليس الفستان هو الباهت… بل وجهي أنا من أصبح باهتًا…”
“وجه ديارين دائمًا مشرق كأشعة الشمس في الصباح.”
“صحيح! هذا النقاء… مع لمسة صفراء خفيفة! يمكن أن تصبح بشرة راقية لو أضفنا بعض المكياج!”
لكن كلمات التملق من الخياط لم تكن كافية لردم الهوّة بين الواقع والمجاملة.
فوجه ديارين المرهق كان يتداعى.
ما هذا الوجه؟ شمس الصباح؟ أبيض نقي؟ بدأت ديارين تشك في أن هناك تعويذة رخيصة تُلقي بظلالها على عيني سيريس.
“يكفي لليوم.”
أعلنت ديارين نهاية جلسة تسوق الفساتين.
خمسة تصاميم انتهت. الآن ما بقي هو اختيار آخر قطعة قماش، بدافع طمع سيريس.
قال إنه لو صادفوا القماش المثالي، فسيكون هذا هو “فستان القدر”.
ربما لو كانت فتاة نبيلة عادية، لكان هذا الكلام كافيًا لإشعال قلبها من الحماسة.
لكن ديارين، التي لم يكن بانتظارها أي مكان تذهب إليه بهذا الفستان، لم تشعر بأي شيء.
قبل عشر سنوات… ربما كانت ستفرح.
لكن الآن، وقد تخلّت عن كل شيء ككاهنة، فالأمر مجرد ترفٍ لا قيمة له.
“بهذا الشكل؟ إن كنتِ مرهقة، فلتتناولي كوب عصير منعش، ثم نكمل بعد استراحة بسيطة.”
“لن نستطيع إنهاء شيء اليوم. غادر.”
قالتها ديارين ببرود، وأخرجت الخياط.
الحفل بات قريبًا. حتى لو بدؤوا اليوم وسهروا الليالي، لن يكونوا واثقين من إنجاز فستان واحد في الوقت المحدد.
لكن الطمع البشري… مخيف بحق.
“آاااه!”
بمجرد مغادرة الخياط، رمت ديارين بنفسها على الأريكة.
اقترب سيريس وأقحم فخذه تحت رأسها بهدوء، كما لو كان يقدم وسادة.
نعم، كانت بحاجة إلى وسادة… لكن ليس فخذ سيريس.
كانت على وشك أن تُغمى عليها من التعب، لكنها فتحت عينيها وحدقت في سيريس من أسفل.
“الراحة بهذه الوضعية تسرّع من استعادة طاقتك.”
“لمن؟”
“لكِ.”
“أنا لا.”
“أنا لا.”
كان سيريس يحاول تقليد ما تفعله ديارين أحيانًا من وضع رأسه على ركبتها أو معانقته من الخلف، ظنًّا منه أنه بذلك يردّ لها الاهتمام.
“أمم… إذًا، هل أقبّلك؟”
“…ماذا؟”
صُدمت ديارين من الكلمة التي هبطت من العدم.
الخطبة، الزواج، الحب، والآن قبلة؟
كل كلمات الحزمة خرجت دفعة واحدة.
“لماذا تطرح هذا فجأة؟”
“في القصص القديمة… يقولون إن القبلة تُفيق حتى من مات.”
تحدّق ديارين في عيني سيريس وهي لا تزال مستلقية، بينما كان هو يردّ النظرة بثبات دون أن يرف له جفن.
نظراته كانت واثقة، جريئة… نظرات من قد يلمع اسمه في مجتمع النخبة.
لكن بالنسبة لديارين الآن، لم تكن تلك النظرات إلا تهديدًا مزعجًا.
“…لو قبّلتني، سأموت فعلًا.”
“هل قبلة مني بغيضة إلى هذا الحد؟”
“لا تتظاهر بالحزن، أعلم أنك لا تشعر بشيء.”
“هذا محزن…”
تذمّر سيريس بصوت ناعم متظاهرًا بالأسى، لكن ديارين، التي أصبحت خبيرة به، أدركت أن عقله يعمل بنشاط خلف ذلك المظهر، ولم تعد تشعر بأي شفقة نحوه.
“ستتظاهر بالمسكنة حتى ترغمني على تقبيلك، أليس كذلك؟”
“…”
لم يتمكن من إنكار ذلك، فأغلق فمه بنظرة محرجة.
“قبّل فتاة جميلة تقابلها في الحفل لاحقًا.”
“…حسنًا.”
“لكن استثنِني أنا.”
“…هذا غير عادل.”
تعامل ديارين مع سيريس لم يكن جديدًا عليها.
فأغلقت ببراعة كل الطرق التي قد يحاول السير فيها باتجاهها. ورغم أن سيريس عبس قليلًا، إلا أنه لم يُلح. على الأقل، كان لا يزال يتذكر أن القُبل ليست شيئًا يُؤخذ بالقوة.
“ديارين، هل ارتحتِ الآن؟”
“هم؟ لماذا؟”
“لأننا سنبدأ التدرّب على الحفل.”
“تدرّب… على الحفل؟”
“ديارين، أنتِ لا تعرفين شيئًا عن الرقص أو آداب المجتمعات الراقية، أليس كذلك؟”
برقت عينا سيريس بحدة.
كان هناك شعور طفيف بالانتقام في نبرته…
“…صحيح، لا أعرف.”
كانت الحقيقة أن ديارين لم تُعلّم هذه الأمور.
ربما تغافل فريق الأمير الثالث عن هذا الجانب، أو اعتقدوا أنه لا داعي لتدريبها طالما أنها ليست الشخصية المحورية في الحفل.
لكن ما دامت ستدخل القاعة ممسكة بيد سيريس، فالأفضل أن لا تكون أضحوكة.
ومعلمها، الذي يتقن آداب البلاط الملكي أفضل من أي أحد، موجود بجانبها، لذا لا مشكلة.
“حسنًا. علّمني جيدًا.”
أمسكت ديارين بيده ونهضت بحزم.
أخفى سيريس تعبيره المتجهم الذي كان يطالب بالقبلة، وتحول إلى سيد أنيق، وقادها إلى المساحة الواسعة من الصالة.
وضعا يدهما معًا، واليد الأخرى حول الخصر — وضعية اعتاداها. لكن الوقوف وجهًا لوجه وتبادل النظرات… كان لا يزال محرجًا بعض الشيء.
“ديارين، عليك أن تنظري إلي.”
“آه، نعم…”
كانت تعرف ذلك، لكنها لم تعتد عليه، لذا خجلت.
وحين لم ترفع نظرها، مد سيريس يده وأمسك بذقنها بلطف.
“!”
كانت أصابع رجل، قوية وثابتة. ولم يسبق أن أُمسك وجهها هكذا من قبل.
قفز قلبها فجأة، ثم هدأ شيئًا فشيئًا.
تنفست بعمق، ثم رفعت نظرها بثبات أخيرًا.
كان سيريس يبادلها النظرة بهدوء تام، وكأنه ينتظر حتى تهدأ.
نظراته الهادئة ساعدتها على استعادة توازنها.
“ديارين، عليك فقط أن تسترخي.”
“أما عن الخطوات…؟”
“فقط، إن مال جسدي بهذا الاتجاه…”
“آه…”
عندما مال سيريس، وجدت نفسها تميل معه بلا وعي. لم تقرر التحرك، لكنه قاد جسدها وكأنه يوجهه بيديه.
“مهلًا، أنا لم أقرر أن أتحرك…!”
هل هذا هو رقص النبلاء؟
لطالما تساءلت لماذا يُقال إن البعض “يرقصون بشكل رائع”. والآن، فهمت أن هؤلاء هم من يستطيعون قيادة الآخرين بحركات طبيعية ومتقنة.
فتحت ديارين عينيها على اتساعهما من الدهشة.
ونظر إليها سيريس من أعلى وهو يبتسم برقة.
“أحسنتِ.”
“…!”
لقد مدحها.
لطالما كانت هي من تمدحه، لكن هذه المرة، سيريس هو من مدحها.
كانت العلاقة بينهما تتبدل.
لكنها لم تكن تمانع ذلك.
شعرت بالحرج وأخفضت رأسها.
“ارفعي رأسك.”
“لكن…”
“ديارين.”
دون أن تنتبه، كانت قد بدأت تتحرك بخفة وكأنها ترقص.
ولهذا…
عندما ناداها سيريس باسمها، رفعت رأسها كما لو كانت تحت تأثير سحرٍ لطيف.
تلاقت نظراتهما، ثم وقعت عيناها على شفتيه.
شفتان حمراء بلون هادئ ومنسق.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 112"