قمت بذلك العرض التمثيلي كله أمام الكاهن الأعظم، وبذلت كل قوتي الإلهية، وتعبت كما لو كنت أموت؟!
كان أول ما يجب أن يقوله سيريس عندما استعاد ذاكرته هو: “شكرًا على ما فعلته، هاكِ الكثير من المال كمكافأة.”
ثم يرحل بكل أناقة!
كونه الأمير الأول لم يغير شيئًا في قلب ديارين. بل على العكس، جعله أقل قابلية للتغير.
الكلب المجنون، إن اضطررنا، يمكننا تبنّيه والعيش معه في ريف هادئ. أما الأمير، فلا مجال لذلك.
كانت حال ديارين كمن يسكن كوخًا صغيرًا، وفجأة ظهر أمامه حصان من أرقى السلالات وهو يقول: “ربِّني!”
“جلالتك، تمسّك بالعقل، رجاءً.”
وضعت ديارين حدًا فاصلاً.
قد تهاونت سابقًا حين كان كلبًا مجنونًا وتجاوز الحدود، فحدث ما حدث.
أما الآن، فهو أمير. لا مجال لأي تهاون. لا يمكن السماح بشيء من ذلك.
“لا تعجبني طريقتك في الحديث.”
سيريس أبدى رفضه الشديد لحديث ديارين الرسمي.
لكن ديارين كانت حازمة:
“وما المشكلة في استخدام الألقاب عند مخاطبة صاحب السمو؟”
“يجعلني أشعر بأنك بعيدة عني.”
أن يخرج من فم هذا الطفل عبارة كهذه، “تشعرني بالبعد”، كان مدهشًا.
مؤثرًا… ولكن ليس في وقته.
كلمة “بعد” ليست غريبة على من هم في سن المراهقة. هذا يؤكد أن ذاكرة سيريس قد عادت تمامًا.
لكن إن كانت ذاكرته قد عادت، فلماذا لم تعُد معه سلامته العقلية؟!
“كل الناس سيتحدثون معك بهذه الطريقة.”
“لكن إن فعلتِها أنتِ… أشعر بعدم الارتياح.”
“ستعتاد على ذلك.”
“لا أريد.”
ذلك “لا أريد” اللعين… ما زال كما هو.
ظنت ديارين أنه مع استعادة الذاكرة سيتغير كل شيء. فالذاكرة تؤثر كثيرًا في الشخصية، أليس كذلك؟
لكن… يبدو أن الشيء الوحيد الذي تغير هو أن سيريس بات أكثر طلاقة في الحديث، أما جنونه… فما زال كما هو.
“اقتربي مني.”
“سـ… سأقترب لاحقًا بنفسي.”
لم تستطع ديارين الابتعاد عن باب الغرفة.
لم تعتد بعد على الأمير سيريس، وكان الاقتراب منه يخيفها.
ويبدو أن الفجوة بينهما، سواء في المسافة أو في الكلام، بدأت تُزعج سيريس.
فأصبح نظره أكثر قسوة.
“توقفي عن هذا الأسلوب في الحديث. هذا أمر ملكي.”
أخرج سيريس ورقة الضغط النهائية: أمر ملكي.
تجمدت ديارين في مكانها لا إراديًا.
الأوامر الملكية ليست أمرًا يُؤخذ باستخفاف.
أن يستخدم نسبه الإمبراطوري للتسلط هكذا؟ كـ “سيدي الشاب”، إنه أمر متوقع منه.
لكن من جهة ديارين؟ لم يكن أمرًا مقبولًا.
لكن، كان لديها رد جاهز.
“أنا كاهنة في خدمة الحاكم. وأضع أوامر الحاكم أولًا، ومنها أن أُجِلّ الجميع وأخدمهم.”
المعبد يتمتع بقوة منفصلة عن العائلة الإمبراطورية.
وهذا يعني أن بإمكانهم رفض الأوامر الإمبراطورية إلى حدٍ ما.
“لكن هذا القصر ملكي. وفيه، سلطة الإمبراطور تعلو على سلطة الحاكم.”
سيريس لم يتراجع.
بهذا الكلام… لم يعد لديارين ما تقوله.
لقد خسرت في جدال… أمام سيريس!
شعرت بالذهول من نفسها.
هي، ديارين، خسرت في نقاش؟ ومع من؟ مع هذا المجنون نفسه؟!
وسيريس لم يفوّت اللحظة، بل تقدّم أكثر:
“إن واصلتِ وضع المسافة بيننا… فسأمنعك من فعل ذلك.”
“ماذا تقصد… جلالتك؟”
“سأحبسك… وتجعليني وحدي من تريه، وحدي من تتحدثين إليه.”
“…”
شعرت ديارين بأنها ستفقد وعيها.
أسندت ظهرها إلى الباب وهي تلهث، مذهولة.
بينما كان سيريس يحدق بها وكأنه يُلقي عليها لعنة:
“لن أسمح لكِ بمغادرة القصر إلى الأبد. ستنظرين لي فقط… وستتحدثين معي فقط… وسأكون الوحيد الذي يحبك.”
كلما تحدث، ازداد الوضع فظاعة.
وضعت ديارين يدها على مؤخرة رقبتها التي بدأت تؤلمها من التوتر.
في البداية، كانت مصدومة… ثم غاضبة… ثم ازداد ضغط دمها.
لقد نسيت حتى أنها أمام الأمير ويجب أن تنتبه لكلماتها.
“من أين… بحق الجحيم… تعلمت أن تقول… أشياء كهذه؟!”
كان سيريس يحدّق بغضب بعينيه الحادتين.
“لأنكِ ترفضين مشاعري! لأنكِ لا تفهمين قلبي!”
“البشر يحق لهم أن يرفضوا مشاعر الآخرين! ألم أخبرك من قبل كيف يُظهر الناس إعجابهم؟!”
صاحت ديارين، فاهتز سيريس خجلاً.
لقد فقد أعصابه لأن ديارين بدت وكأنها على وشك أن تتركه، فارتبك تمامًا.
“لقد كنت مشوشًا بعد استعادة ذاكرتي… ثم جعلتِ قلبي يخفق بهذا الشكل، لهذا تصرفت هكذا…”
يا له من عذر جميل.
لكن… لا يمكنها تجاهل ذلك العذر تمامًا أيضًا.
فهو شخص استعاد للتو ذاكرته واستيقظ للتو. وتغير ديارين المفاجئ في التعامل لم يكن سهلًا عليه.
الآن، احتاجا إلى وقت آخر للتأقلم مجددًا مع بعضهما.
“… أعتذر إن جعلت جلالتك تشعر بعدم الاستقرار بشكل مفاجئ.”
“طريقتك في الكلام.”
“… لا، على الأقل هذا…”
ارتسم على وجه سيريس تعبير شبيه بالأذنين الذابلتين لو كان يملك أذنين.
على الرغم من جسده الكبير وهو جالس على طرف السرير، إلا أن ملامحه كانت مثيرة للشفقة، وكأنها تستجدي أن يقترب أحد ويواسيه.
“كما تعلمين، ليس لدي في هذا القصر من أستطيع أن أرتاح إليه…”
“ولكن… كانت هناك تلك العجوز التي قالت إنها مربيتك.”
“لم أكن قريبًا منها.”
“…”
لم يخطر ببالها ذلك.
ظنت أن المربية ستكون حتمًا شخصًا يثق به الأمير.
لكن بما أن الأمر كذلك… ربما كانت واحدة من عدة مربيات لم يكن بينه وبينها علاقة مميزة.
لكنها بدت شبه مجنونة من الأسى لأنها لم تحمه كما يجب… فكيف لا يكون بينهما شيء؟
“إذًا، لماذا لا تحاول الاقتراب منها الآن؟ على الأقل هي في صف جلالتك.”
“لا أريد.”
“إن لم تكن ترغب… فلا حيلة لي…”
وقد قالت لتوها إن من حق الناس أن يرفضوا مشاعر الآخرين، لذا لا تستطيع أن تقول له “لماذا لا تريد؟” أو “لا ترفض”.
“لا أحد في القصر أفصح له بقلبي إلا ديارين. أنا أحب ديارين فقط. إن اختفت ديارين، قد أموت. لذا، عليكِ أن تتحملي مسؤولية ذلك.”
سيريس كان يستخدم المنطق ليُحاصر ديارين.
“… ها، مسؤولية.”
حتى من يلتقط كلبًا من الشارع، عليه أن يتحمل مسؤوليته. هذه قاعدة الحياة.
نظرت ديارين إلى سيريس.
ولكن… مهما نظرت إليه، بدا لها وكأنه قادر تمامًا على الاعتناء بنفسه.
فبذلك الوجه الوسيم، والجسد القوي، والنسب الرفيع… ما الذي ينقصه؟
هذا كان دلالًا، لا أكثر.
‘لحظة… ألم يعِش مدللًا تحت جناح الإمبراطورة حتى بلوغه سن المراهقة؟’
وهي، من عمر العاشرة كانت تعمل وتساعد في المنزل. مرحلة الدلال قد انتهت منذ زمن.
“لقد اعتنيت بك وتحملت كل شيء حتى الآن. هدأت جنونك، وأعدت لك ذاكرتك، وأوصلتك إلى القصر. أليس هذا كافيًا؟ حسب القواعد، مهمتي في تهيئتك قد انتهت. حان وقت عودتي إلى المعبد.”
قالتها ديارين بقسوة واضحة.
“ستتركينني في هذا القصر حيث لا حليف لي؟”
نظر إليها سيريس بتعبير مصدوم، عينيه تغمرهما الخيانة.
أرادت ديارين أن تواجه نظرته وتقولها بوضوح، لكنها لم تستطع. عندما ترى هذا الوجه، ينهار منطقها. تشعر أن فمها سيصيح تلقائيًا: “تافه! سأبقى معك!”
“لـ، لن أرحل فورًا، سأبقى حتى الحفل فقط. بعد ذلك، لن يكون لدي أي سبب للبقاء بجانبك.”
سواء أعلن سيريس عن هويته كأمير أو أخفاها، فكل شيء سينتهي بعد ذاك اليوم.
إن سقط الأمير الثاني، فبها، وإن لم يسقط، فلن يكون هناك سبب لاستهدافهم، فالوحدة الثامنة لن تُستخدم بعد الآن.
كان من المقرر أن يكون ذلك اليوم هو الأخير. وقد تقرر كل شيء من البداية.
سيريس يعلم ذلك تمامًا.
ولكن بدلًا من تقبله، نهض من السرير.
وربما بسبب تفكيره طوال الليل، تمايل جسده قليلًا.
“آه!”
أسرعت ديارين إليه بلا تفكير واحتضنته.
لم يسقط سيريس تمامًا.
ركع على إحدى ركبتيه على الأرض ليتوازن قليلاً ويتنفس.
“هل أنت بخير؟ … أعني، هل أنتم بخير، جلالتك؟”
خرجت منها كلمة عامية قبل أن تصحح نفسها.
رفع سيريس رأسه من حيث كان جاثمًا على الأرض. راحت ديارين تفحص وجهه وملامحه بسرعة وقلق.
“لا يوجد حرارة…”
“…ديارين.”
مد سيريس فجأة يده واحتضن خصرها.
لم تتحمل ديارين وزنه، فتراجعت وسقطت إلى الخلف، وسيريس، وقد سقط معها، لم يفلت خصرها أبدًا.
“آه! ما الذي تفعله؟!”
“… أشعر بالألم.”
“ماذا؟ تشعر بالألم؟!”
أسرعت ديارين تجلس وتنظر إلى جسده.
لم ترَ أي إصابة.
“إن كنت تتألم، فلا يجب أن تتصرف هكذا! دعني أرى مجددًا…”
“أنا أتألم عندما لا تكونين إلى جانبي، يا ديارين.”
“…”
رغم أن اليوم بالكاد بدأ، تشعر ديارين بأنها خسرت كل شيء.
هُزمت في الجدال، هُزمت جسديًا، وحتى الخداع وقعت ضحيته.
ذلك الكلب الصغير الذي أصبح قويًا أكثر من اللازم… لم يعد بالإمكان التحكم فيه.
أرخَت ديارين جسدها وانهارت على الأرض.
“… جلالتك، لا يجوز أن تفعل هذا بي…”
لكن رغم كلماتها، امتدت يدها لا شعوريًا إلى شعر سيريس.
كان سيريس يخرخر كالقط، وهو يدس وجهه في بطنها ويحتك به بسعادة.
“ديارين. ابقي معي هكذا مدى الحياة.”
“لقد قلت لكَ بالفعل إن ذلك مستحيل.”
“طريقة كلامك…”
“اذبحني إن أردت.”
لم تعد تهتم. قالتها وهي تشعر وكأن بطنها قد شُق.
قطّب سيريس حاجبيه وحدّق مباشرة في وجه ديارين.
“ألا ترين أن من الممكن أن أموت غدًا؟ ألا ترين كم أنا بائس؟”
“فقط لا تمُت، إذًا.”
“لكن إن ابتعدتِ عني… فقد أموت فعلًا.”
“كفاكِ هراءً، جلالتك.”
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 107"