1
الفصل 001
ثَمب، ثَمب.
لم ترفع ليتيسيا رأسها، بل ظلّت منكمشةً على نفسها رغم اقتراب خطوات الأقدام.
ما من أحد يرغب في الحديث معها على أي حال. حتى لو كان الحارس قد جاء لأخذها إلى ساحة الإعدام.
فمنذ أن وُجدت وحيدة، بلا خدشٍ، في الحريق الهائل الذي قضى على عائلتها، أصبحت محكومة بالإعدام دون حتى محاكمة.
لم يستغرق الأمر سوى لحظة لتسقط من مكانة الممثلة الواعدة إلى قاتلةٍ مَنبوذة. وما عاد يلازمها سوى السُّمعة السيئة.
مُجرمة حريق مسرح بوربا العظيم.
أسوأ مُشعِلة حرائق في إمبراطورية هيرتا، وأصغر سجينة محكومة بالإعدام.
في العاشرة من عمرها، حصدت ليتيسيا بوربا أبشع شهرة في الإمبراطورية.
تاب.
توقفت الخطوات أمام قضبان الزنزانة التي حُبست فيها.
“ارفعي رأسكِ.”
رفعت رأسها عند سماع الصوت البارد، فرأت رجلًا واقفًا أمامها ينظر إليها.
رجلٌ أنيق إلى حدّ جعل وجوده في هذا السجن القذر يبدو غير واقعي.
ما إن التقت نظراته بعينيها حتى نقر لسانه باستياء.
“أتظنين حقًا أن هذا الشيء القذر يمكن أن يكون بديلًا للأمير؟”
فأجابته المرأة المسنّة التي كانت تقف خلفه.
“جلالتك، هذه المحكومة بالإعدام هي الطفلة الوحيدة التي تملك نفس لون عيني سمو الأمير. لا يمكننا إرسال سمو الأمير الحقيقي كرهينة، أليس كذلك؟”
“بالتأكيد لا. أُرسل ابني إلى أرض البرابرة؟ من البديهي أنه سيموت إن ذهب. إلا إن كنتُ قد جُننت…….”
قالها الرجل بحدّة، ثم ركل قضبان الزنزانة غير راضٍ بعد.
“آه.”
شهقت ليتيسيا وهي ترفع رأسها في هلع.
عينان أرجوانيتان متشابهتان التقتا.
ثم أمر الإمبراطور.
“قاتلة بوربا، ستكونين ابني.”
بدا في وقاحته كأن الجميع سيخضعون لأمره طوعًا.
لكن ليتيسيا لم تفعل، بل سألت بجمود.
“……لماذا أنا؟”
“لأنه إن لم تكوني، فستموتين غدًا.”
رمشت ليتيسيا ببطء في وجه تهديده.
حتى لو كان الرجل الواقف أمامها هو الإمبراطور حقًا، لم تشعر بالخوف.
لأنها كانت ترغب في الموت.
“لا يهمّني.”
“……!”
“أبي، عمتي، إخوتي وأخواتي……جميعهم ماتوا. ما جدوى أن أعيش وحدي؟”
كانت فرقة مسرح بوربا بمثابة عائلتها، هي التي وُلدت يتيمة. ولم تكن ليتيسيا ترغب في العيش في عالمٍ خالٍ منهم.
لهذا السبب لم تُبدِ أي مقاومة، رغم علمها بأنها اتُّهمت ظلمًا. لقد أرادت أن تموت. هكذا فحسب.
شعر الإمبراطور للحظة بالارتباك أمام عيني الطفلة التي، رغم صغر سنّها، أبدت رغبةً صادقةً في الموت، وعجز عن النطق.
لكنه سرعان ما استعاد وقاره، وأدار رأسه كما لو أن مجرد لحظة الارتباك تلك كانت عارًا عليه.
ثم، وهو ينظر إلى السجينة المتّسخة خلف القضبان، تمتم بصوتٍ خافت.
“ليس كل أفراد فرقة بوربا قد ماتوا.”
“……!”
رفعت ليتيسيا رأسها فجأةً.
“حتى وإن كانت إصاباتهم بليغة لدرجة تجعل الموت أهون، فثمّة من لا يزال حيًّا.”
“مـ-مَن……؟”
رمقها الإمبراطور بسخرية، وقد لمح في عينيها بصيصًا من الأمل.
“إن لم يتلقّوا العلاج المناسب، سيموتون جميعًا قريبًا.”
كانت ليتيسيا صغيرة، لكنها لم تكن ساذجة.
أدركت أن مَن نجا من ذلك الحريق المريع لا بد أن يكون في حالة مزرية. وكلام الإمبراطور لم يكن تهديدًا فحسب، بل كان عرضًا كذلك.
“ما الذي يجب أن أفعله؟”
“لستِ غبية تمامًا. ظننتُ أنكِ ستبدأين بالبكاء وتتوسلين لرؤية الناجين.”
“لن تُريني إيّاهم على أي حال.”
اعتدلت ليتيسيا في جلستها بعدما كانت مستسلمة، وحدّقت في الإمبراطور بعينين حادتين.
قالت بنبرة واثقة.
“إن أحسنتُ التصرف، ستُخبرني من بقي على قيد الحياة، أليس كذلك؟ وإن أحسنتُ أكثر، قد تُسلّمني رسالةً منهما أو اثنتين. وإن رغبتَ في أن تسيطر عليّ بشكلٍ أكيد، فقط حينها ستسمح لي برؤيتهما مرة واحدة.”
طفلة جميلة، بشعرٍ ذهبي يتمايل، وخدّين ناعمين ناصعي البياض.
ليتيسيا كانت تعرف جيدًا كيف يراها الناس.
طفلة بريئة.
معظم الأدوار التي أدّتها كانت على هذا النمط.
ابنة البطل البريئة، ملاكٌ صغير يواسيه، آنسة صغيرة تجهل قسوة العالم، وما شابه.
لكن كيف لطفلةٍ وُلدت يتيمة أن تكون بريئة أو تجهل العالم؟
ليتيسيا لم تكن ضعيفة أو بريئة، إلا أمام أفراد فرقة بوربا. عائلتها، التي أحبتها رغم عدم وجود صلة دمٍ بينهم.
من أجل أولئك الذين تبقّوا من عائلتها، كانت ليتيسيا مستعدّة لفعل أي شيء.
“ماذا تريد مني؟”
سألت بصوتٍ بارد لا يُشبه صوت طفلة.
“ماذا ينبغي أن أفعل من أجل أعضاء فرقة بوربا الناجين؟”
الإمبراطور، الذي كان يتوقّع طفلةً باكية متوسّلة، مرّر يده على ذقنه كما لو أنه عثر على شيء ذي قيمة. وما دام لا حاجة لتهديدها أكثر، فقد أفصح فورًا عمّا جاء من أجله.
“الأرض التي يسكنها أولئك البرابرة المتوحشون طالبت بأحد أبنائي كرهينة.”
لم يكن في الإمبراطورية سوى مكانٍ واحد يمكن وصفه بـ’أرض البرابرة’.
دوقية فاسيلينتي الكبرى.
تنتمي اسميًّا إلى الإمبراطورية، لكنها كانت في الحقيقة مملكةً مستقلّة.
أرضٌ ذائعة السوء إلى حدّ أن أي شريرٍ يظهر في المسرحيات كان يُنسب عادةً إلى دوقية فاسيلينتي الكبرى.
كان الناس يتداولون شائعاتٍ تقول إن دوقها الأكبر يملك ثلاث عيون وأربع أذرع.
“رهينة…….”
“أنتِ ستأخذين مكان ابني الأصغر كرهينة.”
كان يقصد استبدال الرهينة. أن تحلّ محكومة بالإعدام محلّ الأمير.
تمتمت ليتيسيا دون وعي.
“إن اكتشفوا الحقيقة…….”
“لن يتمكنوا من اكتشافها، لأنهم لن يتركوكِ على قيد الحياة حتى يحين ذلك الوقت.”
كان الإمبراطور واثقًا من أن أي شخص يُرسل كرهينة سيموت لا محالة.
سألته ليتيسيا.
“الرهينة……؟”
“أجل. لقد أبرمتُ اتفاقًا سرّيًا مع ذلك الدوق الأكبر المجنون. اتفقنا على أن لا نُبالي بمصير الأمير المُرسل كرهينة. والدوق الأكبر الذي طالب باتفاق كهذا، لن يُبقي الرهينة على قيد الحياة بالتأكيد.”
كان لدى دوق فاسيلينتي الأكبر من النفوذ ما يمكّنه من فرض اتفاق كهذا على الإمبراطور. حتى ليتيسيا، التي لم تتجاوز العاشرة، كانت تعرف ألقاب ذلك الدوق الأكبر جيدًا.
الشيطان الأبيض. المرتزق النبيل. الذئب المجنون…….
“لهذا، ستكونين أنتِ ابني الأصغر.”
كانت عينا الإمبراطور الأرجوانيتين تغليان بالغضب والمهانة. كأنما مجرد التفكير في أن تتظاهر محكومة بالإعدام بأنها ابنه الأصغر كان أمرًا مذلًّا له.
“لقد قلتِ بنفسكِ إنكِ لا ترغبين في العيش. سواء متِّ في تلك الدوقية الكبرى المقفرة، أو على منصة الإعدام، ما الفرق؟”
ومع تهديد حياة أعضاء فرقة بوربا، لم يكن أمام ليتيسيا أي خيار.
“حياتكِ ستنتهي على كلّ حال، فلتنتهِ كأمير.”
ومنذ ذلك اليوم، أصبحت ليتيسيا بوربا أميرًا مزيفًا. لتلقى حتفها بدلًا عن الأمير الحقيقي.
الابن الأصغر للإمبراطور، سيون هيرتا، ذو الثمانية أعوام.
وأول أمرٍ أُصدر لها من العائلة الإمبراطورية كي تتظاهر بأنها الأمير سيون، كان ‘التجويع’.
بحجّة أن على ليتيسيا، ذات العشرة أعوام، أن تبدو أصغر لتُشبه أميرًا يصغرها بعامين.
رغم الجوع المؤلم الذي يصعب على الأطفال احتماله، صبرت ليتيسيا.
وحين انهارت بعد ثلاثة أيام من الجوع المتواصل، مُنحت أسماء الناجين من فرقة بوربا كمكافأة لها على طاعتها.
“أختي إيري، وأخي لوكا…….”
ابتسمت ليتيسيا، وهي تردد تلك الأسماء بشغف وحنين.
ربما، إن استمرت في الطاعة هكذا، فقد يسمحون لها برؤيتهم مرّة واحدة، قبل أن تُرسل لتموت كرهينة.
“أريد أن أراهم قبل أن أموت.”
يتبع في الفصل القادم.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"