الفصل 2

 

اليوم الأول_10/17 (2)

 

ألقى جاك نظرةً سريعةً على الصبي الصغير المستلقي فاقد الوعي على الأريكة، ثم عضّ على شفتيه بقوّة.

 

لكنّه سرعان ما أعاد ترتيب تعبيرات وجهه ونقل نظره إلى الرجل الواقف قرب الطفل.

 

“ما اسمك؟”

 

ردّ الرجل وهو يدفع نظارتَه المنزلقة إلى أعلى:

 

“إيان وايت. عمري خمسة وعشرون عامًا، وأعمل ككاهن.”

 

نظرتُ إليه ببطء، متفحّصةً وجهه.

 

كان إيان أبيض اللون تمامًا.

 

بشرةٌ بيضاء ناصعة، شعرٌ أبيض…

 

فقط عيناه الزرقاوان وشفتاه الحمراوان، اللتَان تُبرِزان بشكلٍ صارخ على بشرته البيضاء، كانتا اللونَ الوحيدَ فيه.

 

كان يجمع بين صورةٍ مثقّفةٍ وأخرى مقدسة، كأنّه دمية زجاجيّة صيغَتْ يدُ حرفيّ.

 

قال جاك لإيان بنبرةٍ مرحةٍ ماكرة: “وجهكَ يبدو مناسبًا للظهور في الإعلام.”

 

ابتسم إيان بخجل، وكأنّ أذنَيه احمرتَا قليلًا.

 

لم يكن معتادًا على المديح، فحوّلَ الموضوع.

 

“…بالمناسبة، أتذكّر أنّ هناك شخصًا آخر، أين هو؟”

 

آه، صحيح، ينقص واحد.

 

ربّما يُحقّق في المنزل، فكّرتُ.

 

في تلك اللحظة، خرجَ شخصٌ من المطبخ. كان يحمل في يدٍ زجاجةً من النبيذ، لا أعرف من أين أتَت.

 

…هل كان هناك نبيذ في المطبخ؟

 

حتّى لو كان، شربُ الكحول في اليوم الأوّل…

 

بالطبع، الوضع الحاليّ يجعل الصمود دون مساعدةٍ صعبًا.

 

شعرتُ ببعض الارتباك. فتحَ لوكاس فمه متردّدًا، ثمّ نظرَ إلى الوشوم التي تغطّي جسد الرجل وأدارَ رأسه بسرعة.

 

لم يُبَالِ إيان بذلك، بينما عبَسَ تشيستر فقط.

 

فقط جاك، الذي كانَ يتلعثم، نطقَ أخيرًا: “هل أنتَ عاقل الآن؟”

 

تجاهَلَ الرجل كلمات جاك بسهولة، ورفعَ الزجاجة ليشربَ النبيذ غُرْقًا. ارتفعَ حلقُه، وسالَ النبيذ الأحمر على خطّ فكّه الحادّ.

 

ثمّ أبعدَ الزجاجة عن شفتَيه، ومسحَ النبيذ عن فمه بظهر يده بقسوة.

 

“لا تتدخلوا في أمري.”

 

كان صوتُه كعواء وحش.

 

عندما اقتربَ من الأريكة، سحَبَ لوكاس، الخائفَ، آرييل الجالسة بجانبه بسرعة ليباعدَ بينهما.

 

جلسَ الرجل على الأريكة بثقل، ورفعَ قدمَيه بغرورٍ على الطاولة.

 

على عكس إيان، كانَ رجلاً مظلمًا تمامًا. بشرتُه فاتحةٌ نوعًا ما، لكنّ الوشوم تغطّيها، ممّا يجعلَ لونَه الأصليّ غير مرئيّ.

 

كان وجهُ الرجل الذي وضعَ قدمَيه على الطاولة حادًّا كسيفٍ مبيّض.

 

وشومٌ صاعدةٌ إلى الرقبة، وثقوبٌ في الأذنين…

 

وعرفتُ من هو هذا الرجل للتوّ.

 

…لوغان فان.

 

كانَ هو الرجل الذي قتلَ فيفيان في إحدى نهايات لعبة [Dear mine] العشر.

 

في اللحظة التي رأيتُه فيها، امتلأَ رأسي بصورة النهاية المرعبة.

 

لأتجنّبَ تلك النهاية، يجب أن أحافظَ على علاقةٍ ودّيّةٍ معه.

 

ربّما حدّقتُ فيه دون وعي، فالتقَى عيناي بعينَيه، وفي الحال أصبحَتْ نظرتُه حادّةً كالسيف.

 

“إلى ماذا تنظرين؟”

 

أدرتُ رأسي فورًا بعد كلماته.

 

واو، هذه أوّل مرّة أخافَ من وجه شخصٍ بهذا الشكل. بدأَ قلبي يدقّ بقوّةٍ من الخوف.

 

سخرَ لوغان مني بلا ردّ: “أوه، يبدو أنّكِ امرأةً لا تستحقّ حتّى الكلام.”

 

“…”

 

“لو التقينا خارجًا، لما تجرّأتِ على النظر إلى وجهي.”

 

…الآن أيضًا لا أجرؤ، بالضبط.

 

ابتلعتُ الردّ الثاني بصعوبة.

 

حاولَ جاك، الذي تجمّدَ الجوّ بسبب ظهور لوغان، تخفيفَ التوتر بتغيير الموضوع.

 

“آه، ومن قبل… يبدو أنّ بعضَنا يعرفُ الآخرين.”

 

التفتَ إليّ بنظرةٍ سريعة.

 

ربّما تذكّرَ الجوّ الغريبَ بيني وبين تشيستر عندما خرجنا من الغرفة.

 

ضحِكَ لوكاس بخجل حينها.

 

“أنا وأرييل نعرفُ بعضَنا منذ الصغر. نحن أصدقاء طفولة.”

 

“علاقةٌ جميلة.”

 

ابتسمَ جاك قليلًا، ثمّ نظرَ إليّ وإلى تشيستر من زاوية عينه، وسألَ بحذر:

 

“…ما علاقتكما، هل يمكنني السؤال؟”

 

توقّفتُ للحظة.

 

…ما علاقتي بتشيستر؟

 

دَرَتْ عيناي، ثمّ فتحتُ شفتَيّ بصعوبة.

 

“مع المحقّق… فقط…”

 

التقَت عيناي بعينَي تشيستر.

 

كانت عيناه الفضيّتان غارقتَين كأعماق البحر الهادئ. تابعتُ الكلام دون أن أُشِيحَ بنظري.

 

“…نحن نعرفُ بعضَنا.”

 

ارتجفتْ عينا تشيستر قليلًا عند سماع كلامي.

 

لم يكن الكلامَ خاطئًا، لكنّه شعرتُ وكأنّني كذبتُ لسببٍ ما.

 

ضحِكَ جاك بصوتٍ عالٍ.

 

“كذلك إذن. لم يكن الأمرَ كبيرًا، فقط شعرتُ أنّ الجوّ يشيرُ إلى معرفةٍ سابقة.”

 

ثمّ تنهّدَ بخفّة.

 

“على أيّ حال… اعتقدتُ أنّ التعرّفَ على بعضِنا سيُظْهِرَ شيئًا، لكنّني لا أزالُ لا أعرفُ لمَاذا اختُطِفْنا.”

 

“هاهاها، صحيح…”

 

ابتسمَ لوكاس بخجل.

 

ثمّ التقَتْ عيناي بعينَي لوغان، الذي كانَ يحدّقُ بي منذ فترة.

 

 سرعان ما بدأَ يسعلُ كأنّ شيئًا عَثَرَ في حلقِه.

 

“هـ-هل أنتَ بخير؟”

 

سألتُ بصوتٍ مرتبك، فردّ لوغان وهو يسعلُ برفعَ إصبعِه في إشارةٍ بذيئة.

 

“…”

 

حاولتُ السيطرةَ على تعبيرِ وجهي، لكنّني لم أعرفْ كيف يبدو وجهي دون مرآة.

 

أخيرًا، توقّفَ عن السعالِ وقالَ: “أنتِ.”

 

“…أنا؟”

 

ردَدْتُ دون وعي، فردَّ بغضبٍ ووجهٍ محمرّ من السعال: “من أظنّ أنّني أقصدُ غيرَكِ الآن؟”

 

لا، لكنْ هل هذا يستحقّ كلّ هذا الغضب؟

 

بدَتْ يدُه تفركُ جبينَه المجعَّدَ كأنّه لا يريدُ حتّى الكلامَ معي.

 

“ما اسمُكِ؟”

 

“فيفيان.”

 

ضيّقَ لوغان عينَيه ولفَ اسمي في فمِه. بدا اسمي غريبًا وهو ينطقُه.

 

كانَ سؤالُه المفاجئُ غريبًا. أردتُ أن أسألَ إنْ كانَ يعرفُني، لكن خِفْتُ من المزيدَ من الشتائم، فأغلقتُ فمي.

 

في الجوّ الباردِ مرّةً أخرى بفضلِ لوغان، فتحَ لوكاسُ فمَه بحذر.

 

“بالمناسبة، يبدو المنزلُ كبيرًا… هل كانَ يسكنُه شخصٌ مشهورٌ؟”

 

كما قالَ، كانَ المنزلُ واسعًا.

 

كانَ منزلُ إرنست يدورُ حولَ الصالة، مع درجٍ كبيرٍ في الشمالِ يصعَدُ إلى الطابقِ الثاني، وخَلْفَ الدرجِ مطبخٌ وغرفة طعام.

 

غربَ الصالةِ ممرٌ، وهوَ الذي رأَيْنَا فيه الغرفَ مع تشيستر.

 

شرقَ الصالةِ بابٌ واحد.

 

نظرَ لوكاسُ حولَ الصالةِ وقالَ ببطء:

 

“بعدَ أن ذهبتِ أنتِ والمحقّقُ إلى الممرِ الغربيّ، ذهبتُ أنا و العم جاك إلى الطابقِ الثاني والبابِ الشرقيّ.”

 

“كيفَ كانَ الوضع؟”

 

“للأسف، كلاهما مغلَقَان.”

 

…كما توقّعتُ، لا يزالان مغلقينِ.

 

“كيفَ كانَ الممرُ؟”

 

“أبوابُ الغرفِ في الممرِ مفتوحة.”

 

أضافَ تشيستر: “…الشيءُ الغريبُ الوحيدُ هوَ أنّ هناكَ لوحاتِ أسماءِ أمامَ الغرفِ.”

 

“لوحاتُ أسماءِ؟”

 

أومأَ تشيستر برأسِهِ.

 

“لم نرَ كلَّ الغرفِ بعدُ، لكن غرفتينا متطابقتانِ في البنية.”

 

سألَ إيان بعدَ الاستماعِ،

 “هل تحقَّقتُما فقط من غرفتيكما حتّى الآنَ؟”

 

“نعم.”

 

“إذن، للأمانِ، سأذهبُ لأتحققَ منَ الغرفِ الأخرى.”

 

دعم جاك كلامَ إيان.

 

“يبدو أنَّ التحقيقَ يأتي أوَّلًا. فلنتحدَّث بعدَ العثورِ على شيءٍ.”

 

ذهبَ إيانُ وجاك نحوَ الممرِ الغربيّ. و غادر لوغانُ، حاملًا الزجاجةَ، الصالةَ كأنَّهُ يرى أنَّها لا تستحقُ البقاءَ.

 

نهضَ لوكاسُ ليتبعهُم في التحقيقِ، لكنَّهُ نظرَ إلى آرييلِ بقلقٍ، فتردَّدَ.

 

قلتُ للوكاس بهدوءٍ: “سأبقى بجانبِ صديقتكَ، اذهب.”

 

تردد لوكاس للحظةٍ، ثم أومأ برأسه.

 

“…سأعودُ سريعًا.”

 

ركض لوكاس نحو الممرِّ.

 

نظرتُ إلى آرييل المرتجفة بخفةٍ. كانت آرييل شاحبةً جدًا، و تبدو ضعيفةً جدًا.