الفصل 71: البشر والساحرات

“من أجل البقاء؟”

“نعم.”

“لقد قلت لك من قبل. إن واجهت ذلك، فالموت ينتظرك.”

“هناك موت كثير ينتظرنا، حتى لو تغاضينا عنه.”

هناك بشر يعانون.

هناك من خاضوا قتالاً ضد أمراض مجهولة وخسروا.

الناس الباقون ذرفوا الدموع، والأرض المبتلة ستجف في النهاية.

ومع ذلك، تبقى الغمّة مدى الحياة.

“بسبب ذلك الوحش، الجميع يعاني. حتى الآن وحتى اليوم… الكثير من الناس يموتون.”

“هذا أمر محزن.”

نعم.

لكسر سلسلة الحزن، دخلنا هذا الغابة.

كنا نعلم أنها خطرة.

لا يمكننا التراجع الآن وقد كانت الأسباب أمامنا مباشرة.

إذا كنتُ أنا — التي تخاف بسهولة — أعتقد ذلك، فليورين-كن والآخرون بالتأكيد لن يتوقفوا.

“إذن، آسفة. لا أستطيع قبول ذلك التحذير.”

“…أفهم. أنتِ حاسمة في قرارك.”

“نعم.”

أجبت بوضوح.

ثم نفَسَتْ نفساً خفيفاً، كما لو مالت عليها الدهشة أو الاستياء.

“تنهيدة، مهما تبدّل الزمان يظل الناس عنيدين.”

بينما تمتمت بتلك الكلمات، سُمِعَتْ صلصلة خلف ظهرها.

عندما التفتُّ، كان الباب قد فُتح من تلقاء نفسه.

“لن أعيقك بعد الآن. افعلي ما تَشائين.”

“نعم… آسفة.”

“لا حاجة للاعتذار. قد نبهتك، لكن لا يهمني أي طريق تختارين.”

‘اذهبي الآن’، أشارَتْ إليّ بعينيها.

سِرتُ نحو الباب كما أمرتني.

لكن الفضول انتابني فلا أستطيع السكوت.

توقفتُ والتفتُّ لأسألها.

“نيبيل-سان، لماذا أنتِ هنا؟”

“لماذا ماذا؟”

“في مكانٍ خطير كهذا، مع وجود وحش أمامكم. إذا كان الضباب السام سبب المرض، فقد تُصابين يوماً ما أيضاً.”

“فوفو، هل تقلقين عليّ، يا ساحرة؟”

ابتسمت بسعادة.

كانت ابتسامتها بريئة وطفولية.

رغم أننا فتاتان، شعرت بقليلٍ من الخفقان في قلبي.

“لكن لا داعي للقلق. أنا لا أمرض. حتى لو كان ساماً للبشر، فلا يؤثر عليّ. الوحوش مصدر إزعاجٍ بسيط، لكن طالما لدي حاجز الضباب هذا، فهي لن تقترب.”

“أفهم… في هذه الحالة، ضباب، حاجز من الضباب…”

خطر ذلك فجأة في بالي.

نعم.

كان هناك هَمّ كبير شاغلني.

يمكن القول إنني بقيت في الغرفة لأتأكد منه.

“هل هذه سحر أيضاً؟ هل يمكنك حقاً استخدام هذا القدر دون مشاكل؟ إن استخدام السحر يقلل من العمر، أليس كذلك؟”

“العمر؟ هذا شيء يقتصر على البشر، أليس كذلك؟”

“ها؟”

“نحن الساحرات مختلفات. لدينا الطاقة السحرية، في النهاية.”

لم أستوعب ذلك وانحنت رأسي في حيرة.

هل المعنى أن وجود الطاقة السحرية — تلك الطاقة اللازمة لاستخدام السحر — يجعل الأمر مقبولاً؟

إذن، الساحرات مختلفات عن البشر لأنهن مخلوقات تمتلك طاقة سحرية؟

“لصنع شيءٍ ما، دائماً ثمنٌ يجب دفعه. كما أن فنّ التحويل يستهلك المواد، كذلك السحر يستهلك الطاقة السحرية. البشر الذين لا يملكون طاقة سحرية يستهلكون عوضاً عن ذلك قوتهم الحياتية. هذا هو الفارق الوحيد.”

إن كان الأمر كذلك، فلماذا يوجد بشر قادرون على استخدام السحر؟

كان سيكون أفضل بكثير لو لم توجد قوة مرعبة تقصّ عمرهم إن استخدموها.

“هل ثمة معنى لوجود السحر حتى اليوم؟”

“لا أعلم. إن كان من يعلم، فربما لا يعرفه إلا الحاكمة.”

“حاكمة… هل توجد حاكمة حقاً؟”

“نعم، هناك. لقد قابلتِ أحد الحكام بالفعل، أليس كذلك؟”

“ها…”

بكلماتٍ غير متوقعة، توقفت أفكاري فجأة.

انحسرت دهشة وجود شخصية من حكاياتٍ تُدعى حاكمة أمامي، وحلت مكانها دهشة أعظم لكونه قريباً مني.

“ه-هذا يعني…”

“لا أستطيع القول أكثر. إنه أمر لا يُسمح لي بالحديث عنه.”

قبل أن أتمكن من السؤال عمَّ كان يقصد، رفضتْ الإجابة.

بدت عليها اللوعة لسببٍ ما، ونصحتني وهي تنظر إليّ.

“حسناً إذن، اذهبي الآن. سأزيل الضباب لفترة. إذا خرجتِ من البيت وسرتِ مباشرة فستلتقين برفاقك.”

“ح-حسناً. شكراً لأنك علمتني كثيراً.”

“حسناً. ولا أستطيع مواصلة الحديث الذي بدأناه سابقاً، لكن سأعلمك شيئاً مقابل ذلك. مهما كان، للبشر حدود. والطريقة لتجاوز تلك الحدود هي السحر… قد لا تكون كلمة ‘غير إنساني’ مجرد استعارة، أتعلمين؟”

“ماذا——”

حاولتُ أن أطلب توضيحاً، لكن عندما رأيت تعبير وجهها أدركت أنها تحثني على التفكير بنفسي من الآن فصاعداً، فسحبت الكلمات التي أوشكت أن تفلت من فمي.

فالتفتُّ إليها ثم عبرتُ الباب المفتوح.

“وداعاً يا سيدة فنّ التحويل الطيبة. عندما تعودين، لنتبادل حديثاً أكثر متعة.”

عندما نظرت إلى الوراء، لم تكن في الأرجاء.

كان البيت مغطّىً بضباب كثيف يحجب الرؤية.

كان الأمر كما لو أن كل ما رأيته حتى الآن كان وهمًا.

مع ذلك، كنت أظل أشعر بحضورها، أمامي.

‘…نعم.’

قالت “إلى اللقاء في المرة القادمة.”

إذن لا بد من وجود يوم سأزور فيه هذا المكان مجدداً.

إذا كان كذلك، فأنا سعيدة.

لا زالت هناك أمور كثيرة أرغب في سؤالها.

وقبل كل شيء، وجود مستقبلٍ يعني أن الأمر كذلك.