الفصل 70: لا أستطيع فعل ذلك
ساحرة.
في قديم الزمان، وُجد سحرة في هذا العالم.
وكانت هناك امرأة واحدة تُدعى “الساحرة”، امتلكت قدرة على جعل المستحيل ممكناً رغم كونها بشرية.
لقد كرهت العالم.
واحتقرته.
ولم يكن في وسعها أن تجيب عن سؤال “لماذا”.
لأن أحداً لم يعرف مشاعرها الحقيقية.
لكنها، بلا شك، كانت تحمل حقداً شديداً على هذا العالم.
ولهذا حاولت أن تدمره.
وفي النهاية، لم يتحقق هدفها، لكن سُفِك الكثير من الدماء لإيقافها.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت الساحرات موضع كراهية وخوف.
وحتى اليوم، في عالم انحسر فيه السحر واندثر اسمها، ما زالت تمثل حضوراً مخيفاً للغاية.
عندما يُذكر اسمها، لا يمكن لأي ابتسامة أن ترتسم.
ومع ذلك… هي نطقت به.
بلا تصديق، عرّفت نفسها.
“سـ… ساحرة الضباب…”
“هذا ما يُطلق عليّ. لكنني لا أحبه حقاً.”
هل الأمر مجرد تفضيل شخصي؟
إلى أي مدى تفهم فعلاً معنى أن تصف نفسها بالساحرة؟
تدفقت الأسئلة والريبة داخلي.
ورغم أن جسدي لم يرتجف، إلا أنني كنت أصرخ داخلياً بوجوب الفرار من هنا حالاً، وقد انعكس ذلك على ملامحي.
عندها هي…
“…نعم. حتى أنتِ تصنعين هذا الوجه.”
تمتمت بصوت غارق في الوحدة.
لم أفهم السبب.
فعلى الرغم من أنها قدّمت نفسها كساحرة، إلا أنها بدت غير راغبة في أن تُدعى بذلك.
بدا وكأنها تمضغ وحشةً ثقيلة، وقد استسلمت لواقعها.
كان الأمر تماماً كما كنت أنا في الماضي.
“أنتِ… الساحرة، أليس كذلك؟”
“نعم، هكذا يُطلق عليّ.”
“الساحرة التي سمعت عنها كانت شخصاً شريراً جداً. لكنكِ أنتِ…”
“تلك كانت سلفتي. القاسم المشترك بيننا أننا امرأتان فقط. أما الأفكار والمعتقدات… فلا نشترك فيها.”
تحدثت بنبرة هادئة رقيقة.
وفي تلك اللحظة، اختفى الخوف الذي كان يسيطر عليّ في البداية.
ما بقي فقط هو القلق على يورين-كون، وفضولي الصافي تجاهها.
“أنتِ لستِ… شخصاً سيئاً، أليس كذلك؟”
“أظن ذلك. ألم أنادِكِ إلى هنا لأني أملك طلباً؟”
“طلب…؟ تقصدين أنكِ تريدين مني أن أفعل شيئاً؟”
‘هل استدعتني لأمر يخص فنون التحويل؟ أم أنها تريد شيئاً آخر؟’
شدَدتُ نفسي وانتظرت جوابها.
“الأمر لا يخصكِ وحدكِ. الطلب نفسه أوجهه إلى من جاءوا معكِ أيضاً… أرجوكم، لا تتقدموا أكثر. أريدكم أن تعودوا.”
“هاه؟”
لم يكن ذلك ما توقعتُ سماعه.
فلم تطلب مني أن أصنع شيئاً أو أمنحها شيئاً.
ما أرادته ببساطة هو أن نغادر المكان.
“…لماذا؟”
“لأنه خطر.”
“خطر؟”
“يسكن في ما وراء هذا المكان وحش مخيف جداً. ولهذا من الأفضل ألا تقتربوا.”
لقد سمعت منها كلمة “وحش”.
قد يكون هو نفسه الوحش الذي نبحث عنه.
شعرتُ بالحماسة لمجرد الفكرة، ونسيتُ تحذيرها وسألتها مجدداً:
“إذن، هناك وحش في أعماق الغابة؟ أيّ وحش هذا؟”
“إنه يتخذ هيئة شرنقة ضخمة. وسمومه تنشر العنف في قلوب الوحوش الأخرى. وإذا اقتربتَ منه أكثر مما ينبغي، فإنه قد يؤثر على البشر أيضاً.”
“سموم… إذن هذا هو السبب.”
سبب المرض الذي بدأ ينتشر؟
الوحش الذي يطلق ضباباً سامّاً يؤثر على البشر ويجعل الوحوش الأخرى أكثر عنفاً.
كان الأمر أشبه بتركيب فرضيات متناثرة لتشكيل حقيقة كاملة، بعدما لم تكن سوى مجرد فكرة.
“هل يمكن أن تخبريني المزيد عن ذلك الوحش؟”
“لماذا؟”
“لقد جئنا إلى الغابة لنبحث عنه!”
“…ذلك ليس قراراً صائباً.”
لتبريد حماسي، أنكرت ببرود وبصوت منخفض.
ولوهلة، اجتاحني شعور قارس كالثلج.
“لكننا…”
“ذلك الوحش مخيف للغاية. على الأقل، ليس خصماً يمكن لبشر عادي أن يهزمه. أنتم ذاهبون إلى الموت، أتفهمين؟”
“الموت…؟”
“نعم. لذا، لا تتقدموا أكثر. لا أريد سفك دماء لا لزوم له.”
تكلمت بصوت مفعم بالحزن والألم.
‘هل… هي قلقة علينا؟’
لقد نظرت إليّ بعينين تشعان بالاهتمام والشفقة.
“الموت…”
وما إن سمعت تلك الكلمة، حتى تخيلت صورة مروّعة لمصرع يورين-كون على نحو بشع.
وليس الأمر أنني لم أفكر في ذلك من قبل.
كنا نعلم يقيناً أن الوجهة التي قصدناها تعج بالأخطار.
وأظن أننا جميعاً احتفظنا في أعماقنا بأسوأ الاحتمالات.
لكن لم ينطق بها أحد بصوت عالٍ، لئلا يستبدّ بنا الخوف ويشلّ تقدمنا.
فإذا كنتَ بشرياً، فالموت مخيف.
ومن الحماقة أن تدفع بنفسك طوعاً إلى الخطر وأنت تعرف أنك قد تفارق الحياة.
لكن…
الكثيرون يعانون.
وهم يواجهون الموت بالفعل.
يعيشون في رعب، لا يعلمون إن كانوا سينجون من هذا اليوم.
يحيون تحت وطأة فكرة أن شخصاً عزيزاً عليهم قد يموت غداً.
لقد جئنا إلى هنا لمساعدتهم.
“أنا آسفة.”
أجبتها.
وأدركت عندها ما الذي جئنا من أجله حقاً.
“لقد جئنا إلى هنا من أجل البقاء. لذلك… لا أستطيع تنفيذ طلبك.”
التعليقات لهذا الفصل " 70"