الفصل 69: منزل الساحرة
بدأ الضباب ينقشع في بعض المواضع.
لا تزال الجهة المحيطة مغطاة بضباب كثيف يحجب الرؤية.
غير أنّ موضعاً واحداً أمامي بات واضحاً تماماً.
كأن الضباب يتجنب المكان عن اليمين واليسار.
كوخ صغير ينتصب بجوار بحيرة ليست كبيرة على نحو خاص.
لو كان هذا الكوخ في البلدة، لكان عادياً لا يثير أي انتباه.
فلماذا أشعر بانجذاب نحوه؟
كأنّ الكوخ يلوّح لي طالباً مني الاقتراب.
“――!”
خطوت خطوة للأمام، ثم توقفت فجأة.
لدهشتي، أحسست كأن قدمي تُسحب قسراً، فسارعت بالتراجع ثلاث خطوات إلى الوراء.
“ما أمر هذا الكوخ…؟”
بدأ الخوف يتسلل إلى قلبي.
خوف من العجز الذي سببه ابتعادي عن يورين-كون، وخوف من عالم مجهول أمامي.
امتزج الاثنان معاً ليضاعفا الخوف.
هذا أمر غير طبيعي بوضوح.
قد لا يكون وجود كوخ في الغابة غريباً، لكن وجوده في مكان كهذا أمر غير مألوف.
غابة يملؤها الوحوش، لا يجرؤ البشر على دخولها.
ضباب يحيط من كل جانب يحجب الرؤية، وحده هذا الموضع صافٍ وواضح.
“عليّ أن أعود في النهاية―― لكن…”
كيف لي أن أعود؟
حين التفتُّ، كان الضباب يملأ ما خلفي فلم أستطع رؤية أي طريق.
إن حاولت مغادرة المكان، فلن أفعل سوى أن أتيه من جديد في الضباب.
ولم أعد أسمع صوت يورين-كون ولا الآخرين؛ ربما ابتعدت عنهم كثيراً.
وإن كان الأمر كذلك، فقد يكون التحرك عشوائياً خطيراً.
وفوق ذلك، لدي بعض الاستعدادات للطوارئ.
‘…هل عليّ أن أذهب وأتفقد؟’
حسمت أمري وتقدمت نحو الكوخ الصغير أمامي.
الغريب أنّه ما إن اتخذت قرار الاقتراب، حتى خفت وطأة القلق العميق في داخلي.
هذا ما بدا لي.
وبفضل ذلك، خفّت خطواتي حتى بلغت جوار الكوخ.
لم يكن له سوى مدخل واحد.
وقفت أمام باب قديم لكنه مُعتنى به جيداً.
طرقت: طق… طق… طق.
وبعد ثلاث طرقات، ناديت بصوت مسموع نحو الداخل:
“المعذرة، هل يوجد أحد هنـــا――”
لكن قبل أن أنهي عبارتي، انفتح الباب محدثاً صريراً.
لم يسحبه أحد، بل انفتح من تلقاء نفسه.
ولم يكن أحد واقفاً عند المدخل، لكن في الداخل جلست امرأة.
“مرحباً يا آنسة. تفضلي بالدخول.”
كان صوتها عذباً صافياً كخرير نهر رقراق.
لقد كانت أجمل امرأة رأيتها في حياتي.
هل أقول “فاتنة”؟
شعرها بلون بنفسجي فاتح، وعيناها زرقاوان عميقتان.
بشرتها بيضاء ناعمة، تكفي لمسة شمس خفيفة كي تصبغها حمرة، وجسدها رقيق.
لكن أكثر ما يميزها هو ذلك الجو الذي يحيط بها… وكأنها ليست بشراً.
“ما الأمر؟ هيا ادخلي بدلاً من أن تبقي واقفة خارجاً للأبد.”
“أ-أمم…”
“لا بأس. لديّ طلب صغير منك فقط. ما إن نتحدث عنه، ستتمكنين سريعاً من العودة إلى رفاقك.”
“ر-رفاقي، يورين-كون والبقية؟!”
هل تعرف…؟
حيث يوجد يورين-كون والبقية الآن.
وكأنني انجذبت بقوة إلى اسمه، خطوتُ داخل الكوخ.
وما إن دخل جسدي بالكامل حتى أُغلق الباب من تلقاء نفسه.
استدرت عند سماع صوت المزلاج، لكن لم يكن هناك أحد.
بالطبع، لم أكن أنا من أغلقه.
“أعتذر إن أخفتكِ. لكن الخارج خطير، فلنجري حديثنا في الداخل.”
“هل يورين-كون والبقية في خطر؟!”
شعرتُ بالاضطراب.
‘هل حدث لهم أمر سيئ دون أن أعلم؟’
أردتُ أن أسألها إن كانت تعرف شيئاً عن ذلك.
فأجابت بهدوء:
“إذن اسمه يورين. لا تقلقي، إنهم بخير. لا يمكنهم الذهاب إلى أماكن خطرة وهم داخل ضبابي.”
“ضبابكِ…؟”
لماذا صاغت العبارة على هذا النحو؟
كأنها تقول إن الضباب صادر عنها هي نفسها.
الضباب الذي يتكون بسبب انخفاض مفاجئ في درجات الحرارة ظاهرة طبيعية.
يمكن للمرء أن يعيد إنتاجها بشكل ضئيل، لكن توليد ضباب كثيف بهذا الحجم يغمر الغابة أمر مستحيل.
على الأقل بالنسبة لنا نحن البشر.
‘إن كان ذلك ممكناً――’
“سحر؟”
“نعم. أنا من صنع هذا الضباب.”
ابتسمت وهي تقول ذلك.
عندها تذكّرت ما قاله صاحب السمو آش.
لقد قال إنه يمتلك قوة السحرة.
إن كان السحر، الذي سمعتُ عنه، قوةً تتجاوز حدود معرفة البشر، فربما يمكنه حقاً التسبب بمثل هذه الظاهرة.
لكن…
“أنتِ…”
وفجأة تذكرت شيئاً آخر.
ذلك الاسم الذي كان الناس من حولي يطلقونه عليّ حين بدأت العمل في قصر يورين-كون الملكي.
سألت المرأة أمامي بوجل:
“أمّم، من تكونين بالضبط؟”
إن كانت هي الشخص الذي خطر في بالي.
إن كانت هي نفسها.
فلا بد لي أن أتهيأ للأسوأ.
بدأ العرق يتصبب من جبيني، وحلقي يجف.
بلعت ريقي بصعوبة، كأنني أتنهد لأخفي ارتباكي.
ثم――
“أنا نيبيل. لقد كنتُ أُسمّى يوماً بساحرة الضباب.”
أجابت.
بوضوح ودون أدنى تردد.
إنه الاسم الأسوأ الذي كنت أتوقعه.
التعليقات