الفصل 64: وداع دامع
وبين يدي الإكسير المكتمل، قصدتُ المنشأة التي يُعالج فيها المرضى ذوو الحالات الحرجة.
لم يَمضِ وقت طويل منذ زيارتي الأخيرة.
لكن…
“آه… أُغ…”
كانت حالته قد ساءت.
جسده كان مغطّى بنقوش شوكية، تلك التي سبق وأخبرني عنها.
كان يصرخ من الألم، وعرق غزير يتصبب منه، دلالةً على الحُمّى العالية.
“هذا… لم تكن قد وصلت إلى عنقه منذ قليل.”
حين زرناه أول مرة، كانت الأشواك قد تقدمت حتى صدره.
لم يمر سوى نحو أربع ساعات منذ ذلك الحين.
لكن في غضون تلك الفترة القصيرة، بدأت الأشواك تغزو وجهه.
لقد اجتازت بالفعل معصميه وكاحليه.
“هذا سيئ. سمعت أنه ما إن تصل النقوش الشوكية إلى كامل الجسد، فهذا يعني——”
——الموت.
تقدّم الأشواك يعني نهاية الحياة.
كانت حياته على وشك أن تنتهي.
“ما الذي ينبغي أن نفعله يا ني سان؟”
“…لنجرّب بسرعة أن نسقيه الإكسير. تقنيًا، نحن بحاجة إلى موافقته، لكن لا يوجد خيار آخر الآن.”
“أوافق. لن يصمد طويلًا على هذه الحال على أي حال. ينبغي أن نفعلها ما دام هناك احتمال لإنقاذه.”
كان يورين-كون محقًا.
لا أستطيع أن أبقى مكتوفة الأيدي وأشاهد حياةً تُزهق أمامي.
أخرجتُ قارورة الإكسير.
“فوساكي-كون.”
“مفهوم. سأدعمه، فرجاءً أعطه الإكسير ليشربه.”
“سأساعد أيضًا.”
“شكرًا لك.”
رفعاه الاثنان، مسندَين إياه من كتفيه وظهره.
ليس من الجيد إعطاء سائل لشخص بوعيٍ مضطرب، إذ هناك خطر أن يدخل خطأً إلى رئتيه.
لكن، وبرغم ذلك الخطر، قررتُ أن نسقيه الآن.
سكبتُ الإكسير في فمه.
الإكسير شبه الشامل انساب عبر حلقه ودخل إلى جسده.
كان أثر الإكسير فوريًا.
فما إن يُشرب حتى يظهر تأثيره.
وعلى الجانب الآخر، إن لم يظهر مباشرةً، فلن يعمل أبدًا.
حبسنا أنفاسنا نصغي لصوت بلعه الإكسير.
“أووه… آه… من أنتم؟”
حرّك فمه ونظر إليّ.
كان وعيه أوضح بكثير مما كان عليه في لقائنا الأول.
ويبدو أن أنفاسه المتقطعة بدأت تهدأ.
التقيتُ بعينيهما مسرورةً لرؤية أثر الإكسير، ثم عدتُ بنظري إليه وخاطبته ببطء.
“مرحبًا. هل تسمعني؟”
“نعم… أسمعك.”
هذا جيد.
إنه يسمعني ويستجيب بشكل صحيح.
“تشرفت بلقائك. أنا آريا، سيّدة التحويل في القصر الملكي.”
“سيّدة التحويل…؟”
لم يبدو أن الاسم قد أثار صدى لديه.
يبدو أنه لا يتذكر التعريف الأول.
لقد كان فاقد الوعي حينها، فلا غرابة ألا يتذكر.
“كيف حال جسدك؟ هل تشعر بأي ألم أو انزعاج؟”
“…غريب، لكنني لا أشعر بأي ألم. ولا أي انزعاج. هل فعلتِ شيئًا؟”
“نعم، جعلتك تشرب إكسيرًا قمتُ بصنعه. أعتذر لأني تصرّفت من تلقاء نفسي.”
“أفهم… هذا إذن سبب شعوري… آه، لكن…”
للحظة، ارتسمت على وجهه ابتسامة سعيدة.
غير أن دموعًا حزينة سرعان ما انسابت من عينيه.
“هل أنت بخير؟ ربما يكون مفعول الإكسير قد تلاشى بالفعل.”
“لا، بفضلك الأمر ميسّر جدًا.”
ورغم قوله ذلك، إلا أن تعبيرًا بالغ الحزن كان مرسومًا على ملامحه.
لم أفهم مغزى تعبيره.
مفعول الإكسير ينبغي أن يكون قائمًا على نحو صحيح.
وإلا، لما كان بوسعنا حتى أن نجري محادثة.
“…زوجتي… تعمل في متجر ملابس إلى الغرب من البلدة. هل يمكنكِ أن توصلي إليها رسالة؟”
“رسالة؟”
“نعم. أريدها أن تعلم… كلماتي الأخيرة.”
“كلماتك الأخيرة؟”
لكنني سمعت منه كلمات حزينة.
بمعنى آخر، كانت وصيّة رجل يحتضر.
“شكرًا على الجرعة. لقد جعلت الأمر أسهل… لكنني أعلم. لم يتبقَ لي الكثير من الوقت. أنتِ تدركين ذلك أيضًا… أليس كذلك؟”
“…”
صحيح.
أنا أدرك ذلك.
أراه بعيني، لذلك لا أستطيع إلا أن أعلم.
الجرعة خفّفت من أعراضه.
باستثناء شيء واحد لم يتغير على الإطلاق.
“النقوش…”
“آه، لم تختفِ. بل على العكس――.”
وبينما كان يورين-كون على وشك أن يقول ذلك، بدأت بالانتشار.
فوساكي-كون لاحظ ذلك أيضًا.
ربما هدأت الجرعة الأعراض، لكنها لم تشفِ المرض.
من المرجح أن تسير على نفس المنوال الذي سارت عليه الجرعات السابقة.
تحسّن مؤقت يعقبه مزيد من الألم والمعاناة.
“…”
“لا تصنعي ذلك الوجه. جرعتك مذهلة. بفضلها استطعت أن أحظى… بهذا الوقت لأتحدث معكم.”
إنه يوجه إليّ كلمات طيبة.
إليّ، التي تتحسّر على عجزها، بينما أعي حتمية فنائه.
أشعر برغبة في البكاء.
أريد أن أشيح بعيني وأغلق أذني.
ومع ذلك، أصغي إلى كلماته.
لأشهد لحظاته الأخيرة.
“الرسالة، من فضلك.”
“شكرًا لك. إلى زوجتي… فقط شيء واحد… كنت سعيدًا لكوني معها. أرجوكِ… ابحثي عن سعادتكِ أنتِ أيضًا. أرجوكِ أخبريها بذلك.”
“نعم. سأخبرها بالتأكيد.”
إنه حقًا رجل طيب.
حتى آخر لحظة، يتمنى سعادة شخص آخر.
بعد ذلك، أغلق عينيه.
سقط في نومٍ أبدي، لن يستيقظ منه أبدًا.
“آه…”
انهمرت دموعي بلا إرادة.
لم أعد أستطع الاحتمال، ففاضت مني.
يورين-كون وضع يده بلطف على كتفي، من دون أن يقول شيئًا، فقط يراقبني بصمت.
في ذلك اليوم، عايشتُ الموت لأول مرة في حياتي.
التعليقات لهذا الفصل " 64"