2
في اليوم الذي تلقّى فيه المرسوم الإمبراطوري للخطوبة من سيدة نبيلة لم يرها من قبل، لم يتمكن سيدريك لوييل من احتواء غضبه تجاه الإمبراطور.
“كيف يمكنه استخدام اللقب الذي كان من المفترض أن أرثه كتهديد لإجباري على هذا؟”
وقال كاسيل، مساعد والده السابق ومستشاره الحالي.
“إنه في الواقع زواج معقول.”
انفجر سيدريك في النهاية غضبًا.
“كيف يُفترض أن يكون الزواج الذي يتجاهل إرادتي تمامًا معقولًا؟!”
“حتى لو كانت من فرع من العائلة المالكة، فهي من أصل نبيل عظيم. وجزء من تركة كاسييه الثرية التي تُترك باسم إيلين كاسييه سينقل إلى منزل الدوق الأكبر.”
“ليس الأمر وكأن الدوقية تعاني من نقص في المال.”
“الشمال أرض ذات إنتاجية منخفضة جدًا. منجم ذهب واحد من كاسييه يكفي لإطعام سكان منطقة صغيرة لمدة عام كامل. إذا استطعتَ أن تكون كريمًا مع مرؤوسيكَ، فستتمكن من ترسيخ سلطتكَ بشكل أقوى.”
لقد تمّ تدريب سيدريك ليكون الوريث منذ الطفولة. لقد كان سيدريك يعلم منطقيًا، أن كل ما قاله كاسيل كان له معنی.
“ولكن لم يكن الأب بحاجة إلى القيام بذلك.”
“من كان يجرؤ على التشكيك في قيادة الدوق الأكبر؟”
عرف سيدريك أنه لم يكن قريبًا حتى من مستوى والده الراحل، لذلك بقي صامتًا. فكر: “لا يزال… أجد نفسي فجأة مجبرًا على الخطوبة بهذه الطريقة؟ اعتقدتُ أن التعهد بالولاء للإمبراطور سيكون كافياً للحصول على الختم والعودة إلى أرضي.”
[سيدريك، ستعود قريبًا، أليس كذلك؟]
[بالتأكيد. ابقي آمنةً أثناء غيابي. إذا احتجتِ إلى أي شيء، فأخبري كبير الخدم.]
تمتم سيدريك في نفسه: “لو كنتُ أتخيل يومًا أنني سأقضي حياتي مع شخص ما، فقد تصورتُ أنه سيكون شخصًا مثل ديانا، التي كانت بجانبي منذ الطفولة. لم أكن لأتخيّل أبدًا أن مستقبلي سيتم تحديده فجأة. لابد أن إيلين كاسييه أخبرت جلالته أنها تريد الزواج مني. وإلّا لما حصلتُ على هذا النوع من المرسوم الإمبراطوري. وكانت جميع النساء النبيلات اللاتي التقيتُ بهن في المناسبات الاجتماعية في العاصمة متشابهات، حيث حاولن علناً وضع بناتهن كدوقة كبرى مستقبلية. في البداية، كنتُ أرد بأدب على عروض الزواج العديدة. الآن؟ أُلقي الرسائل مباشرة في الموقد. أراد أبي أن أتزوج بمَن أُحبُّها، تماما كما فعل مع أمي. ولهذا لم يكن هناك زواج مُرتّب في صغري.”
لكن الدوق الأكبر لوييل رحل. الشمال بدونه مختلف تمامًا. لقد فقد سيدريك والدته عند الولادة. كان والده حزينًا، فقد أمضى معظم حياته في ساحة المعركة، ومات هناك أيضًا. بالنسبة لسيدريك، الذي نشأ على قصة الحب العميق، كان الزواج يعني اختيار أن تكون مع امرأة يُحبّها ويعتزّ بها حقًا.
“سيدي الشاب، يجب أن تفهم أنكَ الآن في وضع يتوجب عليكَ فيه اتخاذ خيارات بشأن الدوقية.”
لقد فهم كاسيل مشاعر سيدريك، لكن الوضع لم يسمح بالعاطفة. كان عليه التعويض عن قيادة سيدريك التي لا تزال في طور النمو بطريقة أخرى.
“مع ذلك، لا أستطيع تقبّل هذا. حتى لو كان ذلك يعني العودة إلى الحرب، لن أتزوج بهذه الطريقة.”
لقد قرٌر سيدريك أن يتزوج بامرأة يُحبّها، وأوضح أنه لن يقبّل بهذا الزواج أبدًا.
ولكن في وقت لاحق، عندما جاء سيدريك عند الفجر لمقابلة إيلين كاسييه، مصممًا على إخبارها بذلك وجها لوجه، فوجئ وأُخذ على حين غرة.
تمتم سيدريك في نفسه: “لقد كنتُ أتوقع منها أن تكون صعبة الإرضاء ومتغطرسة، مثل السيدات النبيلات الأخريات اللواتي رأيتهن. لكن المرأة التي نظرت إليّ بهدوء دون أي تغيير في تعبيرها… لم تكن كذلك على الإطلاق.”
ادارت إيلين المحادثة على الفور قبل أن يتمكن سيدريك من الرد.
“هل ستبقى واقفًا هناك إلى الأبد؟”
اختارت إيلين مقعدًا بالقرب من القصر وجلست عليه، وأشارت بذقنها له ليجلس بجانبها.
لم يستجب سيدريك.
“افعل ما تريد…”
وجّهت إيلين نظرها نحو نوافذ القصر.
كان المنزل الهادئ يعود إلى الحياة ببطء.
بغض النظر عن مظهرها، فقد حضر سيدريك لوييل، خطيبها. كان على إيلين أن توضح للجميع في المنزل أن هذه الخطوبة حقیقية. ولهذا السبب اختارت إيلين عمدًا هذا المكان المرئي للغاية.
فكرت إيلين: “لذلك سوف يزعجونني أقل.”
استندت إيلين على يدها وراقبت وجه سيدريك، ودرست ردود أفعاله.
كان سيدريك يقبض قبضتيه ويرخيهما، ويبدو مرتبكًا وغير متأكد. وأخيرًا تحدث.
“لن اتزوجكِ ابدًا.”
لقد كان إعلانًا طفوليًا ومبهرجًا، وكان متوقعًا للغاية إلى درجة أنه كان مخيبًا للآمال تقريبًا…
“لا أريد الزواج منكِ.”
بل إنه قال ذلك مرتين، وكأنه يُريد التأكيد على مدى جديته…
حدّقت إيلين بصمتٍ في سيدريك، الذي كان يتحقق من رد فعلها خلسةً، ثم ردّت بنبرة هادئة.
“أنا لا أُخطط للزواج من رجل لا يريدني أيضًا.”
فكرت إيلين: “لقد تصوّرتُ أن سيدريك باعتباره الوريث الوحيد الذي نشأ في الشمال، سوف ينشأ مع شعور قوي بالفخر. ومع ذلك، فإن سيدريك لوييل الحالي… كان ساذجًا إلى حد مدهش. وخاصة من وجهة نظري، بما أنني أعرف بشكل غامض الرجل الذي سيُصبح عليه بعد المرور بالعديد من الصعوبات. لقد كان من الواضح أنه جاء إلى هنا بكلمة واحدة فقط في ذهنه، الانفصال.”
قبل أن يتمكن سيدريك من الجدال مرة أخرى، تحدّثت إيلين أولاً.
“لا أُخطط للزواج. أريد أن أحتفظ بثروتي لنفسي. نظرًا لأنني مازلتُ لم أبلغ سن الرشد، فهذا مجرد خطوبة في الوقت الحالي. لذا، استمر في اللعب حتى تصبح دوقًا. ثم يمكنكَ إرسال رسالة الانفصال إليّ. الأمر بسيط.”
“كيف لي أن أعرف أنكِ ستفعلين ذلك فعلاً؟ كيف لي أن أثق بأنكِ ستقبلين فسخ الخطوبة طوعاً؟”
“تبدو كطفل. هل تعتقد حقًا أن كل سيدة نبيلة في العالم تلاحقكَ لمجرد أنكَ وريث دوق أكبر؟”
كما كان متوقعًا، انفجر سيدريك غضبًا.
“أنا لستُ طفلًا!”
“أنتَ كذلك. لا ينبغي للدوق الأكبر المستقبلي أن يغضب بسهولة.”
أعطته إيلين ابتسامة خفيفة. فكرت: “من الواضح أن سيدريك لوييل ما زال غير ناضج. لقد نشأ بأمان داخل أسوار الشمال الواقية، لكنه كان بعيدًا كل البعد عن أن يكون حادًا ومتصلبًا مثل رياح الشتاء التي سيواجهها يومًا ما.”
“لستُ مهتمةً بكَ يا سيدريك لوييل. كل ما أريده هو أن أعيش بهدوء للسنوات الأربع القادمة، ثم آخذ ما هو حقي وأرحل.”
“بجدية؟”
“بصراحة من الأفضل لكَ أن تبقى منشغلاً في الوقت الحالي. مجرد فكرة حصول عائلة لوييل على حصة من منجم ذهب كاسييه قد تعود عليكَ بفائدة أكبر من أن تصبح دوقًا فورًا.”
فكر سيدريك: “لم يكن الأمر مختلفًا كثيرًا عما أخبرني به كاسيل.”
فجأة شعر سيدريك بالحرج من تصرفه غير الناضج. أدرك أخيرًا مدى سلوكه الطفولي، كان يشعر بالإحباط والشك.
إيلين جالسة هناك وساقيها متقاطعتان، أمالت رأسها بهدوء بينما تنظر إلى سيدريك بدت غير منزعجة على الإطلاق. وتابعت بنفس نبرة الملل.
“على أي حال، هذا أمر الإمبراطور. إنه عرض سخي يفيدنا جميعًا. إن رفضناه، فسنبدو وكأننا نعارض العائلة المالكة.”
كان سؤالًا صامتًا: “هل ستضع نفسكَ حقًا في موقف غير مؤاتِ مثل هذا؟”
لم يكن أمام سيدريك خيار سوى الموافقة.
“نعم، أعرف ذلك.”
“حسنًا إذًا.”
انتشرت ابتسامة ناعمة على وجه إيلين وهي تمدُّ يدها.
“على الأقل لنتفق حتى يوم فسخ الخطوبة. لا فائدة من العداوة ونحن سنلتقي على أي حال، أليس كذلك؟”
“أنا لا أُخطط للتوافق معكِ.”
فكر سيدريك: “حتى لو قالت أنها ستطلب إلغاء الخطوبة لاحقًا، فمن ذا الذي سيقول أنها لن تُغيّر رأيها؟ لا أزال أشك فيها.”
لذلك تجاهل سيدريك اليد التي قدّمتها له إيلين واستدار بعيدًا بشكل حاد. أو… حاول ذلك. لقد كان سيدريك واقفًا على مقربةٍ شديدة. وبينما استدار بسرعة، لامست يده يد إيلين، مما جعل رفضه يبدو أكثر برودة وثباتًا مما كان يقصده.
لقد فوجئ سيدريك، فمدَّ يده بشكل غريزي، لكنه تردّد. تمتم في نفسه: “وجه إيلين كاسييه الباردة والغامضة… بدت فجأة وكأنها مجروحة حقًا. كان عليها تعبير حزين يمكن لأي شخص تمییزه.”
“أنا آس…”
“لا بأس. أفهم ذلك. أفهم أنكَ محبط ومنزعج.”
على الرغم من كبريائه، كان سيدريك على وشك الاعتذار، لكن إيلين قاطعته ووقفت فجأة.
“قلتُ كل ما أحتاجه. الجو يبرد، لذا سأعود إلى الداخل الآن.”
حينها فقط لاحظ سيدريك شال إيلين الرقيق.
فكر سيدريك: “كان كتفيها يرتجفان قليلاً في هواء الصباح البارد. لابد أنها خرجت مسرعةً لأنني أصررتُ على مقابلتها مبكرًا.”
“الكونتيسة كاسييه، أعني، إيل…”
ولكن سيدريك اضطرب، ولم يعرف كيف ينطق اسمها. وفي تلك اللحظة القصيرة، استدارت إيلين وسارت بخطى سريعة نحو القصر دون أن تنظر إلى الوراء مرة واحدة.
كان سيدريك واقفًا هناك، شعر وكأن شيئًا ما قد حدث خطأ، لكنه لم يستطع أن يُجبر نفسه على الركض خلفها.
التعليقات لهذا الفصل " 2"