لذلك تمَّ حبس إيفلين في غرفتها، وفي ذلك اليوم صفعها والدها إيزيك للمرة الأولى. في تلك اللحظة ارتطم رأس إيفلين بالخلف، ومض ضوء أمام عينيها.
“قلتُ لا بأس، والآن أنتِ مجنونة حقًا.”
حدّق والدها إيزيك في إيفلين بوجه مليئ بالازدراء والغضب، ثم استدار بعيدًا.
“احبسوها في غرفتها حتى تستعيد رشدها. لا أُريد التعامل مع هذا الأمر بعد الآن.”
“تش، كنتُ أعرف ذلك. كان عليكِ أن تهدئي يا إيفلين.”
عندما استدار إيزيك وغادر، تبعه كلارنس بنظرة غاضبة.
وأخيرًا، نظرت إيفلين إلى والدتها ميشيل.
لكن وجه ميشيل لم يعد يحمل الدفء والحنان، بل ارتسمت عليها خيبة الأمل والخيانة والازدراء.
“هل هكذا ربّيتُكِ؟”
“الأم……”
“لا أريد التحدّث أكثر. أنا محبطة جدًا.”
لم تكن للمزهرية المكسورة قيمة كبيرة. توقفت إيفلين عن محاولة تحديد أيُّهما كان أثمن لعائلتها: المزهرية المكسورة أم نفسها.
تمتمت إيفلين في نفسها: “ما ذُكر في كتاب تحت شجرة الورد كان صحيحًا في النهاية. حينها فقط اعترفُ أخيرًا بأن حياتي كانت خُدعة. بعد أن تمَّ نبذي من قبل جميع أفراد عائلتي وحبسوني في غرفتي. أتمنى لو أن أحد أفراد عائلتي على الأقل قال شي ما مختلفًا. على الأقل أحد الخدم الذين سجنوني. إيزابيلا التي اعتادت على تمشيط شعري والتحدّث معي كل يوم، وبنيامين المرافق الذي حرسني منذ أن كنتُ صغيرة، وحتى ليلى التي قالت إنها تشعر بالأسف تجاهي، بسبب بقائي في غرفتي، كلهم كانوا ينظرون إليَّ بنفس العيون. عيون تبدو وكأنها تلومني، وكأنهم يعتقدون أنني فقدتُ عقلي فجأة.”
في اللحظة التي التقت فيها إيفلين تلك العيون، استسلمت فجأة.
تمتمت إيفلين في نفسها: “تمنيتُ لو كان وضعي في الكتاب مختلفًا عن وضعي في الواقع. أو ربما لم تكن الكلمات في الكتاب سوى أوهام تشاؤمية لمن يواجهون الموت. لكن الواقع كان تمامًا مثل ذلك الحلم، لا أقل ولا أكثر. لقد كانت حياة لم تكن أكثر من قلعة رملية تنهار مع تحطّم الأمواج. في اللحظة التي أخرج فيها ولو قليلاً عن القالب الذي صنعته لي عائلتي، بكوني فتاة مطيعة وخاضعة، يتم طردي هكذا، عارية وليس لدي أي شيء.”
في الواقع، كانت إيفلين نفسها تدرك هذه الحقيقة بشكل غامض لفترة طويلة جدًا. لقد حصرتها في حدود غامضة ونستها.
في الرابعة عشرة من عمرها، أُصيبت إيفلين بنوبة إغماء وفقدت وعيها أثناء رحلة بالقارب مع دافني وأصدقائها. في الواقع، لم تتذكر إيفلين الكثير عن تلك الفترة. سمعت إيفلين من مربيتها لاحقًا أنها فقدت وعيها على متن القارب وسقطت في الماء، وأنها كانت في وضع حياة أو موت حقًا عندما عادت. ولكن كان هناك شيء واحد تذكرتهُ إيفلين بشكل غامض… عندما استعادت إيفلين وعيها كانت مستيقظةً بشكل خافت مصابةً بالحمى، مع شعور بأن جسدها كله كان مثل كرة من القطن مغموسة في الماء.
[كيف تهتمين بأمر الطفلة هكذا؟ انهارت مُمسكةً بقلبها! هل تريدين أن ينتشر خبر أن ابنتنا مريضةً بالقلب في المجتمع؟]
[أنا آسفة يا عزيزي. لقد أخطأتُ….]
[تعاملي مع الأمر جيدًا حتى لا تنتشر الشائعة. أقول لكِ، لا أريد سماع شيء كهذا في الخارج مرة أخرى!]
كان الصوت مألوفًا. تعرّفت عليه أذناها قبل عقلها. لقد كان حوارًا بين والدَي إيفلين. في رؤيها الضبابية، شعرت إيفلين أن أمها تنظر إليها. نظرت ميشيل إلى ابنتها الصغيرة لفترة طويلة بنظرة استياء وازدراء، ثم غادرت الغرفة. لم تستطع إيفلين الصغيرة حتى أن تتمسك بوالدتها ميشيل. كان تصرّف والدتها قاسيًا. حتى لو كان حلمًا، كان حلمًا حزينًا.
[هذا بالتأكيد سيكون كابوسًا.]
كانت إيفلين تهمس أن ما رأته كان حلمًا حقًا.
وعندما فتحت إيفلين عينيها مرة أخرى، كانت عائلتها تهتم بها كما كانت من قبل.
[ لا تخرجي بعيدًا كثيرًا يا إيفلين. لا تتخيلين مدى قلقي من أن تنهاري هكذا مرة أخرى.]
[افعلي ما قالته والدتكِ. قال الطبيب إنه من الأفضل الامتناع عن الأنشطة الخارجية حتى تتحسن صحتكِ.]
[نعم، سأفعل ذلك.]
عندما رأت إيفلين القلق على وجوه والديها، الذين قالوا أن الأمر كان فقط من أجل صحتها، ابتلعت إيفلين الكابوس، محاولةً مواساة نفسها بأنه كان مجرد حلم سيئ.
ولكن لم يكن هذا هو الحال… في البداية، طُلب من إيفلين ببساطة عدم الخروج بعيدًا ثم طُلب منها الامتناع عن الخروج. ثم مُنعت حتى من الذهاب إلى التجمعات الاجتماعية للشابات. والآن، مع مرور الوقت، أصبح حتى مُغادرة قصر الماركيزية يتطلّب إذنًا.
السبب الذي جعل إيفلين تقبل كل هذا كان بسيطًا.
[طالما أننا حذرين، فلن تكون هناك أي مشاكل. أنا أفعل هذا من أجل مصلحتكِ.]
[هل تعلمين كم كلّفتنا تربيتكِ؟ كم ليلة سهرنا أنا وأمكِ من القلق عليكِ….]
تلك الكلمات التي تجعل إيفلين تشعر وكأنها هي المشكلة. لطالما شعرت إيفلين بالذنب تجاه والديها. شعرت أن كل ما يتعلّق بمرضها والمشاكل التي سبّبها كان خطؤها.
[إذا لم أتمكّن من أن أصبح بصحة جيدة، اعتقد أن الطريقة الوحيدة لي هي أن أكون ابنة مُطيعة مثل ما أراد والديّ أن أكون.]
وهكذا، اعتقدت إيفلين أنها إذا فعلت ذلك، فإن العائلة بأكملها ستكون سعيدة.
تمتمت إيفلين في نفسها: “ولكن كم من الوقت سأعيش هكذا؟ في البداية، كل ما كان عليّ فعله هو أن أكون فتاة مُطيعة. إذًا هل يجب عليّ أن أتزوج وأكون قادرةً على جلب الفوائد؟ وبعد ذلك ماذا؟ أين أنا التي تُحبُّها عائلتي كثيرًا؟ الأشياء التي كانت غير مرئية عندما تشبّثتُ بالأمل، دون أمل أصبحت مرئية عندما واجهتُ الموت. الإطار الذي يُقيّدني، كم هو بلا معنى أن أعيش ضمن هذا الإطار. لقد كان هذا الإدراك أكثر مرارة من حقيقة أنني كنتُ منبوذة من قبل عائلتي، وقد جلب الدموع إلى عينيّ. ربما، فقط قليلاً، كنتُ أتمنى أن أندم على طلبي الزواج من ديلان. ولكن الآن، إن الأمور أصبحت أكثر يقيناً بعد أن حدث هذا، إن عرضي على ديلان ومحاولتي لإنقاذه، كانا بمثابة صراع من أجل تحرُّري من هذا القالب. لقد تلاشت أحلامي منذ زمن طويل. بقيتُ عالقة فيي دوامة طويلة حتى فقدتُ نفسي. على الرغم من أنني أعلم أنني سأموت قريبًا، إلّا أنني لا أستطيع التفكير في أي شيء آخر أريد القيام به، لذا كل ما أستطيع فعله هو إنقاذكَ ديلان. ربما يكون من الوقاحة أن أطلب منكَ مثل هذا الطلب عندما نلتقي لأول مرة، ولكنني أحتاج إليكَ لتعيش وتُصبح دليلاً على حياتي. حتى أنه عندما أغمضُ عينيّ، أستطيع أن أقول أن حياتي لم تكن بلا معنى… ثم يجب أن أذهب لرؤية ديلان أولاً.”
والآن بالعودة إلى الحاضر. فتحت إيفلين النافذة ونظرت إلى الأسفل. كانت الغرفة التي كانت عالقة فيها في الطابق الثاني، وبجانبها مباشرة شجرة شامخة. كادت أغصانها السميكة أن تصل إلى النافذة، مما أعطى إحساسًا بارتفاعها.
تمتمت إيفلين في نفسها: “أعتقد أنه لا يوجد طريق آخر غير المرور من هنا…!”
نظرت إيفلين إلى الوراء. رأت خزانة مليئة بملابسها. ثم نظرت إلى الأرض مجددًا. لحسن الحظ، لم يكن هناك أحد يمر. بما أن إيفلين كانت تعيش حصريًا في قصر الماركيزية، فقد كانت على دراية تامة بمواعيد عمل الخادمات والخدم. والآن، اجتمع الجميع في المطبخ لإعداد الغداء.
فكرت إيفلين: “إذا كنتُ أريد الهروب دون أن يُلاحظني أحد، فهذا هو الوقت المناسب.”
نظرت إيفلين مرة أخرى حول الغرفة، ونظرت إلى الخزانة بنظرةٍ فارغة.
كانت إيفلين تتذكر مشهدًا من قصة خيالية قرأتها عندما كانت طفلة، حيث قامت البطلة بربط ملابسها معًا لصنع حبل وهربت من المكان الذي كانت مسجونةً فيه.
“هل سينجح هذا؟”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 6"