كان الرجل في الصورة يرتدي زيًّا عسكريًا، وشَعره مقصوصٌ إلى حدٍّ يكاد يشبه الحَلْق الكامل.
تأمّلت تشاي هيون ملامحه بهدوء — وجهٌ عاديّ للوهلة الأولى، لا يلفت النظر كثيرًا، لكنها فكّرت بأنه لو اعتنى بنفسه قليلًا فقد يبدو مقبولًا على نحوٍ ما.
سألها راندولف بنبرة جادة:
“بنجامين هايستينغز. هل تتذكرينه؟”
أجابت بعد ترددٍ قصير:
“أوه… نعم. أظن أنني رأيته قبل شهرين تقريبًا؟ جاء إلى مكتبي وقتها.”
تقطّبت حاجبيها بخفة.
لولا أن راندولف قال أن إيلويز ربما تعرفه، لكانت أجابت فورًا بِـ: “لا أعرفه إطلاقًا”.
والسبب بسيط — ملامح الرجل في الصورة لم تكن مميزة إلى حدٍّ يُحفَر في الذاكرة.
بالنسبة إليها، عبارة يبدو عاديًّا كانت تعني أنه فقط يثبت كونه إنسانًا لا أكثر.
شيء مثل: نعم، إنه من الثدييات… رجلٌ عاديّ لا غير.
*قاعدة تشوفه حيوان*
أما قولها” قد يبدو لا بأس به إن اهتمّ بنفسه” فلم يكن إلا صيغةً لبقةً من المجاملة الزائفة، تُقال لتبدو أقلّ حدّة فحسب.
وكان واضحًا من نظرات الرجل في الصورة أنه من ذلك النوع الذي يرضى عن وجهه أكثر مما يجب — ثقةٌ مزعجة لا يمكن إخفاؤها حتى من خلال صورةٍ مطبوعة.
ابتسامة مغرورة بالكاد تُرى عند زوايا فمه أكدت حدسها؛ كانت تعرف الرجال مثل هذا، وحدسها نادرًا ما يخطئ.
لا شيء مميزًا فيه.
فالرجال — كما لاحظت دائمًا — يقسون على الآخرين بمعايير لا يطبّقونها على أنفسهم، ثم يحيطون ذواتهم بقدرٍ مفرط من التساهل، كأنّ نصف الملامح التي خُلقت لهم تكفي لتمنحهم حقًّا طبيعيًا في الغرور.
قالت بعد لحظة من التفكير:
“أظنّه كان برتبة ملازم في الجيش.”
“صحيح.” أجاب راندولف بهدوء.
دفعت الصورة نحوه بأطراف أصابعها وقالت ببرودٍ واضح:
“بما أنه ليس موكلي فلا مانع من إخبارك، هذا الرجل طلب مني القيام بعملٍ غير قانوني. أراد أن أساعده في إخفاء أمواله وغسلها.”
كان عرض الأتعاب الذي قدّمه مبالغًا فيه لدرجةٍ مشبوهة، حتى أن إيلويز الحقيقية شعرت يومها أنّه لا يريد سوى توريطها وتدميرها مهنيًا.
“إذن، ما علاقة بنجامين هايستينغز بكل هذا؟”
امتزجت في صوتها نبرة ضجرٍ بنفَسٍ غاضبٍ وهي تسترجع الذكرى الكريهة.
قال راندولف ببرودٍ قاتم:
“لقد حاول قتلك… وما زال يريد ذلك.”
“…….”
صُدمت للحظة من الجواب المباشر.
حدّقت فيه بذهولٍ خفيف؛ ملامحه الصارمة، وعيناه الحادتان اللتان تشبهان نصلًا جليديًا، لم تترك فيها أي شكٍّ بأنه جادّ.
كان يبدو كرجلٍ صُقِل وجهه على شكل سلاح، لا مكان فيه لللين أو الخطأ.
تبادل الاثنان نظراتٍ حذرةً محمّلةً بالريبة، حتى كانت هي من بادرت بالاستسلام أولًا بابتسامة صغيرةٍ ساخرة:
‘لا بأس، يمكنني التأكد من بنجامين بنفسي، لا داعي لأن أجعل راندولف يظنّ أنني لا أثق به.’
“هل الذي انتحل اسم ماكدانيل هو هايستينغز أيضًا؟”
“نعم. تأكدنا من ذلك من خلال ورقة الإرسال في مكتب التلغراف.”
بدأت القطع تتجمّع في عقلها — دخوله إلى منزلها خلسة، اكتشافه أن البرقية ليست من ماكدانيل، إرساله أشخاصًا إلى مكتب التلغراف، مراقبته لتحركاتها…
كل ذلك صار منطقياً الآن، ومع ذلك بقيت هناك فراغات لم تُملأ بعد.
فسألت من جديد:
“ولماذا؟ ما دافعه لقتلي؟”
“…….”
“لا تقل أن السبب يقتصر على كوني رفضت طلبه!”
كان سؤالها يحمل نبرة تحدٍّ، كأنها تقول: ‘مستحيل أن يكون هذا كل شيء.’
لكنّ صمته كان اعترافًا ضمنيًا بأنه كذلك.
رمشت ببطء، كما لو كانت تُعيد تحليل الموقف في ذهنها.
فأسباب القتل كثيرة — أكثرها شيوعًا المال أو الغيرة أو العاطفة — وهذه قاعدة ثابتة في كل عصر.
لكن بين إيلويز وهايستينغز لم يكن هناك مال مشترك، ولا علاقة عاطفية، ولا أي خيطٍ من هذا القبيل.
هو عرض عملًا قذرًا، وهي رفضته.
التقيا مرة واحدة فقط في مكتبها.
إذن، لماذا يقتلها؟
هل لأن كبرياءه لم يتحمل الرفض؟
تذكّرت كلماته في ذلك اليوم، تمامًا كما لو أنها تُعاد أمامها الآن:
“إذن، أنت تفهمين أنني أريدك أن تساعديني في إخفاء أموالي، أليس كذلك؟”
“صحيح، لكنني أرفض. لن أفعل ذلك.”
“هل تقولين أنك سوف ترفضين طلبي الآن؟”
“لقد فهمتَ جيدًا. الباب خلفك، يمكنك العودة من حيث أتيت.”
كان ذلك الرفض الحاد هو الشرارة التي جعلت منه عدوًّا.
***
هل السبب الحقيقي وراء محاولته قتلها، بعد أن استمعت عشر دقائق كاملة إلى خطة الرجل في التواطؤ على الجريمة، هو فقط لأنها قالت أنها لا تريد، ورفضت، وأمرته بالعودة؟
ضحكت تشاي هيون بخفة، محاولة الإمساك بوعيها الذي بدأ يتلاشى بعيدًا.
يا للسخرية.
كانت تعرف أن هناك الكثير من الرجال الضعفاء الذين لا يحتملون رفض امرأة لهم، لكنها لم تكن تظن أنها ستختبر ذلك بنفسها على هذا النحو المباشر.
إن كانت إلويز قد وُضعت في خطر الموت لمجرد هذا السبب التافه، فلا بد أن مهنة المحاماة انقرضت من العالم منذ زمن طويل، وأن أصحابها قد ماتوا جميعًا، واشتهرت بأنها صاحبة أقصر عمر على الإطلاق.
قال راندولف بهدوء:
“نعم، صحيح أن هاستينغز حقد على الآنسة لافينتينا لأنها رفضت طلبه.”
كان السياق يوحي بأن عليه أن يُتبع كلامه بعبارة مثل: “…لكن، هذا ليس كل شيء”.
انتظرت تشاي هيون تتمة الجملة، لكنها لم تأتِ.
“……”
‘طلبت مني ألا أتردد في إطلاق النار عليه إذا تصرّف تصرفًا أحمقًا… فهل أطلق عليه النار الآن؟’
في تلك اللحظة، راودتها رغبة حقيقية في أن تفتح في رأس هذا الرجل المتكتم فجوةً صغيرة، فقط كي تخرج منها كلماته المحبوسة.
قالت بابتسامة باردة:
“مؤسف جدًا.”
كان مؤسفًا أن راندولف لا يقول كل ما يعرفه، ومؤسفًا أكثر أنها ما زالت تحاول كبح نفسها عن قتله كي لا تتحول من ضحية إلى مجرمة.
“وماذا الآن؟” سألت بلهجة ساخرة.
“هاستينغز يريد قتلي، وأنا لا أريد أن أموت. هل أبلغ الشرطة؟ هذه محاولة قتل صريحة.”
قال راندولف بجدية:
“من الأفضل أن تتركي هذا الأمر لي.”
أجابت بابتسامة مصطنعة:
“فكرة ممتازة.”
لكنها لم تكن ممتازة إطلاقًا.
رفعت شفتها بابتسامة ساخرة ونظرت إلى الساعة.
“الوقت الذي ذكره هاستينغز يقترب. هل تخرج لتتفقد الوضع بالخارج، سيدي الرائد؟”
نهض راندولف بطبيعية تامة، لكنه تجمد فجأة وكأنه أدرك متأخرًا أنه أطاع أمرها دون تفكير.
بدا عليه شيء من الارتباك، فمالت تشاي هيون برأسها قائلة ببراءة مصطنعة:
“أنا لا أستطيع أن أتحقق بنفسي، أليس كذلك؟ ماذا لو رآني هاستينغز من النافذة وقرر أن يهاجمني فورًا؟”
تأملها راندولف للحظة، ثم وقف تمامًا، وصرير النوابض في الأريكة البالية قطع الصمت من حولهما.
“هل ترى شيئًا؟”
“لا. لا شيء مميز.”
“أتظن أنه قد جاء ومعه رجال؟ ماذا لو أرسل مجموعة تبحث عني في أنحاء البلدة؟”
“لا أظن ذلك. إنه عادةً يتحرك بمفرده.”
“وحده… هذا مطمئن.”
كانت جادّة حين قالت ذلك، فعلاً مطمئنة.
وقف راندولف عند النافذة، يدير عينيه في أرجاء الشارع أمام مطعم لاميلتون والمناطق المحيطة، متفحصًا كل زاوية بمنظاره العسكري.
لم يكن لهاستينغز أي أثر.
وسرعان ما خمد صوت الأسئلة الصغيرة التي لم تكن تتوقف منذ قليل.
ظنّ أنها متوترة مع اقتراب الموعد، فأنزل المنظار واقترح بهدوء:
“لا أرى أي حركة مشبوهة. ما رأيك أن نعود الآن إلى منزل البلدة؟ في الوقت الحالي، ذاك المكان هو الأكثر أمانًا…”
“عفواً؟ نعود الآن؟ هكذا ببساطة؟”
“…هو المكان الأكثر أمانًا، كما قلت. مهلاً، من أنت؟”
جاءه صوت غريب من خلفه، أجشّ وثقيل، بالتأكيد ليس صوت إلويز.
استدار راندولف بسرعة، ليرى رجلاً يرتدي زيّ نادل المقهى نفسه الذي ارتداه هو سابقًا.
كان كونستا شنايدر.
قال الرجل باستغراب:
“ماذا تعني بـمن أنا؟ أنت من أمرتني بالمجيء إلى هنا يا سيدي.”
تجهم راندولف وسأل:
“أين الآنسة لافينتينا؟”
نظر خلف كونستا، فلم يرها.
ربما كانت صغيرة القامة فاختبأت خلفه؟ لكنه لم يجد أحدًا.
توترت ملامحه فجأة، وراح يبحث بنظره في كل زاوية من الغرفة الصغيرة في الطابق الثاني من المكتبة.
لم يكن هناك أي أثر لها.
لم يبقَ سوى انبعاج خفيف في الأريكة القديمة، و مسند سميك وُضع عليه مسدسه.
تلك كانت كل آثار إلويز لافينتينا.
قال كونستا بقلق:
“ألم تكن معها يا سيدي؟”
“حتى قبل لحظات كنت كذلك.”
“لا تقل أنها قد… هربت؟!”
لم يُجب، بل أطلق تنهيدة قصيرة حادة، ومسح جبينه بعصبية وهو يلتقط المسدس الذي تركته.
‘امرأة مريضة، تترك سلاحها خلفها… ما الذي كان يدور في رأسها؟’
ضحك بمرارة وقال:
“ممتعة فعلاً.”
*إنها موختلللفففههه’
كان صمام الأمان في المسدس مفكوكًا.
كان يمكنها أن تطلق النار عليه في أي لحظة… لكنها لم تفعل.
برودة الفولاذ في راحة يده كانت كأنها تقول له أن تلك المرأة اختارت أن تتركه حيًّا — ولو لمرة واحدة فقط.
♤♧♤♧♤♧♤
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 5"