منذ اللحظة التي تلقت فيها تشاي هيون البرقية، كانت تشعر أن في الأمر شيئًا مريبًا، لكنها لم تملك وسيلة للتأكد.
ماكدانييل لم يذكر سوى أنه ذاهب في رحلة عمل إلى نوتنغهام، ولم يترك رقمًا للاتصال في حال الطوارئ، ولا حتى اسم الفندق الذي سيقيم فيه.
قال الرجل أمامها بصوت بارد يسير ببطء، مشبع بالسخرية والتهكم:
“يبدو أنك خرجتِ من هناك دون أن تعرفي من الذي انتحل شخصية ماكدانييل، رغم أنك كدتِ تموتين. ومع ذلك، جئتِ بنفسك.”
فأجابت تشاي هيون بنبرة ساخرة، وهي تتنفس بثقل:
“خرجت لأعرف من هو، لا لأموت. أنا أقدّر حياتي، صدقني. أخذت الدواء الذي تركه لي المقدم بانتظام أيضاً.”
كانت لا تزال تشعر ببعض الحمى والصداع، وكل عضلة في جسدها توجعها، لكنها كانت قادرة على الحركة.
أما الرجل المقابل لها، راندولف، فبدا غير مقتنع إطلاقًا بما تقول.
عندها ابتسمت تشاي هيون بسخرية خفيفة وقالت:
“يا للعجب… ما المشكلة بالضبط؟ لا يزال لدينا متسع من الوقت، وهذا المقهى هو أفضل مكان لمراقبة موقع اللقاء.”
“أعلم ذلك، ولكن—”
“عظيم أنك تعلم، إذاً أخبرني الآن: لماذا يجب أن أرافقك أيها المقدم؟”
“لو أخبرتك، هل ستأتين معي؟”
“سأقرر بعد أن أسمع السبب.”
ساد صمت ثقيل، وبدأت عروق الغضب تظهر على جبين راندولف.
أما تشاي هيون، فنظرت إليه بهدوء وثبات.
قبل أن تتقمص إيلويز، كانت الأخيرة قد شربت نبيذًا في حفل توقيع كتاب لكاتب تعرفه، ثم سقطت مغشيًّا عليها.
لم تكن إيلويز معتادة على الشراب، لكنها لم تكن أيضًا من النوع الذي يسكر من بضع كؤوس، لذلك ظنت أن التعب أو المرض هو السبب.
كرهت أن يراها الناس في تلك الحالة، فاعتذرت وغادرت القاعة بسرعة، لكنها فقدت الوعي قبل أن تصل حتى إلى العربة.
بعد أن دخلت تشاي هيون في جسدها، كانت تعاني من حرارة مرتفعة ونوبات تشنج بين حين وآخر، ما جعلها تتيقن أن النبيذ كان يحتوي على سم أو جرعة قاتلة من المخدرات.
بحثت في كل الصحف علّها تجد أخبارًا عن تسمم جماعي في الحفل، لكن لم يكن هناك أي تقرير عن إصابات أو وفيات.
الضحية الوحيدة كانت إيلويز.
بمعنى آخر، كان هناك من أراد قتلها تحديدًا.
وبعد أن استنتجت ذلك، فكّرت مليًا في السبب، لكن وهي عالقة في سريرٍ لا تستطيع سوى التنفس، لم تحصل على أي دليل.
لذلك قررت أن تتحرك بنفسها.
فما دامت محاولة القتل قد فشلت مرة، فليس مستبعدًا أن تتكرر ثانية، وكان لا بد من تأمين سلامة إيلويز بأي وسيلة.
ولم تكن طبيعة تشاي هيون تسمح لها بالجلوس وانتظار الموت بحجة المرض.
كانت التهديدات الصريحة بالقتل شيئًا اعتادت عليه، فهي قبل بضعة أيام فقط كانت ضابطة في عملية للقبض على أعضاء منظمة لتجارة المخدرات.
كل ما عليها فعله الآن هو أن تعرف من الجاني، وتقبض عليه، وتنهي هذه الفوضى.
لكن رغم جرأتها، لم تكن تنوي أن تتحرك خطوة واحدة قبل أن يعطيها راندولف سببًا مقنعًا لذلك.
‘بما أنني وصلت إلى هنا، عليّ أن أخرج على الأقل بشيء مفيد.’
وبينما كان ينظر إليها بنظرات غامضة، تجمع بين العداء والفضول، تحركت شفتاه أخيرًا:
“أنا… أريدك أن تبقي على قيد الحياة.”
“……”
“نحن بحاجة إلى الآنسة إيلويز لافينتينا.”
كانت كلماته هادئة كمن يقرأ من كتاب، لكن مضمونها بدا أشبه باعتراف شخصي.
ثم تابع:
“هل كنتِ تعلمين أن البرقية التي وصلتك قبل يومين لم تكن من ماكدانييل نفسه؟”
‘يا له من ماكر! يحاول التذاكي عليّ؟’
كتمت تشاي هيون ضحكة ساخرة وعضّت شفتها لتمنعها من الخروج.
كان من المضحك أن يدخل بيتها دون إذن، يسرق البرقية، ويتجسس عليها، ثم يتظاهر بالقلق ويقول أنه بحاجة إليها.
‘يبدو أنه يظنني غبية.’
فهي لم تذكر البرقية بكلمة واحدة من قبل، ومع ذلك هو فعل — ما يعني أنه قرأها.
لكنها لم تغضب، لأن من الواضح أن راينهارت لن يجد صعوبة في فتح باب منزلها ذي الحراسة الضعيفة، مثلما فتح قفل باب الحمام في المرة السابقة ببراعة.
ومع ذلك، لم تفضحه على الفور، لأنها لم تعرف هل ما قاله زلة لسان أم فخ متعمد.
نظرت للحظة إلى بقعة صفراء لم تُمسح جيدًا على الطاولة، ثم قالت بهدوء:
“حسنًا، بما أنك تقول أنك تحتاج إليَّ، فسأرافقك. لكن أريد ضمانًا أمنيًا أولًا.”
أشارت برأسها إلى خصره وكاحله، فابتسم راندولف بخفة وقال:
“طلبك واضح جدًا.”
“وأنت لست بطيء الفهم كما ظننت.”
“هل يكفيك مسدس واحد كضمان؟”
“هذا مثالي.”
ابتسمت تشاي هيون بثقة وهي تقول:
“وماذا عساني أطلب أكثر من ذلك؟”
أخرج راندولف المسدس من خصره، وانحنى قليلًا، فكشف بذلك عن كاحله حيث كان يحمل مسدسًا صغيرًا في حافظة جلدية مخفية.
ناولها المسدس والمخزن، لكن تشاي هيون سألته بلطف ظاهر:
“وأين الباقي؟ لا تقل لي أنك لم تحضر سوى هذا المسدس.”
فتح راندولف عينيه بدهشة، فأشارت له بذقنها بابتسامة أوسع:
“الكاحل الآخر. لا يمكن أن تترك جهة دون الأخرى، يجب أن توازن الوزن.”
“……”
“أما السكين الذي تخفيه داخل الحزام، فلا تقلق، لن آخذه. فقط أعطني كل ما لديك من بنادق.”
كانت نبرتها هادئة، لكنها تصرفها لا يختلف كثيرًا عن سلوك قاطع طريق.
ولأنها بدت واثقة جدًا مما تقول، لم يجد راندولف مفرًّا من إخراج المسدس الاحتياطي.
ولوهلة، فكر بدهشة: ‘لماذا أتخيلها ترفع بنطالي لتفتشني؟ ما هذا الجنون؟’
ناولها ما طلبت، ثم قال بجدية:
“إن ظننتِ أنني سأفعل شيئًا مريبًا، فلا تترددي في إطلاق النار. الآن، هل يمكنك الوثوق بي والمجيء معي؟”
“ممم… حسنًا.”
‘لكن ألا يمكنني إطلاق النار الآن فحسب؟’
تساءلت تشاي هيون في سرّها بدهشة.
لم تفهم لماذا أعطاها السلاح بهذه السهولة.
هل يظن أن اقتحام منزلها لا يُعتبر تصرفًا “مريبًا”؟
أم يثق أنها لن تضغط على الزناد مهما حدث؟
بكل الأحوال، حتى التجسس عليها لا يبدو بالنسبة له شيئًا يستحق القلق.
‘ يا له من مغفل… لكنه منحني سلاحًا على أي حال.’
قال راندولف:
“دعيني أشرح لك طريقة استخدامه.”
فردّت بلا تردد:
“لا داعي، أعرف تمامًا كيف أستخدمه.”
أخذت منه المسدس بخفة، أدخلت المخزن في المقبض بقوة، وسمع صوت طَق معدني واضح.
ثم سحبت المزلاج لتُجهّز الطلقة، بحركة سريعة ودقيقة بلا أي تردد.
اختبرت الأمان، قبضت على المقبض بإحكام، ووزنت السلاح في يدها بخبرة.
“ها قد انتهيت. هل أنت راضٍ الآن؟”
“……”
“ما بك؟”
“لا… لا شيء. نعم، يبدو أنك لا تحتاجين إلى أي تعليمات إضافية.”
أومأ ببطء، وهو ينظر إليها بنظرةٍ غريبة — مزيج من الدهشة والإحراج — وكأن شيئًا في هذا الموقف يسير بشكل خاطئ… لكنه لا يعرف ماهيته بالضبط .
بينما كانت شبه متكئة على راندولف وقد أُغلِق أمامها كل طريقٍ للهرب، وجدت نفسها تُساق معه – نصفَ طوعٍ ونصفَ كرهٍ – إلى مبنى من الطوب الأحمر يتكوّن من ثلاث طوابق، يبتعد قليلًا عن المقهى.
دخل الاثنان من الطابق الأول الذي كان عبارة عن مكتبة، ثم تسلّلا عبر الممر الخلفي الذي يستخدمه الموظفون، وصعدا إلى الطابق الثاني.
في الزاوية تراكمت كتبٌ قديمة وأرائك مهترئة، وعلى واحدة منها بُسطت بطانية باهتة اللون من كثرة الاستعمال.
أكواب الشاي المتّسخة ما تزال تحتفظ بآثار الشراب الجافّة، مما أعطى المكان جوًّا باهتًا بلا أي إحساس بالدفء أو الراحة.
جلس راندولف قبالتها، وألقى سترةً صوفية كبيرة – لا يُعرَف صاحبها – بجانبها، مشيرًا بعينيه أن تجلس عليها.
قال بصوتٍ رسميّ بعد لحظة صمت:
“أعتذر عن التأخير في التعريف بنفسي. أنا الرائد راندولف رينيه راينهارت، قائد وحدة التحقيق في جرائم القتل غير المحلولة، التابعة لقيادة التحقيق الجنائي في الجيش.”
فأجابته ببرودٍ مماثل:
“إيلويز لافينتينا. محامية.”
كانت تتساءل في نفسها ما الفائدة من هذه التعريفات المتأخرة بعد كل ما جرى، فكل شيء يبدو وكأن ترتيبه قد اختلّ.
ومع ذلك، تناولت بطاقة هويته العسكرية دون اعتراض.
على الجانب الأيسر من البطاقة صورةٌ شخصية بالأبيض والأسود، وعلى الجانب الأيمن طُبعت وحدته ورتبته بخطٍ بسيطٍ واضح.
بدا الرجل في الصورة أصغر سنًّا بقليل، لكن ملامحه الدقيقة ونظراته الحادة كانت كما هي الآن.
أعادت النظر إلى الجهة التي كُتبت فيها الجهة التابعة له:
«قيادة التحقيق الجنائي في الجيش – وحدة جرائم القتل غير المحلولة».
كان الرجل إذًا ضابطًا ومحققًا في آنٍ واحد.
الطريف في الأمر أنّ هذا وحده جعل تشاي هيون التي تسكن جسد إيلويز تشعر نحوه ببعض الألفة.
فكرة أن يكون محققًا جعلتها تظن أنه ربما يتحمّل بعض المقالب الصغيرة منها بصبرٍ أكثر من غيره.
فسألته وهي تراقب ملامحه بتمعّن:
“الهوية تأكدت، إذًا قل لي… ما السبب الحقيقي وراء رغبتك في إنقاذي إلى هذا الحد؟”
فأجاب بهدوء كما فعل من قبل:
“قلت لكِ قبل قليل، أحتاج الآنسة إيلويز لافينتينا.”
ردّت بابتسامة جانبية باردة:
“ولهذا السبب أسألك مجددًا. وضّح أكثر. ألا ترى أن تفسيرك ناقص؟”
أمالت رأسها قليلًا بطريقةٍ ساخرة.
ربما يظن أن الإيجاز فضيلةٌ عسكرية، لكنّها لم تكن من النوع الذي يكتفي بنصف الإجابات.
“بصراحة، من حقي أن أرتاب منك. من يدري؟ ربما أنقذتني عمداً من الموت لتتظاهر بأنك منقذي لاحقًا وتكسب ثقتي، أليس كذلك؟”
قال بلهجة جافة:
“ولماذا أتكبّد كل هذا العناء؟”
“بالضبط، معظم الناس لا يفعلون ذلك.”
ارتسمت على شفتيها ابتسامة ناعمة، عيناها تلمعان بخفة تحدٍّ:
“لكنني أنا تحديدًا من النوع الذي قد يسيء الفهم، فدعنا لا نطيل الحديث عبثًا. الملل قاتل.”
ثم اختفت الابتسامة تمامًا كما ظهرت، في لحظة.
في ضوء الغروب الذي بدأ يتسلّل إلى الغرفة، كانت عينا الرجل الذهبيّتان تلمعان بحدةٍ غامضة، وهو يمدّ يده نحوها ويضع صورةً مقلوبة أمامها على الطاولة.
كانت تلك الصورة بدايةً لشيءٍ لم تكن تتوقعه.
♤♧♤♧♤♧♤
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 4"