لقد عُقدت محاكمة بعد فترة طويلة من الزمن.
حتى في منتصف النهار المزدحم، تجمّع حشدٌ هائل في الساحة الكبرى كقطيعٍ من الذئاب الجائعة لمشاهدة إعدام سيدةٍ نبيلة.
“يا لها من عاهرةٍ نجسة!”
“اقتلوها! اقتلوها!”
شعرت شايلا وكأنها ستختنق قبل حتى أن يُقطع عنقها، تحت وطأة الطاقة الشريرة التي يُطلقها الحشد.
“بسبب هذه المرأة، وقعت تلك الفضيحة في عائلة الدوق!”
“إنها ابنة عائلة ليكسي، أليس كذلك؟ كيف لها أن تردّ الجميل بالخيانة!”
“لهذا السبب يقال إن الأرانب لا تعرف العار. ربما هذه المرأة لا تشعر بالخجل أبدًا.”
“لقد التهمت زوجها، والآن… يا إلهي، يا لها من فظاعة!”
كانت الإهانات القاسية تتطاير من كلّ صوب. الحجارة، البصاق، والأصوات الحادة كالخناجر كانت تضاف إلى ذلك.
كانت شايلا، التي كانت مكمّمة الفم ومُلقاة على المقصلة، تعتقد أن هذا ربما كان أمرًا جيدًا.
بقلبٍ جبان، أو بالأحرى، بقلب أرنب، كان من المستحيل بالنسبة لها أن تواجه أعين الناس الممسوسين بالجنون.
“الجميع، الصمت!”
مع صيحة كاهن الأبرشية الكبرى في العاصمة، هدأت الساحة الكبرى الصاخبة أخيرًا.
“اسمعي، أيتها الخاطئة شايلا غرايوولف! لقد ارتكبتِ الزنا كأرملة مع رجلٍ أعزب، وهذه خطيئةٌ لا تُغتفر بسهولة.”
كان التهمة التي أُحضرت من أجلها إلى هنا هي “الزنا”، لكن شايلا لم تكن تعرف حتى من هو ذلك الرجل الأعزب الذي زُعم أنها “تقلّبت معه بحرية”.
اقتحم حرّاسٌ مسلحون غرفتها فجأة، وطالبوها بالاعتراف بالحقيقة، ثم ألقوها في السجن، وفي لمح البصر، وجدت نفسها تحت المقصلة.
“لم تكتفِ بخيانة زوجكِ، بل سرقتِ ثروته، ولوّثتِ شرف العائلتين، وقتلتِ الدوق غرايوولف…”
الكذب، الزنا، السرقة، اللعنة، المساعدة على القتل، التحريض على القتل.
كانت التهم التي عدّدها الكاهن مروعة.
لكن بالنسبة لشايلا، التي كانت ترتجف تحت نصل المقصلة، لم تكن سوى أصواتٍ بلا معنى.
الشائعات، التهم، كلها كانت اتهاماتٍ باطلة.
“…لذلك، تُحكم عليها بالإعدام!”
ما إن انتهى الكاهن من إصدار الحكم، حتى انفجر الحشد في الساحة الكبرى بهتافاتٍ كالرعد.
اهتزت الأرض بأكملها.
كان الصوت شبيهًا بدويّ حوافر الخيول المدرّعة بالفولاذ.
بالنسبة لشايلا، لم يكن سوى صوت ملاك الموت يقترب.
عندما كان الجلاد على وشك قطع حبل المقصلة، رنّ صوت بوقٍ عالٍ.
صاح شخصٌ ما بصوتٍ مدوٍّ:
“أوقفوا المحاكمة فورًا!”
لكن شايلا، التي كانت غارقة في الرعب الشديد، لم تسمع شيئًا.
“الذئب الرمادي عاد!”
انقسمت الساحة الكبرى، التي كانت مكتظة بالحشد، بأعجوبة إلى نصفين.
عندما استقرّ الغبار الكثيف، ظهرت خيولٌ سوداء ضخمة وفرسانٌ مدرّعون أشداء.
صاح الكاهن بنبرةٍ منزعجة:
“ما هذا الهرج في محاكمةٍ مقدسة؟!”
“كلّكم، اركعوا!”
أشار الفارس إلى الرجل الذي يقف خلفه، وردّ بصوتٍ أعلى:
“هذا هو الابن الشرعي للدوق السابق غرايوولف، حامي هاملوك! سيف التحرير! الذئب الأسود للإمبراطورية! و…”
“و…”
نزل رجلٌ من على الحصان بهدوء، ودفع الفارس جانبًا واقترب من المنصة.
“كاليون غرايوولف، زوج شايلا غرايوولف.”
كان يبدو غير مبالٍ بالألقاب الطويلة التي حصل عليها خلال الحرب، وكأنها لا تثير فخره.
“هذا هراء!”
تراجع الكاهن المتفاجئ خطواتٍ إلى الوراء وهو يصيح:
“لقد سمعنا أن فرقة فرسان غرايوولف لن تدخل العاصمة إلا بعد غدٍ مع موكب النصر!”
“وهل موكب النصر هو المشكلة الآن؟”
صعد كاليون بجرأة إلى المنصة التي يقف عليها الكاهن، وتوهّجت عيناه.
“ألغوا المحاكمة.”
“لا يمكن ذلك! بما أن امرأة متزوجة ارتكبت فعلًا مشينًا وتم اتهامها…”
“من الذي اتهمها؟ أنا، الزوج، لم أتهم زوجتي قط، ولم أشك فيها ولو للحظة. من هو إذًا؟”
“هذا…”
“سمِّه.”
“حسب القانون…”
“سمِّه! من الذي اتهم زوجتي؟!”
“أخ، أترك، أتركني…”
تأرجحت ساقا الكاهن في الهواء وهو مُمسكٌ من ياقته.
“قل! قبل أن أمزق فمك، الآن!”
في تلك الأثناء، تم تحرير شايلا من الحبال بمساعدة شخصٍ ما.
لكن جسدها المرهق لم يستطع الوقوف على قدميها، فسقطت أرضًا.
“شايلا!”
حتى صيحة اسمها من فوق المنصة لم تمنح شايلا القوة للالتفات.
كانت شفتيها متشققتين لعدم شرب الماء، وأطرافها، التي ظلت مقيدة لفترة طويلة، كانت تخزّ.
“ما الذي يحدث على تلك المنصة؟ كيف أُطلق سراحي فجأة؟”
‘هل متُّ بالفعل؟’
سمعت أصواتًا مرتفعة تتعالى، لكن شايلا، التي كانت ملقاة على المقصلة مع رقبتها ممدودة، لم تستطع فهم الوضع.
‘يبدو أن أحدهم ذكر شيئًا عن زوج…’
ربما أساءت السمع.
زوجها، الذي ذهب إلى الحرب قبل خمسة عشر عامًا، قُطعت أخباره واعتُبر ميتًا في الجيش منذ زمنٍ طويل.
‘زوج.’
إذا قلت زوج…
كيف كان شكله؟
تذكرت بشكلٍ غامض شيئًا يشبه سحابة بيضاء ناعمة. دفءٌ مريح، أنفٌ ناعم ورطب، ورائحةٌ شهية تملأ الجسد…
“آه!”
فجأة، اندفع رجلٌ طويل القامة نحوها كالبرق. احتُضِنت شايلا في حضن الرجل الضخم، وشعرت وكأنها
اصطدمت بقطعة حديد، غير قادرة على استعادة رباطة جأشها.
في تلك اللحظة المربكة، سمعت صوتًا عاطفيًا من فوق رأسها:
“شاشا، هل أنتِ بخير؟ هل تعرفين من أنا؟”
رفعت يدٌ كبيرة ذقنها. فتحت شايلا عينيها ببطء.
شاشا؟ هل ناداني هذا الرجل للتو شاشا؟ تقلّصت كتفاها غريزيًا عند سماع هذا اللقب الحميم من رجلٍ غريب.
في الأصل، بدأت هذه الفضيحة بسبب اتهامها بالزنا مع رجلٍ غريب.
دفعت ذراعيه السميكتين، لكن جسد الرجل القوي لم يتحرك قيد أنملة. بل، ضمّها إليه أكثر، كما لو أنه لن يتركها أبدًا.
“شاشا، أنا. أنا ليون الخاص بكِ.”
ماذا؟
ماذا قال للتو…؟
رفعت شايلا رأسها بصعوبة، وهي تتجهّم دون قصد. أعماها ضوء الشمس الحارق في منتصف النهار.
‘إنه ساطع…’
هل كان بسبب ضوء الشمس القوي؟
أم بسبب جمال هذا الرجل الغريب؟
“ألا تعرفينني؟ لقد قلتُ إنني سأعود سالمًا. شاشا، لقد وعدتِ أن تتذكرين، أليس كذلك؟”
كما شعرت من قبل، كان صوته منخفضًا بشكلٍ ملحوظ. لكنه عندما تحدث إليها، كان مليئًا بالعاطفة، فلم يكن مخيفًا تمامًا.
“لقد اشتقتُ إليكِ. شاشا، لقد… اشتقتُ إليكِ كثيرًا. كثيرًا جدًا…”
صنع الرجل الغريب بيده مظلة لحمايتها من الشمس، وهي تتجهّم.
أخيرًا، تمكنت شايلا من فتح عينيها ومراقبة هذا “الرجل الغريب” الذي يحتضنها بدقة.
شعرٌ أسود حالك، عيونٌ زرقاء صافية تتناقض معه…
تتبّعت عيناها حاجبيه الكثيفين، جبهته، وأنفه المرتفع، حتى توقفت عند شفتيه الممتلئتين.
“شاشا.”
في تلك اللحظة التي تدفّق منها صوتٌ رقيق من شفتيه.
قفزت شايلا فجأة من مكانها بغريزة الأرنب.
كانت عيناها متسعتين وهي تتحرر من حضن الرجل الغريب الضخم والصلب.
“من أنت؟”
ربما بسبب الصدمة الشديدة، انفتح حلقها الجاف تلقائيًا.
لم يكن لديها زوجٌ بهذه القوة الوحشية من قبل.
“آه…”
عندما قابل عينيها الحذرتين، أطلق تنهيدة وهو يمسح وجهه.
“كما توقعت، لا تعرفينني…”
تأرجحت قلادةٌ ذهبية من عنقه العضلي.
كانت خاتم الزواج الذي تقاسماه قبل خمسة عشر عامًا.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 0"