في الأيام الخوالي، كانت هذه هي غرفة نوم الدوق التي جاءت إليها باكية، متوسّلة ألّا يُرسل زوجها الصغير إلى التدريب العسكري.
استفاق الحارس، الذي كان يغفو، بالكاد عندما سمع خطوات ثقيلة تتردّد من أسفل الدرج.
عرف أنّ الحارس النهاري قادم، فاستدار دون أن ينظر إلى الوجه.
للحفاظ على النظام الحالي، كان لا بدّ من بقاء الدوق على قيد الحياة.
إذا حدث مكروه له، سيرث كاليون اللقب، وهذا سيُنهي عصر بلانشي.
ولم تكن هناك قوّة في قلعة الدوق، التي تسيطر عليها بلانشي بقوّة، تجرؤ على إيذاء الدوق.
لذا، كما حسبت شايلا، كان الحراسة ستكون متساهلة.
‘الآن!’
اختبأت شايلا خلف عمود، ثم فتحت باب غرفة النوم بسرعة وتسلّلت إلى الداخل.
“…الدوق.”
كما رأته عندما أرشدتها بلانشي، كان الدوق نائمًا.
لكن هذه المرّة، كان صوت تنفّسه أعلى قليلاً.
‘لا يمكن أن يكون الدوق قد طردني من عائلة غرايوولف دون سببا.’
حتّى بعد رؤية الوثيقة المكتوبة بخط يده، ظلّت شايلا تثق بالدوق.
رغم أنّه لم يتّخذ أي إجراء خلال الاثنتي عشرة سنة التي عانت فيها في الدير، إلّا أنّها لم تعتب عليه أبدًا.
‘إذا كان والد كاليون، فهو والدي أيضًا.’
لا بدّ أنّ هناك ظرفًا ما.
ادّعاءات أنطونيو وساندارا، وما فعلوه، كانا بالتأكيد وراء ذلك.
خلال الزيارة الرسميّة، كانت بلانشي تراقبها كالحارس، فلم تتمكّن من فحص الدوق النائم جيدًا.
وضعت شايلا إصبعها تحت أنف الدوق، فشعرت بأنفاس ضعيفة .
‘لا يزال الصباح، فلمَ يبدو أكثر حيويّة من البارحة؟’
عندما زارته أمس، كان الوقت قد تجاوز الظهيرة.
لم يكن الأمر مجرّد اختلاف في الحالة الصحيّة؛ كان هناك شيء غريب.
بينما كانت تنظر إلى الدوق متعجّبة، رفعت رأسها فجأة.
“كش، كش…”
شمّت رائحة مألوفة من مكان ما.
تبعت شايلا الرائحة، فوجدت صينيّة إفطار الدوق على الطاولة المجاورة.
‘هل هذا… الهندباء؟’
كان الدوق، مثل كاليون، يحبّ اللحوم.
لكن من بين تلك اللحوم، شمّت شايلا رائحة عشبية كانت تُعشقها.
عندما رفعت الغطاء الفضيّ عن الإفطار، رأت، كما توقّعت، مسحوقًا أخضر مرشوشًا كزينة فوق شريحة اللحم.
‘إنّها الهندباء بالتأكيد.’
على وجه الدقّة، كانت نوعًا من الهندباء لا تأكله شايلا.
‘أليس من المعتاد استخدام البقدونس المجفّف كزينة؟’
لكن استخدام مسحوق الهندباء كزينة كان أمرًا مريبًا.
لم تسمع أو ترَ شيئًا كهذا في العاصمة أو الشمال.
بينما كانت تفحص رائحة الهندباء المختبئة خلف رائحة اللحم، اتّسعت عينا شايلا فجأة.
“لحظة، هذه الهندباء…!”
في تلك اللحظة، سمع صوت نداء غير متوقّع في أذني شايلا، التي كانت منشغلة بظهور الهندباء.
“من هناك…؟”
كان صوتًا ضعيفًا ومتهدّجًا، لكن لا يمكن أن تخطئ في معرفته.
طقطقة!
تحطّم طبق اللحم الذي كانت تحمله، وأخيرًا واجهت شايلا وجه الدوق الذي فتح عينيه.
“شايلا…؟”
“…”
“هل أنتِ حقًا شايلا؟”
“يا دوق!”
احتضنت شايلا عنق الدوق وبكت بحرقة.
كان يُقال إنّه يستيقظ أحيانًا بعد نوم طويل، لكن مرّ وقت طويل جدًا منذ أن رأت وجهه وتحدّثت إليه.
“ظننت أنّك متّ… ظننت أنّك رحلت بالفعل!”
كان قولها جريئًا، لكنّه كان شعورها الحقيقي.
حتّى في العاصمة، كانت الشائعات تنتشر بأنّ الدوق قد فارق الحياة.
“لا أعرف كم سنة مرّت. لقد كبرتِ، ومع ذلك لا يزال وجهك كما هو.”
“هييي… بووو.”
“لمَ أصبحتِ نحيفة هكذا؟”
“من الذي يتحدّث عن النحافة الآن!”
ربّت الدوق على ظهر شايلا التي كانت تذرف الدموع.
“كيف وصلتِ إلى هنا؟ ما الذي جاء بكِ؟”
“، كم كنتُ قلقة عليك…! لم ترسل لي حتّى رسالة…!”
“لو أرسلتُ لكِ رسالة، كم كان ذلك سيسبّب لكِ المشاكل.”
ابتسم الدوق بمرارة.
رفعت شايلا وجهها الملطّخ بالدموع.
“ماذا تعني بذلك؟”
“ألم تتزوّجي من جديد في العاصمة؟”
“… ماذا؟”
“حفل الزفاف.”
“ماذا؟”
“هل أقيم بسلام؟”
توقّفت دموع شايلا فجأة.
لم تستطع فهم ما يقوله الدوق على الفور.
“هل يعاملكِ أهل تلك العائلة جيدًا؟ كنت قلقًا لأنّ والدكِ لم يكن شخصًا يُعتمد عليه، لكن بداية جديدة في العاصمة، مسقط رأسكِ، كانت أفضل من العيش هنا بمفردك في هذا البرد القارس…”
“عن أيّ شيء تتحدّث الآن؟”
تحطّم لقاء العودة المؤثّر.
العاصمة؟ بداية جديدة؟ أيّ عائلة؟
‘أيّ عائلة هذه؟ أنا سأدفن عظامي في هذه العائلة!’
لم تتخيّل شايلا أبدًا أن تسمع مثل هذه الكلمات من الدوق.
ارتبكت وتوقّف لسانها.
بينما كانت تحاول ترتيب الأمور لمعرفة من أين بدأ الخطأ وماذا تسأل أوّلًا، فُتح باب غرفة النوم فجأة.
تجمّدت شايلا، التي تسلّلت إلى غرفة الدوق، في مكانها.
ظنّت أنّ الحرّاس لن يدخلوا إلى داخل الغرفة…! لقد كانت صاخبة جدًا.
بدت ملامح كاليون متجهّمة رغم رؤيته لوالده مستيقظًا، بينما لم يتعرّف الدوق، الذي رأى ابنه كرجل لأوّل مرّة، على أنّ كاليون ابنه.
“من هذا؟”
حدّق الدوق، رافعًا جسده العلوي، بنظرة متوتّرة إلى كاليون الذي اقتحم الغرفة دون إذن. رفع ذراعه الهزيلة كما لو كان يحمي شايلا. .
“إنّه ليون، يا دوق.”
“ماذا؟”
“كاليون. ابنك الوحيد.”
‘لقد عاد ذلك الجرو المشاغب، الذي كان مصدر مشاكل القلعة، كرجل وسيم، بل وقاد الحرب إلى النصر.’
“كالذئب الأسود في أساطير الشمال. لقد تحقّقت النبوءة تمامًا!”
لكن رغم شرح شايلا، ظلّ الدوق مذهولًا.
تفحّصت عيناه الغائرتان كاليون من الأعلى إلى الأسفل.
“كانت هناك احتفالات بالنصر في الخارج، ألم تسمع الضجيج؟ الأبواق والطبول…”
“الزواج الجديد؟”
التفت الدوق إلى شايلا فجأة وسأل.
تذكّر أنّه منذ البداية كان يعتقد أنّ شايلا بدأت حياة جديدة في العاصمة.
لقد أضاع فرصة السؤال بسبب ظهور كاليون، لكن…
“عن ماذا تتحدّث الآن؟ زواج جديد لشاشا؟”
اقترب كاليون، متجهّمًا، وسأل بحدّة.
“شاشا زوجتي.”
أعلن بثقة وهو يرفع يد شايلا اليسرى.
“منذ البداية، والآن، وإلى الأبد.”
لمع خاتما الزواج في أصابعهما في تلك اللحظة بالتزامن.
‘متى أصبح خاتمًا؟ كان يستخدمه كقلادة…’
حدّقت شايلا في كاليون بنظرة متعبة.
‘لمَ يتحدّث بهذا الأسلوب أمام والده المريض؟ إنّه الشخص الذي يدلّلني عادةً، لكنّه لا يستطيع أن يكون ودودًا في هذا اللقاء بعد طول غياب…’
“هل هذا الأحمق حقًا كاليون…؟”
لم يصدّق الدوق أنّ هذا الرجل الوسيم هو ذلك الجرو، بل ابنه.
فهمت شايلا شعور الدوق تمامًا.
منذ صغرها، آمنت شايلا أنّ ليون سيصبح يومًا ما بطل الشمال كما تنبّأت الأساطير، رغم أنّه كان يملك أقدامًا ناعمة كالقطن.
لكن الدوق كان مختلفًا.
لم ينكر كاليون صراحةً كوريث، لكنّه لم يثق به أيضًا.
شعر كاليون بذلك، ولهذا كان يكره لقاء والده، وقد لاحظت شايلا هذا التوتر بينهما بحدّة.
‘لكن هذه أمور الطفولة.’
حتّى لو كان ابنًا لا يُعتمد عليه، كان الدوق يحبّ كاليون.
وكانت شايلا تعرف ذلك، لذا لم يعجبها موقف كاليون المتعجرف.
“إن لم تصدّق، فلا داعي للإيمان.”
“…”
‘حتّى صاحب متجر الجزارة في الحيّ سينظر إليه بترحيب أكثر من هذا! كيف يمكن أن تكون نظرته إلى والده بهذه البرودة؟’
راقبت شايلا الدوق دون وعي، قلقة من مقدار الأذى الذي سيشعر به بعد سنوات في الفراش.
“يا إلهي، هذا الشاب الأنيق المتعجرف هو ابني…؟”
“كثيرًا ما قيل إنّني أشبه والدي.”
لم يكن لدى الدوق الطاقة للاهتمام بلهجته، فقد صُدم بحقيقة أنّ ابنه، الذي ظنّه ميتًا، لا يزال على قيد الحياة، بل عاد كرجل قويّ. كان هذا محظوظًا إذا جاز التعبير.
“ظننتُ أنّك متّ منذ زمن. لكنّك عدت بأطراف سليمة.”
“…لا تتحدّث إلى الدوق بهذه الطريقة، ليون.”
لم تستطع شايلا الصمت، فوبّخت بهدوء، فالتفت كاليون إليها بوجه حزين.
“شاشا… ألستِ في صفّي…؟”
“بالطبع أنا في صفّك. لكن…”
عبس الدوق فور سماع همهمة الزوجين.
“لقد كبر جسمه فقط، لكن تصرّفه مع زوجته لم يتغيّر. كيف لهذا الأحمق أن…”
“…لا تتحدّث عن زوجي هكذا، يا دوق.”
“شايلا، في صفّ من أنتِ الآن؟ لقد تحمّلنا معًا في هذه القلعة لوقت طويل…”
كان هناك وقت هرب فيه الجميع، وبقيت شايلا والدوق بمفردهما في القلعة.
تلك الأوقات المليئة بالحزن والخوف بنت رابطة لا يمكن حتّى لكاليون تخيّلها.
كان من الطبيعي أن يشعر الدوق بالإهانة.
لكن كاليون أيضًا شارك شايلا عواطف عميقة لا يمكن مقارنتها بوالده.
“شاشا، في صفّ من أنتِ؟”
“شايلا، في صفّ من أنتِ؟”
يدها اليمنى تمسّك بها والد زوجها، ويدها اليسرى تمسّك بها زوجها.
كانت شايلا محاصرة بين ذئبيّ الأب والابن، عاجزة عن الحركة.
في خضمّ قتال الذئبين، كاد ظهر الأرنبة البريئة أن ينفجر. صرخت شايلا بحنق:
“نحن جميعًا في صفّ واحد!”
***
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 77"