“هل يجب أن أستمر؟”  

التفت لينارد إلى كاليون وسأل.

 لم يعد هناك سوى السخرية في هذه المبارزة.

 أراد لينارد أن يحافظ على آخر ذرّة من كبرياء نائب القائد المحطّم.  

أمر كاليون، الذي كان يراقب، بيترو الذي كان ملقى على الأرض:  

“استسلم.”  

‘لستَ خصمًا له.’ هذا ما عنته كلماته المقتضبة، لكن بيترو صرخ بنوبة من الغضب:  

“لا يمكنني الاستسلام بعد!”  

“لقد بذلت قصارى جهدك. هذه المبارزة حسمت بالفعل.”

رفع بيترو عينيه وحدّق بكاليون.

 بدا وكأنّه يحاول تهدئته بلطف، لكن في نظره، كان كاليون ينحاز إلى الفرسان بشكل عادل ظاهريًا، مجرّد “حماية لأهله”.  

كان بيترو غاضبًا بالفعل إلى درجة الجنون، وفوق ذلك، اقترب لينارد منه وهو ملقى على الأرض.  

نظر لينارد إلى نائب القائد الذي كان يلهث، ونزع خوذته المتقاطعة، والتقى بعينيه.  

“لننهِ الأمر الآن.”  

“…”  

“سنرى بعضنا كل يوم.”  

مدّ لينارد يده، فمضغ بيترو شفتيه. 

إذا أمسك بتلك اليد الخشنة الممدودة أمام أنفه، فسيكون ذلك بمثابة الاعتراف بالهزيمة.  

وهذا يعني أنّه سيتعيّن عليه تقديم الاحترام لهؤلاء الأشخاص الذين قد يكونون من عامّة الشعب، أجانب، مرتزقة، وربّما حتى كفّار. 

كان من الأفضل له أن يستقيل بدلاً من ذلك، من قوّات الأمن التي قضى فيها حياته.  

سوف تنتشر الشائعات، وسيصاب والده وباقي أفراد عائلته بالخيبة، ولن يستطيع مواجهة خطيبته.  

لقد خسر كل شيء، بينما الخصم الذي تسبّب في ذلك يعرض رحمته ويرفع من شأن شرفه.  

‘يا لها من مهزلة.’ 

‘وهو مجرّد عامي.’  

في اللحظة التي أمسك فيها بيد لينارد وقام من الأرض، نثر بيترو الرمل الذي كان يمسكه في يده الأخرى.  

“أيّها المرتزق القذر!”  

“أغ!”  

تعثّر لينارد بعد أن أصاب الغبار عينيه مباشرة. 

استغل بيترو اللحظة ورفع سيفه.  

“ليس لك مكان في هذه القلعة!”  

كان طرف السيف يستهدف قلب لينارد بدقّة. 

كان السيف الحقيقي كافيًا لاختراق درع الكتف الخفيف.  

“مت!”  

استدار لينارد بالكاد. 

مرّ طرف السيف الأخرق بذراعه بدلاً من قلبه.  

وضع يده على عينيه، ثمّ ركل بيترو ليسقطه، وفي الوقت ذاته، لوى ذراعه.

 تحوّل اتّجاه السيف بشكل غريب.  

“آه!”  

طعن بيترو، الذي كان يمسك السيف، عنقه بيده، وسقط وهو ينزف.

 كان حجم الدم الذي بلّل الأرض يشير إلى أنّه أصاب الشريان الرئيسي.  

نفض لينارد الغبار من عينيه بصعوبة وفتحهما. نظر بدهشة إلى بيترو المحتضر.  

لم يكن هناك وقت لأحد ليتدخّل. كان الموت فوريًا.  

عمّ الصمت البارد ساحة التدريب.

 حتّى مع موت نائب القائد، لم تستطع قوّات الأمن الاعتراض.  

لقد استخدم بيترو خدعة جبانة، وكان لينارد غير قادر على الرؤية، لذا تصرّف بغريزته.

 رأى الجميع بوضوح أنّ هذا الموت لم يكن مقصودًا.  

كان لينارد مرتبكًا مثل الآخرين.

 نظر إلى كاليون بعيون جروّ مذنب.  

“كان دفاعًا عن النفس…”  

رغم أنّه بدا وكأنّه يبرّر، لم يكن هناك من يعتقد أنّ ردّ فعل لينارد لم يكن دفاعًا عن النفس.  

انتهت المبارزة بشكل محرج.

 نظر كاليون باحتقار إلى قوّات الأمن الشاحبة، ثم استدار.  

ركض أحد أفراد قوّات الأمن، جوليان، الابن الأصغر لإيرل مالوري وشقيق جيسيكا، وسدّ طريقه.  

“أرجوك، استعد الجثّة وأقم جنازة لائقة! إنّه الابن الوحيد لعائلة روزن. يجب أن يُدفن في مقبرة القمر!”  

“لا.”  

أصبح وجه كاليون باردًا كالجليد.  

“ألقوا به ليكون طعامًا للكلاب البريّة.”  

“لا يمكن ذلك! إنّه من عائلة روزن الموقّرة…”  

“وأين كرامة الفارس؟”  

لقد حصل بيترو على لقب الفارس باسم غرايوولف.

 لكن شرفه لم يكن يحمل إنجازات لصالح عائلة الدوق أو قوّات الأمن.

 كل ما كان يهمّ هو من أي عائلة ينتمي.  

“هل هذه هي ‘المبارزة العادلة’ التي تتحدّث عنها قوّات الأمن؟ خدعة جبانة لم يستخدمها حتّى جيش المملكة؟”  

رغم أنّ قوّات الأمن بقيادة إيرل مالوري المزعج كانت كذلك، كان كاليون مستعدًا لقبولهم.  

إذا كانوا يستحقّون حماية القلعة الداخليّة.  

“إذا كنت تعتقد أنّ حكمي خاطئ، اخرج من القلعة. الآن.”  

عبس جوليان بردّ كاليون الحاد.

 لم يستطع الشاب المدلّل تحمّل ذلك، فصرخ: 

“…هذا تعدٍّ على السلطة!”  

توقّفت ساقا كاليون، الذي كان يهمّ بتجاهله، في مكانهما. 

استدار ببطء وواجه جوليان.  

“تعدٍّ على السلطة؟”  

ألقى بنظرة حادّة كالسيف اخترقت وجه جوليان.

“أ… أقصد، يعني…” 

تراجع جوليان دون وعي.  

كانت نظرة كاليون المرعبة تشبه وحشًا يتربّص برقبة فريسته.  

أصبحت الساحة الصاخبة صامتة لدرجة أنّه كان يمكن سماع مرور نملة.  

كان كاليون مختلفًا تمامًا عن أبناء العائلات النبيلة. 

لم تكن أساليبه نبيلة، وكان أسلوبه في الحديث خشنًا، ممّا جعله بارعًا في خلق جوّ من الرعب.  

كانت قوّات الأمن مرعوبة بالفعل، وأغلقوا أفواههم كالمحار.  

“لن أستمع إلى أصوات السياسيين الذين يلعبون داخل هذه الجدران الحديديّة. لا الآن، ولا في المستقبل.”  

“…”  

“إذا أردت لعب السياسة، فاخرج. غادر قلعتي.”  

أشار كاليون إلى بوّابة القلعة، فتراجع بعض الأشخاص الذين كانوا يراقبون بحذر وغادروا الساحة.  

كان ذلك بسبب انتشار شائعات عن مواجهة كاليون مع إيرل مالوري في اليوم الأوّل.  

مهما كان نفوذ النبلاء الذين يدعمون بلانشي قويًا، فقد عاد سيّد الشمال، ولن تكون الأمور كما كانت من قبل.  

أدرك الأذكياء ذلك وهربوا أوّلًا.

 كانوا أبناء النبلاء الكبار.  

لا يمكن أن تكون هناك شمسان في سماء واحدة.  

بما أنّ معظم من غادروا كانوا فرسانًا كبارًا مُنحوا ألقابًا، فقد بدأت قوّات الأمن الداخليّة لقلعة الدوق، بقيادة إيرل مالوري، عمليّة تفكيكها فعليًا منذ اليوم.  

أغلق أعضاء قوّات الأمن، الذين بدأوا كمرافقين، أعينهم بقوّة.  

كانوا يتوقّعون أنّ قوّات الأمن ستُنظّم بعد عودة كاليون مع فرقة الفرسان التي يقودها بنفسه.  

لكن ليس بهذه السرعة.  

“فرقة فرسان غرايوولف هي اسم مشرّف لا يستحقّه إلّا من ضحّوا بحياتهم من أجل شعب الشمال. لا مكان للجبناء هنا.”  

استهدف كاليون بكلامه الذين هربوا من قوّات الأمن.

 لكن حتّى من بقوا وافقوه سرًا. 

كانوا فعلًا جبناء اعتمدوا على نفوذ آبائهم للحصول على ألقاب.  

“إذا شعرت بالظلم، يمكنك البقاء. سأقبل من يثبت ولاءه للشمال. لكن يجب أن تُظهر استعدادك لتقديم قلبك لي.”  

غادر البعض. 

التفت كاليون إلى أعضاء قوّات الأمن الذين بقوا مصمّمين على الصمود، وأعلن:  

“من الآن فصاعدًا، ستتدرّبون كمرافقين في فرقة فرسان غرايوولف.”  

لم يكن كاليون ينوي تفكيك قوّات الأمن بين عشيّة وضحاها. 

في البداية، خطّط لتقييم مستوى تدريبهم قبل اتّخاذ قرار ببقائهم أو إلغائهم، لكن بعد رؤية مبارزة نائب القائد، اتّخذ قراره.  

كانت قوّات الأمن نفسها تُشكّل وصمة عار على اسم غرايوولف.  

لم يكن هناك قيمة في مناقشة الأمر مع القائد الذي لم يحضر حتّى التدريب الصباحي.  

“من اليوم فصاعدًا، لن يغادر أيّ شخص يعترض عليّ سالمًا على قدميه من هذه القلعة. من يتجرّأ على الردّ أو ينظر إليّ بنظرات متعجرفة، لن أتحمّله.”  

“…”  

“أجيبوا.”  

“نعم، نعم!”  

كانت أصواتهم مليئة بالحماس.  

أمر كاليون بتوزيع الأعضاء الجدد، ثمّ نظر بتمعّن إلى المكان الذي كانت فيه الجثّة.  

***