“انتهى الأمر.”
رفعت شايلا القماش بعد أن وضعت الغرزة الأخيرة بعناية.
“اكتمل التطريز.”
كانت قد طرّزت تطريزًا رائعًا يجمع بين رمز عائلة غرايوولف، الذئب الزائر، ونمط “فلور دي ليس”، وهو الأحدث في موضة العاصمة.
“يا إلهي! سيّدتي الصغيرة، كيف صنعتِ مثل هذا العمل الرائع؟”
“واثنتين منهما؟ يداكِ سريعتان حقًا!”
تسابقت الخادمات في غرفة التطريز لمدح عمل شايلا المنجز.
“لم أرَ مثل هذا النمط الدقيق والمميّز من قبل.”
“من كان ليتخيّل أنّ هاتين اليدين الصغيرتين تمتلكان مثل هذه المهارة؟ يا إلهي!”
هؤلاء نساء قضين حياتهنّ في التطريز.
بالتأكيد هناك بعض المبالغة في مديحهنّ، لكنّ مهارة شايلا في التطريز كانت موضوعيًا من الطراز الأوّل.
كان ذلك بفضل التدريب القاسي الذي فرضه عليها الكونت ليكسي منذ صغرها.
بعد أن تحوّلت من أرنب إلى إنسان بوقت قصير، لم تكن معتادة على استخدام يديها، فارتكبت بعض الأخطاء.
منذ ذلك الحين، كان عليها أن تطرّز عشر ساعات يوميًا.
وعلاوة على ذلك، كان الكونت ليكسي يؤمن بفكرة عتيقة مفادها أنّ أعظم فضيلة للسيّدة النبيلة هي مهارة التطريز.
حتّى يرضى والدها، كانت يداها تبدوان مشوّهتين من آثار وخزات الإبر، وكانت تطرّز طوال طفولتها.
لذا، لم يكن مستغربًا أن تكون مهارتها متميّزة.
كانت تكره التطريز حتّى النّظر إليه، لكن منذ وصولها إلى الشمال، كانت تزور غرفة التطريز بانتظام.
كان ذلك بهدف بناء صورة إيجابيّة أمام الآخرين.
لكن منذ فترة قريبة، كان هناك شيء تريد إكماله.
“سيّدتي الصغيرة، ما الغرض من هذا التطريز الجميل؟ لا يبدو كسجادة حائط… إنّه مربّع الشكل.”
“إنّه غطاء وسادة.”
“ماذا؟ وسادة؟”
“نعم.”
شعرت شايلا بالفخر، لكن الخادمات في غرفة التطريز بدَونَ وكأنهنّ يرين التطريز ثمينًا جدًا لغطاء وسادة.
وكان ذلك مفهومًا، فقد كان تطريز شايلا متقنًا للغاية لهذا الغرض.
“لم أرَ نمطًا أنيقًا كهذا من قبل. يشبه اللهب المتّقد، أو زنبقة متفتّحة…”
“إنّه رائج في العاصمة.”
كان نمط “فلور دي ليس”، المستوحى من زهرة السوسن، من بلاد غاليا البعيدة.
كلّ شيء من غاليا، من المواد الغذائيّة إلى أنماط الدانتيل، كان يحظى بشعبيّة كبيرة في أوساط العاصمة الاجتماعيّة.
خاصةً “فلور دي ليس”، التي ترمز إلى بركة الإله، الحظ، والسلام، فلم تكن تُستثنى من أغراض النبلاء.
“يا إلهي، من العاصمة…”
“لا عجب، إنّه شيء تستخدمه سيّدات العاصمة المتعلّمات…”
كانت الخادمات، اللواتي قضين حياتهنّ محصورات في الشمال البارد، يلمعن أعينهنّ عند ذكر كلمة “العاصمة”.
شعرت شايلا بالزهو، فرفعت رأسها بفخر وبدأت تتباهى بمعرفتها الضحلة.
“السيّدات النبيلات يعشقن ‘فلور دي ليس’ بسبب معاني البتلات الثلاث.”
“وما هي هذه المعاني؟”
“الأب، الابن، والروح القدس.”
كان ذلك مشابهًا لتعاليم المعبد الكبير: الإله الرئيسيّ وابناؤه الاثنا عشر، وتجسّدهم في الروح القدس، ومعنى أنّ الجميع أبناء السماء.
((ملاحظة المترجمة: ذي معتقدات لفئة من المسيحيين يؤمنون بالثالوث ))
“وأيضًا الثقة، الحكمة، والفروسيّة.”
أشارت شايلا إلى البتلتين الصغيرتين على الجانبين والبتلة الكبيرة في الوسط وهي تشرح.
“السيّدة الموثوقة والحكيمة تلتقي بالفارس النبيل.”
“يا إلهي!”
كانت الخادمات يذُبن عند ذكر أيّ شيء يتعلّق بالرومانسيّة.
تسارعن لسؤالها عن كيفيّة مواعدة الشباب في العاصمة، لكن شايلا هزّت كتفيها فقط.
“لا أعرف الكثير. سمعتُ هذا من أخواتي اللواتي كنّ على وشك الظهور الأوّل في حفلات الشاي.”
لكي لا تبدو كطفلة متباهية، أوقفت شايلا الحديث عند هذا الحدّ.
كان الكونت ليكسي يأخذ ابنته الشبيهة بالدمية إلى جميع الحفلات في العاصمة ليتباهى بها كجائزة.
بالطبع، كانت الفتاة الصغيرة مسموحًا لها بحضور “الحفلات النهاريّة” فقط، لكن حتّى هناك كانت القصص ممتعة.
خاصة أنّ شايلا في طفولتها كانت تمتلك سمعًا حادًا، فكانت تلتقط القصص التي يتحدّث بها الناس من بعيد.
“هذه الوسادة للدوق، أليس كذلك؟ سيفخر بكِ جدًا.”
“يجب أن تخبريه أنّكِ طرّزتِها بنفسكِ، وإلّا سيظنّ أنّ شخصًا آخر صنعها.”
“لا.”
ابتسمت شايلا وهزّت رأسها.
“هذه لليون.”
فجأة، ساد الصمت في غرفة التطريز التي كانت مفعمة بالحيويّة.
لقد سمعوا بالأمر.
الشائعات الغريبة التي انتشرت مؤخرًا في قلعة الدوق.
“يقولون إنّ سيّدنا الصغير، الذي يقضي وقته في الفراش، ليس مريضًا حقًا…”
“هل سمعتِ عن الذئب الأبيض الذي يظهر ليلًا قرب برج الساعة؟ ذلك الوحش الشرس. يقولون إنّه…”
“في الحقيقة، إنّه سيّدنا الصغير، متحوّل.”
انتشرت الشائعة بين الخدم الذين رأوا شايلا تلعب مع الذئب الأبيض في ممرّات القلعة.
ذئب يتكلّم.
صداقته مع شايلا.
لقب “ليون”.
“قالوا إنّ ذئبًا أسود سيظهر ليكون بطل الشمال، لكن من كان ليتوقّع أن يولد ذئبًا حقيقيًا؟”
أصبحت عائلة غرايوولف، والدوق وزوجته، وكاليون نفسه، موضوعًا للأسى.
لكن الشخص الأكثر ذكرًا كان شايلا.
الفتاة المسكينة التي جاءت إلى الشمال البعيد لتتزوّج من وحش.
“سأكمل هذه الوسادة وأهديها لليون. هل سيحبّها؟ آمل أن يستخدمها جيّدًا.”
“…”
“…”
كانت شايلا فتاة مشرقة ذات طباع لطيفة، فشعر الخدم بمزيد من الأسى تجاهها.
هل هي حقًا تتعايش جيّدًا مع ذلك الوحش الشرس؟ كان الفضول يقتلهم أيضًا.
“… تفاجأنا عندما سمعنا أنّ الذئب هو الدوق الصغير.”
“يبدو أنّ ليون مشهور؟”
“نعم، الأمر كذلك…”
***
عندما عُرف أنّ الذئب الشبيه بالشبح في قلعة الدوق هو وريث عائلة غرايوولف، الدوق الصغير، أغلق كاليون على نفسه الأبواب.
“اخرج من هناك.”
مهما نادت شايلا، لم يتحرّك من تحت السرير.
كان هذا يومه الثاني.
توقّف عن تناول الطعام الذي كان يأكله بشراهة، فكانت شايلا قلقة جدًا.
“اخرج، لا أحد يقول شيئًا!”
حملت الوسادة التي أكملتها بجهد، لكنّه بدا محبطًا ولم ينظر إليها.
شعرت شايلا بالأسى، فأمسكت بقدميه الأماميّتين وسحبته من تحت السرير بالقوّة.
كان يحمل دموعًا في عينيه، وقفز في حضنها كما لو كان ينتظر أن تسحبه إلى الخارج.
“أنا لا أريد! لا أريد!”
“ما الذي لا تريده؟ ما الذي تكرهه دائمًا؟”
ربتت على مؤخّرته المكسوّة بالفراء الناعم، فأطلق سراح حزنه كما لو كان ينتظر ذلك.
“لم أختر أن أكون هكذا. كنتُ أريد أن أولد مثل هنري، قويًا، كبيرًا، وبطلًا عظيمًا…!”
قويًا؟
“لا! أنا أعارض بشدّة!”
كانت شايلا تكره فكرة أن يكون زوجها رجلًا ضخمًا كالصخر مثل هنري.
لو ضربها بتلك اليد… لما استطاعت جمع عظامها.
“ليون، لو كنتَ مثل هنري، أقسم بالسماء، لما تزوّجتك أبدًا.”
“ماذا؟”
رفع كاليون رأسه فجأة وهو يبكي محتضنًا رقبتها.
“لماذا؟”
“تزوّجتك لأنّك جرو صغير لطيف. مهما اضطهدتني وطلبت مني العودة إلى العاصمة، تحمّلت ذلك لأنّك أنتَ! لأنّك أنتَ!”
لأنّك تملك خدّين ناعمين.
لأنّ وجهك مثل خبز الكريمة!
“ما هو الاضطهاد؟”
ربّما لأنّه تعلّم القراءة متأخرًا، كان كاليون يمتلك أضعف مفردات بين الأطفال البالغين من العمر سبع سنوات الذين قابلتهم شايلا.
“الاضطهاد هو عندما تُزعج شخصًا وتُضايقه بشدّة.”
بعد هذا الشرح البسيط، قفز كاليون كما هو متوقّع.
“لم أضطهدكِ!”
“كان اضطهادًا. كان إزعاجًا وتسلّطًا.”
“لا! لم أفعل ذلك أبدًا!”
هزّ كاليون رأسه بقوّة.
خافت شايلا أن تسقط أذناه، فهدّأته أوّلًا.
“حسنًا، لنقل إنّك لم تفعل.”
“أنا حقًا لم أفعل…”
بدت وكأنّه مظلوم، فتشبّث بشايلا وهو يبكي طالبًا التهدئة.
“هينغ.”
“لا تكرهني. أحبّك لأنّك أنتَ.”
بدأ ذيل كاليون يهتزّ فجأة وهو ينخر. رفع رأسه ببطء، وجهه متورّد، وسأل:
“شاشا… هل أعجبكِ؟”
“نعم، أنتَ لطيف جدًا.”
“حقًا؟”
“حقًا.”
بدأ الفتى المبتهج يهزّ ذيله كمروحة.
كان قويًا جدًا لدرجة أنّ ذيله السميك ضرب فخذي شايلا بقوّة، لكن عينيه المتلألئتين جعلتا كلّ شيء يُغفر.
“شاشا، إلى أيّ مدى أعجبكِ؟”
“امم، إذا سألت هكذا…”
“مثل الشيكوري؟”
كانت عيناه الزرقاوان تلمعان كالنجوم من مسافة قريبة.
في تلك العيون، رأت شايلا فتاة تبتسم بابتسامة غريبة.
خلال حياتها القصيرة التي استمرّت تسع سنوات، لم ترَ قط وجهًا محبوبًا يضحك كأسعد شخص في العالم.
“شاشا، هل أعجبكِ مثل الشيكوري؟”
كان هذا الفتى هو من جعل شايلا تضحك هكذا.
“نعم.”
كان فخذاها يؤلمانها من ثقل كاليون، لكنّها لم ترغب أبدًا في دفع هذا الدفء بعيدًا.
“أحبّك مثل الشيكوري.”
“!”
كان هذا أكبر اعتراف لفتاة في التاسعة من عمرها.
التعليقات لهذا الفصل " 21"