كان عليها أن تعيش حياة غير مرغوبة، تتناول الخضروات المرّة والطعام الفاسد، كما لو كانت تُمدّد حياتها فقط.
حتّى الموت، طوال حياتها.
مثل خنزير محبوس في حظيرة.
“قفي أيتها المذنبة. ستذهبين إلى دير العاصمة الإمبراطوري.”
“اشكري الكاهن على حكمه الرحيم واخدمي.”
“لا! لا أريد! لا!”
دفعت بلانش الكهنة المتدرّبين الذين اقتربوا منها كالمجنونة.
“اقتلوني! من الأفضل أن تقتلوني! فقط اقتلوني!”
“يجب أن تكوني شاكرة لأنّك لم تُعدمي رغم سلوكك الدنيء!”
“إذا كنتِ تريدين التوبة حقًا، دعينا نعاقبكِ في الدير. تعالي بهدوء!”
“لا! لا يمكن! لا!”
تردّد صراخها اليائس في الساحة الكبرى، تتوسّل الموت. لكن لم يكن هناك من يشفق عليها.
“آه!”
ابتعدت الهالة الضوئيّة التي كانت قريبة جدًا. مهما قاومت، لم تستطع الإفلات من أيدي الكهنة المتدرّبين القويّة. لم يكونوا كهنة، بل كانوا كالشياطين.
بعد أن حُبست في برج الدير، لم ترَ بلانش ضوء الشمس مرّة أخرى.
***
بعد خمس سنوات.
مرّ الزمن بعدالة، فبقيت العاصمة الإمبراطوريّة في فوضى، بينما أصبحت الدوقيّة الكبرى مكانًا أكثر سلامًا.
تزوّجت لايلا من هيوغو بسلام، وأنجبا ثلاثة أطفال متتاليين.
انتشرت شائعات في القارّة بأكملها عن العلاقة الزوجيّة الرائعة للملك وزوجته، اللذان تزوّجا متأخرًا.
والآن، كانت لايلا حاملاً بطفلها الرابع وتقيم في قلعة دوق غرايوولف.
“يا أختي، كيف تأتين بدفاتر الحسابات الملكيّة مرّة أخرى؟!”
“ساعديني قليلاً. رئيس الخدم يتوقّع الكثير الآن.”
كان ذلك صحيحًا.
كانت لايلا تعتمد على مهارات شايلا المحاسبيّة لتخفيف أعباء واجباتها كملكة.
بفضل الأخوّة القويّة بين الأختين الأرنبتين، تفاخرت الدوقيّة الكبرى والمملكة برابطة غير مسبوقة.
“لا داعي لتدقيق الحسابات.”
على أيّ حال، كانت لايلا تملك السلطة العليا في القصر بفضل تأثير الملكة الأم.
كيف تمكّنت من إقناع الملكة الأم التي اشتهرت بصرامتها؟ كانت القوّة الحقيقيّة مدعومة بقوّة أخرى.
“هاه، هذا مذهل حقًا.”
هل يعرف صهرها؟ أنّ أسرار المملكة تصل إلى يدي الدوقة الكبرى كلّ ربع سنة.
هزّت شايلا رأسها متذمرة، ثم أزاحت كوب الشاي وبدأت بفحص الدفاتر بمهارة.
“يجب أن تكوني شاكرة، يا أختي، لأنّني أرنبة نزيهة لا تسرق أموال العائلة.”
“بالطبع أنا شاكرة، يا أختي الذكيّة!”
“يا أطفال، اذهبوا والعبوا مع الملكة.”
نزعت شايلا الأطفال المعلّقين بها واحدًا تلو الآخر.
واحد على ذراعها اليسرى، واحد على اليمنى، وواحد على ظهرها.
“حسنًا.”
“نعم، أمّي!”
“نعم!”
كايلا، روينا، داميان.
أو بالأحرى، كوكو، لولو، وديدي.
اتّضح أنّ التوائم الثلاثة في بطن شايلا كانوا أرنبًا، ذئبًا، وذئبًا آخر.
وُلدوا بمظهر بشري، لكن أحيانًا كانت تظهر آذان فوق رؤوسهم.
“لهذا السبب كنتُ أشتهي اللحم فقط…”
بعد حادثة الستيك في منتصف الليل، أكلت شايلا اللحم فقط لمدّة خمسة أشهر.
أنواعًا مختلفة من اللحوم.
الذي تحوّل إلى نباتي كان كاليون.
حتّى أرضعت شايلا أطفالها، رفض الأطعمة ذات الرائحة السمكيّة وتمسّك بالنباتيّة.
يا له من زوج مبالغ فيه.
“سيدتي الملكة، تحوّلي إلى أرنبة!”
“إنّها خالتك يا غبي! عمّتي، ديدي غبي!”
“لولو، لا تتفوّهي بكلام سيء، وإلّا سأخبر أبي ليعاقبك!”
“همف! لا تتظاهري بأنّكِ الأخت الكبرى، يا كوكو!”
“أنا الأخت الكبرى!”
“نعم! حسنًا، أختي!”
“يا غبي، يا ديدي، يجب أن تناديني بالأخت الكبرى!”
“لولو الأخت الكبرى عاقبتني. لقد قالت غبي! سأخبر أبي! أبي! أبي!”
كان أطفال لايلا، الذين يشبهون هيوغو، هادئين ووقورين، لذا كانوا يجدون أبناء خالتهم الصاخبين لطيفين.
“يا إلهي، يا أطفال… الدوقة الكبرى مشغولة الآن، فلنذهب إلى الحديقة.”
“حسنًا.”
“نعم!”
“نعم، سيدتي الملكة!”
كان هؤلاء الثلاثة توائم متماسكين يحبّون اللعب معًا أكثر من أيّ شيء.
ما إن أُطلقوا في الحديقة حتّى ركضوا بسرعة، ولم تجد لايلا فرصة لمواجهتهم.
“يا أطفال! لحظة، كوكو، لولو، ديدي!”
لجذب انتباه أبناء أختها، أخرجت لايلا سلاحها السرّي المخفي.
كانت جوهرة زودياك.
حجر سحري يحوّل الكائنات ذات الحساسيّة العالية للسحر إلى حيوانات.
“لقد أحضرت لعبة ممتعة، أليس كذلك؟”
عندما استحوذت أخيرًا على انتباههم، أخرجت لايلا، بيدها المغطّاة بالقفاز، حجرًا أسود لامعًا.
“هل تريدون مفاجأة أمّكم؟”
تجمّعت أنظار التوائم الثلاثة المتلألئة كالجواهر على لايلا.
***
بينما كانت شايلا منغمسة بحماس في تدقيق الدفاتر، انتفضت من إحساس يدغدغ قدميها.
كان هناك شيء تحت الطاولة.
تحرّكت مفرش الطاولة الطويل بشكل صاخب.
…قفزة؟
“ما هذه القفزة؟”
رفعت شايلا مفرش الطاولة بحذر.
ثم اندفع الثلاثة المشاغبون، الذين كانوا مختبئين تحت ساقيها، نحوها دفعة واحدة.
“أمّي!”
“أمّي!”
“أمّاه!”
أرنب رمادي، ذئب بني، وذئب أسود.
تشنّج قلب شايلا من هجوم هذه الوحوش الصغيرة اللطيفة.
“يا لهم من لطيفين! لطيفون جدًا!”
لم تستطع شايلا استعادة رباطة جأشها بسبب الأطفال الذين تسلّقوا ركبتيها وتدحرجوا عليها.
كان ديدي خاصّة نسخة طبق الأصل من كاليون في طفولته، لكن بألوان مختلفة.
كان فراؤه الأسود اللامع ناعمًا وفخمًا.
تاركة كوكو ولولو اللذين ركضا بعيدًا، رفعت شايلا ديدي.
وسادات أقدامه مثل الجيلي، وآذانه المنتصبة…
“كيف يمكن أن يكون صغيرًا هكذا؟”
“أنا صغير جدًا؟”
مال ديدي برأسه كما لو أنّه لا يفهم.
غريب، أنا الأكبر بين الثلاثة…
في تلك اللحظة، اقترب كاليون، حاملاً أرنبًا وذئبًا في ذراعيه اليسرى واليمنى.
“شاشا، انظري إلى كوكو ولولو. لطيفان جدًا! يشبهانكِ تمامًا!”
بعد انتهاء لقائه مع أحد النبلاء المحليين، شمّت كوكو ولولو رائحة والدهما وركضا إليه.
“انظري، ليون! ديدي يشبهك أيضًا! صغير جدًا!”
“لكن ديدي كبير جدًا…”
“شاشا، ذراعيكِ ترتجفان الآن…”
“انظري، أليس صغيرًا جدًا؟ وساداته مثل الجيلي، لطيفة جدًا!”
تجاهلت شايلا احتجاجات ابنها وزوجها، وقبّلت وجه ديدي بشدّة، وفركت خدّيها بآذانه ووساداته.
“شاشا حقًا…”
كانت شايلا كما هي، قديمًا وحديثًا.
كلّ ما تحبّه تراه صغيرًا ولطيفًا.
فهم كاليون الآن شعور زوجته في الماضي.
شعورها عندما كانت تحتضن ذئبًا صغيرًا شرسًا وثقيلًا على ركبتيها بحبّ.
يريد حمايته بقوّة، وعناقه بدفء.
لأنّ هذا هو الحب.
“أمّي، لديّ جيلي أيضًا!”
“أمّي! أستطيع القفز!”
اندفع لولو وكوكو من حضن والدهما نحو شايلا.
بين كتل الفراء كوكو، لولو، وديدي، سكرت شايلا برائحة الحبّ اللطيفة.
“يجب أن أطلب من الأخت لارا إحضار الدفاتر كلّ شهر. هكذا سأرى هذا المشهد اللطيف أكثر.”
مجرد التفكير كان ممتعًا.
حديقة خضراء، ثلاثة مشاغبين يركضون فوق ذيل فستان ورديّ.
وفي الوسط، زوجتي، شايلا، بابتسامة أكثر إشراقًا من الشمس.
كأنّها لوحة فنيّة. حدّق كاليون في زوجته وأطفاله،
مغرمًا، وهمس:
“شاشا هي الأكثر حبًا…”
الطقس بارد، لكن القلب دافئ.
عائلته، التي هي بيته ووطنه، كانت تاريخ ومستقبل غرايوولف.
تحت سفوح هاملوك العظيمة.
كانت هناك أرنبة، و العائلة اللي تحبها، تعيش أيامًا سعيدة لا مثيل لها.
<النهاية>
المترجمة : مروة ♡
التعليقات لهذا الفصل " 151"