وعلاوة على ذلك، كُتب أنّ جميع عائدات البيع ستُودع في حساب قائدة قافلة كاروت، “شايلا غرايوولف”.
“لمَ تكون شايلا صاحبة قافلتي؟”
حدّق الكونت ليكسي في الأوراق بعيون جاحظة مذهولة، ثمّ بدأ يقلّبها بسرعة.
من بين حزمة الرقوق التي قدّمها الخادم الشخصي، كانت هناك وثيقة تفوّض شايلا بكامل السلطة على قافلة كاروت.
“ماذا؟!”
الوثيقة التالية كانت شهادة هبة تنقل كلّ الأموال، بما فيها الأموال المخفيّة، إلى شايلا غرايوولف.
عندما رأى ختم العائلة الموضوع بدقّة في نهاية الوثيقة، كاد الكونت أن يتوقّف قلبه. عندما فكّر في الأمر، لاحظ أنّ خاتم الختم الذي كان يرتديه دائمًا في إصبعه الصغير قد اختفى.
عندما قلّب الأوراق بسرعة، وجد وصيّة. كانت تنصّ على أنّ لقبه سيُنقل إلى ابنته الكبرى في عائلة ليكسي إذا مات.
كان الكونت لا يزال شابًا بما يكفي ليكون بعيدًا عن كتابة وصيّة بثلاثين عامًا. وجود مثل هذه الوثيقة يعني تهديدًا صريحًا بحياته.
“قافلتي! أموالي! لقبي!”
شعر الكونت وكأنّه سينهار.
“والدي، حتّى لو عاش، فلن تكون حياته حياة.”
تذكّر صوت شايلا ونظرات كاليون المغتاظة. استرجع الكونت ذكرياته قبل أن يُغمى عليه، وأصبح وجهه أحمر من الغضب.
“كيف يجرؤون على لمس ممتلكاتي!”
ومن شدّة الغضب، كان الكونت يرتجف وهو يرمي حزمة الأوراق في المدفأة.
إذا ذهب إلى جلالة الإمبراطور الآن، يمكنه تصحيح هذا الوضع.
لنقل إنّ خاتم الختم سُرق. أو بما أنّه أحرق جميع العقود ووثائق التفويض، يمكنه أن يدّعي أنّها لم تكن موجودة أصلًا…
“كانت تلك نسخًا.”
“ماذا؟ هل تسخر مني الآن؟”
صرخ الكونت بصوت عالٍ، ثمّ فرك جبهته وهو يغلي من الغضب. لم يكن الوقت للغضب. الشخص الوحيد الذي يمكن أن يكون شاهدًا على ما حدث في هذا المنزل كان الخادم الشخصي.
“خادم، أنت تعلم أنّ كلّ هذا لم يكن بإرادتي. شهد لصالحي. سأذهب إلى القصر الإمبراطوري الآن، فتعال معي…”
“أنا أيضًا أعمل حتّى اليوم فقط.”
“ماذا قلت؟”
“لم تكن هناك لحظات ممتعة، وآمل ألّا نلتقي مرّة أخرى. إلى اللقاء.”
اقترب خادم آخر، كان يراقب الكونت ليكسي الذي بقي وحيدًا.
“يبدو أنّ عليكم المغادرة الآن، سيدي الكونت. العربة تنتظر في الخارج.”
اتّبع الكونت، وهو يلهث، الخادم إلى الخارج لتصحيح الموقف. كانت الحديقة مليئة بالحفر كما لو أنّها قُصفت. حتّى أشجار الفاكهة في الحديقة اقتُلعت بالكامل.
“يا لهم من خبثاء…!”
أشجار الفاكهة، التي لا تساوي الكثير. لا بدّ أنّهم فعلوا هذا عمدًا لإغاظته.
“ما هذه العربة المتداعية؟”
“إنّها عربة أجرة.”
عربات الأجرة في المحطّات تُستخدم عادة من قِبل الفقراء. كانت متهالكة لدرجة أنّه كان من المقلق ما إذا كانت ستتحرّك.
“لمَ أركب هذه؟”
“لأنّ عربات العائلة قد بيعت بالفعل.”
“……”
كان يغلي من الداخل، لكن الكونت صعد إلى العربة.
كان ينوي الذهاب إلى جلالة الإمبراطور فورًا ليشتكي من ظلمه ويطالب بمعاقبة هؤلاء المجرمين السخفاء الذين ارتكبوا هذه الأفعال الشنيعة. كان ذلك بمثابة تلطيخ وجهه بسبب أفعال صهره وابنته، لكنّه لم يعد يستطيع التسامح.
ظلّ الكونت جالسًا متكوّرًا في العربة المكشوفة لتجنّب أشعة الشمس. على عكس المعتاد، كانت الساحة مليئة بالصحف المتطايرة وفوضويّة، لكن الكونت، الغارق في مصيبته، لم يكن لديه وقت لمراقبة محيطه.
“مهلًا، أين نحن؟”
فجأة، أدرك أنّهم يسلكون طريقًا غريبًا. عندما نظر حوله، وجد أنّهم بعيدون عن أحياء النبلاء.
بل دخلوا إلى منطقة الجريمة حيث يعيش الفقراء. مكان لا يطأه النبلاء.
“لمَ أتينا إلى هنا؟”
“لأنّ الوجهة هنا.”
ذعر الكونت ليكسي. كان يعتقد أنّ هذه العربة متّجهة إلى القصر الإمبراطوري.
“لقد وصلنا، انزل. هذا المنزل.”
“هذا المنزل؟”
“المنزل الذي ستعيش فيه من الآن، سيدي الكونت.”
“……”
“بعد بيع القصر، انتقلتَ إلى هنا.”
من قصر في وسط العاصمة إلى كوخ. حدّق الكونت بعيون مذهولة في “منزله” الجديد. كوخ متداعٍ بلا نافذة واحدة.
“أعيش هنا؟”
وُلد الكونت ليكسي ابنًا لعامّي وعاش حياة مترفة طوال حياته. لم يقضِ ليلة واحدة، ولا حتّى ساعة، في مثل هذا المكان.
“هل هذا حلم؟”
كلّ شيء بدا غامضًا لدرجة أنّه لم يشعر بالواقعيّة. لم يصدّق الأحداث التي وقعت له منذ استيقظ.
“الخادم الشخصي، رئيس الخدم، حرّاسي!”
كان الكونت ليكسي مرتابًا بطبعه ومدمنًا للعمل، لذا كان يتولّى معظم الأعمال بنفسه. لم يكن لديه أتباع موثوقون يمكنه تكليفهم بالمهام.
غادر الخادم الشخصي، ورئيس الخدم، الذي كان موجودًا منذ أقلّ من عام، اختفى دون تحية، والحرّاس، كونهم مرتزقة، انضمّوا إلى الماركيز فوستر الذي وعدهم بمزيد من المال منذ زمن.
لم يعرف الكونت ماذا يفعل وهو في حالة ذهول، عندما مدّ السائق يده فجأة.
“12 فضيّة.”
“……”
“12 فضيّة.”
لوّح السائق بيده بنفاد صبر كما لو كان يطالب بالدفع. بحث الكونت في جيوبه بسرعة، لكنّه لم يجد سوى التبغ ومنديل.
أصلًا، كيف لنبيل مثله أن يحمل نقودًا؟ كان يأمر الخدم بجلب ما يحتاجه، والمعاملات كانت تُنجز بالوثائق.
“أنا… ليس لديّ نقود الآن.”
“ماذا قلت؟”
تحوّل وجه السائق إلى قناع شرس في لحظة. التفتت أنظار المتسوّلين المتسكّعين إلى الكونت.
“تستدعي عربة وأنت متسوّل بلا نقود؟!”
كان الكونت الآن بلا حارس واحد. عندما صرخ الرجل القوي الذي يعمل في مهنة قاسية، شعر الكونت بأنّ حلقه انسدّ.
حتّى لو كان هذا السائق عاميًا وهو نبيل، ففي هذا المكان بلا حماية، كان القانون غائبًا.
“اخلع ملابسك وأعطني إيّاها!”
“حسنًا، حسنًا!”
“والأحذية أيضًا!”
منطقة الجريمة المليئة بالمجرمين.
لقد تمّ التخلّي عن الكونت ليكسي. عاريًا بلا شيء يملكه.
“كيف يجرؤون على التخلّي عن والدهم!”
أخذ السائق كلّ شيء عدا الملابس الداخليّة، وتُرك الكونت في الشارع، مقهورًا ومقشّرًا.
[المترجمة مروة : اللهم لا شماتة بس أنا شمتان🥳]
لم تكن النظرات التي تحدّق إليه كشيء غريب ودودة على الإطلاق.
هرب الكونت المذعور إلى الكوخ. حاول تذكّر من قد يساعده، لكنّه لم يكن لديه أصدقاء.
كان شخصيّته القاسية تجعل حتّى حلفاء الأمس أعداء اليوم. حتّى قائد الأجنحة الفضيّة، الذي كان يتردّد إلى منزله بسبب المعاملات المتكرّرة، تخلّى عنه.
“الإمبراطور، يجب أن أذهب إلى جلالة الإمبراطور!”
بينما سيستمتع قادة القوافل الآخرون بسقوط الكونت ليكسي المزري، كان نبلاء العاصمة يسخرون منه بلقب “الأرنب بلا خجل” ولا يكادون يتعاملون معه.
عندما كانت ابنته الجميلة لا تزال في العاصمة، كان يستخدم اسمها كذريعة لدخول المجتمع الراقي، لكنّه لم يعد يستطيع استغلال اسم شايلا. لم يبقَ له سوى الإمبراطور.
على الرغم من أنّ الإمبراطور لن يكترث له، وبخلاف بروده المعتاد، فقد الكونت صوابه.
“سأطالب بمحاكمة ضد الدوق الصغير وتلك الفتاة شايلا.”
على الرغم من أنّه لا يوجد ما يُسرق، كان الكونت ليكسي يخشى أن يقتحم اللصوص باب هذا الكوخ المتداعي، فظلّ مستيقظًا طوال الليل. وعند الفجر، عندما صاح الديك، غادر الكوخ. كان المتسوّلون الذين ينامون بلا مأوى يحدّقون به من كلّ مكان.
“هذا ليس منزلي. لا يمكنني العيش في مثل هذا المكان!”
خائفًا من النظرات، مشى الكونت حافي القدمين بلا توقّف نحو الساحة.
“لقد أُصيب جلالة الإمبراطور!”
“يقال إنّ ثورة الأمراء ستقوم قريبًا!”
كانت الكلمات غير المفهومة تُسمع من كلّ جانب. الإمبراطور أصيب بنوبة قلبيّة؟ ثورة الأمراء؟
كان الكونت ليكسي يؤمن إيمانًا راسخًا بأنّ سلطة سالادور الثالث ستدوم إلى الأبد. لكن… لكن.
سالادور الثالث، الغارق في الترف والملذّات.
ثورة الأمراء.
تمرّد أم ثورة؟
الصحف الملقاة على الأرض والكتابات على الجدران لم تكن تبدو عاديّة على الإطلاق.
التعليقات لهذا الفصل " 145"