كان اليوم هو يوم تسوية الحسابات الشهريّة لأموال شايلا الخاصّة.
شايلا، التي كانت حلْم عائلة التّجار، اعتادت منذ صغرها على كتابة دفتر يوميّات المصروفات.
بما أنّ مبلغًا كبيرًا يُسمّى “الأموال الخاصّة” كان يُصرف شهريًّا لشايلا من قِبل دار الدّوق، فقد أصبح من الطّبيعيّ أن تسجّل استهلاكها ونفقاتها.
‘قد يطردونني من قصر الدّوق بحجّة الإسراف.’
في هذه الأثناء، جاء كبير الخدم صباحًا لزيارة شايلا.
لم يكن ذلك واجبًا بالضّرورة، لكنّه بما أنّه جاء إلى هنا، شعرت أنّه ينبغي عليها إظهار دفتر تسوية الأموال الخاصّة.
“هذه هي المصروفات، وهذه النّفقات.”
كانت قد دّونت أيضًا من خلال ماذا اشترت وكيف دفعت. يوميًّا.
أنطونيو، الذي كان ينظر إلى شايلا وهي تحتضن الدّفتر بابتسامة راضية في البداية، بدأ يتصفّح الصفحات واحدة تلو الأخرى باندهاش متزايد.
“سيّدتي الصّغيرة، هل تعرفين الفرق بين المصروفات والنّفقات؟”
“المصروفات هي شراء أشياء ليست ضروريّة لكنّني أريدها، أو إنفاق أموال كان يمكن تجنّبها.”
أشارت يد شايلا إلى ركن في الدّفتر.
شراء 30 كو من دانتيل غيبور.
“على العكس، النّفقات هي الأموال التي يجب إنفاقها بالضّرورة. على سبيل المثال، تغيير ديكور غرفة النّوم القديمة لكاليون، أو شراء لحم الضّأن الذي يحبّه.”
كلّف شراء نسيج جداريّ جيّد الكثير من المال. ولم تكن تكلفة اللّحم زهيدة أيضًا.
تعمّدت شايلا التّأكيد على هذه النّقطة. لقد اشترت ما يحتاجه كاليون من أموالها الخاصّة المخصّصة لها.
كان يفترض أن تكون هذه مهمّة رئيسة الخادمات. لكن بما أنّه لا توجد رئيسة خادمات في قصر الدّوق، كان ينبغي على الخدم إدارة الأمر.
‘حتّى لو رفض كاليون ذلك، ألم يكونوا مهملين جدًّا طوال هذا الوقت؟’
أرادت أن تقول ذلك.
كيف يمكن أن يهملوا إطعامه وتنظيفه؟ إلّا إذا كانوا يريدون أن يموت جوعًا أو يصاب بمرض خطير.
لكنّهم استمرّوا في هذا الإهمال لسنوات عديدة.
لقد أصبح تجاهل الدّوق الصّغير، الذي يُعتبر عبئًا، أمرًا مألوفًا لدرجة أنّ التّوبة جاءت متأخّرة جدًّا.
كما هو متوقّع، لم يبدُ أنطونيو نادمًا على أنّ شايلا هي من اعتنت بكاليون مباشرة.
فقط تحقّق من الدّفتر المكتوب بعناية، وسُرّ من جديد بتوفير شايلا وتدبيرها.
“هل ستذهبين اليوم أيضًا إلى الدّوق الصّغير؟”
“نعم.”
بينما نهضت شايلا وهي تحمل الدّفتر، فاجأها أنطونيو بحديث غير متوقّع.
“سيّدتي الصّغيرة، هل يمكنني طلب خدمة واحدة؟”
“خدمة؟”
“نعم. الدّوق يتساءل عن حال الدّوق الصّغير، لذا فكّرت في ترتيب لقاء بينهما…”
كانت هذه أخبارًا سارّة.
اقترب موعد مهرجان الصّيد أيضًا. كونه أكبر مهرجان في الشّمال، كان يجب البدء بالتّحضيرات له قبل نصف عام على الأقل.
يبدو أنّ أنطونيو خطّط لعشاء عائليّ خلال فترة مهرجان الصّيد الذي تنظّمه الدّوقيّة.
“المشكلة هي أنّ الدّوق الصّغير… لا أحد يستطيع أن يغسله…”
“ماذا؟”
تقلّصت عينا شايلا تلقائيًّا.
تساءلت لماذا جاء هذا الرّجل العجوز إلى الجناح الشّرقي بكلّ هذا العناء. كان له غرض آخر إذن.
“عندما كان سيّدنا صغيرًا، كان يتبع مربّيته كثيرًا.”
“هل تقصد المربّية التي غادرت قصر الدّوق بسبب مسؤوليّتها عن اختطاف كاليون؟”
“نعم، في الواقع، غادرت المربّية بمحض إرادتها. فقد بدأ الدّوق الصّغير يكرهها شيئًا فشيئًا حتّى ساءت العلاقة بينهما.”
من النّادر أن يكره ابن نبيل مربّيته. عادةً ما يشعر بتعلّق أكبر بها مقارنة بالأمّ التي يقضي معها وقتًا قصيرًا.
“كيف حدث ذلك؟ هل احتقرته لأنّه ذئب؟”
“لا، ليس ذلك. سمعت أنّه أثناء محاولتها غسله…”
غسله؟
“يقال إنّه يكره الماء جدًّا. لذا، منذ مغادرة المربّية، لم يتمكّن أحد من غسله.”
“لحظة، لقد غادرت المربّية منذ خمس سنوات، أليس كذلك؟”
“نعم، هذا صحيح.”
“…”
لا عجب أنّ رائحته كانت كريهة منذ اللّقاء الأوّل.
نعم، لا يمكن أن تكون تلك الرّائحة ناتجة عن سنة أو سنتين فقط!
“أعلم أنّه طلب وقح، لكن… هل يمكنني أن أطلب منكِ هذا، سيّدتي الصّغيرة؟”
“…”
ألم تقل إنّ أحدًا لم ينجح في ذلك؟
‘لماذا يكلّفونني بمثل هذا الأمر…’
***
“شاشا، لقد جئتِ؟”
ربّما سمع خطوات شايلا وهي تمشي في الممرّ، فما إن فتحت الباب حتّى رأته.
في البداية، كان يقف على بعد عشر خطوات من الباب، ثمّ اقترب تدريجيًّا حتّى أصبح الآن ملتصقًا بالباب تقريبًا.
‘إذا استمرّ هكذا، سيخرج إلى الخارج.’
لكنّه فتى خجول يتجنّب الخروج نهارًا عندما يمرّ النّاس، لذا لن يكون ذلك سهلًا.
“ليون، هل قمت بالتّعليم مرّة أخرى؟”
“نعم، قمت بذلك…”
كاليون، وهو يشعر بالخجل لكنّه ينتظر المديح، هزّ ذيله بشكل أسرع ورفع رأسه. وكانت أذناه المطويتان للخلف مكافأة إضافيّة.
“يا لك من ذكيّ، أين فعلتها هذه المرّة؟”
“لا أعرف… لا تسألي عن هذا.”
على الرّغم من خجله، بدا سعيدًا بالمديح وهو يدور في مكانه.
مدّت شايلا يدها لتمسح رأس كاليون من الرّأس إلى الذّيل، ثمّ فركت ذقنه ورقبته بقوّة.
فجأة، استدار الفتى وكشف عن بطنه.
بينما كان مغمض العينين ويستمتع تمامًا، توقّفت شايلا عن مداعبته ونهضت من مكانها.
“حسنًا، هيّا نذهب للاستحمام الآن.”
تفاعل كاليون مع كلامها بعد لحظة تأخير.
“ماذا؟”
فتح عينيه ببطء واستدار ليقف.
“ليون، هيّا نغتسل.”
“ماذا قلتِ؟ لم أسمع جيّدًا.”
“… تقول إنّك لم تسمع.”
“صدقيني، لم أسمع.”
“إذن لماذا تتراجع للخلف؟”
“أنا لا أسمع…”
كان قد ابتعد بالفعل أكثر من عشرين خطوة.
لم تفعل شيئًا بعد، لكنّه كان خائفًا جدًّا ويلف ذيله للخلف. شعرت كأنّها الشريرة، لكنّه لا مفرّ.
وضعت شايلا يديها على خصرها وأطلقت الحقيقة التي كانت تحتفظ بها.
“أنت قذر ولطيف في الوقت ذاته.”
“…”
“أنت، تفوح منك رائحة كريهة.”
ارتجف الفتى وقفز من مكانه.
“أنا؟!”
“نعم، رائحة قويّة جدًّا.”
كاليون، الأبيض ذو الفراء النّاعم، كان كالمنفضة المتحرّكة.
‘كلّ غبار هذه الغرفة متّصل بجسمه اللّطيف…’
حتّى بياضه كان مجرّد رؤية شايلا له بمحبّة، ففي الحقيقة، كان لونه أقرب إلى الرّماديّ.
فراؤه، الذي لم يُعتنَ به أبدًا، كان متشابكًا وقذرًا، ورائحة الثّوم المزعجة لم تزل بعد.
الغبار، الثّوم، لحم الضّأن، والرّائحة الكريهة.
كلّ ذلك مجتمع في هذا الكتلة الفرائيّة الجبانة.
“هيّا نغتسل. قد تمرض إذا استمرّيت هكذا.”
على الرّغم من أنّه أصبح مطيعًا مؤخّرًا، يبدو أنّ الغسيل كان شيئًا يكرهه بشدّة.
اضطرّت شايلا لمطاردته في جميع أنحاء الغرفة، وخاضت معركة حقيقيّة.
“ليون، أين أنت؟”
“…”
“هذه مشكلة كبيرة. لا أستطيع إيجادك على الإطلاق.”
توقّفت شايلا أمام السّتارة ونظرت بنظرة محبطة إلى القدم الخلفيّة البارزة.
‘يا له من أحمق بريء…’
هل يظنّ حقًّا أنّه مخفيّ إذا اختبأ خلف السّتارة؟
تحت الستارة المخمليّة المنتفخة، سحبت قدمه الخلفيّة، فتشبّث كاليون بالسّتارة بيأس.
“لا، لا! اتركيني!”
“ممنوع! يجب أن تغتسل! هل تعلم كم هي رائحتك كريهة؟”
“لكن، لكنّكِ قلتِ إنّها لا بأس بها!”
“متى قلتُ إنّها لا بأس؟”
“كنتِ تحتضنينني وتلمسينني دون أيّ مشكلة!”
“كنتُ أتحمّل! سامحتك لأنّك لطيف!”
“إذن استمرّي في مسامحتي! سأظلّ لطيفًا!”
أمسكت شايلا بجسد الفتى الذي كان يحاول الهروب وثبّتته عند خصرها. كان يقاوم بشدّة حتّى شعرت بالإرهاق.
“لا! لا أريد الغسيل!”
“ممنوع. إذا لم تغتسل، سيكرهك الجميع.”
“لا يهمّني! لا أبالي بالآخرين!”
“أيّها الوغد!”
انفجرت أخيرًا بصوت عالٍ.
“إذا أردت أن تكون إنسانًا، عليك أن تتعلّم الغسيل بوقار!”
“…”
بهذا الزّجر، هدأ كاليون فجأة، كأنّه لم يتحدّى من قبل، وبدأ يراقب شايلا بخجل.
أمسكته بقوّة وذهبت إلى الحمّام، حيث ملأت وعاء غسيل اليدين بالماء الدّافئ وبدأت برشّ الماء على جسده تدريجيًّا.
لكنّ فراء الذّئب الذي لم يُغسل منذ زمن طويل كان مقاومًا للماء بشكل مذهل. كلّما سكبت الماء، كان يرتدّ دون أن يبلّل الفراء على الإطلاق.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 14"