“جلالتك، إنه طبيب القصر.”

 

أمام الباب الضخم، انحنى طبيب القصر بعمق نحو الملك المستلقي على سريره.

 

“سأدخل للحظة لفحص الجرح…!”

 

فجأة، لاحظ طبيب القصر أرنبًا يتسكّع عند قدميه، فتجهّم وجهه مندهشًا.

 

كاد أن يدوسه.

 

‘هذا الحيوان التافه، لو دُسته فقط…’

 

لن يكون ذلك مشكلة، لكن هذا الأرنب لم يكن مجرّد حيوان بريّ. 

 

كان الأرنب الذي قرّر الملك تربيته كحيوان أليف.

 

مهما كانت هويته الحقيقية.

 

“هي، أيها الطبيب.”

 

“……”

 

“أنا، أعرف نوع العشبة السامة التي جعلت هيوغو هكذا، أتريد أن أخبرك؟”

 

نظر طبيب القصر إلى لايلا بنظرة مليئة بالضجر.

 

لم يكن هناك تحسّن يُذكر في حالة الملك، ولا دواء لمرضه، لذا كان طبيب القصر يتردّد إلى هذه الغرفة عدّة مرات يوميًا. 

 

بل إنه، إذا مات الملك، سيتحمّل طبيب القصر المسؤولية كاملة.

 

“من هو هيوغو؟”

 

“ملككم، هيلغوت.”

 

في لحظة، اتسعت عينا طبيب القصر بدهشة.

 

“كيف تجرؤ على ذكر اسم جلالته بفمك!”

 

“هل هذه هي المشكلة الآن؟ ألا تريد معرفة نوع السم؟”

 

أفرغت لايلا كلّ ما تعرفه من معلومات.

 

زهرة الخوذة.

 

تنمو هذه العشبة في ظلال الأراضي الرطبة، وتتواجد خاصة تحت الثلوج الدائمة في جبال هاملوك.

 

 منذ أن مات ربّ عائلة غرايوولف الأول بعد تناوله زهرة الخوذة، أُطلق عليها في الشمال اسم “مصيبة الذئب”.

 

المملكة ليست بيئة رطبة، لذا لا يمكن لزهرة الخوذة أن تنمو طبيعيًا هنا.

 

“…هل فهمت الآن؟”

 

“فهمت. والآن، ابتعدي.”

 

حتى بعد الشرح، لم يتغيّر تعبير طبيب القصر المتجهّم كثيرًا.

 

بل إنه مشى بخطوات متعجرفة، كما لو كان يهدّد بركل شيء بقدمه، فأصيبت لايلا بالذعر وسال العرق منها. 

 

كان تعبيره مخيفًا أيضًا.

 

‘على أي حال… لقد أعطيته تلميحًا، فسيحضر العشبة الدوائية، أليس كذلك؟’

 

خافت لايلا من طبيب القصر فلم تتمكّن من مواصلة الحديث، وهرعت نحو هيوغو كمن يفرّ.

 

***

 

في هذه الأثناء، وراء سلسلة الجبال الضخمة.

 

في شمال الإمبراطورية، كانت شايلا تتحرّك بسرعة محمومة.

 

“ساندرا، هل هذه ملابس ليون؟ الخياطة تبدو رديئة جدًا… أعطيها لي، سأنتهي منها عند الفجر.”

 

“أنطونيو، الدوق وليون يحبّان صلصة غرايبي. أخرجوا صلصة النعناع من قائمة العشاء. لا، اطلبوا من الطاهي إعداد قائمة طعام، وسأتفقّدها بنفسي.”

 

“لينارد، هل أرسلتَ ردًا إلى السير ألكسندر روزن؟ لقد أوصيتَ بإظهار موقف ودود قدر الإمكان تجاه المزرعة، أليس كذلك؟”

 

توقّفت شايلا فجأة وهي تمشي بسرعة في ممرّات قلعة الدوق.

 

توقّفت ساندرا والخادمات اللواتي يحملن الملابس، وأنطونيو الذي كان يكتب التعليمات، ولينارد الذي يحمل كومة من الرسائل ويتبع شايلا، جميعهم توقّفوا في أماكنهم في الوقت ذاته.

 

“سيّدتي، ما الخطب؟”

 

أشارت شايلا إلى الجدار بتعبير جاد وتنهّدت.

 

“ها… هذا النسيج الجداري…”

 

“آه…”

 

“لقد قرّرنا تغيير جميع المنسوجات الجدارية قبل بدء موسم التواصل الاجتماعي في الربيع.”

 

بما أن دوقة الدوق قد ماتت منذ زمن، كانت ثقافة الحفلات في الشمال سيئة للغاية. 

 

كانت شايلا تخطّط لإحياء المجتمع الراقي في الشمال بجديّة.

 

كانت ستقيم الحفلات للنبلاء، وستكون هي وزوجها كاليون مركز هذه المناسبات. 

 

كان ذلك إعلانًا عن تغيير جيل الحكام، وتعزيزًا لسلطتهم.

 

“الجو دافئ هكذا، فلماذا نغطي النوافذ بإطارات صوفية؟ آنا، اذهبي و…”

 

“حسنًا، سيّدتي.”

 

“سيّدتي، نزيف الأنف…! الأنف، نزيف الأنف!”

 

أخرجت ساندرا، التي شحب وجهها، منديلًا. تحسّس أنطونيو صدره بسرعة. لحسن الحظ، كان لينارد أسرع.

 

“آه…”

 

“لا ترفعي رأسك، ابقي كما أنتِ، سيّدتي.”

 

أصيبت شايلا بالذعر ولم تفعل سوى أن ترمش بعينيها.

 

 كانت تشعر ببعض التعب، لكن… أن تصل إلى نزيف الأنف؟

 

“لقد عملتِ بجدّ أكثر من اللازم، سيّدتي.”

 

“ساندرا محقّة. يجب أن ترتاحي.”

 

“تعملين بجدّ أكثر من اللازم. عندما أذهب لإيقاظكِ في الصباح، تكونين قد بدأتِ بكتابة الدفاتر في المكتب.”

 

ظهرت ظلال على وجوه أنطونيو وساندرا عند سماع شكوى آنا.

 

“تتولّين إدارة ميزانية فرقة الفرسان، وقلعة الدوق، وتدفقات النقد في الإقطاعية.”

 

“بل إنكِ الآن تقومين بمراجعة الضرائب والتكاليف والشؤون المالية مع الدوق…”

 

في تلك اللحظة، اقترب الدوق، الذي كان يبحث عن شايلا، ورآهم.

 

“ما الذي يجمعكم هنا؟ شايلا…؟ شايلا!”

 

كاد الدوق أن يسقط للخلف عندما رأى شايلا تنزف من أنفها بغزارة.

 

“يجب أن تخفّفي من عملكِ، سيّدتي.”

 

“صحيح، انظري إلى معصمكِ النحيل، سيزول قريبًا.”

 

“إذا استمر الأمر هكذا، ستنهارين فعلًا!”

 

تحت احتجاجات ساندرا وأنطونيو وآنا، اتجهت نظرة الدوق إلى شايلا. كان هو أيضًا غاضبًا.

 

“نعم! ما السبب في أن تتولّي أنتِ كل شيء، من ملابس كاليون وجدوله إلى طعامنا؟”

 

“لأنكم تستمتعون به أكثر.”

 

كانت شايلا تلبّي أذواق عائلة الذئب ببراعة.

 

“بالطبع… هذا صحيح، لكن… حتى لو! لم يعد هناك داعٍ لذلك. إدارة دفاتر فرقة الفرسان وحدها عبء ثقيل عليكِ، شايلا.”

 

لكن شايلا لم تستمع.

 

 مسحت دم الأنف بمنديل لينارد بسرعة، وأمسكت بأطراف فستانها.

 

“سيدي الدوق، سأذهب الآن. اليوم هو يوم وصول القافلة. يجب أن أتأكّد من جودة الخضروات ونوعية اللحوم. إذا لم يتفقّد المسؤول الأمر باستمرار، سيبدأ حارس المخزن بملء جيوبه.”

 

“ارتاحي، أرجوكِ؟ اليوم فقط، من فضلكِ.”

 

توسّل الدوق تقريبًا.

 

 شعر بالدوار وهو يرى الدم الأحمر يبلّل المنديل.

 

إذا انهارت شايلا، ستكون كارثة. 

 

كم من أفراد الأسرة يعتمدون عليها؟ وبما أنها تتولّى حتى جدول فرقة الفرسان، فمن الواضح أن التدريبات ستصبح فوضى على الفور.

 

“…لا يمكنني ذلك. يجب أن أذهب، سيدي الدوق.”

 

تنهّد الدوق أمام عناد شايلا.

 

لماذا كانت متحمّسة للعمل بهذا الشكل المفرط؟ بدا الأمر غريبًا الآن.

 

“تقرير الضرائب في المكتب. لاحظتُ مشكلة في التدفق النقدي لعائلة مالوري، لذا بناءً على ذلك، تحقّقتُ من جمع الضرائب… آه!”

 

لم يعد بإمكانه تحمّل المزيد. رفع الدوق شايلا بين يديه.

 

“سيدي الدوق؟!”

 

“يا صغيرتي، أنتِ بحاجة إلى الراحة الآن.”

 

وضع الدوق شايلا على السرير ولم يغادر، بل جلس بجانبها. كان يخشى أن تبدأ بمراجعة الدفاتر مجددًا إذا تُركت بمفردها.

 

على الرغم من أنه أرقدها لترتاح، لم تبدُ شايلا مرتاحة على الإطلاق.

 

 تنهّد الدوق بعمق وهو ينظر إلى عينيها الذهبيتين اللتين تتحرّكان بقلق.

 

“شايلا، ما الذي يحدث معكِ؟”

 

“……”

 

“قد لا تستطيعين قول ذلك له، لكن يمكنكِ أن تكوني صريحة معي.”

 

كان الدوق مقتنعًا بأن علاقته مع شايلا أقوى من علاقتها مع كاليون.

 

 كان ذلك وهمًا كبيرًا.

 

“أخشى أن يتوقّف الشمال إذا اختفيتِ فجأة.”

 

“نعم! هذا بالضبط ما أريده!”

 

“أن يتوقّف الشمال…؟”

 

“لا.”

 

“إذًا؟”

 

تردّدت شايلا للحظات، لكنها فتحت فمها أخيرًا تحت إلحاح الدوق.

 

“أن يحتاجني العالم كله.”

 

تجعّدت جبهة الدوق بعمق.

 

ما الذي تقوله هذه الفتاة؟ لم يفهم الأمر في البداية.

 

“كان حلمي أن أصبح شخصًا مهمًا. شخصًا لا غنى عنه في الشمال.”

 

“أنتِ… بالفعل شخص كهذا، شايلا. منذ أن وصلتِ إلى الشمال. وجودكِ وحده كافٍ.”

 

“لا، ليس كافيًا بعد.”

 

‘لا يوجد شخص كافٍ بوجوده فقط في هذا العالم.’

 

كانت شايلا دائمًا مضطرة لإثبات جدارتها. 

 

كانت هذه الكلمات تتردّد في أذنيها من والدها حتى أصابها الملل.

 

هكذا تربت في قصر الكونت، وهكذا نجت في الدير.

 

‘بسبب عدم جدارتها’، طُردت من قلعة الدوق من قبل التابعين. 

 

لأن مكان شايلا يمكن أن تحلّ محله جيسيكا مالوري.

 

“أريد أن أكون شخصًا مفيدًا للجميع.”

 

خفت صوتها تدريجيًا. 

 

وكانت عيناها الدامعتان إضافة.

 

“مثل شيء لا يمكن استبداله…”

 

صُدم الدوق ولم يستطع الكلام لفترة.

 

 بدا أنه فهم كيف طوّرت شايلا هذا الهوس.

 

“إنها ابنتي، لكن شايلا سلعة من الطراز الأول. شيء مفيد جدًا.”

 

تردّد صوت جبان يراقب رد فعل الآخرين في أذني الدوق.

 

“يا إلهي… شايلا.”

 

لعنة الكونت ليكسي. وهو يُدعى أبًا…

 

“لا داعي لكل هذا الجهد. أنتِ كاملة بذاتكِ.”

 

كانت كلمات حنونة لم يقلها حتى لابنه.

 

 لكن ذلك كان شعور الدوق الحقيقي.

 

وُلد كاليون في جسد ذئب، خائبًا توقّعات الجميع. 

 

ومع ذلك، كان ابنه.

 

كان صوت بكائه عند ولادته كافيًا. 

 

إغلاق قلب الدوق أمام كاليون كان لسبب آخر.

 

“لا يوجد شخص كامل بمجرد ولادته.”

 

هزّت شايلا رأسها بعناد.

 

“إذا كنتَ محقًا، فماذا عن أختي؟ لماذا كان عليها أن تموت هكذا؟”

 

“كان لديكِ… أخت؟”

 

“انظر. هناك أشخاص في هذا العالم لا يكفيهم أن يولدوا فقط.”

 

مثل شايلا ولايلا، أختي عائلة ليكسي.

 

“هناك من لا فائدة لهم، فيختفون كالدخان…”

 

بكت شايلا بغزارة، فلم يستطع الدوق مواصلة الكلام.

 

‘هل كان للكونت ليكسي ابنتان؟’

 

كيف لم يعرف؟

 

كان الدوق يمتلك شبكة معلومات قوية تتناسب مع مكانته. 

 

لم يكن من المفترض أن يفوته شيء، حتى لو كانت عائلة الكونت في العاصمة.

 

كان الدوق يعرف أن شايلا وُلدت أرنبًا، وهو سر لم يعرفه حتى كبير خدم عائلة ليكسي.

 

‘قيل إن لديه ابنة واحدة فقط…؟’

 

لكن لم يرَ أحد فتاة أخرى غير شايلا. 

 

كان الجميع في عائلة الكونت يعرفون أن للكونت ابنة واحدة.

 

صُدم الدوق عندما عرف أن لشايلا أخت. 

 

بدا أن هناك ظروفًا لا يمكن البوح بها، لأنها أبقت الأمر سرًا حتى الآن.

 

“شايلا، توقّفي عن البكاء، أرجوكِ.”

 

كانت تبدو سيدة راقية عندما تقوم بدورها كسيدة القلعة، لكن عندما ذُكرت أختها، لم تستطع شايلا كبح دموعها، كما لو أن نقطة حساسة قد لُمست.