وعلى الرغم من بُعد المسافة، إلا أن بياض أسنانه بدا واضحًا.
حاول فريدي قراءة أفكاره لما شعر بالانزعاج، لكنه لم يتمكّن من معرفة شيء.
ثم حنى سيار رأسه احترامًا نحو فريدي البعيد، قبل أن يدير ظهره ويمضي دون تردد.
بعد أن تبادل تحية قصيرة مع باسيلي وأندرو و فايفيل، صعد إلى العربة المخصصة له.
ولم تمضِ لحظات حتى غادرت عربات الوفد الفرنسي بوابة القصر الملكي في سيلفستر.
بعد رحيل الوفد، اقترب فريدي من باسيلي.
“الدوق هيستر؟”
أومأ باسيلي برأسه مستفسرًا عما يريده.
فأجاب فريدي: “جلالتك ، ثمة أمر أود تأكيده بخصوص جدول الغد، هل يمكن أن نتحدّث على انفراد؟”
ظن باسيلي أنه يريد التحدث عن أوليفيا التي سترحل غدًا، فوافق بسهولة.
ثم سلّم فريدي على أندرو و فايفيل باقتضاب، قبل أن يختفي مع باسيلي.
عندها انعقد جبين فايفيل بقلق.
ولاحظ أندرو تعابيرها للحظة، قبل أن يقترح لتلطيف الجو: “فاي، سمعت أن لا مواعيد لكِ اليوم. ما رأيك أن نشرب الشاي معًا؟”
أحست بغصة من القلق بسبب فريدي الذي رحل مع باسيلي، لكنها لم تجد سببًا مناسبًا لرفض دعوة أندرو.
فأجابت بشفتيها المرتجفتين: “فكرة … لا بأس بها.”
عندها أمر أندرو الخدم، فانطلقوا بخفّة لتنفيذ ما طلب.
***
وصل فريدي مع باسيلي إلى قاعة الاستقبال.
وكان وجه مساعد باسيلي شاحبًا كمن رأى شبحًا.
أدرك فريدي السبب بسهولة: أنتونيا وصلت بسلام.
وحين حاول المساعد أن يفتح فمه لينقل شيئًا لباسيلي ، بادر فريدي بقطع الموقف قائلًا: “لقد تأخر الوقت أكثر مما ظننت. ألا ندخل ونتحدث مباشرة؟”
فاستغرب باسيلي استعجاله النادر وسأله عن السبب، لكن فريدي لم يرد.
وحين دخل، رفع باسيلي رأسه بعد أن هز شعره قليلًا.
وهناك … وقفت أمامه ابنته، تشبه أمها الراحلة إلى حدّ مؤلم.
انغلق الباب خلفه بصوت سمعه من جهة فريدي، لكن باسيلي لم ينتبه إلا لابنته.
لم يجد الكلمات، بل أسرع ليحتضن أنتونيا.
كانت هزيلة أكثر مما يتذكر، حتى أن عظامها برزت بوضوح.
قال بلهفة: “لقد نهضتِ … كيف حال جسدك؟”
فأجابته بابتسامة ضعيفة: “بخير، وأبي … هل كان بخير كل هذا الوقت؟”
قال وهو يتمتم: “كيف … كيف أخفيتِ هذا؟ لا، لا يهم. المهم أنك عدتِ إلى الحياة. شكرًا لك … شكرًاً”
لم يصدق ما يرى، فظل ينظر إليها مرارًا ليتأكد من أنها ليست وهمًا، ثم ابتعد قليلًا.
نظرت أنتونيا في عينيه قبل أن تقول بحذر: “أبي … عندي ما أقوله لك.”
ثم أخرجت القصة التي رتبتها مسبقًا مع فريدي.
روت أنها قبل سقوطها في غيبوبتها كانت قد شربت شايًا أثناء جلستها مع فايفيل.
وعند الوداع، سقطت من ثوب فايفيل ورقة صغيرة.
بالطبع لم يحدث ذلك حقيقة، لكن الأمر لم يكن يهم. كانوا بحاجة فقط لذريعة لتفتيش جناحها.
قدّمت أنتونيا الورقة لوالدها.
قرأها ببطء، وقد كُتب فيها بوضوح: شخص ما يطلب من فايفيل أن تسقي أنتونيا “باروس” – السم.
ارتجفت شفتا باسيلي.
قالت أنتونيا بصوت متهدّج: “أعرف أن اتهام ولية العهد أمر خطير. لكن بعد ما مررتُ به، صرتُ أخاف من كل شيء.”
ثم أمسكت بيديه المرتجفتين: “لا أريد الكثير … فقط رجاءً، فتشوا جناحها مرة واحدة. لعل هناك أدلة أكبر.”
كانت ترتجف فعلًا، لا تمثيلًا.
على الرغم من طمأنة فريدي لها مسبقًا، إلا أن خوفها كان طبيعيًا.
ربّت باسيلي على كتفيها مرارًا ليهدّئها.
ثم التفت إلى فريدي، الذي ظل واقفًا بوجه جامد بلا أي تعبير.
ضحك باسيلي بخفوت في نفسه.
فقد أدرك فورًا أن ابن أخيه البارد استغل أنتونيا ليشوّش حكمه.
منذ وفاة والدي فريدي، وهو الذي رعاه بيده. فكيف يجهل طريقة تفكيره؟
كان فريدي يدرك أن عمه سيكشف خطته.
ومع ذلك مضى فيها، لأنه كان واثقًا أن باسيلي لن يعاقبه.
وفعلًا، لم يفكر باسيلي في معاتبته.
كيف يعاقب من كشف له عن محاولة قتل ابنته، وهو الذي فقد والدَي فريدي بسبب خطأ ارتكبه هو نفسه؟
مسح على وجه ابنته الشاحب، ثم التقى بعيني فريدي وأعطى أمره: “ليبدأ التفتيش.”
لم يكن ملكًا في تلك اللحظة، بل أبًا فقط.
وانطلق الجنود والحاشية نحو جناح وليّة العهد.
قال فريدي بهدوء: “سألتحق بهم لأراقب التفتيش.”
ولوّح باسيلي بيده بلا مبالاة، فقد كان يريد أن يقضي الوقت مع ابنته.
أما فريدي فخرج بهدوء، تاركًا الأب وابنته ليستعيدا ما فاتهما من حديث.
كان يعلم أن الملك لم يكن ينوي إرسال أنتونيا إلى فرنسا أصلًا، فما ذاقه من فقد الزوجة والأقارب جعله يرفض أن يخسر ابنته أيضًا.
أضفى على الأمر بعض الالتباس لتتحقق اللحظة المنشودة بين الأب وابنته، وكان واثقًا أن هذا أفضل لهما.
***
في تلك الأثناء، لاحظ دوق مونك حشودًا من الحرس و التابعين يندفعون نحو جناح وليّة العهد، فأثار ذلك ريبة في نفسه.
لم يكن يعلم ما يجري، لكنه تذكر فجأة عقده الأخير مع فريدي.
بفضل النبلاء المؤيدين له، خمدت الشائعات مؤقتًا، وكان عليه فقط انتظار فريدي ليغلق الباب نهائيًا.
لكن ما إن خطرت الفكرة بباله حتى تسلّل قشعريرة إلى أطرافه.
وشعر بنذير سوء، فبدلًا من العودة إلى قصره، أسرع الخطى نحو جناح وليّة العهد.
دخل الرجال الجناح وبدأوا يقلبون الأثاث ويبحثون بلا أي تفسير.
وفجأة، اكتشف أحدهم فراغًا مريبًا في غرفة فايفيل.
طرق المكان بيده، فتساقطت أوراق بكثرة، وتدحرجت بجانبها قنينة زجاجية أحدثت رنينًا على الأرض.
ارتبك الرجل، فسارع إلى رفع القنينة لئلا يراق شيء من سائلها.
ولما اطمأن أن بداخلها بقايا من السائل، التفت إلى الأوراق المتناثرة.
التقط ورقة وقرأها، فخرج منه شهقة قصيرة.
ثم ارتجفت يداه وهو يقلب بقية الأوراق العشر.
كان المحتوى صادمًا: مخطط واضح لاغتيال الأميرة بالسم.
حتى أن هوية الفاعل كُشفت بوضوح.
تجمّد مكانه، ثم اجتمع إليه الآخرون ليقرأوا الأوراق بدورهم، وتعابيرهم لم تختلف كثيرًا.
في تلك اللحظة، لمح دوق مونك فريدي واقفًا أمام الجناح.
وبالتزامن، جاء رجال آخرون ليبلغوه بما وجدوه.
تناول فريدي الأوراق والقنينة بابتسامة خفيفة ارتسمت على شفتيه.
أثار الأمر فضول الدوق: كيف لقطع ورق وزجاجة أن تجعله يبتسم هكذا؟
قال فريدي بهدوء وهو يناولهم الأدلة: “سلّموها إلى جلالة الملك. وما بعد ذلك فليكن بأمره.”
“نعم، سيدي.”
اقترب دوق مونك بخطوات ثقيلة.
ولما أدرك فريدي قدومه، التفت إليه بلا مفاجأة، وأومأ له مرة قبل أن يوجه تعليماته إلى رجاله بصوت واضح: “هذه الأدلة كافية لاعتقال وليّة العهد فورًا. تحركوا بسرعة، ولا تتأخروا.”
تسربت كلماته إلى مسامع دوق مونك كطعنة.
تجمّد في مكانه، شفتيه تتحركان بصمت وهو يحدّق في فريدي.
ولم يحتج سوى لحظات ليدرك أن العقد الذي عقده مع فريدي كان خاسرًا بكل المقاييس.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 96"