وحين استعاد وعيه، كانت العربة قد تجاوزت وسط المدينة.
نظر إلى المناظر المألوفة، فخطرت بباله أوليفيا على الفور.
كان ذلك المكان الذي خرجا فيه معًا لأوّل مرّة.
كانت ترتدي فستانًا تتناغم فيه الأصفر مع الأبيض بانسجام.
وبعد أن أخبره سايمون مسبقًا عن ملبسها، تعمّد أن يشتري لها قبّعة وألبسها إيّاها.
تذكّر بوضوح ملامحها آنذاك.
رغم أنّها تذمّرت بحجّة أنّ قبّعتها أفسدت شعرها، إلّا أنّ طرف ابتسامتها كان مرتفعًا قليلًا.
‘ترى، ماذا كان يدور في رأسي وأنا أنظر إليها حينها؟’
“أريد أن أظلّ أراها.”
أريد أن أنظر إليها طويلًا. أن أبقى بقربها.
أريد أن تبتسم لي، وألّا تفكّر في شخص آخر بينما تنظر إليّ.
لكنني لم أدرك تلك المشاعر وهي تتراكم داخلي شيئًا فشيئًا.
حتى حين لمّح لي ريفر بالأمر لم أستوعب.
ولو لم يخبرني، لربما ما كنتُ لأعرف شعوري حتّى الآن.
شعر فريدي بالأسف الشديد تجاه اللحظات التي مرّت هكذا دون أن يدركها.
وكان يتألّم عند التفكير بأن أوليفيا قد شعرت بالحزن في تلك الأوقات.
وفجأة اجتاحه القلق.
كان يريد أن تكون أوليفيا أسعد إنسانة في العالم.
لكن ماذا لو كان وجوده سببًا في أن تصبح أتعس إنسانة؟
قال ريفر إنّها تحبّه أيضًا، لكن فريدي لم يصدّق.
فلم يجد سببًا يجعلها تحبّه.
حتى لو كانت هي نفسها صاحبة الرسائل الكثيرة التي تلقّاها ، فلن يتغيّر الأمر بالنسبة له.
ارتسمت على شفتيه ابتسامة مُرّة.
وبينما هو غارق في التفكير، وقعت عيناه على كنيسةٍ بجانب الطريق.
مكان لم يُعره أي اهتمام من قبل، إلى أن ذكرته أوليفيا.
وكأنّما سُحر، أمر الفارس المرافق: “سنتوقّف قليلًا في الكنيسة.”
أبدى الفارس حيرةً لثوانٍ، ثم أسرع في تحويل مسار العربة إلى الداخل.
وما إن توقّفت حتى نزل فريدي بلا تردّد.
ارتبك القساوسة الذين كانوا في الداخل، فهرعوا نحوه.
“صاحب السمو الدوق! منذ زمن لم نرك. لأيّ شأن تشرّفت الكنيسة بحضورك؟”
وبين نظراتهم المليئة بالترقّب، أخذ فريدي يبحث بعينيه عن كاهن يعرفه.
ذاك الذي تطوّع لإرشاد أوليفيا في زيارتها الأولى للكنيسة المركزيّة، والذي التقى به مجددًا في الكنيسة الواقعة بالمنطقة النائية.
“أريد أن أتحدّث مع الكاهن الذي رافق الدوقة في زيارتها السابقة.”
حتى هو نفسه لم يعرف لماذا قال ذلك.
كلّ ما في الأمر أنّه فجأة راوده الفضول لمعرفة ما الذي دار بين أوليفيا وذلك الكاهن.
“عذرًا؟”
استغرب الحاضرون، وتبادلوا النظرات.
حاول الأكبر سنًّا بينهم أن يراجع بصره بين القساوسة، لكن أحدًا لم يقرّ أنّه رافق أوليفيا.
قطّب فريدي جبينه وأوضح أكثر: “أقصد الكاهن الذي أُرسِل مؤخرًا إلى الكنيسة في الأطراف.”
“ماذا تقولون؟”
ظهرت علامات الحيرة واضحة على وجوههم.
وسرعان ما جاءه الردّ الصادم: “نعتذر يا صاحب السمو، لكن لعلّك تخلط بيننا وبين كنيسة أخرى.”
رفع فريدي حاجبيه: “بل أنتم من تخطئون. ألم تُرسلوا أحدًا منكم إلى الخارج؟”
فأجاب الكاهن بحزم: “لم نُرسل أحدًا إلى أي مكان في الآونة الأخيرة. بل على العكس، انقطعنا عن التعامل الخارجي منذ قرابة نصف عام.”
شدّ فريدي على أسنانه وهو يتأمّل ملامحهم الجادّة، فلم يبدُ عليهم الكذب.
فمن كان إذن ذلك الكاهن الذي قابله بنفسه؟
ومن الذي قدّم أوليفيا إلى هذا المكان أصلًا؟
تملّكته الحيرة، وهمّ بأن يسأل أكثر، لكن فجأة ضرب رأسه صداعٌ حادّ.
أمسكه القساوسة بسرعة، لكن الألم لم يزُل.
ضغط جبينه، فأبصر أمام عينيه مشاهد من كوابيسه: صوت إطلاق نار قصير، وجسد امرأة ينهار في أحضانه.
ظلّت الصورة ماثلة أمامه لحظات، قبل أن تتلاشى ويُدرك أنّها لم تكن سوى وهم.
اختلطت عليه الحدود بين الكابوس والواقع.
عدّل جلسته، وهو يقمع شعورًا خانقًا بدأ يتصاعد من قدميه إلى صدره.
“… يكفي. سأرحل الآن.”
تردّد القساوسة للحظة، لكنهم سرعان ما التزموا الصمت حين رأوا قسمات وجهه القاسية.
“لتكن في رعاية الحاكم”
تركهم خلفه وغادر بخطوات حاسمة.
***
عندما عاد فريدي إلى هيستر، كانت أوليفيا قد غرقت في النوم مجددًا.
أخبرته أنجيلا بما حدث، فاكتفى بهزّ رأسه وتدليك عينيه المرهقتين.
لكن ما قالته بعد ذلك جعله يتجمّد مكانه.
“هناك أمرٌ أوصتني أن أنقله إليك يا سموّ”
“ما هو؟”
سأل و هو يتوجّه نحو غرفة أوليفيا.
تردّدت أنجيلا قليلًا قبل أن تنقل كلامها: “قالت … إنّها ستغادر هيستر كما أمرت سابقًا. وتطلب منك متابعة الخطة كما هي.”
كان على وجهها ملامح حيرة، وكأنّها لم تفهم ما الذي تعنيه أوليفيا.
لكن فريدي فهم على الفور.
إنّه نفس الاتفاق الذي تحدّثا عنه يوم أعادها إلى هيستر.
لم يعجبه لفظ “تغادر”، لكنه لم يعترض.
ثم أضافت أنجيلا وهي متردّدة: “كما أنّها … لا ترغب في لقائك حتى يحين موعد الرحيل.”
في تلك اللحظة تغيّرت ملامحه، واكتست وجهه برودة قاتلة.
“أعتذر يا سموّ. لم تُوضّح السبب، إذ سرعان ما غلبها النوم.”
بدا صوته متوتّرًا قليلًا وهو يسأل: “… وكيف كانت حالتها؟”
أجابت أنجيلا بحذر: “ما زالت متعبة بعض الشيء، وارتفعت حرارتها للحظة، لكن الطبيب تدارك الأمر وهي الآن بخير.”
ظلّ يستمع بوجه جامد، فيما قبضته مشدودة.
وتابعت أنجيلا بهدوء: “تبدو كأنها ترى كوابيس مزعجة باستمرار. لذلك إن لم تجد أحدًا بجوارها عند استيقاظها، ستشعر بالخوف. لذا سأبقى أنا وآنا بالتناوب قربها.”
ساد صمت قصير بينهما، ثم قال أخيرًا: “حسنًا، أعتمد عليكما. اعتنوا بها جيدًا.”
حين أذن لها بالانصراف، تردّدت قليلًا.
فكّرت أن تنصحه بالدخول لرؤية أوليفيا وهي نائمة، لكنها تذكّرت كيف ترجّتها أوليفيا ألّا تدعه يقترب، فامتنعت.
“أجل، سأخدم الدوقة بكل إخلاص.”
ثم دخلت الغرفة، بينما بقي فريدي في مكانه غير قادر على التحرك.
***
بذل الكثيرون جهدهم لاكتشاف الجاسوس الذي تسلّل إلى هيستر، لكن دون جدوى.
حتى أنّ فريدي اضطرّ لسؤال أوليفيا شخصيًا عمّا إذا رأت أحدًا غير سيار في تلك الليلة، لكنها لم تعرف.
فالظلام كان حالكًا، وكلّ تركيزها كان منصبًّا على سيار أمامها.
وهكذا عادت التحقيقات إلى نقطة الصفر.
لكن الجانب الإيجابي الوحيد هو أنّ ما تعرّضت له أوليفيا منحهم ذريعةً لتعزيز الحراسة دون تردّد.
فغرفتها الآن محاطة بحراس لا يُحصَون، ولا يدخلها أحد إلّا بعد التحقّق بدقّة من هويّته.
ورغم استمرار التحقيق، لم تلتقِ أوليفيا بفريدي.
ومضت أيّام عدّة وهي تتجنّب مواجهته.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 92"