لكن بالطبع، لم يكن ذلك من فعل حزب النبلاء.
“من الواضح أنّ الغرض من هذه الشائعات هو تأجيج الصراع بين حزب النبلاء وحزب الملكيين، وهذا ما يضعنا في مأزق.”
“نعم، الأسلوب ذاته استُخدم سابقًا، وهذه المرة كذلك.”
“ومهما كانت الدوقة تمثل حزب الملكيين، فهي في النهاية أصغر أفراد آل بيانكي. جلب العداء بلا سبب أمر سيء”
هزّ الجميع رؤوسهم موافقة.
لم يرغبوا في إيلاء الشائعات اهتمامًا كبيرًا، لكنّ كونها تُتداول وكأنّهم هم من يشوّه صورة أوليفيا كان وضعًا غير مُريح لهم.
“لقد أوصلنا هذه الحقائق إلى سائر زعماء حزب النبلاء وهم يتعاملون معها قدر الإمكان، لكن ثمة حدود.”
“صحيح أنّ الدوق أو آل بيانكي لن يضغطوا عشوائيًا على حزب النبلاء في سيلفستر، لكنّ الأوضاع أشبه بالسير فوق الجليد الرقيق، وهذا غير مُحبّذ الآن.”
“بالضبط، وفوق ذلك، أوضاع الحروب في الدول المجاورة ليست مستقرة، فنحن بحاجة إلى رصّ الصفوف داخليًا، لكن هذه الضوضاء تشتت الجهود …”
تنفّس أحد النبلاء متنهّدًا.
ثم قال آخر وكأنّ فكرة جيدة خطرت له: “لماذا لا ننتهز هذه الفرصة ونتحدث مع حزب الملكيين مباشرة بشأن الأمر؟”
“وكيف ذلك؟”
“نُعلمهم بوجود قوًى داخل حزبهم تعمل على تشويه سمعتنا، ونطلب عونهم.”
“لكن ماذا لو رفض حزب الملكيين؟”
هزّ الآخر رأسه وكأنّ هذه المخاوف لا محلّ لها.
“لن يكون عرضًا سيئًا لهم أيضًا. في ظلّ هذا الاضطراب الخارجي، لا بدّ أنّهم يفضلون معالجة الأمور بهدوء.”
في تلك اللحظة، عمّت الضوضاء المكان عند ظهور فريدي.
“همم، لقد وصل الدوق. لنودّع أوّلًا الشابّ بيانكي، ثم نتابع حديثنا.”
تفرّق أفراد حزب النبلاء بسرعة.
وبينما كانوا يفعلون ذلك، راحوا يبحثون بنظراتهم عن أوليفيا التي توقّعوا أن تكون بجوار فريدي، لكن لم يكن لها أثر. ورغم فضولهم، لم يتجرأ أحد على السؤال.
وبالمثل، بدا أنّ باسيلي أيضًا فضولي بشأن غيابها، فاقترب من فريدي وسأله بحذر: “يبدو أنّ الدوقة لم تأتِ معك.”
“إنّ صحتها ليست بخير. وقد حصل بالأمس أمر غير سار. سأخبرك بالتفاصيل لاحقًا.”
مال باسيلي برأسه متعجبًا من تعابير فريدي الكئيبة، لكنه ما لبث أن أدرك سبب اجتماعهم، فاكتفى بالهزّ برأسه ووضع يده على كتف فريدي.
في مكان قريب، كان ريفر يتحدث مع وفد فرنسا، ومعه سيار.
ما إن وقعت عين فريدي على سيار، حتى اسودّت ملامحه.
طوال الطريق كبح مشاعره كي لا يظهر انزعاجه، لكن رؤيته أطاحت بكل ضبط النفس.
أخذ فريدي نفسًا عميقًا ليلملم انفعالاته، ثم استأذن من باسيلي: “جلالتك، أيمكنني أن أجد وقتًا قصيرًا لأحادث صهري؟”
فهم باسيلي على الفور أنّه يتعلّق بالحديث الذي طلبه منه مؤخرًا.
“قصيرًا فقط، ثم عد بسرعة.”
أومأ فريدي، وتوجّه نحو ريفر.
وعند اقترابه، التفتت أنظار الوفد الفرنسي نحوه.
بينما تجمّدت ملامح سيار، فاختار الابتعاد بدلًا من مواجهته.
بقي ريفر في مكانه، ورحّب به ببساطة: “تشرفت برؤيتك، سموّ الدوق.”
“مرّ وقت طويل.”
“ألَم تأتِ فيا معك؟”
تنفّس فريدي بخفوت، ثم تحدّث عن حادثة الأمس: “أعتذر، فقد حدثت بعض الاضطرابات داخل هيستر، وأصيبت زوجتي في إثرها.”
“ماذا …؟”
اتّسعت عينا ريفر مصدومًا.
خفض فريدي صوته وسرد له بإيجاز ما جرى. لم يقل كل شيء، لكن بما يكفي لفهم خطورة الوضع.
ثم طلب منه: “هيستر لم تعد آمنة. أعلم أنّ جدولك مزدحم، لكن أيمكن تعجيل رحيلك قليلًا؟ بقاء زوجتي هنا أمرٌ خطير”
تصلّبت شفتا ريفر وأومأ ببطء.
طحن أسنانه حتى سُمِع صريرها، ثم قال: “كنت قد أخبرت والديّ مسبقًا. لا بد أنّهم بدأوا الاستعدادات منذ البارحة، لذا يمكننا تقديم الرحيل يومًا أو يومين.”
“أشكر لكم هذا العناء.”
“لا بأس. آمل أن يحقق الدوق كل ما يصبو إليه. وحتى عودتي، أستودع فيا لديك.”
ألقى نظرة حادّة نحو سيار، الذي تصرّف وكأنّ شيئًا لم يكن، فزاد احتقار ريفر له. لكن فريدي هدّأه: “سأبلغك فور أن تستعيد وعيها.”
“شكرًا. إذن أستأذن الآن.”
انصرف ريفر بعد أن ودّع فريدي، واقترب باسيلي بدوره ليتبادل معه بضع كلمات.
ثم شكر ريفر الملك، فانحنى وأجابه الأخير بلمسة ودّية على كتفه، علامة إذن الرحيل.
ركب ريفر العربة القريبة.
وما هي إلا لحظات حتى تحرّكت العجلات وغادرت.
تابع فريدي العربة بنظره حتى غابت تمامًا، ثم همّ بالرحيل، لكن فجأة تقدّم دوق مونك، زعيم حزب النبلاء الجديد، وانحنى له.
توجّس فريدي للحظة، ثم ضيّق عينيه حين لمح النبلاء يتجمّعون خلفه.
“نلتمس من دوق هيستر لقاءً منفردًا.”
وكانت الجملة التالية أكثر غموضًا: “لديّ ما أقوله بخصوص سموّ الدوقة.”
ساد الصمت برهة.
حتى وفد فرنسا المتنحّي عن المكان توقّف عند سماع العبارة. التفت سيار نحوهم، وكذلك فعل فريدي، فجاءت نظراتهما متقاطعة.
أجاب فريدي وهو يحدّق في سيار: “حسنًا، يبدو أنّ لقاءً منفردًا ضروري.”
انفرجت أسارير النبلاء، بينما ازداد وجه سيار تشوّهًا بالغضب.
التعليقات لهذا الفصل " 90"