“يبدو أنّه في الفترة التي غبتُ فيها عن القصر وذهبتُ إلى الخارج، تجرّأ أحدهم على التلاعب بالوثائق وتسريبها. لم أظن أنّ أحدًا سيُقدِم على فعلٍ متهوّر كهذا مع ازدياد العيون داخل هيستر، إنّه كلّه تقصيرٌ منّي.”
عند كلمات سايمون، أطلق فريدي تنهيدة قصيرة وهو يمرّر يده بعنف خلال شعره.
“بعد وقوع ما حدث، تتبّعنا الأمير الثاني، لكن تبيّن أنّه عاد سريعًا إلى القصر. وبحساب الوقت، فلا شكّ أنّه مرّ من هنا.”
“إذن، هل عرفتَ من كان معاونُه؟”
“لم نكن قد ألصقنا بعدُ مراقبًا بهم، لذلك من الصعب معرفة من دبّر هذا الأمر.”
نظر سايمون إلى فريدي متردّدًا، ثم قال بحذر: “لابدّ أن تنهض السيدة وتُخبرنا بما جرى يومها حتى نستطيع أن نوجّه التحقيق في الاتجاه الصحيح. أعتذر مجددًا.”
كان واضحًا سبب قوله هذا.
فأوليفيا هي الوحيدة التي ربما رأت معاون سيار.
لكن فريدي لم يكن يرغب في ذلك أبدًا.
فإن سألها، لاضطُرّت أن تستعيد ذكرى لا تريدها، وستتألّم لا محالة.
وقد سبق أن اعترفت له بماضيها بعد صدامها مع سيار، وكانت ترتجف حينها بكلّ كيانها.
لم يكن يريد أن يدفعها لاسترجاع ذكرياتٍ بغيضة كهذه.
“لا تنسَ أن تُلحق مراقبين، وأضِف رجالًا إلى لجنة التحقيق حتى تُنجز الأمر بأسرع وقت.”
عند أمر فريدي الحازم، تردّد سايمون لحظة قبل أن يهزّ رأسه موافقًا.
“والآن ضَع حرّاسًا كثُر أمام غرفة السيدة، وأبلِغ أنجيلا وآنا ألّا يتركا جانبها أبدًا.”
“وماذا عنك يا صاحب السمو؟”
“حتى تُصبح هيستر آمنة، ينبغي أن نُرسلها إلى خارجها. لا ضمان بألّا يتكرّر ما جرى.”
قالها فريدي بصرامة.
صار مؤكدًا لديه أنّ بقاء أوليفيا في هيستر خطر عليها.
ما يدري أيّ مصيبة قد تقع.
وفوق ذلك، كان يزداد يقينًا بأن المرأة التي يراها في أحلامه، المصابة بالرصاص، ليست سوى أوليفيا. لا يمكن أن يُبقيها هنا.
لم يُعجبه أن تكون بعيدة عنه، لكنّ أنانيتَه لا تساوي احتمال أن يفقدها إلى الأبد.
“اليوم هو موعد عودة صهري إلى فرنسا، لذا يجب أن أذهب إلى القصر.”
بينما كان يذكر جدولَه، تصلّبت شفتاه.
شعر سايمون بالجو يثقل في لحظة، فشدّ قبضته بتوتّر.
قال فريدي بصوت منخفض وبارد: “سايمون، لا مجال لتكرار خطأ الأمس.”
“سأضع ذلك نُصب عيني.”
أومأ فريدي قليلًا، إشارةً إلى أنّه قد قال ما يكفي.
فهم سايمون الأمر على أنّه إذنٌ بالتحرّك، فانسحب بخطوات سريعة.
وسرعان ما انتشر الحُرّاس أمام غرفة أوليفيا.
عندها فقط استطاع فريدي أن يواصل طريقه.
***
بعد مغادرة فريدي بوقت قصير، كانت الشمس قد ارتفعت عاليًا تُضيء غرفة أوليفيا.
كانت أنجيلا وآنا تتحرّكان بسرعة ليحافظا على دفء الغرفة في هذا الجو البارد.
وفي تلك اللحظة التي انشغلتا فيها، ارتفعت جفونا أوليفيا ببطء.
وعيناها الخضراوان اللتان اعتادتا أن تتلألأ بدت اليوم أصفى من أي وقت، لما امتلأتا بالدموع.
رفعت يدها تلمس جبينها.
إنّه الموضع نفسه الذي اخترقه الرصاص في الحلم السابق … أو بالأحرى في العالم الذي جاءت منه.
انسابت الدموع على خدّيها مع كلّ طرفة، ولم تستطع منعها.
“سيدتي!”
صرخت أنجيلا وآنا حين لاحظتا حركتها، فتركتا ما بيدهما وهرعتا إليها.
“كيف حالكِ؟”
“…….”
“يا إلهي، حرارتكِ مرتفعة جدًّا. عليّ أن أستدعي الطبيب فورًا.”
أخذت أنجيلا تُعطي التعليمات لآنا وتطمئن أوليفيا في الوقت نفسه.
كانت كلماتهما ملأى بالقلق عليها.
رؤيتهما هكذا حرّكت في أوليفيا ذكرياتٍ كانت قد دفنتها.
تذكّرت سايمون وأنجيلا اللذين لم يكرهاها قطّ رغم عتابهما، ووالديها و ريفر الذين بذلوا جهدهم لحمايتها.
وتذكّرت آنا التي كانت تلازمها أينما ذهبت، ومعلّمها الذي ظهر بوجهٍ لم تره من قبل ليمنع موتها.
وأخيرًا …
“آسفة … آسفة.”
هي نفسها، التي تركت كلّ هؤلاء ورحلت بالموت.
أفكار لم تخطر لها وقتها، جاءت الآن في صورة ندمٍ ينهش قلبها.
رغم الحُمّى التي جعلت بصرها ضبابيًا، ظلّت تتمتم بالاعتذار مرارًا، غير عالمةٍ لمن تُوجّهه.
***
أمّا سيار، فكان يجول في غرفته باضطراب.
لم يوصله أحد بخبرٍ عن أوليفيا منذ أن جَرحت نفسها بالأمس.
خشي أن يكون قد أصابها مكروه.
“اللعنة.”
لو أنّ فريدي لم يعد في تلك اللحظة، لكان استطاع أن يطمئن عليها بنفسه.
ثمّ جاءه خبر أنّ ريفر قرّر العودة إلى فرنسا مُبكّرًا.
ربما رضخ لضغط بيت بيانكي، فلم يجد سيار وسيلة لثنيه.
أثارت تصرّفاته الغريبة حيرةً، لكنّها سرعان ما تلاشت أمام أفكارٍ أخرى استحوذت على عقل سيار.
بعد رحيله بقليل، لا بدّ أنّ فريدي دخل الغرفة، واحتضن أوليفيا وأحاطها برعايته.
وذلك قد يجعلها تميل إليه مجدّدًا.
“هاه …”
مزّق جلد أصبعه من شدّة توتّره، فتساقطت قطرات دم.
لا يدري كم مضى من الوقت، لكن عينَيه المحمرّتَين تلألأتا بغتة، وتمتم بصوتٍ قاتم: “يجب أن أقتل الدوق.”
أمال رأسه مبتسمًا وكأنّه راضٍ تمامًا عن القرار.
“ولماذا أدور في طريق طويل؟”
طالما أنّ فريدي حيّ، فسيظلّ عقبةً بينه وبين أوليفيا.
لا بدّ أن تنتهي هذه المأساة.
“أليس الوقت قد حان لنتّحد نحن الاثنين؟ ألستِ توافقينني يا فيا؟”
لكن الغرفة ردّت عليه بالصمت، سوى كلماته اللزجة المقيتة.
أما هو، فتصرف وكأنّ الأمر لا يهمّه.
واستمرّت تصرّفاته الغريبة حتى اللحظة التي وصل فيها فريدي إلى القصر.
***
كان قلّة من الناس واقفين لتوديع ريفر الذي أنهى استعداداته لمغادرة سيلفستر.
إذ قد تُثار الأقاويل بسبب عودته المفاجئة، جرى الترتيب ليكون في وداعه أشخاص وازنون.
كان بينهم ملك سيلفستر وولي عهده، إضافةً إلى رؤساء بعض بيوت النبلاء.
وكان ذلك استقبالًا يليق بالوفود الرسمية.
ولم يرَ أحدٌ في ذلك مبالغة.
فالكلّ يذكر أنّ ريفر قد وُشِي به وظلّ سجينًا في سيلفستر.
والآن، بفضل عودته المبكرة وتعويضه بما يليق، اتُّفق على عدم التطرّق لذلك مجددًا.
لكن طيّه لا يعني محوه.
لذلك كانوا حذرين، وبذلوا جهدهم ليظهر التوديع في أبهى صورة.
“همم، يبدو أنّ الدوق قد تأخّر قليلًا.”
قال أحد النبلاء الواقفين.
“لعلّ زوجة الدوق تحتاج إلى وقتٍ في الاستعداد، فهي لم تخرج منذ زمن.”
وهنا ذُكرت أوليفيا.
فمنذ أن اندلعت قضية ريفر، لم تظهر في أي حفل اجتماعي.
كما أنّ فريدي الذي كان يقيم في القصر التزم الصمت التام بشأنها، فلم يكن أحد يعرف عن أحوالها شيئًا.
وبما أنّهم قدّروا أنّ الوقت سيطول حتى يصل فريدي، بدأ النبلاء يُحيون أحاديث جانبية.
وكان موضوعها الشائعات الدائرة عن أوليفيا في أرجاء سيلفستر.
“كيف ترون التعامل مع الشائعات الأخيرة؟”
من قبل، حين اتُّهم ريفر زورًا، التزم هؤلاء الصمت ولم يُثيروا ألسنتهم.
وفي شؤون التحالف، لم يذكروا بيت بيانكي مباشرة، بل اكتفوا بحديثهم عن سلامة سيلفستر.
وذلك بدافع قلقٍ خفيّ من أن يكون ريفر بريئًا، وقد تبيّن أنّهم أحسنوا صنعًا.
ظنّوا أنّ الأمور قد هدأت، لكن منذ أن سقطت الأميرة مريضة، أخذت الشائعات عن أوليفيا تنتشر في كلّ سيلفستر.
وبدا وكأنّ حزب النبلاء هو من افتعلها وضخّمها عن عمد.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 89"