نهض ريفر وأخذ أوليفيا التي كانت متجمّدة مكانها، ونظرها المليء بالعتاب لم يدم طويلًا، إذ اضطرّت أن تمسك بيده وتخرج معه من قاعة الاستقبال.
ظلّ الاثنان وحدهما في القاعة، وبينما خيّم الصمت لبرهة، بدأ باسيلي بالكلام.
“فريدي، أعلم أن رجالك موجودون داخل القصر.”
تجمّد وجه فريدي للحظة. كيف كُشف أمرهم؟ لكن الجواب لم يتأخّر، فقد تابَع باسيلي: “كِدت ألا أكتشف شيئًا، لولا أن مساعدك غاب عن مكانه للحظات.”
إذن الأمر انكشف بسبب استعجاله في أخذ سايمون معه بعدما غاب طويلًا عن هيستر.
وكما توقّع، الأعمال العجلى لا بدّ أن تجرّ خطأ.
اشتدّت ملامح فريدي؛ فبغضّ النظر عن السبب، فإن بقاء رجاله في القصر الملكي حقيقة لا تتغير.
وفكّر إن كان عليه أن يبرّر، لكنه لم يلحق، إذ سبقه باسيلي بالكلام: “أنت تدرك ما يعنيه وضع رجال لك داخل القصر.”
“……”
“أعرف لماذا اخترت هذا، ولهذا سأغضّ الطرف هذه المرة فقط. لكن بشرط: فور خروجك من هنا، اسحبهم جميعًا.”
أومأ فريدي بصعوبة، فعاد صوت باسيلي إلى طبيعته.
“ما دام لم يكتشف أحد غيري، فالأمر سهل الإخفاء. وفد فرنسا سيغادر قريبًا، وإثارة أي ضجيج الآن لن ينفع أحدًا. فلنطوِ الأمر هنا.”
شعر فريدي وكأن شوكة عالقة في حلقه.
“كي يخرج وريث بيانكي بسلام، من الأفضل أن تبقى أنت في القصر. أعِد الدوقة إلى هيستر ثم عد فورًا.”
نهض باسيلي وربّت على كتف فريدي، تاركًا إياه وحيدًا.
أطلق فريدي تنهيدة قصيرة ثم غادر القاعة.
***
في الخارج، أزاحت أوليفيا يد ريفر بعصبية.
“ما الذي تفعله بحق السماء؟”
“والدانا قلقان جدًّا، فظننت أن رؤيتنا لهم لن تضر.”
“في مثل هذا الوضع؟ أتظن هذا معقولًا؟”
“فيا …”
“لا تحاول تبرير الأمر بعذر واهٍ، واشرح قصدك بوضوح …”
لكنها لم تستطع متابعة كلامها حين رأت القلق البادي على وجه ريفر.
“فيا، فلنزر والدي معًا. إن كان البلاط الملكي في سيلفستر سمح، فغيابنا فترة لن يكون سيئًا.”
تساءلت في نفسها: لو كنتُ “ليف” حقًّا، هل كنت سأستقبل هذا العرض بفرح؟
“سيكون الأمر ممتعًا حين يجتمع شمل العائلة من جديد. لقد مررتِ بالكثير.”
لم تستطع أوليفيا أن تنطق بكلمة.
“أمي وأبي طبعًا، لكن لكِ أنتِ أيضًا سيكون الأمر مريحًا.”
كيف يمكنها أن تردّ على هذا القول، وهو يقول إنه يفعل ذلك من أجلها؟
وبينما كانت مترددة، خرج فريدي من قاعة الملك.
ربت ريفر على كتفها مرّات ثم اتجه نحوه.
أما هي، فتصلّبت في مكانها عاجزة عن الالتفات ناحيته.
“يسعدني أن الأمور سارت على خير.”
صافح فريدي يده، وقد أدرك أن أوليفيا تتجنّب النظر إليه.
حاول أن يمحو من ذاكرته صورتها المتجمّدة التي رآها في القاعة، وقال: “نعم، سأرافق زوجتي بنفسي. والأجدر بي الآن أن أذهب للاتصال بفرنسا.”
“حسنًا، إلى اللقاء إذن.”
مدّ ريفر يده ليمسح شعر أخته مرات قليلة، ثم غاب مع مساعد باسيلي.
وبعد رحيله بدقائق، أدركت أوليفيا أن الشخص الذي أمامها هو … فريدي.
وفي اللحظة التي وقع بصرها عليه، اهتزّت مشاعرها التي بالكاد كانت هدأت.
مهما حاولت التفكير بعقلانية، لم تستطع أن تبقى هادئة.
مدّ يده ليقودها، لكنها أخفتها خلف ظهرها.
كان رفضًا واضحًا.
ارتسمت ابتسامة مرة على شفتي فريدي.
“فلنرحل إذن.”
سارت ببطء، وهو اكتفى بمجاراة خطاها. اليد التي كان يمسك بها دومًا حين يسيران، بقيت هذه المرة بعيدة.
***
ما إن ركبت أوليفيا العربة، حتى طلب فريدي منها الانتظار قليلًا، وعاد إلى غرفته التي أقام فيها.
أرسل إشارة من النافذة، فدخل أحد رجاله بعد دقائق.
“جلالة الملك عرف أننا نراقب الأمير الثاني و ولية العهد. هل أدركتم أنهم رصدونا؟”
“أعتذر، اكتشفنا ذلك قبل لقائكم بلحظات، لكن يبدو أن الخبر وصل بالفعل.”
شبك فريدي ذراعيه وأخذ ينقر بأصابعه.
الآن وقد علمت سيلفستر بوجود رجاله، فلا بد من الانسحاب الكامل كما أمر الملك.
لكن القلق الذي يغلي في صدره كان يؤكد له أن الانسحاب الكامل سيجلب الخطر.
لا يمكنه أن يخالف أمر الملك، لكنه في هذه المسألة لم يكن ليستطيع التنازل.
خصوصًا ما دام الأمر يتعلق بأوليفيا.
لم يكن له أي خيار آخر.
“كم سيستغرق إخفاء آثار مراقبتنا كليًّا؟”
فهم الرجل مراده وقال بصرامة: “نحو ساعتين.”
ساعتان. مدة طويلة وقصيرة في آنٍ معًا.
المشكلة أنّ غياب العيون ساعتين قد يكون كافيًا لسيار ليتحرك.
“الملك يعلم أننا لن ننسحب دفعة واحدة، فليظلّ بعض الرجال خلفه. لا بد من ذلك.”
أخذ ينقر بأصابعه مجددًا وقال ببرود: “أما البقية، فليُبعدوا الأنظار عنهم ثم يعودوا إلى مواقعهم. ولن أسمح بأي خطأ آخر.”
ابتلع الرجل ريقه وأومأ.
كان عليه أن يثبت أنه عون للدوق، لا عبئًا عليه.
“وحين تلحقون بالأمير الثاني لاحقًا، احرصوا على أن لا تكون هناك ثغرات.”
أوصاهم فريدي واحدًا واحدًا، محذرًا من أي هفوة عند تبديل المواقع بين المراقبين.
“إن لاحظتم أي حركة مريبة، فلا تترددوا في التتبع. سايمون سيبقى في هيستر فترة، فأنت يا رقم واحد ستتولى ضبط العلاقات بين الرجال حتى لا يحدث احتكاك لا داعي له.”
“نعم، مفهوم.”
أومأ فريدي ثم خرج عائدًا إلى حيث تنتظره أوليفيا.
حين صعد إلى العربة، كانت مغمضة العينين تتنفس بانتظام.
لكنه أدرك من ارتعاشة جفونها أنها لم تنم.
اختارت أن تتظاهر بالنوم، فقط لتتفادى الحديث معه.
بالطبع شعرت بالجرح والغيظ.
وكان يفهم مشاعرها، لكن لم يكن بمقدوره التراجع هذه المرة.
لو انتظر موافقتها قبل تدبير الأمر مع ريفر، لكان الأوان قد فات.
فيما كان يتأمل وجهها المغمض، تحركت العربة. لم ينتبه لذلك، فقد كان بصره ثابتًا عليها وحدها.
ومضى الوقت حتى غابت الشمس.
وكانت حمراء على نحو غير عادي.
حتى خُيّل إليه أن شعر أوليفيا قد تلون بالحمرة.
وتوقّف أنفاسه للحظة، إذ بدت أمامه وكأنها المرأة التي رآها في كوابيسه، متداخلة مع صورة أوليفيا.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 82"