بعد خروج سايمون بوقتٍ طويل، وضع فريدي أخيرًا الأوراق التي كان يقرأها جانبًا.
كان على يقينٍ من أنّ سايمون قد أنهى عمله على نحوٍ متقن، لكن راحته لم تكتمل إلّا بعد أن يعيد هو بنفسه التأكّد.
رمش فريدي بعينيه الجافتين عدّة مرّات.
حاول أن يخفّف من وطأة الإرهاق، لكن الأمر لم يكن يسيرًا. فقد مضت أيّام عدّة من دون أن يغمض جفنًا.
والسبب كان الكوابيس التي تطارده كلّما حاول أن ينام.
بدأت تلك الأحلام الغائمة تزداد وضوحًا. بات يستطيع تمييز لون شعر الطرف الآخر وحتى هيئته الجسديّة.
وإن كان الحلم غير واقعيّ، فكيف يمكن أن تفوح منه رائحة؟ لكنّه مع ذلك كان يشمّ عبير جسدها.
ورائحة الدم أخذت تزداد قوّة.
أشدّ ما كان يفتك بعقله هو لون شعر تلك المرأة في الحلم.
خصلات ذهبية متألّقة، مطابقة تمامًا لشَعر أوليفيا.
‘لماذا بالذات نفس اللون؟’ ما إن خطرت هذه الفكرة، حتّى بات كلّ شيء يبدو له وكأنّه أوليفيا.
ما يزال وجهها غامضًا في الحلم، لكن في كلّ مرّة كان يشعر وكأنّها تموت أمامه.
وذلك كان يُنهكه ويُدمّره شيئًا فشيئًا.
“هاه…”
لهذا السبب تحديدًا تخلّى عن النوم.
فالأرق كان أهون من رؤية تلك الكوابيس.
تنفّس فريدي بعمق وهو يحدّق في الفراغ. ثمّ أدار رأسه مرّات عدّة ليستعيد تركيزه، وعاد ليُمسك بالملفّات على مكتبه.
لكن عندها وقعت عيناه على ورقة ورديّة اللون. رمش ببطء.
لقد كانت واحدة من الرسائل التي ظلّت تنهال عليه بشكلٍ جنونيّ في الأيّام الماضية.
في البداية أدهشته كثرتها، لكنّه اعتاد على قراءتها لطرد النعاس، ولم تعد تبدو له كثيرة.
وفوق ذلك، بات يشعر أنّه بدأ يتعرّف قليلًا على مرسلها، فلم تعد الرسائل مزعجة.
“أترى، توقّفت عن إرسال المزيد؟”
تحوّل يده التي كانت ستلتقط الملفّ إلى الرسالة بدلًا منه.
مزّق الغلاف على أمل أن تتحسّن حالته المظلمة ولو قليلًا.
[إلى عزيزي فريدي.
فريدي، لماذا لا ترسل لي رسائل بعد الآن؟
أأنت بخير فعلًا؟
لا تقل لي إنّك قرّرت التوقّف عن المراسلة من دون أن تخبرني؟
حتى لو بكلمات قصيرة، أرجوك أرسل إليّ.
كوابيسي ليلة البارحة كانت واضحة جدًّا لدرجة أنّها أرعبتني.
أنت لا تفكّر بأمور سيّئة، صحيح؟
أرجوك، لا تفعل ذلك يا فريدي. فكّر في ليف.
إن تحطّمت، ستحزن هي أيضًا.
لا تنوِ أن تجعلها حزينة بعد أن ادّعيت أنّك تُكفّر عمّا فعلت، أليس كذلك؟ ألن تزيدها ألمًا مرّة أخرى؟
… أرجوك لا تفعل.
في الرابع و العشرين من فبراير، حيث يبدأ الربيع قريبًا]
كانت كلمات الرسالة قصيرة، لكنّها نافذة.
مشاعر القلق والتوتّر والخوف انسكبت كلّها بين السطور.
إنّها على النقيض تمامًا من شخصيّة المرسل المعتادة، المليئة بالإيجابيّة.
صحيح أنّها تحدّثت أحيانًا عن نفسها، لكن لم يسبق لها أن كشفت بوضوح عن مثل هذه المشاعر السلبيّة.
شعر فريدي فجأة أنّ أمرًا خطيرًا قد يصيبها.
ولم يكن من الصعب عليه استنتاج أنّ السبب في ذلك هو شخصٌ واحد: “ذلك السيّد المجهول”، أي فريدي نفسه.
***
ظلّت بداية يوم القصر كئيبة كما هي دائمًا.
فمنذ الصباح تدفّق النبلاء واحدًا تلو الآخر، يطالبون بقرار سريع حول مسألة التحالف.
وحين بالكاد تخلّص فريدي منهم، لم يتغيّر تجهم وجهه.
وما لبث أن جاء مساعد باسيلي يستدعيه.
“جلالة الملك يطلب حضور سموّك.”
استغرب الدعوة المفاجئة، لكنّه ارتدى ملابسه سريعًا وتوجّه إلى مكتب باسيلي.
بمجرّد وصوله، سلّمه باسيلي رسالة من دون شرح.
قرأها فريدي بصمت، وحين انتهى، فهم سبب استدعائه.
“إيمير هُزمت في الحرب إذن.”
كانت دولتان، إيمير وأفون، تخوضان حربًا طويلة تحت ظلّ فرنشيا.
ويبدو أنّ تلك الحرب شارفَت على الانتهاء.
“صحيح. هذا الخبر وصلنا عاجلًا من القصر الملكيّ في فرنسا.”
“وهذا يمنحهم سببًا جديدًا لمواصلة التحالف.”
ففي حال انتهت الحرب بينهما، فلا شكّ أنّ أفون ستهاجم فرنسا، عقابًا لها على تقاعسها.
والجميع يعلم أنّ أنظار أفون باتت تتّجه إلى هناك.
لكن غزو أفون المباشر لفرنسا لن يكون خبرًا سارًّا لسيلفستر أيضًا.
ففرنسا كانت ضعيفة عسكريًّا، وقد أُرسلت جيوش سيلفستر لتغطية هذا النقص.
بينما أفون صارت مجهّزة تمامًا بأسلحة ومؤن بعد شهور من القتال.
إن اندلعت الحرب، ستسقط فرنسا سريعًا.
شارك فريدي الرأي نفسه. فالمسألة تجاوزت الآن خيار الاستمرار في التحالف أو لا.
فلو أجبرت أفون فرنسا على الاستسلام، فسيلفستر ستكون هدفها التالي.
أعاد فريدي قراءة الرسالة بوجهٍ عابس.
وحينها تحدّث باسيلي بما وصله من فرنسا: “بحسب الوضع، يقترحون أن تواصل سيلفستر دعمهم مؤقّتًا، بإرسال الجند والمؤن، حتى تتعافى حالة الأميرة.”
كانت شائعات الأميرة قد انتشرت بالفعل في أرجاء سيلفستر.
وسرعان ما ستعلم بها باقي الدول.
وحقيقة أنّ التحالف مع فرنسا لم يعد متينًا ستبدو لأفون فرصةً سانحة.
ويبدو أنّ فرنسا أدركت ذلك، لذا بدّلت موقفها على عجل، راجيةً استمرار التحالف.
“وماذا عن الأمير الثاني؟ ألم يدلِ برأي؟”
“حتى الآن لا. لعلّه تواصل معه مباشرة من فرنسا.”
فكّر فريدي أنّ سيار لم يكن ليسمح بسهولة بقبول ذلك.
لم يكن يعرف مقصده بالضبط، لكنّ ضغط النبلاء سيخفّ في الأقل.
“ثمّ إنّنا سنعلن أيضًا براءة ريفر بيانكي.”
“أي أنّ—”
“البحث عن الجاني سيتوقّف هنا.”
تفاجأ فريدي قليلًا من كلامه، ثمّ سارع ليكشف ما وصل إليه.
“لقد أمسكتُ بخيطٍ يكاد يقودني إلى الجاني.”
لكن باسيلي هزّ رأسه.
“على أيّ حال، بعثة فرنسا ستغادر الآن.”
كان واضحًا أنّ باسيلي نفسه بدأ يشكّ في هوية الجاني بعد تصرّفات فريدي في الأيّام الماضية.
“لا مبرّر لدينا لاحتجازهم أكثر، وبدون دليلٍ دامغ، سنُعرّض أنفسنا لخطرٍ أعظم إن تابعنا التحقيق.”
لم يكن في نبرته عتاب.
“أعلم كم تعبت، لكن من الأفضل التوقّف هنا. حالة أنتونيا تتحسّن، وهناك أولويّات أهمّ يجب التعامل معها الآن.”
لم يجد فريدي ما يردّ به. فقد أدرك أنّ باسيلي لم يتّخذ هذا القرار إلّا بعد طول تفكير.
هو أكثر من يتمنّى القبض على الفاعل في قضيّة التسميم، لكنّه ملك، وأحيانًا على الملك أن يتّخذ قرارات يندم عليها لاحقًا.
وحين رأى باسيلي فريدي يكتفي بالإيماء، تابع قائلاً: “يُستحسن أن تُفاتح الدوقة في الأمر. أحضرها إلى القصر. ولمّا لم ترها منذ مدّة، فهذه فرصة مناسبة أيضًا.”
“… نعم، سأتوجّه إلى هيستر إذن.”
انحنى فريدي وغادر مكتب الملك.
تفقّد الوقت، ثمّ اتّجه مباشرة إلى مكان احتجاز ريفر.
ارتبك ريفر قليلًا من زيارته المفاجئة، لكنّ كلمات فريدي التالية فسّرت السبب.
“اعتقالك سينتهي اليوم. وستتلقّى اعتذارًا رسميًّا من القصر.”
“ها، إذن هذا ما آلت إليه الأمور.”
لم يكن خبرًا مفرحًا أن تغادر بعثة فرنسا من دون القبض على الجاني.
كان يعلم أنّ المشتبه به أميرٌ من دولة، لذا لم يكن الأمر سهلًا، لكنّه بدا أصعب ممّا تخيّل.
“سأتوجّه الآن إلى هيستر لأُحضر زوجتي إلى القصر.”
فهم ريفر على الفور سبب ذلك.
فأوليفيا هي ركيزة التحالف، وكان لا بدّ أن تُخبَر بما يجري، وكذلك لترى بنفسها أنّ أخاها قد أُفرج عنه.
وبينما كان ريفر يهمّ بشكره على هذه اللفتة، فوجئ بكلمات مغايرة: “لكن السبب الآخر لقدومي … أنّ لديّ طلبًا منك يا صهري.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 79"