وضع فريدي يده على جبينه ثم أصدر أوامره إلى سايمون.
“أولًا، احرص أكثر على تتبّع خطوات الأمير. من الأفضل مراقبة محيطه ليلًا ونهارًا.”
“نعم، مفهوم.”
“أما تفتيش غرفة زوجة وليّ العهد، فهل لم يتم بعد؟”
أدار فريدي بصره نحو الجواسيس الحاضرين.
أحدهم تابع التقرير.
“نعم، بخلاف غرفة الأمير الثاني، الحراسة هناك مشدّدة للغاية. كما أنّ صاحبة السموّ زوجة وليّ العهد نادرًا ما تترك مكانها.”
كان ذلك أمرًا يعلمه فريدي مسبقًا.
لكن بما أنّ الجواسيس تسلّلوا إلى القصر بأمر منه، فقد بدا أنّهم وجدوا طريقة لاقتحام غرفة فايفيل.
“على أيّ حال، بالاستناد إلى ما أعددناه حتى الآن، سيكون التفتيش ممكنًا خلال هذا الأسبوع.”
وكان اليوم أحدًا، بداية الأسبوع.
بمعنى آخر، قد يستغرق الأمر ستة أيام إضافية حتى يتمّ تفتيش غرفة فايفيل. و إعطاء الخصم هذه المهلة لم يكن أمرًا جيّدًا، لذلك غرق فريدي في التفكير.
وبينما كان يبحث عن وسيلة لإبقاء فايفيل خارج غرفتها، تذكّر اقتراحها السابق له.
“بعد يومين، سأضمن أن تبقى زوجة وليّ العهد مشغولة بعيدًا.”
لم يكن الأمر ملائمًا للجلوس معها على الشاي وتبادل الأحاديث، لكن لم يكن أمامه وسيلة أخرى لإبقائها مشغولة لفترة طويلة.
“حينها، على الجواسيس المكلّفين بمتابعة زوجة وليّ العهد أن يفتّشوا غرفتها. خذوا كلّ ما قد يصلح دليلًا.”
كان ذلك تعديلًا متسرّعًا على الجدول الزمنيّ المرسوم.
ولم يَرُق ذلك لفريدي، إذ إنّ احتمال وقوع الأخطاء صار أكبر بكثير. لكن بما أنّ الوقت لم يكن في صالحه، كان عليه التحرّك بعجلة.
وبعد لحظة من التردّد، أومأ الجواسيس برؤوسهم.
“مفهوم. سننقل هذه التعليمات للآخرين كذلك.”
وحين انتهى النقاش حول التقرير والخطوات القادمة، غادر الجميع القاعة.
حتى سايمون همّ بالخروج لتنفيذ أوامره، لكن فريدي استوقفه.
“سايمون، ابعث أسرع جاسوس لدينا إلى هيستر.”
“هل حدث أمر جلل؟”
“ليسلّم هذه الرسالة إلى زوجتي ويشرح لها أنّني سأضطرّ للبقاء هنا مدّة من الوقت.”
وحين فسّر له مضمون الرسالة، أومأ سايمون برأسه.
“سأختار أحد المتاحين حالًا وأكلّفه بالمهمّة.”
خرج سايمون، وبقي فريدي وحيدًا مستندًا إلى النافذة.
وبينما كان يحدّق في الخارج الذي أخذ يكسوه العتمة، أرخى فجأة الستائر بوجه متجهّم.
***
شعرت أوليفيا بخيبة أمل عندما رأت يدي أنجيلا فارغتين.
لكن أنجيلا سارعت إلى طمأنتها، متذرّعة بظروف فريدي وأنّه لم يستطع الردّ سريعًا. ثمّ أضافت أنّ أحد رجاله سيوصل ردّه قريبًا.
عندها فقط بدأت ملامح أوليفيا المتشنّجة تلين قليلًا.
ومع ذلك، لم يتبدّد قلقها ولا تحسّنت حالتها النفسيّة.
وما كان بوسعها فعل شيء آخر في هذا الوضع.
حين عادت إلى غرفتها، غاصت طويلًا في التفكير. وحتى بعد أن خيّم الليل على القصر، ظلّت تحدّق بالصمت من النافذة بلا حراك.
مضت دقائق قبل أن تنهض.
وفور أن وقفت، أصاب رأسها دوار مفاجئ.
تمايل جسدها، لكنها أمسكت بأيّ شيء تجده قربها حتى تستعيد توازنها. كان جسدها يثقل عليها بشدّة كأنّه يأمرها بالراحة.
كانت تدرك جيّدًا أنّها ترهق نفسها.
فقد أغمي عليها مؤخرًا أمام سيار، ولمّا نامت عانت كوابيس مزعجة.
ثمّ بعد أن استعادت بعض الذكريات المنسيّة، انفجرت بالبكاء حتى أُنهكت.
ومع ذلك، لم يكن بوسعها الاستسلام للراحة الآن.
“هاه…”
زفرت أنفاسًا متعبة، وبمجرد أن خفّ الصداع، خطت ببطء.
عندها، جاء صوت طرق خفيف على النافذة.
التفتت أوليفيا فورًا نحوها.
لم تستطع أن تعرف ما يحدث في الخارج وسط الظلام الدامس ما لم تفتح النافذة.
تردّدت للحظة، لكن الطرق تكرّر، فارتجف جسدها.
سألت بصوت حذر: “من هناك؟”
“جئتُ بأمر من صاحب السموّ الدوق.”
كان الصوت يبدو صوت امرأة.
وفي هذه الساعة المتأخّرة، لم يكن الأمر أشبه بزيارة عاديّة.
تجهمت أوليفيا وظلّت صامتة، لكن الصوت أضاف بسرعة: “المعذرة يا صاحبة السموّ. لم أُحسن الشرح. لقد بعث صاحب السموّ برسالة جوابية إليكِ.”
“آه…”
“لو جئت عبر الطرق الرسميّة، لانكشف الأمر. لذلك قصدتُ هذا الطريق غير المناسب.”
عندها فقط تخلّت أوليفيا عن حذرها وفتحت النافذة بحذر.
فدخلت الجاسوسة التي كانت تنتظر بالخارج.
“تشرفنا. أنا العميلة رقم 4، أعمل جاسوسة لصاحب السموّ الدوق.”
لم يكن لهم أسماء حقيقيّة، حرصًا على ألّا ينكشفوا.
وحين رمشت أوليفيا قليلًا، قدّمت لها العميلة الرسالة.
أخذتها أوليفيا وفتحتها بحرص.
كانت مكتوبة بلغة سيلفستر، وهذا منحها شعورًا غريبًا.
فقد اعتادت أن تتلقّى رسائلها السابقة بلغة فرنسا من ذلك السيّد المجهول.
لكنها طردت شرودها سريعًا وهامت بنظرها على خطّ فريدي الواضح.
「سيّدتي ، كيف حال جسدكِ؟
لقد كان اليوم صاخبًا من الداخل والخارج، وأرجو ألّا يكون قلبك قد تأذّى.
أمّا بشأن ما سألتِ عنه، فقد نقلتُ الإجابات عبر الجاسوسة، فأرجو تفهّمك.
لا تغيير في إقامة صهري، ما زال في الغرفة نفسها ولم يتعرّض لضغط كبير.
وبالنسبة للسمّ المستخدم في محاولة التسميم، فلم نتمكّن من تحديده.
الأميرة أنتونيا تعاني أعراضًا مشابهة للالتهاب الرئوي، ولا شيء آخر ظاهر.
كثُر الكلام حول تحالف فرنسا و سيلفستر، لكن لم يُتخذ قرار بعد.
غير أنّ الأمير الثاني يضغط بقوّة لإلغاء التحالف، حتى أنّه صرّح بذلك مباشرة أمام جلالة الملك. ويبدو أنّ أحاديث تجري بين البلاط الفرنسي والأمير الثاني.
لكن … كلّ ذلك لن يمسّكِ مباشرة. ما لا ترغبين به لن يحدث. فلا تقلقي.
كلّ ما يحدث في القصر، وما وقع لصهري، سأرتّبه بنفسي.
أعتذر كثيرًا، لكن بسبب ذلك سأضطرّ للبقاء في القصر فترة. سأعود إلى هيستر بأسرع ما يمكن. وحتى ذلك الحين، تخلّي عن التفكير بما يعكّر صفوك. 」
صمتت أوليفيا طويلًا بعد إنهاء القراءة.
لقد كان ردّ فريدي مكرّسًا فقط للإجابة عن أسئلتها و الاطمئنان عليها.
مع أنّ الأميرة مهدّدة بالتسميم، ومع أنّها تعلم أنّ السبب قد يكون مرتبطًا بها، لم يكن فريدي على علم بأيّ من ذلك …
وكلّ ما شغله هو قلقه عليها وحدها.
شعرت بغصّة مؤلمة.
كبتت المشاعر المضطربة داخل صدرها وعضّت على أسنانها. ثمّ أغمضت عينيها وأخذت نفسًا عميقًا لتستعيد هدوءها.
وحين أعادت فتح عينيها، كانت قد طردت كلّ الأفكار السوداويّة.
وبعقل صافٍ، أعادت قراءة الرسالة مرارًا، تفكّر كيف يمكنها أن تساعده.
وعندها خطرت لها ذكرى غير مقصودة، مرتبطة بحالة الأميرة أنتونيا.
فالسمّ الذي أصابها وأظهر أعراضًا تشبه الالتهاب الرئوي، يشبه تمامًا ما حدث مع فريدي في عالمها السابق.
وكانت تعرف ماهية هذا السمّ.
وبينما تسترجع ذاكرتها خطوة بخطوة، وصلت أخيرًا إلى الجواب.
“سأكتب ردًا، فهل يمكنكِ إيصاله مباشرة إلى فريدي؟”
أومأت العميلة رقم 4 فورًا.
“بالطبع.”
“إذن انتظري قليلًا.”
جلست أوليفيا على مكتبها وأخرجت ورقًا للرسائل. لكنها ما إن أمسكت القلم حتى تردّدت.
ففي سيلفستر لم يعرف أحد نوع السمّ الذي كاد يقتل الأميرة.
وفوق ذلك، اتّهموا شقيقها ريفر بأنّه الفاعل.
إن هي كشفت أنّها تعرف الحقيقة، فلن يكون من الصعب توقّع العواقب.
حتى إن حاول فريدي أن يُخفي أنّ مصدر المعلومة هي أوليفيا، فلن يفلت هو نفسه من التساؤلات.
وسيتوجّب عليها أن تشرح له … أنّها ليست “ليف”، وأنّها السبب في موته في عالمها الآخر.
التعليقات لهذا الفصل " 71"