تجمدت أوليفيا في مكانها، عاجزة عن أي رد فعل.

شعرت وكأن العالم ينقلب رأسًا على عقب، وأن أحشاءها تتقلب.

ومضت الرؤية أمام عينيها، وكأن شيئًا ما يسحبها إلى الأسفل، وكان جسدها يحاول السقوط.

اضطرت أوليفيا إلى شد ساقيها بقوة لتجنب السقوط بشكل مهين. لكن جسدها لم يطعها، وانهار أخيرًا إلى الأرض.

رن صوت السقوط في الرواق.

لم تسمع أنجيلا، التي كانت تبكي، الصوت، وكانت منشغلة بهز رأسها.

“لماذا، لماذا فعل الأمير ذلك بسمو الدوق؟”

اضطرت أوليفيا إلى عض أسنانها بقوة لمنع الأنين من التسرب. أرادت الفرار قبل أن يلاحظ سايمون وأنجيلا وجودها.

عندما نهضت متعثرة ورفعت رأسها، تقابلت عيناها مع عيني سايمون من خلال فتحة الباب.

كانت عيناه حمراء مثل عيني أنجيلا.

ربما بنظرة مليئة بالكراهية، بدأ يتحدث عن سبب وفاة فريدي: “اكتشفتُ أن الشخص الذي كان من المفترض أن يتزوج سمو الدوق في تحالف زواج كان حب الأمير الثاني منذ فترة طويلة.”

“…”

“ولو لم تُطرح فكرة التحالف، كان من المقرر أن يتزوج الأمير الثاني من تلك الشخصية.”

ارتجفت حدقتا أوليفيا بشدة.

كان هذا أكثر صدمة من الأيام التي قضتها تبكي بعد معرفة هوية السيد المجهول، وأكثر من مواجهة وفاة فريدي في كلا العالمين.

كانت أوليفيا بجانب فريدي، آملة أن يعيش وألا يكون تعيسًا. لكن افتراضها كان خاطئًا منذ البداية.

“يبدو أن الأمير الثاني لم يتحمل رؤية المرأة التي يحبها تُباع إلى دولة متحالفة.”

في أي عالم، كانت أوليفيا عبئًا على فريدي أكثر من كونها نفعًا.

“يبدو أنها كانت قصة حب يائسة كان عليه تحقيقها حتى لو استلزم ذلك قتل الطرف الآخر.”

عند سماع كلمات سايمون الأخيرة، انطلقت ضحكة جوفاء من بين شفتي أوليفيا.

التفتت أنجيلا، التي كانت تبكي، إلى أوليفيا عند سماع صوتها. لم يتجنب سايمون نظرتها أيضًا.

تساقطت الدموع من عيني أوليفيا.

في نفس اللحظة، اختفى شكلهما.

استنشقت أوليفيا نفسًا متوقفًا واستيقظت من الحلم.

دخلت غرفة نومها المألوفة إلى رؤيتها.

بعد أن رمشة عينيها عدة مرات، امتلأ رأسها بالحلم الذي رأته للتو، والذي كان ذكرياتها المنسية.

“آه.”

بدأت عينا أوليفيا تبتلان.

***

في مكتب فريدي مع سايمون، تلقى أخبارًا غير سارة.  

“تلقينا تأكيدًا بأنهم استقبلوا الحمام الزاجل، لكن لم تظهر أي تحركات بعد ذلك.”

ضرب فريدي المكتب بأصابعه.

كان يعتقد أنه يمكن أن يطمئن سيار قليلًا، لكن يبدو أن حذره كان أكبر مما توقع.

“الخبر الجيد هو أنهم لا يعرفون بعد أننا اكتشفنا ذلك المكان. لم يأتِ أحد بعد ذلك.”

يبدو أن سيار لا يستخدم المعلومات أو المواقف التي يشعر أنها مشبوهة بناءً على حدسه.

شعر فريدي بالحيرة من تصرفات سيار. 

بعد تفكير قصير، تحدث: “انسَ أمر الحمام الزاجل و أمر العملاء في القصر بالتركيز على إيجاد أدلة تثبت العلاقة الوثيقة بين ولية العهد والأمير الثاني.”

بدأ شعور بالقلق ينمو في قلب فريدي بسبب الوضع الذي لا يسير كما خطط.

على الرغم من تجنبه لأسوأ السيناريوهات، لم يكن متأكدًا من أن الأمور تسير على ما يرام.

والأهم من ذلك، لم يستطع التنبؤ بتصرفات سيار. 

زفر فريدي وهو يغطي عينيه وأعطى تعليمات لسايمون: “إذا لزم الأمر، ابحث في غرفهما سرًا. سأتحمل المسؤولية.”

“مفهوم. سأركز المزيد من الأفراد هناك.”

توقف سايمون وهو يهم بالمغادرة وسأل فريدي: “سموك، هل ستدخل القصر غدًا؟”

كان يسأل عما إذا كان فريدي سيتحدث مع ريفر. بغض النظر عن الظروف، كان خطأ ريفر و بيانكي قد أعطى سيار فريسة.

“يجب أن أفعل.”

“لن تخبر سموها، أليس كذلك؟”

“ليس هناك حاجة لإخبارها، أليس كذلك؟”

بمعرفة شخصية أوليفيا، إذا علمت بكل هذا، ستعتذر له باستمرار وتراقب ردود أفعاله.

وعلاوة على ذلك، إذا عرفت أن سيار متورط، فمن الواضح أنها ستشعر بالقلق.

“من الأفضل التعامل مع هذا بهدوء قدر الإمكان.”

“مفهوم. سأتصل بالقصر للحصول على إذن الدخول.”

بقي فريدي وحيدًا في المكتب بعد مغادرة سايمون، مغطيًا وجهه بيديه لبعض الوقت.

هز رأسه من جانب إلى آخر، ثم استعاد رباطة جأشه وبدأ بفحص الأوراق أمامه.

كانت معظم الأوراق التي يفحصها تتعلق بالتحقيق في سيار و فايفيل. قرأ عن عائلات الشخص الذي نشر إشاعات عن أوليفيا.

توقع أن تقتل فايفيل عائلة الخادمة المتوفاة لمحو الأدلة، لكنها بشكل مفاجئ تركتهم على قيد الحياة.

“لماذا فعلت ذلك؟ كان يجب أن يكونوا قد أصبحوا عديمي الفائدة.”

لمنع الكشف عن المعلومات، كان قتل من يعرفونها هو الطريقة الأكثر تأكيدًا.

بينما واصل القراءة بعبوس، اكتشف فريدي أن أحد أفراد عائلة الخادمة المتوفاة دخل سيلفستر بشكل غير قانوني.

لم تتواصل مباشرة مع فايفيل بعد دخول سيلفستر، لكن فريدي لم يستطع التخلص من شعور غريب، فتتبع مسارها بعد دخولها.

كانت تتردد على أماكن يرتادها العامة أو النبلاء من الطبقة الدنيا. بدت وكأنها تمتزج بينهم بسهولة، مما ذكّره بطريقة رآها من قبل.

لمعت عينا فريدي بعد تفكير عميق.

كان الموقف مشابهًا بشكل مخيف للوقت الذي انتشرت فيه إشاعات خبيثة عن أوليفيا.

“هاا.”

كانت فايفيل تستعد لتدمير سمعة أوليفيا مرة أخرى.

بدأت هي وسيار يتحركان لتهديد أوليفيا من خلال التلاعب بالأمور.

لم يستطع فريدي تخمين ما الذي سيخلقونه.

فحص بعناية الأمور التي يجب مراقبتها.

لفترة طويلة، امتلأ مكتبه بصوت تقليب الأوراق والخربشات.

***

بعد ساعات قليلة، كانت مطابخ القصر الملكي في سيلفستر مشغولة بتحضير وجبة الإفطار.

عندما اقتربت التحضيرات من الانتهاء، لمست إحدى الخادمات الطعام المخصص للأميرة.

أخرجت زجاجة صغيرة من جيبها ورشت محتواها على الطعام بيد مرتجفة. 

كانت ترتجف لدرجة أن الدواء الذي كان من المفترض أن يوضع على الطعام تناثر بشكل فوضوي حوله.

“ماذا تفعلين هناك؟”

للأسف، لم تكمل رشه عندما ناداها رئيس الطهاة.

“آسفة، أنا خادمة من قصر الأميرة. بما أن الأميرة تواجه صعوبة في تناول الطعام مؤخرًا، كنت أتحقق مما إذا كان الطعام مناسبًا لها.”

كان كلامًا مشكوكًا فيه، لكن المطبخ كان مشغولًا بالتحضير للإفطار، فلوّح رئيس الطهاة بيده موافقًا.

أمسكت الخادمة بقوة بالدواء المتبقي في يدها.

اعتقدت أن هذه الكمية لن تسبب أي مشكلة.

غادرت المطبخ بسرعة و تمتمت بقلق: “لقد فعلتها. ليس سمًا، مجرد عشبة لمساعدة الأميرة على التكيف في فرنسا”

تذكرت كلام سيار منذ أيام قليلة وارتجفت.

إذا ذهبت إلى فرنسا مع الأميرة وتركت والديها المريضين، من سيعتني بأخيها الصغير؟

إذا وضعت هذه العشبة في طعام الأميرة، ستحصل على مكافأة صغيرة وتُستثنى من قائمة الذهاب إلى فرنسا.

أصرت أسنانها بقوة واختبأت بسرعة.

لم يكن هناك خمر في الإفطار، لكن الجو كان وديًا.

على الرغم من فشل اقتراح سيار بتقديم الزواج في اليوم السابق، لم يبدُ أحد في الإفطار منزعجًا أو قلقًا.

تساءل ريفر عن سبب إحضار سيار له إلى مكان مع الملوك، لكنه لم يستطع التعبير عن استيائه.

لم تكن ولية العهد فايفيل، ولا فريدي ممثل حزب الملكيين، ولا ممثل حزب النبلاء موجودين في الإفطار.

بدت وجبة عادية، لكن شعورًا مقلقًا جعله يميل برأسه. 

كان نظر سيار الموجه نحو طعام أنتونيا مقلقًا بشكل خاص.

في تلك اللحظة، تذكر ريفر تحذيرات أوليفيا وفريدي بشأن الحذر من سيار.