بينما كان متصلبًا من الإحراج و المشاعر التي يختبرها لأول مرة ، أساءت أوليفيا فهم تصرفاته.
كان فريدي مقتنعًا بأنّ علاقتهما ستنهار على هذا الحال. لكن ، كما هي عادتها ، حلّت أوليفيا الموقف بطريقة مختلفة عن توقّعاته.
<لو أنّك تحتضنني الآن و تقول ‘لا بدّ أنّكِ كنتِ مستاءة جدًا’ ، أعتقد أنّ كلّ شيء سيُحلّ>
لم تكن هناك حاجة لمزيد من التفكير. مدّ يده ، و احتضنها.
كان جسدها الصغير الهشّ دافئًا.
أراد أن يعانقها بقوة أكبر ، لكنّه لم يستطع.
ماذا لو تحطّمت إذا فعل؟
كما لو أنّها قرأت أفكاره ، عانقته أوليفيا بدورها.
كان ذلك هو السبب.
لقد شرح مشاعره و الموقف بصراحة و بدون زخرفة.
لم يرد أن تسيء أوليفيا فهمه ، و لم يرد أن تتأذّى.
و الأهم من ذلك ، أراد ألا تنهار علاقتهما.
أراد رؤيتها تبتسم بدلاً من البكاء ، و أراد إعادة التفكير في علاقتهما.
بدلاً من علاقة سياسيّة ، أراد أن يكونا حلفاء و داعمين لبعضهما طوال الحياة …
بعد أن ربّت على ظهرها مرتين ، ساد صمت بينهما.
عبس فريدي لأنّ قلبه النابض بشكل غير منتظم بدا غريبًا ، بينما كانت أوليفيا هادئة في حضنه ، غارقة في أفكارها.
في تلك اللحظة ، همهمت بصوت خافت جدًا ، لدرجة أنّه لم يكن ليسمعها لو لم يركّز.
“لو أنّ ذلك السيّد تحدّث معي بهذه الطريقة في ذلك الوقت ، لكان كلّ شيء على ما يرام”
على الرغم من أنّ كلامها كان متقطّعًا ، استطاع فهم بعضه.
أراد فريدي أن يسألها عمّا تتمنّاه أكثر ، لكن كلامها التالي جعله يتوقّف عن التفكير.
“لو حدث ذلك ، لما كانت نهاية ذلك السيّد كذلك ، و ما كنتُ لأجد نفسي في مثل هذا الموقف”
كان كلامًا لا يمكن فهمه. لم يستطع سماع من تنادي بدقّة ، لكن شيئًا واحدًا كان واضحًا.
لم تكن تناديه هو.
عندما أبعد فريدي جسده بحذر ، بدا أنّ أوليفيا أدركت أخيرًا في حضن من كانت.
فتحت عينيها على وسعهما و رمشَت عدّة مرات ، ثمّ ابتسمت بإحراج و رفعت زاوية فمها.
في تلك اللحظة ، أصبح فريدي متأكّدًا مرة أخرى.
كانت عاطفة أوليفيا و كلّ مشاعرها موجّهة ليس إليه ، بل إلى الشخص الذي همهمت باسمه للتو.
شعر بألم نابض.
كان فمه مرًا ، و قلبه يؤلمه.
و مع ذلك ، لم يستطع فريدي أن يسألها من ترى فيه. ففي النهاية ، هو من قرّر طبيعة العلاقة ، و هو من أراد الابتعاد ، و هو من تحدّث عن علاقة سياسيّة.
لذا ، الآن …
اليوم ، كان كافيًا أنّ علاقتهما لم تنهار.
***
“لماذا تحدّق بي هكذا؟”
عند سماع صوتها الودود ، رمش فريدي بعينيه.
بدا و كأنّه أدرك للتو أين هو و مع من.
كان يحمل تعبيرًا شاردًا ، ثمّ ابتسم بهدوء و أجاب.
“لا شيء. كنتُ أرتب أفكاري للحظة”
كان الشمس تغرب من نافذة العربة حيث تجلس أوليفيا.
هبّت نسمة من خلال الفتحة الصغيرة ، فأربكت شعرها.
لأيّ سبب ، ضحكت أوليفيا مرة أخرى.
لم يكن هناك دموع في عينيها ، لكن كان هناك انتفاخ طفيف.
مدّ فريدي يده دون وعي و فرك محيط عينيها.
شعر بتيبّس جسدها للحظة من المفاجأة ، لكن بسبب الإضاءة الخلفيّة ، لم يستطع قراءة تعبيرها.
***
اضطرّ خدم مقرّ الدوق الأكبر إلى التحرّك بسرعة عند سماع أنّ الدوق و زوجته قادمان معًا.
لكن كان هناك فكرة واحدة تملأ أذهانهم.
الدوق و زوجته معًا؟
لم ينطقوا بها ، لكن الشائعات السيئة التي انتشرت خلسة جعلتهم يتساءلون إن كانت صحيحة. لكن لحظة وصول الدوق و زوجته ، محوا كلّ شكوكهم.
“سيّدتي ، أعلم أنّكِ لم تتناولي شيئًا بشكل صحيح منذ الصباح. ماذا عن تناول عشاء مبكر معًا؟”
على الرغم من عودته إلى مقرّ الدوق الأكبر بعد غياب طويل ، كان فريدي يتعامل مع أوليفيا بمهارة ، و هي بدورها أبدت موافقتها كما لو كان ذلك أمرًا طبيعيًا.
لم يكن بالإمكان تحديد شيء بعينه ، لكن كان من الواضح أنّ ابتسامة فريدي الهادئة و ابتسامة أوليفيا المشرقة كانتا متناغمتين.
بينما كانوا ينظرون إليهما مفتونين للحظة ، أومأ فريدي برأسه ، فبدأ الخدم بالتحرّك بانسجام.
أحبّت أوليفيا مائدة الطعام مع فريدي. كان يبدو محبوبًا جدًا و هو يبتسم حتّى عينيه عندما تتحدّث.
أرادت أن تملأ عينيها به ، فأبطأت تناول الطعام ، فطابق سرعتها.
حتّى لحظة تقديم الحلوى ، لم تُبعد أوليفيا عينيها عن وجه فريدي. ثمّ أدركت فجأة أنّه كان يحدّق بها أيضًا.
“أمـم ، قد أُثقب إذا استمررتَ هكذا”
“النظر لا يُثقب الناس”
“إنّها مجرّد تعبير!”
“ألم تحدّقي بي أنتِ أيضًا؟”
تنحنحت أوليفيا و أدارت عينيها ، فضحك فريدي بهدوء.
احمرّت أذناها و هي تضغط على الحلوى أمامها بالشوكة.
نظر إليها فريدي للحظة ، ثمّ أخبرها بخبر سار.
“بالمناسبة ، لديّ شيء لأخبركِ به”
تحوّل نظر أوليفيا من الحلوى إلى فريدي مرة أخرى.
“ما هو؟”
“تمّ تحديد موعد وصول وفد فرنسا”
أومأت أوليفيا برأسها عدّة مرات دون أن تُظهر ردّ فعل كبير.
كان من المؤكّد أنّ الأمير الثاني ، الذي كان هناك حديث عن خطوبتها معه ، سيكون ضمن الوفد ، لكن أوليفيا بدت غير مهتمّة.
يبدو أنّ الشخص الذي كانت تُظهر له عاطفتها لم يكن هو.
شعر فريدي ، الذي أصبح متأكّدًا من تصرفاتها ، بوخز في قلبه. تنحنح ليصفّي صوته و تابع.
“يبدو أنّ صهري مدرج ضمن أعضاء الوفد”
عندها ، أبدت أوليفيا اهتمامًا و أمالت رأسها.
بعد تفكير طويل لفهم من يقصد بـ”صهري” ، أدركت معنى كلامه و ابتسمت ببريق.
“هل سيأتي أخي؟”
“نعم”
“حقًا؟”
“تحقّقتُ من رسالة وصلت من فرنسا بالأمس”
امتلأت عينا أوليفيا ، التي كانت غير مهتمّة حتّى اللحظة ، بالفضول. نقل فريدي الحلوى التي كانت تأكلها جيّدًا إلى الأمام.
“يبدو أنّ والدكِ كان قلقًا جدًا. في رسالة إضافيّة ، طلب السماح لصهري بالبقاء في هيستر لفترة”
“طلب والدي ذلك …”
“نعم ، بما أنّه يأتي كجزء من الوفد ، يجب أن يبقى في القصر الملكي بحكم الأصول ، لكنّني طلبت الإذن من جلالة الملك و تلقّيته اليوم”
“أوه ، يا فريدي!”
مثل طفلة تلقّت هديّة مفاجئة ، ابتسمت أوليفيا ببريق و قامت من مقعدها.
ركضت إليه بمظهرها المرح الذي تُظهره فقط أمام عائلتها ، و انحنت لتعانقه.
عند هذا التقارب المفاجئ ، اتّسعت عينا فريدي.
تصلّب للحظة ، ثمّ عانقها بدوره.
غير مدركة لحالته ، استمرت أوليفيا بالثرثرة بحبّ.
“كيف تنقل خبرًا مفاجئًا كهذا بهدوء؟”
“هل أنتِ سعيدة؟”
“بالطبع ، لا يوجد شيء يمكن أن يجعلني أسعد من هذا الآن! أنتَ الأفضل في العالم!”
أبعدت أوليفيا نفسها عنه و واصلت الحديث عن سعادتها.
ثمّ أدركت فجأة أنّ وجهها قريب جدًا منه.
“كنتُ قريبة جدًا ، أليس كذلك؟ آسفة ، لقد نسيتُ نفسي من الفرح”
حاولت أوليفيا الابتعاد بسرعة. لكن فريدي ، دون وعي ، أمسك بخصرها و جذبها نحوه.
تقلّصت المسافة بينهما في لحظة.
جلست أوليفيا على فخذه دون قصد ، فتيبّست بشدّة.
شعرت بالحرارة تنبعث من يده على خصرها.
لم تكن أوليفيا الوحيدة التي لم تتوقّع هذا التصرّف. شعر فريدي بجفاف في حلقه ، و لم يستطع النظر في عينيها.
لكنّها لم تلاحظ حالته.
كانت أوليفيا في حضنه ، تدحرج عينيها و تتحرّك بقلق.
هذا السلوك جعل فريدي يشعر بأنّ توتّره يهدأ.
نظر إليها و هي مرتبكة ولا تعرف ماذا تفعل ، فأمسك بها بقوة.
“لقد فرحتُ. أردتُ أن أشكركَ على نقل هذا الخبر”
“و ماذا بعد؟”
“لذا ركضتُ إليكَ و عانقتكَ ، كلّ ذلك لأقول هذا”
بينما كان فريدي يحدّق بها دون أن يرخي يديه ، بدأ وجه أوليفيا يحمرّ تدريجيًا.
التعليقات لهذا الفصل " 25"