بعد كلّ ذلك البكاء، كانت أعينهما متورّمة. بدا ذلك مضحكًا لأوليفيا، فاستندت إلى كتف فريدي وأطلقت ضحكة أعلى من السابقة.
استند فريدي بدوره إلى رأس أوليفيا المستندة إليه.
حتّى هدأت ضحكاتها، شعر بها تمامًا وهي ترتجف بين حين وآخر في أحضانه.
توقّفت الضحكات الكبيرة تدريجيًّا. لكن ابتسامة ناعمة ظلّت معلّقة على شفتيها.
رفعت أوليفيا وجهها عن كتف فريدي. ثم سألته: “ألن نعود الآن؟”
ردًّا على سؤالها، ابتسم فريدي ابتسامة ناعمة وأومأ برأسه.
ثم أمسك يدها بحذر.
نظرت أوليفيا إلى يده الملامسة ليدها، وقبضت عليها بقوّة.
كانت يداهما المتشابكتان تعبّران بوضوح عن عزمهما على عدم ترك بعضهما أبدًا.
“حسنًا. لنعد الآن.”
عندما يفتحان أعينهما، سيكون عليهما حلّ العديد من الأمور، ومواجهة ما يخيف.
لكن لماذا تستمرّ الضحكات في التّدفّق؟
كانت أوليفيا وفريدي يعلمان السبب.
ربّما بسبب الدّفء المنتقل من هاتين اليدين المتشابكتين.
أدنى فريدي جبينه إلى جبين أوليفيا. كان شعرهما يداعب بعضهما، لكنّهما لم يباليا.
فجأة، ابتلعهما ضوء ساطع.
وفي تلك اللحظة، لم تنقطع ضحكاتهما.
***
عندما أفاقت أوليفيا، لم يكن قد مرّ نصف يوم منذ أن أطلق سيار النّار.
كانت أول من فتح عينيه، فبقيت إلى جانب فريدي، الذي كانت ذراعه ملفوفة بضمادة. كان الخارج صاخبًا، لكن أوليفيا لم تترك جانبه.
مع بزوغ الفجر، بدأت جفونا فريدي ترتعش.
“فريدي؟”
نظرت أوليفيا إليه بعناية.
رمش فريدي بعينيه عدّة مرّات ثم فتح فمه: “سيّدتي.”
مدّ يده ليمسح خدّها، لكن يده بدت ثقيلة كما لو أنّ حجرًا وضع فوقها.
أدرك فريدي حينها أنّه أصيب برصاصة سيار.
بينما كان يحمل تعبيرًا مذهولًا، بدأت أوليفيا تتحدّث بسرعة كالمدفع. كان من الواضح أنّه من المريح أنّه لم يُصب بجروح خطيرة، لكنّها كانت منزعجة من إصابته.
“قالوا إنّ العلاج تمّ جيّدًا. لكن من الأفضل ألّا تجهد نفسك لفترة.”
“سيّدتي.”
“لقد أُلقي القبض على الأمير سيار مباشرة من قبل العائلة المالكة في سيلفستر. كنتُ مشغولة جدًا ولم أتمكّن من متابعة كيفيّة معالجة الأمور، لكن الملك والأمير الوليّ للعهد، بالإضافة إلى خدم هيستر وكثير من النّاس، يقدّمون المساعدة. لذا لا تقلق.”
نهض فريدي من الفراش ببطء. ثم جذب أوليفيا بذراعه السليمة.
استسلمت أوليفيا للمسته بشكل طبيعيّ.
نظر فريدي إلى أوليفيا التي أمسك بها بعناية، وهي بدورها توقّفت عن الكلام وبادلته النّظر.
بعد مرور بعض الوقت، قال فريدي وهو يمسح شعرها وخدّها بلطف: “كان يجب أن أكون أنا من استيقظ أوّلًا. يبدو أنّكِ تحمّلتِ الكثير، سيّدتي.”
“هذا لا شيء.”
“ومع ذلك، كان ذلك صعبًا، أليس كذلك؟”
رتب فريدي شعرها.
عندما رأى أوليفيا، التي لم تستطع إخفاء انزعاجها وهي تنظر إلى ذراعه، ارتخى فم فريدي بابتسامة ناعمة.
لم يمرّ سوى ساعات قليلة منذ رأى وجهها بوضوح، لكنّه شعر وكأنّه عاد عبر زمن طويل.
تنفّست أوليفيا بعمق وأطلقت الكلمات التي كانت تكبحها واحدة تلو الأخرى، مواصلة قلقها على فريدي.
استمع هو إلى ثرثرتها دون أن يقول شيئًا.
“فريدي، من الأفضل أن تركّز على تعافيك. سأتولّى حلّ كلّ شيء بدلًا عنك.”
“لا يمكنني السماح بذلك.”
“لكن …”
أدرك فريدي ما يقلق أوليفيا. حتّى لو كانت إصابة خفيفة، كان يعلم أنّه يجب أن يهتمّ بصحّته.
لكنّه شعر أنّ عليه إنهاء هذا الأمر بيده.
“سأعمل بقدر لا يقلقكِ. أشعر أنّني لن أرتاح إلّا إذا أنهيت هذا الأمر بنفسي.”
“فريدي.”
“أنا من سيتولّى القيادة. كلّ ما أطلبه منكِ، سيّدتي، هو أن تحمي ظهري.”
شعر فريدي بقلبه ينبض عندما رأى أوليفيا التي لم تستطع إخفاء قلقها.
“إذا فكّرتِ أنّكِ تحمين ظهري، أشعر أنّني قادر على فعل أيّ شيء.”
عانق فريدي أوليفيا بحذر، كما لو كان يلمس شيئًا ثمينًا جدًا.
ثم همس في أذنها بهدوء: “اسمحي لي، سيّدتي.”
عند تصرّفه هذا، فتحت أوليفيا فمها بدهشة. لم ترَ تعبيره، لكنّ قبضته القويّة على يدها أشارت إلى أنّه متوتر بشأن ما ستقوله.
بعد تفكير قصير، أجابت أوليفيا بصوت خافت، لا يزال غير راضٍ:
“لكن إذا شعرتُ أنّك تبالغ …”
“لن أفعل شيئًا يجعلكِ قلقة”
عندما جاء إذن أوليفيا، ابتسم فريدي وفرك رأسه بكتفها.
“أبدًا.”
أمام رده الواثق، كانت أوليفيا هي من رفعت يديها مستسلمة.
***
أُقيمت جلسات محاكمة سيار و فايفيل على عدّة مراحل.
على الرّغم من وضوح الأدلّة، كان من الطّبيعي أن تستغرق وقتًا طويلًا، نظرًا لأنّ سيار أمير دولة و فايفيل أميرة وليّة عرش بلادها.
لكن فريدي وأوليفيا لم يفكّرا كثيرًا في الأمر. كانا يعلمان أنّ الأمور تسير بثبات، وأنّ نهايتهما ستُحسم في النّهاية.
وأخيرًا، مع اقتراب الرّبيع، صدر الحكم في المحاكمة.
تقرّر ترحيل سيار إلى بلاده لتنفيذ حكم الإعدام.
أمّا فايفيل، التي لم تكن جرائمها وأدلتها واضحة تمامًا، فقد تمّ عزلها عن العرش، وطُردت من سيلفستر، ومُنعت من دخولها نهائيًّا.
استمرّ سيار في البحث عن أوليفيا كالمجنون حتّى يوم ترحيله، لكنّه لم يلتقِ بها أبدًا.
حتّى بعد وصوله إلى فرنسا، لم يعترف سيار بجرائمه واستمرّ في الاحتجاج.
لكن جرائمه كانت ثقيلة، وشعب فرنسا أدار ظهره له. كان ذلك لأنّه اتّضح أنّه تصرّف لمصلحته الشّخصيّة وليس لمصلحة البلاد.
بسبب تصرفاته، كادت البلاد تتعرّض لخطر كبير، وهو ما عرفه الجميع، لذا نُفّذ حكم الإعدام على سيار رغم مقاومته.
لم تمرّ قصّة فايفيل، التي كان متوقّعًا أن تظلّ هادئة، دون أن تُسمع.
قيل إنّها، التي كانت تُعتبر عارًا على بلادها، قُتلت برجم بالحجارة قبل أن تصل إلى القصر المخصّص لها في بلدها.
كلاهما لقيا حتفًا بائسًا.
لم يحصلا على أيّ ممّا تمنّياه، وكانا مكبّلين بغرورهما وأفكارهما.
عندما سمع فريدي الأخبار المتعلّقة بسيار و فايفيل، أجاب سايمون: “الآن لن نسمع أيّ أخبار عنهما بعد الآن.”
“نعم، ويبدو أنّ أمور إمير وأفون قد انتهت بسلاسة أيضًا.”
“من كان ليتوقّع أن يثور النّاس في ثورة ضدّ الحرب التي كانت شبه منتهية؟”
كانت أفون، التي انتصرت في الحرب وتستعدّ للحرب التّالية، تهتزّ بسبب ثورة شعبها الذي لا يريد الحرب.
لهذا السّبب، اضطرت أفون للتّخلي عن إمير التي احتلّتها.
“كان ذلك لصالح إمير. في وقت كان الجميع فيه يائسين بعد الهزيمة في الحرب، حدث هذا.”
“بفضل ذلك، يبدو أنّ الوضع الدّوليّ سيهدأ لفترة.”
“نعم، ليس فقط لفترة، بل يجب ألّا تحدث مثل هذه الأمور المعقّدة في المستقبل.”
تحقّق فريدي من الوقت ثم نهض من مكانه.
كان قد حان موعد موعده مع أوليفيا.
“آه، طلبت الدّوقة منكَ الحضور مباشرة إلى الطّابق الأوّل.”
أومأ فريدي لسايمون وخرج من الباب على الفور.
بعد مغادرته، مسح سايمون مكتب فريدي بنظره. لاحظ وجود أزهار وزخارف صغيرة لا تناسب فريدي.
كانت هذه من أعمال فريدي.
قال إنّه قلق من أنّ أوليفيا قد لا تأتي إلى غرفته إذا تذكّرت ذكرياتها السابقة، فزيّنها بهذا الشّكل.
كان تصرّفًا مضحكًا لدوق يُفترض أن يكون مهيبًا، لكن سايمون أطلق ضحكة قصيرة وأومأ برأسه.
لا بأس بذلك، أليس كذلك؟
من مكان قريب، سمع صوت همسات خافتة.
تحوّلت نظرة سايمون إلى النّافذة.
كان فريدي وأوليفيا يمسكان بأيدي بعضهما بقوّة، يضحكان ويتّجهان نحو السّيارة.
بدا يوم توتر علاقتهما وكأنّه من زمن بعيد.
بعد لحظة من رؤية ضحكاتهما، هزّ سايمون رأسه وغادر مكتب فريدي.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 108"