بدا أنّ ردّ فعل فريدي أسعد أوليفيا، فبدأت تُغنّي بصوت خافت. بعد أن رنّ صوتها العذب عدّة مرّات، التفتت إليه فجأة وسألته: “فريدي.”
“نعم، سيّدتي.”
“إلى متى ستظلّ تُناديني بـ’سيّدتي’؟”
“ما المشكلة؟”
عند ردّ فريدي، تحولت نظرة أوليفيا إلى نظرة حادّة في لحظة. أدرك فريدي مزاجها فبادر بالاعتذار: “هذا خطأ مني. قولي ما تريدين قوله.”
أومأت أوليفيا برأسها برفق وكأنّها تقبل اعتذاره، ثم أكملت: “أشعر أنّني الوحيدة التي تناديكَ باسمك.”
“هل تريدين مني أن أناديكِ باسمك؟”
“لا، نادني بـ’ليف’.”
“هل تريدين اسمًا دلاليًّا؟ أعلم أنّ اسمكِ الدلاليّ هو ‘فيا’.”
“لا أريد أن تناديني باسمي القديم.”
على الرّغم من تساؤله، استجاب فريدي لرغبة أوليفيا.
ومنذ ذلك الحين، أصبح “ليف” هو الاسم الدلاليّ الذي يناديها به فريدي، ومرّت أيّام عديدة بعد ذلك، وبدأ بطنها ينتفخ.
تحسّن الجوّ المتوتّر بين فريدي وأوليفيا، وأصبحا يحلمان معًا بمستقبل مع طفلهما القادم.
كانا يهتمان ببعضهما ويعتنيان ببعضهما في تفاصيل الحياة اليوميّة الصّغيرة.
كان من المفترض أن يستمرّ هذا حتّى لحظة ولادة ليري.
لو لم يحدث ذلك الأمر.
كان يومًا مشمسًا بشكل استثنائيّ.
هبّت نسمة محملة برائحة الأزهار.
كانت أوليفيا جالسة أمام نافذة تتسلّل منها أشعّة الشّمس الدّافئة، وكان فريدي قد جلب كرسيًّا وجلس إلى جانبها.
كان يحمل كتابًا يصلح لقراءته للأطفال، وكان فمه يقرأ الجمل دون توقّف.
بعد لحظة، توقّف فريدي عن القراءة، فنظرت إليه أوليفيا، التي كان بطنها منتفخًا جدًا، وقالت: “فريدي.”
عند سماع ندائها، رفع فريدي عينيه عن الكتاب ونظر إليها.
سارعت أوليفيا وقالت: “أريد أكل الخوخ بشدّة.”
كانت هذه أوّل مرّة تعبّر فيها أوليفيا، التي اقتربت من موعد ولادتها، عن رغبة في تناول شيء معيّن.
رمش فريدي بعينيه عند سماع طلبها الأوّل. قرأ تعبيرها وأضافت بعض الأشياء الأخرى التي تريدها: “وأريد أيضًا تارت طازج من متجر التارت في وسط العاصمة.”
لم تكن أوليفيا تشتكي عادةً من طعام قصر الدّوق، لذا كان هذا أوّل طلب محدّد تصرّح به. في تلك اللحظة، لم يكن لدى فريدي وقت للتّفكير في شيء آخر.
وضع الكتاب جانبًا وقام من مكانه بسرعة وقال لها: “سأذهب لجلبه.”
“اليوم ليس يوم عمل في القصر، أنا آسفة لأنّني أزعجتك بهذا.”
نظر فريدي إلى أوليفيا، التي كانت تشعر بالأسف ومع ذلك تتوقّع الأشياء التي سيحضرها، فأنهى استعداداته للخروج بسرعة وغادر قصر الدّوق.
كان قلقًا لأنّ موسم الخوخ لم يكن قد حلّ بعد، لكن لحسن الحظ تمكّن من العثور عليه. كما تمكّن من شراء التارت الذي أرادته أوليفيا في الوقت المناسب.
كان يومًا محظوظًا إلى حدّ ما.
حتّى وقع حادث بين عربة و سّيارة.
اضطرّ فريدي إلى العبوس وهو يرى الشّارع في حالة فوضى. لحسن الحظ، لم يُصب أحد في الحادث.
أراد فريدي العودة إلى هيستر بسرعة، لذا زاد السّائق من سرعة السّيارة.
كان فريدي مليئًا بالتّفكير في الاعتذار لأوليفيا عن تأخّره، لكن الخبر الذي سمعه كان صادمًا: “صاحب السّمو الدّوق، لقد تعرّضت الدّوقة للتّسمّم.”
“ماذا؟”
“وأمّا الآنسة الصّغيرة …”
لم يكمل الكلام، لكن لم يكن من الصّعب تخمين ما تبقّى.
الشّعور الذي انتابه عند سماع ذلك الخبر.
كلّ الشّقاء الذي عاشه في حياته بدا و كأنّه حظّ سعيد مقارنةً به.
كانت ليري ، التي اقتربت من الشّهر الأخير ، لا تختلف كثيرًا عن أيّ طفل عاديّ.
لكن بسبب التّسمّم ، لم تكن أوليفيا في حالة تسمح لها برؤيتها.
أجرى فريدي جنازة ابنته الميّتة قبل أن تستيقظ أوليفيا.
بكى طويلًا و هو يرى كتلة الدّم التي لم تفتح عينيها بعد ، موضوعة في نعش خشبيّ صغير جدًا.
طمأن نفسه بأنّ كلّ شيء سيكون على ما يرام، ثم عاد إلى جانب أوليفيا، مضطرًّا لتأدية دور الأب والزّوج القاسي.
اعتقد أنّه إذا أظهر ضعفه لأوليفيا المنهارة، فقد تتركه إلى الأبد.
“أنتَ أسوأ ما يكون”
كانت هذه أوّل كلمات قالتها أوليفيا عندما فتحت عينيها و رأت فريدي.
“على الأقل، ألم يكن عليكَ إخباري أين دُفنت ابنتي؟”
“لقد تمّ الاعتناء بها بشكل جيّد. لا داعي للقلق.”
“هل هذا ما يُقال لأمّ فقدت ابنتها؟”
“إذا أزعجكِ كلامي، فأنا آسف.”
“كيف يمكنكَ ألا تذرف دمعة واحدة بعد فقدان ابنتك؟”
التفتت أوليفيا، التي كانت مليئة بالكراهية والاستسلام، بعيدًا عنه.
ومنذ ذلك الحين، بدأا ينامان في غرفتين منفصلتين، ولم يعد هناك وجبات مشتركة، أو نزهات، أو حتّى مشاركة يوميّة بسيطة.
اعتقد فريدي أنّ أوليفيا بحاجة إلى وقت، فلم يزعجها. لكنّ أوليفيا توقّفت عن الأكل والشّرب تمامًا.
في النّهاية، ذهب فريدي للبحث عنها. عندما رأته أوليفيا، قالت شيئًا: “لم أعد أتخيّل أيّامًا أعيشها وأنا أواجهك. لقد فعلنا ما فيه الكفاية، أليس كذلك؟ دعنا نعيش كلّ منا حياته الآن.”
نظر إليها فريدي، التي أصبحت هزيلة جدًا، وأمسك قبضته بقوّة. عضّ على أسنانه حتّى غارت خدّاه، ورجفت قبضته.
بعد أن هدّأ أنفاسه بصعوبة، أجاب: “أنا آسف، سيّدتي، لكن يبدو أنّني لا أستطيع تلبية هذا الطّلب.”
شعر أنّه إذا تركها الآن، فقد تُغادر مثل ليري.
فكّر أنّه حتّى لو تحطّمت، فمن الأفضل أن تتحطّم حيث هو موجود.
“ماذا قلت؟”
“هل تريدين اندلاع حرب؟ أنتِ تعلمين أنّ الوضع الدّوليّ ليس جيّدًا. إظهار أنّ علاقتنا متوترة سيعطي الدّول الأخرى فرصة للغزو.”
سمعت أوليفيا كلمات فريدي الباردة، التي لم تحمل أيّ دفء، وبكت.
“أنتَ، حقًا …”
“ارتاحي الآن. قيل إنّ تعافي جسمكِ سيستغرق وقتًا.”
ترك فريدي أوليفيا، التي كان وجهها مشوّهًا، وغادر الغرفة.
أسند ظهره إلى الباب واستمع طويلًا إلى بكاء أوليفيا الممزوج بالأنين من الدّاخل. تحمّل رغبته في الدّخول مرّات عديدة وهو يسمع صوتها وهي تفرغ استياءها.
إذا انهار هو، ستنهار هي أيضًا. يجب أن يتحمّل.
أقنع نفسه أنّه لا يجب أن يفرض عليها مزيدًا من الشّقاء، وعاش حياته مقنعًا نفسه بذلك.
في يوم بلغ فيه غضب أوليفيا وكراهيتها له ذروتها، وجّه جيمس فوهة مسدّسه إلى فريدي.
من السّخرية أنّ فريدي شعر بالحريّة في تلك اللحظة.
اعتقد أنّه يمكنه الهروب من أوليفيا التي تبكي كلّ يوم، ومن لوم ابنته الميّتة الذي يزوره كلّ ليلة.
لذلك-
لم يُظهر أيّ ردّ فعل وبقي واقفًا في مكانه ينظر إلى جيمس.
كان ذلك بالتأكيد ما حدث. فلماذا تهرع أوليفيا نحوه؟
جسمها ليس في حالة جيّدة، فلماذا تركض نحوه؟
تطاير شعر أوليفيا الذّهبيّ الرّائع بشكل جميل.
عندما امتلأت عينا فريدي باللّون الذّهبيّ، سمع صوت طلقة قصيرة، وشمّ رائحة دم نفّاذة.
“سيّدتي.”
في اللحظة التّالية، كانت أوليفيا، التي لم تتمكّن حتّى من إغلاق عينيها، ميّتة في أحضانه.
“أوليفيا.”
بلّلت الدّماء اللّزجة يده، ولم يستطع فريدي التّفكير بوضوح.
“ليف.”
هل هذه عقوبة من الحاكم لشعوره بالحريّة؟
هل هذا الوضع المروّع هو عقاب لأنّه أحبّ زوجته وابنته كثيرًا، ليُترك وحيدًا؟
عانق فريدي أوليفيا و صرخ بألم.
حتّى عندما لمس خدّها بدمائه الحمراء عدّة مرّات ، لم يتغيّر شيء. أصبح جسدها باردًا وصلبًا.
دُفنت أوليفيا إلى جانب ابنته التي بحثت عنها طويلًا.
لا يعرف كم بكى أمام قبرها. دُفنت تحت شجرة الأرز التي قالت إنّها تحبّها أكثر من غيرها.
عندما دُفنت أوليفيا تحت الأرض و غُطّيت بالتّراب ، بدأ المطر ينهمر من السّماء.
كان المطر غزيرًا لدرجة أنّه قلق من أن يجرف أوليفيا و ليري. ظلّ يحرس مكان دفنهما حتّى توقّف المطر.
عندما توقّف المطر و بدأت الشّمس تشرق ، كان فريدي يفعل شيئًا يائسًا.
اختار ، بعد أن أدرك مشاعره بعد موت أوليفيا مباشرة ، أن يكتب رسائل إلى الميّتة كوسيلة للتّعبير عنها.
لو رآه أحدهم ، لظنّ بالتأكيد أنّه قد جُنّ تمامًا.
و مع ذلك ، كتب فريدي الرّسائل.
كانت تلك بداية الرّسائل بلا مرسل.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 106"