7
“ألست متعبة؟”
سأل يوستار، فنظرت إليه لايلا من تحت قلنسوتها التي غطّت وجهها بإحكام عينان حمراوان ثابتتان عليه بدتا وكأنهما تقولان: “هل هذا سؤال في محله الآن؟”
“بالطبع أنا متعبة.”
عند رد لايلا، ابتسم يوستار ابتسامة خفيفة وكأنه يعتذر.
“أنا أيضًا أرغب في الانتقال بسرعة، لكن الأداة السحرية التي استخدمناها تحتاج إلى شحن نحن نحاول فقط الوصول إلى المكان الذي فيه البوابة، لكنه أبعد مما توقعت لقد مضى وقت طويل منذ أن أتيت إلى هذا المكان، فلم أتمكن من تقدير المسافة.”
“بوابة؟”
سألت لايلا بصوت مرتبك، فحدّق فيها يوستار وكأنه يتساءل عن سبب استغرابها.
“إنها أداة للتنقل المكاني هل لم تسمعي بها من قبل؟”
وهذه المرة كانت لايلا من حدقت إليه بصمت رمش يوستار مرتين وقد بدا عليه الارتباك فجأة، ثم قال:
“أم… لم أقصد التقليل من شأنك.”
هزّت لايلا كتفيها بخفة سواء قصدت ذلك أو لا… بدا صوتها اللامبالي وكأنه يتردد في الهواء، فرفع يوستار حاجبه قليلاً.
“لقد سمعت عن البوابة من قبل لكنني لم أرها بعيني قط كيف تبدو؟ هل تشبه صندوقًا مخيفًا؟ هل لها أنياب تجعل الناس العاديين يخشون الاقتراب منها؟”
ضحك يوستار بخفة.
“لا، ليست مخيفة على الأغلب.”
“وأين توجد هذه البوابة؟ ثم، إلى أين سنذهب باستخدامها؟ وماذا سنفعل هناك؟”
تدفقت الأسئلة دفعة واحدة، فظهر على يوستار تعبير تفكير عميق، وكأنه غرق في تأملاته.
منذ أن أمضيا الليل قرب الغابة وسارا دون راحة نصف يوم، لم تنطق لايلا تقريبًا بكلمة كانت تضع القلنسوة التي أعطاها لها يوستار لتخفي شعرها وعينيها اللافتتين للنظر، وتكتفي بالسير بصمت.
ربما لهذا السبب لم يشعر يوستار بالانزعاج من كثرة أسئلتها التي طرحتها الآن مثل طفلة صغيرة بل، في الحقيقة، مهما كان ما ستقوله أو تفعله، كان مستعدًا لتحمله بالكامل…
كان يوستار يعبث بذقنه بأطراف أصابعه حين نظر إلى لايلا وسأل:
“آنسة لايلا، هل سمعتِ من قبل عن تينتينيلا؟”
هزّت لايلا رأسها فورًا.
“لا، لم أسمع به قط ما هو؟”
نظر إليها يوستار بدهشة للحظة، وكأنه لم يكن يتوقع هذا الرد، ثم قال:
“حقًا لم تسمعي به أبدًا؟”
في تلك اللحظة، توقفت لايلا عن السير نظرت حولها كما لو أنها تتأكد من خلو الطريق المنعزل، ثم خلعت قلنسوتها فجأة وهزت رأسها بعنف كقطة مبللة يبدو أن الطقس أصبح أكثر دفئًا، وبقاؤها طوال الوقت تحت القلنسوة جعل رأسها يسخن حتى الجذور.
قالت لايلا:
“انظر، ريجيكوس قرية معزولة ليست من النوع الذي تنتقل إليه الأخبار بسرعة كالعصافير ما كان شائعًا في المدن المأهولة قبل عشر سنوات يُعتبر آخر صيحة عندنا إنها… مكان منعزل هل تفهمني؟”
أخرج يوستار صوتًا قصيرًا: “همم” تابعت لايلا حديثها بعد أن لاحظت رد فعله.
“ولا أقصد بالعزلة أنها محاطة بالجبال أو شيء من هذا القبيل… ليس الأمر كذلك.”
“فهمت قصدك وأنا أتفق معك تمامًا في الواقع، إن وجود أول ثقب غامض في تلك القرية كان أمرًا مفاجئًا بحد ذاته ولم أكن لأتفاجأ لو كان قد حدث مرتين أو ثلاث من قبل بالطبع، لو حدث ذلك، لما بقي من القرية شيء يُسمى قرية عند وصولي.”
رغم أن نبرته كانت هادئة، إلا أن كلامه كان يحمل في طياته رعبًا إذا ما تمعن فيه المرء فإن صدق قوله، فإن ريجيكوس قرية مهددة بأن تتحول إلى أطلال في أي وقت بسبب تلك الظواهر الغريبة المنبثقة عن “الثقب”.
ومن جهة أخرى، قد يكون هذا الظهور الأول لذلك الثقب مجرد بداية.
فكرت لايلا، ماذا لو لم يظهر يوستار في الوقت المناسب؟ وتخيلت نفسها وسط قرية خالية، يملؤها صدى الأشباح فقط، فارتجف جسدها.
وبدون اتفاق، بدأ الاثنان السير مجددًا كأنهما يدخلان معًا في صمت ثقيل، خطوةً بخطوة ولو كان هناك من يراقبهما، لربما ظنهما حاجًّا قد نذر الصمت وشاعرًا متجولًا بثياب غريبة…
قالت لايلا من جديد:
“إذن… ألا تنوي إخباري إلى أين نحن ذاهبان؟”
“آه، صحيح حسنًا… لأكون دقيقًا، نحن متوجهان الآن إلى الفرع الأول من تينتينيلا.”
“لكنك لم تشرح بعد ما هو هذا تينتينيلا.”
تنهد يوستار بصوت خافت لقد كان يعلم تمامًا أنه ليس بارعًا في الشرح أو الإقناع.
فوق ذلك، لم تكن لايلا مجرد شخص عادي… بل كانت “لايلا كريسيراد”، الشخص الذي بحث عنه طويلًا…
لو أنها شعرت حتى بالريبة تجاهه أو أرادت الذهاب إلى مكان آخر… ستكون تلك كارثة بالنسبة له.
لكن هذا لن يحدث، أبدًا.
فكّر يوستار ثم تذكر فجأة أن الساحرات في القصص القديمة كنّ يقرأن الأفكار من أنفاس من حولهن، فبدأ يراقب ملامحها بحذر.
لكن لايلا لم تُظهر أيّ ردة فعل كانت فقط تنتظر أن يواصل الحديث عن تينتينيلا.
“تينتينيلا… هي فرقة فرسان لكنها ليست فرقة عادية، بل فرقة خاصة بأمرٍ من جلالة الملك عادةً ما تُنشأ فرق الفرسان لصدّ الغزاة والحروب، لكن تينتينيلا تقاتل أشياء… أكثر خصوصية من ذلك.”
فهمت لايلا بسرعة ما الذي يقصده بـ”أشياء خاصة”.
“تقصد أشياءً مثل الأشباح، أليس كذلك؟”
“بالضبط من الجيد أنك تفهمين سريعًا الأشباح، أو حتى الوحوش فليس كل ما يخرج من الثقب يكون شبحًا بالضرورة.”
“الثقب الأسود… إن صدق كلامك، فإن هذا الثقب – أو كما تسميه ‘سينك’ – يمكن أن يظهر في أي مكان؟ فجأة؟ مثل الزلازل أو الانهيارات الأرضية؟”
أومأ يوستار ببطء وقال:
“نعم، بالضبط سينك يشبه الكوارث الطبيعية كالزلازل، والانهيارات، والتسونامي يظهر بعد أن تتجمع طاقة معينة في نقطة معينة وعندما لا يعود بالإمكان احتواء الطاقة، يحدث الانفجار – يتشقق الأرض، تنهار الجبال، أو تجتاح الأمواج الشواطئ نفس الشيء مع السينك الفرق الوحيد هو وجود أو غياب علامات تحذيرية.”
“بمعنى أن السينك… يتكون حين تتجمع طاقة ما، وفجأة يظهر، ولا أحد يستطيع التنبؤ به مسبقًا وفرقة تينتينيلا موجودة للتعامل مع كل ما يخرج من تلك الثقوب… أشياء مظلمة لا يراها أحد سواي وأنا أراها.”
“صحيح جلالة الملك أنشأ تينتينيلا لحماية الناس من السينك وكل الظواهر والمخلوقات المشؤومة التي تخرج منه.”
كانت لايلا تستمع بعناية وتركيز إلى يوستار، ثم لخّصت حديثه في عبارة واحدة:
“يعني أنك فارس تابع لتلك الفرقة، تينتينيلا.”
حدّقت إليه بعينيها الحمراوين، بنظرة طفولية تسأله: أليس كذلك؟، لكن خلف تلك البراءة كان يتقافز شعور عميق أشبه بمتاهة معقدة.
“أجل.”
أجاب يوستار بابتسامة خفيفة وجيزة.
الطريق المهجور، الذي لا يمر به لا متجولون ولا قوافل ولا حتى الباعة المنهكون، بدا وكأنه لا نهاية له.
قبل الانطلاق في رحلتهما، تقاسما القليل من الخبز اليابس الذي كان مع يوستار، لكنه لم يكن كافيًا. شعرت لايلا فجأة بجوع لا يُحتمل، فعبست قليلًا، وفي نفس اللحظة قال يوستار:
“هل أنتِ جائعة؟”
استدارت لايلا نحوه فجأة وسألته بريبة:
“كيف عرفت؟”
“لأنه وقت مناسب لذلك انظري إلى السماء، الشمس قد مالت بالفعل نحو الغرب والمؤن الاحتياطية قد نفدت، لذا من الأفضل أن نبحث عن مكان للمبيت في هذه المنطقة اليوم على الأرجح، سنصل إلى البوابة غدًا، وعندها لن نضطر إلى السير على أقدامنا بعد الآن.”
لم تكن تلك بشرى سارة كثيرًا، إن كان لا بد من السير بهذا القدر مجددًا غدًا.
لكن تذكّر وجود وجهة فعلية لهذا المسير أعاد إليها قليلًا من النشاط، وكأن ساقيها أصبحتا أخف وطأة وبينما كانت لَايلا تواصل السير بخفة، وذيل القلنسوة الطويل يتأرجح خلفها كعباءة، تذكّرت فجأة شيئًا، وطرحت سؤالًا آخر.
“وهل يمكن لأي أحد استخدام ما يُسمّى بالبوابة هذه؟”
أجاب يوستار قائلاً:
“بالطبع لا، لا يستطيع استخدامها سوى أولئك الذين اجتازوا تحققًا خاصًا ولكن لا تقلقي، يمكنكِ الحصول على تأهيل مؤقت، فأنا أمتلك الصلاحية اللازمة لذلك.”
“ألست مجرد فارس تابع لتلك الفِرقة؟ هل أنت رئيس الفرقة مثلًا؟”
لكنه لم يجب هذه المرة أيضًا، واكتفى بابتسامة خفيفة كانت لَايلا تُحصي واحدة تلو الأخرى الإجابات التي مررها يوستار عرضًا، وربما لم يكن هو نفسه يدرك أنها تقوم بذلك.
***
حين قال إنه سيبحث عن مكان للمبيت في الجوار، كانت لَايلا قد استعدت لقضاء ليلة أخرى في العراء لكن فجأة، انتهى ذاك الطريق المنعزل الذي بدا كأنه لا ينتهي، وظهرت قرية يعجّ بها الناس.
لم تكن قرية كبيرة على وجه الخصوص، لكن بالنسبة للَايلا التي لم تغادر منطقتها في حياتها، فقد بدت كأنها مدينة صاخبة.
وما إن دخلت القرية حتى سحبت القلنسوة إلى الأسفل حتى غطّت عينيها، ليس هذا فحسب، بل أمالت رأسها أيضًا خشية أن تلتقي عيناها بعيني أحد ولكن ذلك خلق مشكلة جديدة، فقد أصبحت غير قادرة على السير جيدًا، وظلت تتعثر.
“لا أظن أن الأمر يستدعي كل هذا.”
قالها يوستار بنبرة مهدئة، لكن لَايلا لم تبدِ أي استعداد للتراجع.
فلا أحد في مملكة سيارو يولد بشعر أسود ولا عيون حمراء كحبات الرمّان لقد كانت هيئة لَايلا بحد ذاتها دلالة على أنها “ليست إنسانًا”.
وكانت لَايلا تدرك جيدًا أن مجرد شعرها وعينيها كفيلان بأن يُثيرا الخوف ويبعثا جوًا من النذير والتشاؤم في قلوب الآخرين.
“بهذا الشكل، لن تتمكني من السير جيدًا وإذا ما تعثرتِ وسقطت القلنسوة، فإن الضجة التي ستحدث ستكون أكبر… رغم ذلك، هل ما زلتِ ترفضين؟ هه… إذن، لا خيار آخر.”
هزّت لَايلا رأسها تحت القلنسوة بعناد كالأطفال.
نظر إليها يوستار بنظرة غريبة نصفها شفقة ونصفها تسلية، ثم وضع يده بحذر على كتفها ومن تحت القلنسوة، شعر بحركة جسد لَايلا ترتجف رجفة خفيفة.
“اتكئي عليّ أثناء المشي، على الأقل بذلك لن تسقطي.”
“لستُ ساذجة إلى هذا الحد…”
ضحك يوستار ضحكة خافتة.
“أقسم أنني لم أفكر بكِ بهذه الطريقة يومًا ولن أفعل ذلك في المستقبل حسنًا، لنبحث الآن عن غرفة نقيم فيها هناك نُزل مجتمعون في ذلك الاتجاه.”
وأشار بإصبعه إلى مكان ما رفعت لَايلا نظراتها بخفة من تحت القلنسوة، لكن ما إن مرّ بها رجل يحمل دلوا حليب تصدر خطواته صوتًا عميقًا، حتى عادت تخفض رأسها بسرعة.
وكانت يد يوستار، التي تمسّك بكتفها، هي الداعم الوحيد المتبقي لها في تلك اللحظة.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 7"