“في الأصل، كان من المفترض أن يُقدَّم هذا الخاتم في حفل الزفاف… لكن…”
داعب يوستار برفق إصبع لايلا البنصر في يدها اليسرى للحظة، ثم وضع في إصبعها خاتمًا مرصَّعًا بالألماس والياقوت الأزرق الداكن.
كان الإطار المحيط بالأحجار رفيعًا بعض الشيء مقارنة بحجمها، لكنه بدا مناسبًا تمامًا لأصابع لايلا وما إن لامس الخاتم الضوء، حتى بدأت الأسطح المضلعة للألماس تعكس ألوانًا زاهية كأنها تعزف لحنًا فخمًا من النور.
تأملت لايلا الخاتم بنظرات مذهولة قليلًا قبل أن تسأل
“ما هذا…؟”
“إنه خاتم ملكي يُورَّث عبر الأجيال لزوجات أولياء العهد، أو لأولئك الذين يُمنحون مكانةً مماثلة ضمن العائلة المالكة لقد أُعيدت صياغة الإطار فقط ليناسب مقاس إصبعك.”
ثم ابتسم يوستار ابتسامة مترددة بعض الشيء
“ربما لن تتمكني من ارتدائه كل يوم أعتذر إن كان هذا سيضايقك.”
“ليس الأمر كذلك.”
“لكنني أود أن أعرف السبب.”
ابتسم يوستار ابتسامة خفيفة، كما لو أنه توقّع سؤالها تمامًا
“لأنكِ ستكونين، قبل أن تكوني رفيقتي، فارسة في تِنْتينِلا جميع أعضاء تِنْتينِلا يرتدون الخواتم نفسها إنها أدوات سحرية تُستخدم أيضًا لأغراض الاتصال، لذا عليكِ ارتداؤها لهذا الغرض…”
قالت لايلا بتردد
“ألا يمكنني ارتداؤه في اليد اليمنى؟”
ابتسم يوستار
“في يدك اليمنى يوجد الخاتم الذي أعطيتكِ إياه سابقًا، أليس كذلك؟”
عندها فقط نظرت لايلا إلى يدها اليمنى، فلم يكن فيها أي خاتم ذلك اليوم الخاتم الذي أهداها إياه يوستار من قبل — ذلك الذي سمح لهما بالتواصل حتى من مسافات بعيدة — كان بدوره أداةً سحرية
“هل تريدني أن أرتدي كليهما؟”
“عندما نحتاج إلى التحدث سرًّا، استخدمي خاتم اليد اليمنى أما خاتم تِنْتينِلا، فهو… من الصعب شرحه بدقة، لكنه يسمح لأعضاء الوحدة في نطاق معيّن بمشاركة الذبذبات السحرية فيما بينهم، وبذلك يمكن التواصل مع عدة أشخاص في الوقت نفسه، وسماع أصواتهم كذلك.”
لم تكن لايلا متأكدة مما يمكن أن تتحدث عنه مع يوستار سرًّا دون علم الآخرين، لكنها رأت أن من الحكمة التوقف عند هذا الحد والاكتفاء بهز رأسها موافقة.
على أي حال، كانت تعلم أن خاتمًا يلمع بهذا الشكل، مرصعًا بالألماس والياقوت، لن يكون من السهل عليها ارتداؤه كل يوم من دون أن تشعر بالحرج.
في تلك اللحظة، دوّى صوت الخادم عند باب قاعة الاستقبال الملكية قائلًا بصوت عالٍ
“صاحب السمو الأمير يوستار هايونموريك، دوق أكروت وشقيق جلالة ملك شيورو!”
سريعًا ما أمسك يوستار بيد لايلا وطبع على ظاهرها قبلة خفيفة، ثم همس
“اهدئي، كل شيء سيكون على ما يرام.”
رفع الخادم صوته مجددًا وهو ينظر إلى لايلا هذه المرة
“قرينة سمو الأمير، لايلا كريسْراد من ريجيكوس!”
عندما سمعت لايلا اسم ريجيكوس ، ارتجف كتفاها لا إراديًا لكن يوستار شدّ على يدها فاستطاعت أن تتمالك نفسها.
دخل الاثنان القاعة تحت سيل من النظرات الموجهة إليهما كان الملك أود يجلس على العرش في المقعد الأعلى تحت ضوء القاعة الساطع بدا وجهه أكثر شحوبًا واعتلالًا، حتى إن النظر إليه كان يبعث على الأسى.
لكن يوستار، وكأن شقيقه أمامه ما زال قويًّا ومعافى، ركع على ركبة واحدة وانحنى برأسه دون أن يُظهر أي انفعال.
اتبعت لايلا ما تعلّمته من ميل وانحنت هي الأخرى بركبة واحدة أمام الملك، واضعة جبينها على ظاهر يده الجافة الخشنة شعرت عندها ببرودة غريبة لا يمكن وصفها، أشبه بملامسة يد جثة.
أشار الملك بيده، فقاد يوستار لايلا برفق إلى المقعد المعد لهما على يمين العرش.
كانت لايلا متأكدة أنه لولا توجيهه الدقيق، لما عرفت كيف تتصرف وسط هذا الموقف الرسمي لكن يوستار قادها بخفة واتزان، كما لو كان يحرك دمية مربوطة بخيوط، فجلست دون أن يصدر عنها أدنى اضطراب أو تردد.
خرج رجل مسنّ في ملابس رسمية فخمة من بين الحاضرين الذين اصطفوا على شكل نصف دائرة تقدّم ببطء، ثم انحنى أولًا ليقبّل الخاتم الذي في يد يوستار اليسرى، ثم فعل الأمر نفسه مع خاتم لايلا.
عندما أمسك بيدها، شعرت لايلا بتململ الرجل العجوز الذي بدا وكأنه يريد الإفلات من هذا الموقف بسرعة كان إحساسه هذا يتسرّب إليها كما لو كان ماءً باردًا ينفذ إلى بشرتها وعقلها معًا، ولم تستطع أن تمنعه.
ومع ذلك، نهض الرجل بوجه جامد، وقال بصوت مهيب
“أتمنى من صميم قلبي أن يكون مستقبل سموّيكما مزدهرًا كازدهار هذه المملكة.”
أومأ يوستار قليلًا
“شكرًا لك، اللورد بْريتيَر.”
استمر الحفل بالطريقة نفسها؛ كان كبير المراسم ينادي اسم أحد النبلاء، فيتقدم ليؤدي التحية ويقبّل الخواتم ويقول بضع كلمات مجاملة.
أما لايلا فلم يكن مطلوبًا منها سوى مد يدها أحيانًا أو الإيماء موافقة لكن بعد مرور أكثر من عشرة نبلاء، بدأت تشعر بالدوار والتعب.
تساءلت في داخلها
هل حضرت الماركيزة هيميَرد؟
نظرت من خلف الحجاب تتفقد الحضور، لكنها لم ترَ أثرًا له على الأرجح لا تزال ممنوعه من دخول القصر.
شعرت لايلا بفراغ غريب في داخلها، لم تفهم سببه ومع شعورها الطبيعي بالحزن والغضب، لم تستطع إلا أن تتساءل في نفسها عما إذا كانت حقًا تستحق أن تجلس في هذا المكان
حين انتهت التحيات أخيرًا، زفرَت لايلا تنهيدة خافتة من الارتياح لكن ما إن فعلت، حتى دوّى خلفها صوت الملك أود، خافتًا وضعيفًا لكنه واضح
“لتكشف زوجة الأمير وجهها.”
ارتجف جسد لايلا على الفور كادت تلتفت نحوه دون قصد، لكن يوستار ضغط على يدها برفق، فاستطاعت أن تضبط نفسها.
قال الملك مجددًا بصوت حازم
“أما سمعتِ أمري؟”
همس يوستار بجانبها
“ليلا، ارفعي الحجاب.”
“لكن…”
“لا تقلقي، لن يحدث شيء.”
لن يحدث شيء؟ مستحيل فكرت لايلا بمرارة فحتى لو علم الجميع في هذه القاعة بأنها ساحرة، فإن رؤيتها بوضوح تختلف تمامًا عن رؤيتها خلف الحجاب وقع الصدمة لن يكون نفسه أبدًا.
قال يوستار بصوت خافتٍ آمرٍ هذه المرة
“هيا.”
كان في صوته شيء من القلق، ولم يكن أمام لايلا خيار آخر.
رفعت الحجاب وأرجعته إلى الخلف، فعمّ القاعة صدى خافت من الأصوات المكبوتة، كأن الحاضرين لم يستطيعوا منع أنفسهم من إطلاقها.
نظرت لايلا إلى وجوه الحاضرين واحدًا تلو الآخر كادت أن تخفض رأسها خجلًا، لكنها تذكّرت أن ذلك سيكون خطأ.
بدلًا من أن تهرب بنظرها، واجهت عيونهم بثبات.
وعندما التقت نظراتها الحمراء ببعضهم، أدار بعض النبلاء وجوههم سريعًا، بينما تظاهر آخرون بالسعال أو شغلوا أنفسهم بشيء آخر، كأنهم يخشون أن تصيبهم لعنتها لمجرد النظر في عينيها.
في تلك اللحظة، انطلقت ضحكة مفاجئة من خلفهم كانت عالية كضحك شخصٍ مجنون، صوتًا لا ينسجم البتّة مع السكون المهيب الذي ساد المكان حتى تلك اللحظة ولم يكن من الصعب معرفة صاحب تلك الضحكة… لقد كان أود.
ذهب يضحك طويلاً وهو يضرب مسند العرش بيده، كما لو أنه يشاهد أكثر المشاهد إمتاعًا في العالم
“إن تعابير وجوهكم تستحق المشاهدة حقًّا إذا كانت شجاعتكم بهذا القدر من الضآلة، فكيف تظنون أنكم ستتغلبون على الأزمة التي تواجه هذا البلد؟”
انبعثت بين النبلاء همهمات ضجرٍ غير مريحة حدّق أود فيهم واحدًا تلو الآخر بعينين متورمتين بالدماء، ثم استند فجأة إلى ظهر العرش وأمال رأسه الشاحب المريض إلى جانبٍ واحد.
“كما ترون، إن وحيدي قد اتخذ ساحرةً زوجةً له ومع ذلك، فإني لا أعدّ هذا شقاءً فبدلًا من ملكٍ مريضٍ عاجزٍ عن إنجاب وريث، أليس أخي الملك هو المخلص الحقّ لشيروو ؟ أليس قد اتخذ زوجةً تمنحه وريثًا شرعيًّا للعائلة الملكية، وإن كانت ساحرة؟”
لم يجب أحد حتى لايلا أطبقت شفتيها وقد شحب وجهها كان استهزاء الملك أود فظيعًا إلى حدٍ لا يوصف.
فهو، أمام هذا الجمع الغفير، لا يتحدث عن يوستار إلا وكأنه مجرد فحلٍ وُجِد لغرضٍ واحد فقط…
(إذن، هل يعني ذلك أنني فرس أنثى جيء بها لتتلقى بذور ذلك الفحل؟) تساءلت في نفسها شعرت فجأة أن الموقف بأكمله عبثيٌّ إلى درجة تدعو للضحك.
أما يوستار، فلم ينبس ببنت شفة، ولم يظهر عليه غضب أو خجل، بل ظلّ يحدّق إلى الأمام بوجهٍ هادئٍ مطمئن.
حاولت لايلا أن تحذو حذوه، لكنها لم تستطع أن تتحكم في وجنتيها اللتين كانتا ترتجفان من الغيظ.
كانت قد قبضت على مسندي الكرسي بقوةٍ حتى كادت عظام أصابعها تتكسر، واضطرت أن تبذل جهدًا لتفك قبضتها بعد ذلك.
ولولا وجود يوستار إلى جوارها، ولولا سكونه ذاك، لما استطاعت أن تحافظ على رباطة جأشها.
ومع ذلك، تساءلت في داخلها: كيف يستطيع هذا الرجل أن يكون هادئًا إلى هذا الحد؟
أما الملك أود هايونموريك، فما الذي يدور في رأسه يا ترى؟
سرعان ما دوّى صوت سعالٍ عصبيٍّ في القاعة بدا أنه لن يتوقف بسهولة، وبدأ وجه أود الشاحب يتلوّن بلونٍ أحمر قاتم حتى كاد ينفجر عندها أسرع البارون باسّو، خادمه المخلص، إلى مساندته.
“جلالة الملك بحاجةٍ إلى الراحة، لذا نعلن اختتام المراسم عند هذا الحد يمكن للسادة النبلاء أن ينصرفوا الآن.”
بدأ الناس يتهامسون ثم أخذوا يغادرون قاعة العرش واحدًا تلو الآخر كما ينحسر المدّ أما الخدم، فقد جلسوا الملك على كرسي متحرك واقتادوه إلى غرفته، وبقيت القاعة خالية إلا من يوستار ولايلا.
كانت لايلا لا تزال تحدّق إلى الأمام، شفتيها منطبقتان كما لو أنها قد أُهينت إهانةً لا تُغتفر لم تسمع يوستار حين ناداها أول مرة، ولا حتى الثانية.
“لايلا.”
حين ناداها للمرة الثالثة، التفتت فجأة كمن استفاق من حلمٍ، وارتجفت عيناها الكبيرتان الحمراوان من الغضب.
“كيف يمكنك أن تظل صامتًا بعد أن قال عنك ذلك الكلام؟”
“أيّ كلامٍ تعنين؟”
“ما قاله أخوك الملك… حين قال إنك مخلصٌ لشيروو لأنك قادرٌ على إنجاب وريثٍ شرعيٍّ للعائلة الملكية! هل هذه هي قيمتك الوحيدة؟!”
آه، كان هذا ما يزعجها إذًا بدا أن يوستار قد فهم الأمر أخيرًا، فارتسمت على وجهه ابتسامة هادئة، وارتخى حاجباه أرادت لايلا أن تصرخ فيه ألا يبتسم، أن تسأله كيف يستطيع الضحك في موقفٍ كهذا، لكن صوتها لم يخرج.
في داخلها، كان صوتٌ آخر ينهال عليها بالتحذير—صوتٌ كالسوط يستعدّ ليصفعها إن تجرأت على مهاجمته.
“ليس أنا وحدي من يُقدَّر على هذا النحو كل من ينتمي إلى العائلة الملكية، شاء أم أبى، مضطرٌّ لأن يخضع لمثل هذا القدر أما ما قاله أخي… فصحيح أنه كان قاسيًا قليلًا، لكن لا أرى أنه تجاوز الحدّ.”
“أما أنا، فلا أرى الأمر كذلك.”
ابتسم يوستار بلطفٍ وهو يمد يده ليعدّل حجابها برفق.
“لكن يا لايلا، لا داعي لكل هذا الغضب فلن يُولد طفلٌ بيننا في النهاية، أليس كذلك؟ ألم تنسي؟ زواجنا لم يكن إلا زواجًا صوريًّا فحسب.”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 49"