جسد الرجل كان في ذاكرة ليلين أكبر بكثير مما رأته لايلا آنذاك.
لم يبدُ بصحة جيدة، بل بدا كأنه قد سمن بشكل مرضي، متورمًا ومشوّهًا إلى حد يثير الاشمئزاز وهو يلوّي جسده المترهل محاولًا الإفلات، فكان منظره يثير نفورًا ممزوجًا بسخرية.
حين رآه يوستار، حوّل بصره نحو لايلا.
“لايلا.”
كان في صوته شيء من الرجاء — أو التوسل — وربما محاولة للردع لكن لايلا تجنّبت ذلك بكل ما أوتيت من قوة لم يكن مسموحًا لها أن تهتز أمام صوته الآن.
قال يوستار مجددًا
“لايلا، هذا ليس صائبًا.”
عندها سحبت لايلا نفسًا ونظرت إليه.
“ذلك الرجل قتل ليلين.”
“أعلم ولهذا أمرتُ بإحضاره لكن سملكين قد أُبيد، وأنتِ تملكين نواة ذلك الفتى الـسينك سيختفي على أي حال ليس من الضروري التضحية بهذا الرجل…….”
“تضحية؟”
انفجرت لايلا بصوتها فجأة، وكان صدى كلماتها واضحًا ومدويًا، كأنها ابتلعت مكبرًا للصوت. ليس يوستار وحده، بل حتى روبسكا وبقية الجنود والرجل المأسور نفسه، كلهم جمدوا في أماكنهم يحدقون فيها بدهشة.
أشارت لايلا إلى الرجل، لكن بصرها ظل مثبتًا على يوستار.
“لا يحق لك أن تصف ما سيجري لهذا الرجل بأنه تضحية.”
ويبدو أن كلماتها وصلت إلى مسمع الرجل بوضوح، إذ بدأت قطرات العرق تتصبب من وجهه المزرق الشاحب كالمطر.
كأنه الآن فقط أدرك ببطء أين هو ولماذا جُرَّ إلى هنا.
“ت-توقفوا……. لحظة فقط! اتركوني! لا أعلم ما الذي تنوون فعله بي، لكن أحذركم…… تبا! قلت اتركوني!”
(ها هو يعجل موته بلسانه.) هكذا فكّر يوستار.
وكلما صرخ أكثر، كان من الأصعب إقناع لايلا هو لا يعلم ما الذي رأته لايلا في ذاكرة ليلين، لكن ثمة أشياء يدركها المرء بغير عينين.
قال يوستار
“لايلا، فكري مرة أخرى.”
لكنها هزّت رأسها نفيًا كان إنكارها هادئًا وحازمًا.
“هل تذكر الطارد ، يوستار؟” سألت لايلا بصوت منخفض.
“في ذلك الوقت قلتَ: لم يكن من الضروري التخلص من ذلك الرجل.”
ارتسمت على وجه يوستار ملامح حرج لثوانٍ قبل أن يُطبق شفتيه بإحكام.
تضخّمت وجنتا الرجل، الذي كان يترنّح وهو ممسك بعنقه، وكأنهما خدّان مملوآن بالماء… لكن ما تدفّق من شفتيه لم يكن ماءً.
“أوغخ! كح… كك…”
في كل مرة كان الرجل يهز رأسه، كان الدم القانـي يتفجر دفعة واحدة متدفقًا بغزارة.
حتى ابتلَّ الطريق الترابي القذر تمامًا، ظل يتلوى بجسده طويلًا وهو يزحف على الأرض.
***
“يقولون إن والدة ذلك الطفل قد توفيت.”
رمشت عينا لايلا ببطء وهي ترفع رأسها بدت وكأنها لم تفهم كلمات يوستار في اللحظة الأولى، لكنها سرعان ما خفضت بصرها كمن أدرك المعنى أخيرًا .
كان يوستار قد غسل ما علق به من غبار ودماء، وارتدى ثيابًا نظيفة جديدة، ثم جلس بجوارها بوجه يعلوه القلق.
أما لايلا، فعلى الرغم من عودتها إلى فرع أديـاك، بدت كمن تاهت روحها وكان في شعرها ما يزال عالقًا من تراب وخيوط عنكبوت
“لايلا، هل أنتِ بخير؟”
رمشت لايلا مرة أخرى، وبدت وكأنها تهمّ بأن تقول إنها بخير، فاهتزّت شفتاها، لكن لم يصدر عنها سوى صوت نفس حاد، يشبه صفيرًا نافذًا.
“لايلا.”
أمسك يوستار بيدها كانت باردة حتى أطراف الأصابع، لا توحي بأنها تنتمي إلى جسد حي.
“انظري إليّ، لايلا.”
تحرّك بصر لايلا ببطء ارتجف بؤبؤا عينيها اللذان بديا خاويين، وبدأ نور الحياة يعود إليهما تدريجيًّا.
“لقد كان وقع الصدمة شديدًا .”
قال يوستار، فارتجف خدّ لايلا وكأنّه اختلج.
“نعم.”
بعد برهة طويلة، أجابت بصوت مرتعش.
“أليس من الطبيعي أن يكون كذلك؟”
ارتسمت على شفتي يوستار ابتسامة خفيفة ابتسامة غامضة يستعصي تفسيرها؛ كأنها شفقة، أو ربما سخرية.
“لذلك حاولت أن أمنعك.”
وحين قال ذلك، قطّبت لايلا جبينها ونفضت يده بعيدًا.
“كاذب لم تحاول منعي لذلك السبب.”
“صحيح أن هناك أسبابًا أخرى، لكنني كنت أعلم أيضًا أنك ستشهدين مشهدًا غير سار لقد قلتِ لي بنفسك، أليس كذلك؟ سألتِني إن كنتُ أذكر ذلك الطارد لايلا، كما أنني لم أنسَ، لا بد أنك لم تنسي أيضًا ما الذي حدث لذلك الرجل؟”
ارتعش كتفا لايلا.
نزع يوستار عنها سترتها المتّسخة، وغطّاها بسترة جديدة كان يرتديها.
“الروح التي تموت وفيها حقد، تترك خلفها طاقة هائلة، طاقة قادرة على خلق تزامُن سينك وعندما تتعرض لهجوم مركز من تلك الطاقة… فالنتيجة، كما ترَين، لا تحتاج إلى شرح أنتِ لم تسلّمي لي نواة ليلين لأنك كنتِ ترغبين في أن يموت ذلك الرجل ميتة بشعة.”
تلألأت عينا لايلا بنظرة حادة.
تابع يوستار قائلًا
“ولا يمكنكِ إنكار ذلك.”
نعم فكرت لايلا كان يوستار محقًا لقد أرادت له أن يتألم حتى موته، وأرادت له أن يندم بمرارة على ما فعله بذلك الطفل البريء، ليلين.
“لكن… لا أعلم إن كانت ليلين سترضى.”
ابتسم يوستار للحظة —ابتسامةً أخرى يصعب فهم مقصودها— وأمسك يد لايلا الباردة مجددًا.
“أظن أنه لا داعي لأن تقلقي بشأن ذلك، لكني أفهم لِمَ تشعرين بالحيرة لايلا، أنتِ…”
قاطعته لايلا فجأة.
“مخيّبة للآمال، أليس كذلك؟”
اتسعت عينا يوستار قليلاً.
“لم تقولين هذا الكلام؟”
“لأنني أشعر بذلك.”
أطلق يوستار ضحكة خافتة وهو يحدّق في لايلا بصمت هذه المرة، لم يكن من الصعب فهم مقصده… كان مستمتعًا بالفعل.
“ليس الأمر كما تظنين، لايلا لقد أحسنتِ التصرف.”
نظرت إليه لايلا بشكّ
“لا يبدو الأمر كذلك.”
هز يوستار كتفيه بخفة.
“لا أعلم كيف تقيمين نفسك، لكن من وجهة نظري، لقد كنتِ رائعة لم تخيّبي أملي أبدًا، لايلا وأتمنى أن تصدقي أنني أعني ما أقول ما حصل مؤخرًا كان سيصبح أكثر تعقيدًا بكثير لو لم تكوني موجودة لقد كان أمرًا جيدًا أن ليلين فتحت لك قلبها.”
كانت تلك الطفلة مسكينة جدًا، أجابت لايلا في داخلها ليلين لا بد أنها كانت تنتظر طويلًا أن يظهر شخصٌ يراها ويشعر بألمها ربما لم يكن من الضروري أن تكون لايلا بالتحديد… لو كان هناك شخص آخر فقط.
“هيا.”
قال يوستار وهو يمسك بيدها بقوة أكبر
“انهضي علينا العودة.”
نظرت لايلا إلى يده الممسكة بيدها مطولًا، ثم تنهدت تنهيدة قصيرة ونهضت.
“هل لم يتبقَ سوى أن نتزوج الآن، يوستار؟”
ضحك يوستار بهدوء وهو يقودها بلطف.
“الزواج ما زال في الطريق، نعم… لكنه ليس الشيء الوحيد المتبقي في الحقيقة، كل شيء يبدأ من الآن.”
وقف الاثنان فوق البوابة أخذت لايلا نفسًا عميقًا لتتخلص من توترها، ثم رفعت بصرها إليه
“البداية؟”
أومأ يوستار برأسه.
“نعم بداية طريقنا كـتينتينيلّا.”
إذن، كل ما مضى لم يكن سوى تمهيد وتجربة، فكّرت لايلا وفي اللحظة نفسها، بدأت البوابة تعمل.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات