لا أريد فكّرت لايلا لقد أنهكني التعب، وساقاي تؤلماني ورأسي أيضاً.
— انهضي، إن بقيتِ هنا ستموتين.
كأنا ميتة على أي حال.
— انهضي!
ارتجفت لايلا وانتفضت عيناها فُجاءة إثر صرخة اخترقت أذنيها.
“هنا…….”
شعرت أنّ صوتها اصطدم بجدار قريب جداً أسرعت فرفعت يدها، فخدش ظاهرَ كفها عرقُ خشبٍ خشنٌ ورطب.
“أهيه!”
أخذت لايلا تضرب جدران المكان بقبضتها كان المكان ضيقاً لدرجة أنها لا تكاد تستطيع أن تلوّح بذراعها.…… عندها أدركت أنّها محبوسة داخل خزانة.
“افتح الآن! ألم تقل إنك ستحافظ على القواعد! لقد كنتَ أنت من قال ذلك!”
صرخت حتى بحّت، لكن لم يأتِها أي جواب من الخارج.
ظلام! ظلام كثيف لدرجة أنّ أنفاسها كادت تنقطع كانت هناك برودة تلسع أسفل ركبتيها، وحين حركت قدميها بحذر، أحست بتفتت التراب اليابس تحتها.
“لن تستطيعي الخروج وحدك.”
فجأة دوّى صوت قريب، فرأس لايلا ارتدّ بعنف إلى الخلف.
ارتطم مؤخر رأسها بخشب الخزانة بقوة فأحدث صوتاً مدوّياً.
كادت عيناها تبرزان من شدّة الألم، ودوّخها صداع مباغت، لكن ذلك لم يكن ما أقلقها حقاً فقد كانت تحدّق في وجه الطفل الذي ظهر أمامها، فيما انطلق من حلقها أنين مخنوق كأنما هناك يد تضغط على عنقها.
“أنت…….”
هزّ الطفل كتفيه الصغيرتين وفي هذا الظلام الحالك الذي لا تستطيع فيه أن ترى حتى يدها، كان مظهر الطفل واضحاً بشكل غريب.
أدركت لايلا أنّ جسده كله شبه شفاف، ومع ذلك لم تحتج إلى هذه العلامة لتعلم أنّه ليس إنساناً.
قبل كل شيء، لو كان ذا جسد حقيقي، لما أمكنه أن يقف وجهًا لوجه معها في هذه الخزانة الضيقة فهي وحدها تكاد لا تستطيع أن تحرك ذراعيها كما تشاء.
“أنت، ذلك الطفل الذي كان داخل الإطار، أليس كذلك؟”
قالت لايلا وهي تمسك بيد باردة كالجليد.
“شعرك هو ما دلّني عليك ذلك الذي ظهر أمامي قبل قليل…… المسمّى سُمَلْكِين، لم يكن أنت، أليس كذلك؟”
“اسمي ليلين.”
قال الطفل ثمّ نظر إليها بنظرة غامضة، لا يُدرى أهي ابتسامة أم غضب، قبل أن يضيف
“وذلك ليس طفلاً ليس إنساناً لقد قلت لك هذا لكنك لم تصغي.”
أرادت لايلا أن تجادله قائلة: لم يكن الأمر أنني لم أصغِ، بل أنت من لم يشرح لي بوضوح لكنها اكتفت بإطلاق تنهيدة؛ فسواء أكان شبحاً أم شيئاً آخر، لم يكن من اللائق أن تتشاجر بالكلام مع طفل لا يبدو في العاشرة من عمره.
“اسمك ليلين، إذن؟”
رددت لايلا، فإذا بوجه الطفل الشفاف يهتزّ كموجة غريبة لم تفهم سبب ذلك، فقد رأت الكثير من الأشباح، لكن لم ترَ منهم مثل هذه الاستجابة من قبل.
صحيح أنّها لم يطل بها الأمر كثيراً وهي تتحدث مع الأشباح فكّرت لايلا وعندها تسلّل ضحك صغير من بين شفتيها أن تضحك في مثل هذا الوضع؟ كادت تتيقن أنّها تفقد صوابها.
عندها خطرت ببالها صورة يوستار تُرى كيف حاله؟ هل هو بخير؟ أم أنّه هو الآخر قد جُرّ إلى مكان مجهول……
“ذلك الرجل بخير هو في الخارج.”
انفرجت شفتا لايلا دهشة كان الطفل يدور خصلة من شعره الطويل حول أصابعه، ثم نظر إليها من طرف عينه وقال
“على أي حال، نعم، اسمي ليلين.”
“اسم جميل.”
“ألا ترين أنّه يشبه اسمك؟”
ربما فكرت لايلا كان بوسعها أن تجيب بصوت مسموع، لكن لسبب ما لم تستطع تحريك شفتيها ربما لأن الحديث بهدوء هكذا مع كائن غير بشري كان شيئاً خارج نطاق عقلها.
“أريد أن أطلب منك شيئاً.”
قال ليلين، بصوت مهيب لا يناسب طفلاً.
“أنتِ وسيطة روحية أليس كذلك؟”
أجابت لايلا وهي تحدق في الوجه الشفاف الصغير
“بلى “
ثم أضافت وهي تدير رأسها يمنينها ويسارها : “صحيح ولهذا السبب أنا هنا…… وأتحدث معك هكذا، ليلين.”
تحركت شفتا ليلين قليلاً، ثم خرج صوت ضحكة لم يكن فيها شرّ ظاهر، لكنها كانت مريعة بحيث لا تتمنى أن تسمعها ثانية أشبه بصوت قط بريّ يعضّ عنق فأر.
“إذن لديّ طلب إذا حققتِه لي، يا لايلا، فسأحقق لك طلبك أيضاً.”
أجابت لايلا وهي تُظهر بجسدها كله أنها لا تصدّق
“خُدعت مرتين، وهذا يكفي أولاً، بخدعة الحفاظ على القواعد، فظللت أفتّش مئة غرفة أو أكثر بلا جدوى ثم حين حسبت أنني عثرت على شيء، ها أنا محتجزة في هذا المكان وسأموت واقفة هنا أليس كذلك؟”
“ولهذا قلت لك، ذلك ليس إنساناً.”
“ولِمَ لم تقلها أسرع؟”
قالتها لايلا بسخرية، لكن جبينها انعقد فجأة فقد اختفت كل ملامح ليلين.
لم يبدُ غاضباً ولو أنه هزّ الخزانة حتى تتفتت زواياها من شدّة الغيظ، لكان الأمر أفضل.
لكنه بدا مجروحاً كطفل ميتٍ لن ينمو شعره بعد الآن، طفلٍ ذي جدائل متفاوتة الطول، بدا وكأنه نادم أيضاً.
نادم على ماذا بالضبط؟ لم تكن لتعرف.
“كنت أريد أن أقولها.”
“هذا صدق لم أرد لكِ أن تدخلي هنا ، ذلك هو من أراد.”
زفرت لايلا بصوت متحدٍّ قصير.
“وما هو ذلك الذي تتحدث عنه؟ تقصد تلك الفتاة ذات الجديلتين، صحيح؟ لقد قالت إن اسمها سُمَلْكِين هل كنت تعرف؟”
نظر إليها ليلين بعينين تملؤهما الشفقة، ثم أجاب
“بالطبع كنت أعلم أنا أكثر من يعرف حقيقته ذلك ليس إنساناً، ولا شبحاً، ولا حتى مخلوقاً عادياً ذلك شيطان أنا من استدعاه، وسينك هو من ربّاه سُمَلْكِين ظهر بسببي، ثم أجبرني على الدخول في لعبة الاختباء…… وأنا كنت ميتاً.”
***
بعد أن ألقى أفراد الفرقة قلب الوحش في الـسينك، أمر يوستار بإقامة خط الدفاع كما كانوا قد خططوا مسبقاً.
“تذكّروا يجب أن نمنع أي شيء يخرج من السينك من أن يتسلل إلى القرية ويختبئ فيها.”
“أمرك يا سيّد يوستار!”
أجاب الجنود بصوت واحد، وكان روبسكا بينهم.
عندها سأله أحد الجنود متردداً
“لكن يا سيّدي…… أليس للسينك قاع؟”
أومأ يوستار برأسه وهو لا يزيح عينيه عن السينك.
“صحيح يا هنري.”
“إذن…… إلى أين يذهب القلب الذي ألقيناه؟”
ارتجف صوت الجندي قليلاً، يحمل بين نبراته قلقاً عميقاً، خوفاً غامراً يتملك الإنسان حين يواجه المجهول.
لم يجد وقتاً للتفكير في ماهيته، فقد تحرك جسده قبل عقله تراجع بخفة وهو يصرخ متأخراً بنصف نبضة
“تراجعوا!”
وفي اللحظة نفسها دوّى صوت فُشوك! حادّ وحدهم الذين تراجعوا فور سماع أمر يوستار أو انسحبوا غريزياً قبل ذلك بلحظة، تمكنوا من النجاة أما الآخرون فقد اتسعت عيونهم رعباً، جامدة كالحجارة.
“يا سيّد يوستار……!”
“هنري!”
مدّ يوستار يده ليقبض على الجندي بجواره، لكن لم يصل إليه كان كتف هنري ينهار فجأة كما لو أن جسده كله فقد عماده.
عندها رأى يوستار عروق عنقه تنتفخ بشكل مرعب، تهتزّ وتنبض بعنف كأنها ستنفجر في أي لحظة.
كان صدى ضربات قلبه يتردد في أذن يوستار نفسه: دُقّ… دُقّ… دُقّ…
ثم انبثق صوت فِت! خافت، لم يأتِ من هنري وحده بل من كل اتجاه وفي اللحظة التالية انفجرت الدماء، حمراء قانية حدّ الفظاعة، تقفز من الأجساد كالينابيع، متفجرة في الهواء كأن الأرض نفسها نزفت
“سيّدي يوستار! لن نستطيع الحفاظ على خط الدفاع!”
كان الصوت صوت روبسكا
شعر يوستار بالارتياح لأنها ما زالت على قيد الحياة، لكنّه لم يعرف كم قُتل من رجاله ثلاثة؟ أربعة؟ أم لم يبقَ سوى هو روبسكا ؟ ما خرج من السينك لم يكن وحشاً، لكن… إذن ما هو بحق السماء؟
— أيها البشر، تتجرؤون أن تتصرفوا بتعالٍ أمامي؟ إن أردتم أن تقدموا لي قرباناً، فهلاّ جئتم بما هو أَطْيَبُ وأَجْدَد؟
ارتفعت رؤوس الناجين من جنود تنتينيلا، بما فيهم يوستار بغريزة لا إرادية نحو السماء الصوت الذي دوّى من فوق، عميقاً مظلماً كجرس نعي، جعل الأرواح ترتجف.
“سيّدي يوستار! ما ذاك؟!”
صرخت روبسكا وقد اتسعت عيناها من الفزع حين رأت فتاة صغيرة لا يتجاوز عمرها سبعة أعوام أو ثمانية، تطفو في الهواء.
لكنها لم تكن شبحاً، ولم تكن وحشاً، ولم يكن بوسع أحد أن يظنها إنساناً حتى روبسكا التي لم تكن وسيطة روحية، شعرت بالطاقة التي تنبعث منها؛ طاقة ملعونة، شريرة حدّ الرعب.
ألقت الطفلة نظرة إلى الأسفل، ورأت الرؤوس المفصولة عن أجسادها تتدحرج على الأرض، فانطلقت تضحك قهقهة مخيفة.
— هاهاها! عرفت، عرفت! أنت أمير سييرُو أنت مشهور جداً! اللعنة التي أُنزِلت عليك مشهورة أكثر!
اشتدّت قبضته على سيفه، وعضّ يوستار على أسنانه وهو يحدق في الطفلة.
“روبسكا.”
“نعم، يا سيّدي يوستار.”
“انسحبي مع الجنود إلى الخلف وأخرجي كل ما لديكم من أسلحة أو أدوات سحرية قد قدّسها مارناك.”
“لكن يا سيّدي، ماذا—”
“افعلي ما آمرك به حالاً يا روبسكا ! وإلا سنُباد جميعاً ذلك ليس شبحاً خرج من السينك ولا هو وحش ذلك……”
شهق يوستار وهو يرفع بصره نحو السماء ثانية.
“ذلك شيطان السينك نفسه كان خاضعاً لسيطرته مصدر طاقة السينك لم يكن سوى أداة بيده.”
لم تفهم روبسكا كل كلامه، لكنها لم تجرؤ على سؤاله بادرت بسحب الناجين وإعادة تنظيم صفوفهم حول يوستار.
لقد واجهت وحوشاً كثيرة حتى ظنّت أنها اعتادت الموت، لكن لم ترتعد يوماً كما ارتعدت الآن.
حتى حين واجهت تنيناً عظيماً كان زفيره وحده يُميت عشرات الأشجار في الغابة، لم يكن اليأس بهذا الشكل.
ذلك شيطان.
ترددت كلمات يوستار في رأسها كأنها نُقشت فيها.
الطفلة ذات الضفيرتين ــ تلك التي قال يوستار إنها شيطان ــ كانت تقهقه بصوت مرتفع كأن شيئًا يثير سخرية عظيمة، فيما راحت تدور في الهواء وتلتفّ حول نفسها بلا توقف كان رأسها وكتفاها وخصرها ينقلب كلٌّ منها على حدة بطريقة ملتوية مروّعة، وساقاها تهتزان وهي تدور.
دورةً بعد دورة، حتى إذا بلغت الثالثة، كان جسدها قد انطوى على نفسه في شكل حلقة، مثل حيّة تلتهم ذيلها لو كانت إنسانًا لعجزت رئتاها عن التنفّس وانقطعت أنفاسها منذ زمن، غير أنّها واصلت الصراخ والضحك في آن واحد.
— ألهذا رميتم قلب إيتشينيس لتجدوا تلك الساحرة الحقيرة؟ يا سلالة سيورُو الملطّخة بالدماء، إنكم حقًّا… حمقى حتى النخاع، جيلاً بعد جيل
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 44"