فتحت لايلا بابًا لم تعد تعلم أيّ مرة فتحت فيه، ثم نظرت حول الغرفة بعينيها.
كانت الغرفة تكاد تُطابق تلك التي فتحتها قبل قليل سرير، خزانة ملابس، درج، منضدة جانبية.
الفرق الوحيد أنّ بجانب السرير عُلّقت لوحة ضخمة، عليها صورة كبش بثلاثة قرون يُخرج لسانه الطويل.
“أين تختبئين؟”
صرخت لايلا فجأة، وهي تفتح خزانة الملابس بعنف، ثم ترفع الشرشف المتهدّل تحت السرير لكن كما كان الحال دوماً… كان كل شيء خالياً.
لم يبقَ في الغرفة غير صدى صوتها المرهق الغاضب.
“أهذه هي قواعدكِ؟”
وما إن علا صوتها حتى سُمِع ضحك مكتوم يتردّد في الهواء.
كان أشبه بصوت مخلوق صغير يهرش جرحه بمخالب دقيقة مستمتعاً بالألم.
لا تغضبي… أخذت لايلا نفساً عميقاً ببطء.
إن فقدتِ أعصابكِ، فسوف تلعب بكِ تلك الأشياء.
لكنها فكّرت: ألم تكن تلعب بي فعلاً منذ البداية؟
أو لعلها لم تكن أفكارها، بل صوت آخر يهمس في ذهنها؟
لم تعد تميّز، بل لم تعد تكترث أصلاً.
وما أهمية ذلك؟
ربما لن تتمكن من العثور على تلك الطفلة في هذا المكان الغامض، وستظل تدور بين الخزائن حتى تتحول إلى مجرد هيكل عظمي جاف
وربما حينها أنال راحة…
“لا…!”
شدّت أصابعها المتهالكة على وجنتها ولطمتها بقوة.
كانت وجنتاها بيضاوين ثم احمرّتا وتورّمتا من كثرة ما صفعت نفسها كأن شخصاً سيّئ الطبع ظل يضربها بلا رحمة.
هذه المرة كانت الصفعة عنيفة إلى حدّ أنّ طعم الدم وصل إلى طرف شفتيها.
فتحت كفّها وأغلقتها لتتأكد من سلامتها، ثم مسحت فمها بظهر يدها وغادرت نحو الممر.
لم يكن في الطابق الثاني سوى ثلاث غرف.
ومع ذلك، فقد فتحت لايلا ما يزيد على اثنتي عشرة غرفة.
بل ربما عشرين أو ثلاثين، بعدما توقفت عن العدّ في منتصف الطريق.
الغرف متشابهة في هيئتها وأثاثها: سرير، خزانة، طاولة تجميل…
لكن لم يكن للطفلة أثر.
كل غرفة تختلف بتفاصيل يسيرة: ورق جدران، لوحة، حجم مرآة، أو شكل نافذة.
ومع ذلك، فإن الأماكن الممكن الاختباء فيها لم تزد عن: الخزانة، أسفل السرير، أو تحت طاولة الزينة.
ورغم بحثها ، لم تجد حتى شعرة واحدة تدلّ على الطفلة.
بدأ التوتر يأكلها.
وقف شعر جسدها كلّه، وبشرتها تحكّها كالنار.
—ستستسلمين؟
جاءها صوت فجأة رفعت رأسها بحدة.
شعرت بشيء يتحرّك في الخلاء من حولها.
“هذا غش!”
—ليس كذلك.
كأنها ترى طفلاً يميل برأسه يميناً ويساراً في سخرية.
مجرد تخيّل ذلك أثار حنقها أكثر.
“أنت تخفين نفسك! هذه ليست لعبة غميضة!”
—بل لأنكِ لم تجديها بعد.
ضحكة مكتومة تبعت العبارة.
تجهمت لايلا وأوشكت أن تقول شيئاً… قال “لم تجديها”.
أي أنّ هناك شخصاً آخر في هذا البيت، غير الطفلة؟
—ليست طفلة.
تسارع تنفّس لايلا.
استدارت في وسط الغرفة تحدّق بالفراغ.
لكنها لم ترَ سوى جدران متسخة بورق حائط شاحب، وزخارف أزهار ملوّثة كأفواه وحوش مفتوحة.
“ماذا تعني؟ لستِ تقصدين الطفلة؟”
—ليست إنساناً لقد وقعتِ في الفخ.
“فخ؟”
—مصيدة.
ثم عمّ الصمت.
ركضت لايلا خارج الغرفة، تتنفس بصعوبة.
لكن الممر بدا أطول من قبل.
توقفت، متوجسة الأرضية تصدر صريراً.
خلف الدرابزين ظهرت فجأة… بوابة.
لم تكن هناك من قبل.
وكانت تختلف عن سائر الأبواب في البيت.
كأنها وحدها صمدت قرناً من الزمان.
أطرافها مثقوبة، مسوّسة بالرطوبة، تتخللها شقوق طويلة نبت فيها فطر أصفر مخيف.
نظرت لايلا إلى المقبض المهترئ المليء بالخدوش، كأن أحدهم حاول مراراً أن يحطمه.
وما إن لامسته حتى تلقت صدمة عنيفة في صدرها وبطنها معاً.
“أ…!”
تراجعت وهي تقيء.
لكن الألم الحاد تلاشى فجأة، وحلّ محلّه شعور آخر… خوف حقيقي، ينهش الجسد كما يفعل المرض.
ارتجفت وهي تحدّق في المقبض من جديد.
إن لامسته مرة أخرى، فسوف يتكرر ذلك الرعب، وربما وجدت وراء الباب ما هو أدهى.
لكن ما الفرق؟
عضّت لسانها بقوة حتى استعاد وعيها المترنّح.
ثم مدت يدها ثانية، تقبض وتبسط بتردد، كأنها مريضة بالمفاصل.
وأخيراً أمسكت المقبض.
هذا ليس حقيقياً… إنه أثر متبقٍ، إنه النواة
صرّت أسنانها وأدارت المقبض.
صدر صوت احتكاك، فتحرّك شيئاً يسيراً.
“اخرجي… الآن!”
دفعت الباب بكل ما أوتيت كان ثقيلاً، كأن شيئاً يعيق فتحه.
ضغطت بوزنها كله، فاهتزّ الباب.
“اخرجي فوراً…!”
وفجأة دوى انفجار هائل، أصمّ أذنيها.
تداعى وعيها، وسقط جسدها إلى داخل الغرفة.
نهضت مترنّحة.
كانت غرفة طفل: سرير صغير، مغسلة، خزانة، وجدران مزينة بأزهار ديزي.
غرفة الطفل… ربما ذاك الذي في اللوحة.
ثم… انفتح باب الخزانة ببطء.
كان فارغاً، لكن جدرانه الداخلية مليئة بخدوش غائرة، كأن شيئاً كان يحكّها بلا توقف.
اقتربت لايلا بحذر.
جثت، ثم وقفت، ثم مدت يدها فوق تلك العلامات.
كأنها تقيس طول طفلٍ بالوقوف قرب الجدار.
“مستحيل… لا يمكن لطفل أن يفعل هذا!”
ارتعشت أصابعها وهي تتلمس أسفل الخزانة، وفجأة وخزها شيء حاد، فانطلق الدم من يدها.
دفعت نصف جسدها داخل الخزانة، غير مصدقة ما تراه.
كانت الأرضية ليست مثبتة، بل أشبه بغطاء مائل، مثبت بمسامير على جانبي الخزانة.
شهقت، ثم تراجعت خطوة إلى الوراء بسرعة، وركلت الباب.
انهار بصوت مدوٍّ، كاشفًا عن فراغ مظلم كابتسامة ماكرة.
وضعت قدمها على الحائط الخلفي ورفعت الغطاء، بينما تكسر الخشب المتعفن تحت يديها لكنها واصلت اقتلاعه بلا مبالاة حتى ظهر ثقب.
أطلّت إلى الداخل… لم تجد سوى عظام صغيرة نحيلة، متناثرة على أرضية ضيقة بمقدار حجم الخزانة.
“هذا… مستحيل…”
مدّت يدها نحوها.
لكن فجأة ظهرت طفلة بشَعر مضفور خلفها.
“لقد أخطأتِ! خسرتِ اللعبة!”
دفعتها بقوة لا تُصدّق.
فسقط جسد لايلا منكمشاً في الثقب، وأطبق باب الخزانة من جديد بصوت مدوٍّ.
فابتلعتها العتمة الكاملة.
***
عندما وصل يوستار مع أعضاء الفريق إلى مكان الحفرة، اختبر حدود المسافة التي يجب أن يصلوا إليها ليختفي السينك وبعد تكرار العملية عدة مرات، وجد النقطة التي لا يختفي عندها السينك، ورسم خطًا عليها باستخدام غمد السيف.
“يمكن رؤية السينك من هنا.”
أومأ الأعضاء برؤوسهم بالفعل، كما قال، كان بالإمكان رؤية السينك داخل الخط كانت حفرة دائرية مثالية، ساكنة تمامًا، سوداء إلى حد يخيف ويثير الرعب في الخيال دون جهد.
قال روبسكا: “يجب أولًا استخراج مصدر الطاقة الذي خلق السينك، عندها فقط يمكن العثور على الآنسة كريسلارد.”
“ولكن يا سيد يوستار، مصدر طاقة السينك… لا يبقى هنا، أليس ذلك مشكلة؟”
أجاب يوستار: “لقد فكرت في هذا الأمر أيضًا صحيح أن السينك، على عكس الأشباح الأخرى، يتجول في كل مكان وكأنه وحش، ويلعب لعبة الاختباء والملاحقة لكن ما يخرج من السينك، سرعان ما يعود إليه في النهاية بمعنى آخر، إذا رميت شيئًا أكثر إثارة من مجرد ملاحقة البشر، فقد يجذب رغبة السينك فيعود إلى هنا.”
قال روبسكا وهو ينظر إلى قلب الوحش ريشنيس الضخم: “لذلك أحضرت هذا، أليس كذلك؟”
كان الكتلة الرمادية المقززة، التي تبدو مثيرة للاشمئزاز، الآن واهنة، موضوعة داخل صندوق يحتوي على محلول خاص.
أومأ يوستار برأسه: “هذا مجرد الطُعم الأول، وطُعم ثانوي فقط علينا أن نأمل أن نتمكن من العثور على الطُعم الأكثر أهمية قبل فوات الأوان.”
ثم استدار نحو الأعضاء وقال: “ألقوا القلب داخل السينك.”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 43"