قام الملك أود هايونموريك باختيار بعض من موظفي القصر الموثوق بهم للإعلان عن زواج شقيقه الأصغر، الأمير يوستار هايونموريك.
تذمّر بعض النبلاء المحافظين قائلين: هل من الضروري أن نستقبل زوجة الأمير أولاً بينما ما يزال منصب الملكة شاغراً؟ ولكن حتى أولئك، لم يخفوا فضولهم الشديد حول مَن ستكون العروس التي ستتزوج يوستار، وظلوا يترقبون الأمر بلهفة.
إذ يكفي كونه الشقيق الوحيد للملك، الذي يذبل يوماً بعد يوم بسبب مرض مجهول السبب، ورئيس المقر العام لفيلق الفرسان “تينتينيلّا، ليحظى يوستار بمحبّة عظيمة من سكان العاصمة.
وفوق ذلك، فقد اجتمع فيه جمال المظهر وحسن الخُلُق، مما جعل الناس كلما اجتمعوا يتحدّثون عن الفتاة التي ستظفر بهذا الرجل الكامل بين ذراعيها.
وكان ذلك بالنسبة إلى لايلا مأساةً بحد ذاته.
***
“هذا أمر لا يمكن قبوله إطلاقاً!”
عند سماع صوت الماركيزة هيميرد الغاضب، شعر موظفو البلاط الملكي وكأن قلوبهم سقطت من أماكنها حتى الشيوخ الذين خاضوا غمار السياسة منذ زمن طويل وقادوا شؤون الدولة، لم يسعهم أمام غضب الماركيزة إلا أن ينكمشوا ككلب يجرّ ذيله ويتأوّه من الألم.
لم يكن كون خطيبة يوستار المنتظرة فتاة من قرية صغيرة، وليست حتى من طبقة النبلاء الدنيا، هو المشكلة الحقيقية ففي ظروف عادية، كان ذلك كفيلاً بإثارة ضجة كبرى، غير أن الأمر هذه المرة كان مختلفاً.
المشكلة الكبرى كانت أنّ خطيبة يوستار — ذلك الشاب الذي ينتظره مستقبل واعد ويحظى بإعجاب جميع مواطني سيرو — ليست إنسانة عادية.
إنها لايلا كريسْراد، ابنة ساحرة، بل وساحرة بنفسها، ذات الشعر الأسود المشؤوم والعينين الحمراوين اللتين يستحيل إخفاؤهما وعندما بلغ الماركيزة هيميرد خبر زواجها من يوستار، كان وقع الصدمة عليها شديداً حتى أنه فقدت أنفاسها لبرهة.
قالت بصوت يختلط فيه الغضب بالاستنكار:
“إن سمو الأمير شقيق الملك هو عماد آخر من أعمدة المملكة بل إنه في ظل مرض جلالته الطويل، إن أصاب الأمير مكروه، فمن سيتولى قيادة سيرو وإدارة شؤون الدولة؟ أنا لا أستطيع، وأنتم كذلك لا تستطيعون! إن المسؤوليات الجسيمة الملقاة على عاتقه، ومن بينها قيادة فيلق الفرسان، تكفي وحدها لتثقل كاهله، فكيف يُطلب منه أن يتخذ ساحرة زوجة له؟! أهذا كلام يُعقل؟!”
تبادل بعض الموظفين نظرات متفهمة لكلامه وهم يهمسون فيما بينهم عندها تنحنح أحد موظفي القصر، وهو من أوكل إليه الملك شخصياً مهمة الإشراف على استعدادات زواج يوستار.
قال الموظف:
“الجميع هنا يعلم أن الماركيزة هيميرد تضع سلامة سمو الأمير وراحة المملكة فوق أي اعتبار غير أن هذا الأمر هو أمر ملكي مباشر من جلالة الملك إلا إذا أقنع الأمير جلالته بالعدول عن قراره، فما الذي يمكن فعله؟”
ردّت الماركيزة بحدة:
“إذن، أنت يا ماركيز تاڤِن، تقصد أن نقف مكتوفي الأيدي؟!”
أجابه الآخر بنبرة مماثلة:
“بل أنتِ يا ماركيزة هيميرد، ما الذي تعنينه بكلامك هذا؟ نحن ننفذ أوامر جلالة الملك، فكيف تسمي ذلك تقاعساً؟! هل تريدنا أن نثور جميعاً على جلالته؟!”
ومنذ الإعلان الرسمي عن زواج يوستار ولايلا، اصبح الموظفون كلما اجتمعوا ينخرطون في جدالات عقيمة، ثم يتفرقون منهكين بلا أي نتيجة.
في تلك الأثناء، بلغ لايلا خبر مفاده أن الماركيزة هيميرد قد ذهبت بنفسها إلى الملك أود مطالبة بسحب إعلان الزواج.
حتى هي، كانت تأمل أن تتمكن الماركيزة من كسر عناد الملك غير المعقول، لكن للأسف لم يتحقق ما كانت ترجوه.
“لقد مُنعت الماركيزة هيميرد من دخول القصر الملكي مؤقتاً.”
حين أخبرتها ميل، التي جاءت حاملة الشاي، شعرت لايلا بخليط من الإحباط والذنب.
لم تكن لايلا من طبقة النبلاء ولا من موظفي الدولة، لكنها كانت تدرك، ولو على نحو مبهم، ما يعنيه حظر دخول القصر كان ذلك بمثابة إهانة علنية، ودليلاً على أن الملك قد وضع شخصاً ما خارج دائرة رضاه.
غير أن الماركيزة هيميرد لم تكن من أولئك الذين يتوسلون الصفح بخضوع لمجرد استرضاء الملك.
لو قرر الملك أن يعاقبها بعقوبة أشد بسبب هذا الأمر، فماذا يمكنها أن تفعل حينها؟ بقيت تحدق في بخار الشاي أمامها، غير قادرة على إخفاء قلقها واضطرابها.
قالت بصوت شارد:
“ميل، لقد كنتِ تخدمين الماركيزة هيميرد، أليس كذلك؟”
تأملتها ميل للحظة بعينين تنطقان بالشفقة، ثم أجابت:
“صحيح أنني كنت غالباً من يقوم بخدمتها حين تأتي لكنني موظفة تابعة لقصر سيرو الملكي، ولست موظفة خاصة لديها، لذا فقولك إنني كنت أخدم الماركيزة شخصياً ليس دقيقاً.”
“لكن كنتِ قريبة منه ماذا لو تعرضت للخطر بسببي؟ أنت تعرفين الماركيزة أكثر مني، وكذلك الملك… جلالته قولي لي بصراحة، هل هناك احتمال، ولو ضئيل، أن يفرض جلالته على الماركيزة عقوبة أشد من منعه من الدخول؟”
مرت على وجه ميل لمحة من الحرج قبل أن تقول:
“هذا أمر لا يجب أن تقلقي بشأنه يا آنسة لايلا ما يخص الماركيزة تتولها هي بنفسها أما ما يفعله جلالته، فليس لنا أن نتحدث فيه.”
“لكن كل هذا حدث بسببي!”
صرخت لايلا فجأة، ثم أمسكت رأسها بكلتا يديها.
دفنت جبهتها في ركبتيها وظلت على حالها للحظات لقد وقع أمر لم يخطر ببالها قط، وجعلها تتألم… بل وألحق الأذى بأشخاص آخرين غيرها.
قالت ميل:
“لايلا، لا تفعلي بنفسك هذا من الأفضل أن تخرجي لتستنشقي بعض الهواء لقد مضت أيام وأنت حبيسة هذه الغرفة، ومن الطبيعي أن تشعري بالكآبة.”
“لا، لا أريد الخروج… الخروج أصعب الكل يحدّق بي، والكل يتهامس من حولي في مسقط رأسي كان الوضع مشابهاً، لكن كان هناك أماكن أختبئ فيها، فإذا غبتُ عن الأنظار، نسي الناس أمري جزئياً أما هنا، فلا مكان للاختباء حتى لو بقيت مختفية، فالكل يعرف من أكون.”
ازدادت ملامح ميل كآبة.
في الحقيقة، عندما علمت هي أيضاً بإعلان زواج يوسْتار ولايلا لأول مرة، أصابها صدمة جعلتها لا تعرف كيف ترد أو تتصرف.
كانت تعلم أن هذه فكرة مجنونة، لكنها لم تستطع أن تتخلص من شكها بأن ملك أود قد فقد عقله تماماً.
ومع ذلك، لم تشعر بأي عداء تجاه لايلا.
كان بعض الناس يثرثرون ويتهمون بأنها ساحرة استعملت حيلها الخبيثة لخداع الملك والأمير، لكن بالنسبة لميل، التي كانت تراقبها عن قرب يومياً، كانت هذه مجرد هراء لا يستحق حتى السخرية.
وبصراحة، لم تستطع ميل أن تصدق حقيقة أن لايلا ساحرة لو لم تكن تملك الشعر الأسود والعينين الحمراوين اللتين يقال إن الساحرات الحقيقيات فقط يملكنهما، لاعتبرتها شائعة مغلوطة أو كذبة.
في نظرها، كانت لايلا مجرد فتاة صغيرة بلا خبرة في الحياة ، تم سحبها فجأة إلى مكان غريب، وكانت تكافح من أجل تدبر أمورها بنفسها.
“لا أعلم ما الذي يفكر فيه بالضبط.”
ضغطت لايلا صوتها بصعوبة، كما لو أنها تحاول إخراج حجر بحجم قبضة يد من حلقها، ولم تكن تعتقد أن هناك شيئاً أصعب من ذلك ومع ذلك، لم ترد عليها ميل بأي جواب.
“ميل؟”
عندما رفعت لايلا رأسها، لم تكن ميل تقف أمامها لم تسمع أي صوت دخول، لكنه يوسْتار كان هناك، يبتسم لها بابتسامة ملؤها الأسى.
“أين ميل؟”
“قلت لها أن تخرج للحظة.”
كان صوته ناعماً كالعادة، لكن بالنسبة للايلا التي كانت متوترة، لم يكن ذلك كافياً لتطمئنها.
ألقى يوسْتار نظرة خاطفة إلى الشاي والكاستيلا الباردين على الطاولة.
“هل تناولت الطعام؟”
“لا أشعر بأي شهية.”
“سمعت من الطهاة أنك لم تأكلي شيئاً طوال الأمس، وأنك أيضاً لم تتناولي إفطارك أو غدائك اليوم.”
“قلت لك لا أشعر بأي شهية، يوسْتار اتركني وشأني.”
خرجت الكلمات بغضب كان رأسها مشوشاً لدرجة أنها شعرت وكأن أفكارها قد تلاشت تماماً.
بعد لحظة من الصمت، قال يوسْتار:
“إن لم تمانعي، هل يمكنني الجلوس بجانبك قليلاً؟”
كانت لايلا تعاند وأخفضت برأسها، لكنها في النهاية نظرت إليه مباشرة ارتعشت شفتيها وتقطع أنفاسها، وشعرت بوخز غريب من الحزن والحرارة في صدرها.
لم تكن تريد أن تسمح له بذلك فكرت لايلا.
كانت تريد أن تطلب منه أن يخرج فوراً أو بالأحرى، أن يرسلها إلى بيتها، إلى ليجيكوس أو أي مكان آخر، طالما أنه ليس هنا أرادت أن تطلب منه السماح لها بالرحيل إلى أي مكان آخر.
لكن من بين كل مطالبها القليلة، لم يكن هناك خيار واحد يمكنها أن تختاره وكان من الصعب عليها أن تفهم وتتحمل أن يوسْتار ليس له أي مسؤولية في هذا الأمر.
وفي كل مرة حاولت أن تقول له ذلك، أو حاولت أن تطلب منه أن يعيد الأمور إلى حالتها الطبيعية، كان شيئٌ ما يسد فمها.
كأن هناك يد خفية أو مادة هلامية لزجة تغلق فمها، وفي النهاية تحاول أن تخنقها حتى من أنفاسها وكأنها تشعر بأن إرادته تقول: “لو رفضتني، فسأقتلك.”
وأصعب شيء كان أن ذلك “الشيء” موجود بداخلها هي نفسها.
“هل لا يمكنني؟”
كرر يوسْتار السؤال مرة أخرى فالأريكة واسعة على أية حال، وهو من أفراد العائلة الملكية الذين يحملون السلطة بعد الملك فما أهمية إذن فتاة عادية، خاصة إذا كانت تُتهم بأنها ساحرة؟
“… اجلس.”
استسلمت لايلا أخيراً لضغط ذلك الشيء الغريب داخل صدرها لم تقاوم، لكنها شعرت بهزيمة داخلية رغم أنها لم تخض صراعاً.
جلس يوسْتار على مسافة مناسبة منها، يحدق بها بهدوء كانت عيناه الخضراوتان اللامعتان كأنهما تحملان عبق العشب الطازج في النسيم، تعكس ملامح لايلا الكئيبة، وتغمرها بلطف.
“حتى وإن لم تكن تشعرين بشهية، عليك تناول الطعام يا لايلا.”
صمتت لايلا ولم تجب كان هذا أقصى ما تستطيع مقاومته، وصراحة، حتى ذلك كان مؤلماً إلى حد ما.
“سأشاركك العشاء الليلة في الحقيقة، حاولت أن آتي أمس، لكنني انشغلت ببعض الأمور، وأعتقد أنكِ كنت نائمة بالفعل.”
“لم أستطع أن أنام ليلة أمس ولو لحظة واحدة، فقد سمعت أخبار هيميرد.”
انبسط حاجبا يوسْتار قليلاً وهو يحمل نظرة غامضة من التعاطف، واستنشقت لايلا نفسها ببطء محاولة تهدئة أنفاسها المتقطعة.
“لماذا جئت، يوسْتار؟”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 32"