عند كلمات أولغا، تحرك بصر يوسْتار بخفة لم يمض وقت طويل منذ أن أعاد كتفه المخلوع إلى موضعه، فكان لوح كتفه لا يزال يؤلمه.
«ماذا قلتِ، أولغا؟»
«قلتُ إنّه بيضة كانت هناك بيضة.»
قطّب يوسْتار حاجبيه.
«بيضة ذلك المخلوق؟ أين؟»
تناولت أولغا قلماً، وخطّت شيئاً على الورق على عجل، ثم قالت:
«بعد أن مات المخلوق واختفى الـسينك، أمرتُ العناصر بالبحث في قاع النهر كما رأيتَ بنفسك، كان ذلك المخلوق يُبدي تعلقاً غريباً بالـسينك، أليس كذلك؟ وفي النهاية، تلقّى الضربة التي قضت عليه بسبب ذلك.»
«صحيح.»
شعر يوسْتار بالإحساس نفسه الذي راوده حين قذف ذلك الشيء بعيداً، إذ انتشر الإحساس من أطراف أصابعه إلى جسده بأكمله.
في تلك اللحظة، خدرٌ يجتاح الجسد بأسره، والأعصاب تصرخ، والعظام تنخلع… شعورٌ كأن تياراً كهربائياً شديداً يمرّ على طول عموده الفقري.
«وماذا بعد؟»
سأل يوسْتار، فألقت أولغا القلم على الطاولة واتكأت على ظهر مقعدها.
«فوجدنا بيضة هناك كانت بيضتين في الأصل، لكن العناصر قالوا إنهما كانتا ثقيلتين بشكل جنوني.»
كان تعبير “بشكل جنوني” من كلام أولغا، لا من كلام العناصر، لكن الأمر لم يكن مهماً عبث يوسْتار بذقنه بملامح مهتمة.
«هل نقلتموها إلى هنا؟»
«واحدة فقط الأخرى انكسرت، ولم تكن اليرقة قد تشكّلت بعد داخلها أما البقية فلا نعلم ما سيؤول إليه أمرها، لكننا نُجري تحقيقاً حالياً فإذا تشكّلت اليرقة في داخلها، فقد نستطيع معرفة هوية ذلك المخلوق الذي أتى من خلال الـسينك… أو بالأحرى—»
رمشت أولغا بضع مرات.
«هوية ذلك المخلوق المجهول الذي جاء إلى هنا عبر الـسينك من مكان لا نعرفه.»
«وإن لم تتشكل؟»
عند سؤال يوسْتار، رفعت أولغا كتفيها بلا مبالاة.
«حينها، سنصنع منها عجةً عملاقة، ربما لكن لا أضمن لك طعمها.»
كان يوسْتار يعبث بالقماش الذي لفّ به كتفه بإحكام، ثم حلّ العقدة كان قد ربطه ليمنع الحركة، على أساس أن الألم سيستمر ساعة أو ساعتين، لكنه بدا عديم الفائدة.
وبينما كان يفك الضماد، رفع يوسْتار حاجبيه.
«انتظري، كيف وضعت بيضة أصلاً؟ أليس هناك فرد واحد من نوعها فقط؟ أنتِ متأكدة من ذلك؟»
زفرت أولغا بسخرية.
«قد تكون خنثى هذا أمر شائع.»
مال يوسْتار برأسه وضحك بخفة.
«لا اعلم يا أولغا ربما كان شائعاً في موطنكِ، لكنه ليس كذلك هنا.»
«حتى الحلزون خنثى، أيها الأحمق وكذلك العلق.»
ورغم أنه شعر بحدة نبرتها، إلا أن يوسْتار اكتفى بالابتسام ووضع الضماد جانباً كان قد توقع تماماً أن تستشيط غضباً عند سماع ذلك، لذا ظل هادئاً.
قال يوسْتار:
«فكرة أن تفقس تلك البيضة ويكبر ما بداخلها بسلام تبدو مخيفة بعض الشيء.»
انطلقت ضحكة حادّة وعالية من أولغا، كضحكة طفل.
«وأنا شعرت بشيء مشابه عندما رأيتك تركض نحو النهر ذلك الإحساس الذي تسميه “مخيفاً” قلت في نفسي: آه، أخيراً قرر هذا الرجل أن ييأس ويذهب ليموت.»
«ولِمَ أموت؟ ثم ألا يمكنك استخدام كلام راقٍ قليلاً؟ لقد عشتِي ما يكفي من السنين لذلك.»
حدّقت أولغا فيه بعينين ملتهبتين بالغضب هذه المرة حقاً لو كان بيدها شيء يشبه العصا، لكانت هوت به على كتفه المصاب فوراً.
لكن حدة الموقف لم تدم طويلاً فبعد أن لمعت عيناها بتلك النظرة القاتلة، رمشت ثم هزّت رأسها.
«إذن حتى بعد كل هذه السنين، لا يُسمح لي بأن أطلق لساني كما أشاء؟ يا للظلم.»
ارتدى يوسْتار قميصه الذي كان قد وضعه جانباً، وسحب خصلات شعره الطويل من تحت الياقة كانت خصلاته البيضاء تقريباً مبعثرة، لكنها سرعان ما انسدلت بشكل منظم سرّحها بأصابعه على عجل، ثم تناول سترته.
«سترحل؟»
سألت أولغا، وهي تمسك فجأة بكوب مملوء عن آخره بالقهوة.
«بالطبع فالأمور المزعجة لا تقتصر على هذا المكان.»
لم ترفع أولغا عينيها عنه، وهي ترتشف جرعة كبيرة من القهوة، ثم تمتمت وهي تتذوق طعمها.
كان يوسْتار كلما رآها تشرب القهوة بتلك الكميات يتساءل: “هل من الآمن أن تشرب هذا القدر وهي لا تزال صغيرة؟”
بالطبع، كان ذلك مجرد تفكير فأولغا لم تكن صغيرة على الإطلاق، ولو قال لها ذلك، لسكبت القهوة على وجهه.
خفضت بصرها إلى قهوتها وهي لا تزال تراقبه بطرف عينها.
«أمرٌ يخصّ أود؟»
ارتسمت ابتسامة باهتة على شفتي يوسْتار.
«يمكن أن تقولي نعم… ويمكن أن تقولي لا إنّ أخي…»
ساد الصمت لبرهة وأظهرت أولغا صبراً—وهو أمر نادر بالنسبة لها—فانتظرت دقيقة تقريباً دون أن تقاطعه.
وأخيراً نظر إليها يوسْتار وقال:
«إنّ أخي يريد أن يزوجني من لايلا.»
في تلك اللحظة، تفجرت القهوة من بين شفتي أولغارتلطخ الأرض، ومعطفها الأبيض الناصع الذي لم يكن عليه ذرة غبار أصب مليئاً بالبقع الداكنة لكن ذلك لم يكن يهمها، على الأقل في الوقت الراهن.
«هل جنّ؟»
«لمن توجهين السؤال؟ لي؟ أم لأخي؟»
«كلاهما لا، بل اسأله أولاً قولي له إنك تظنه قد فقد عقله تماماً.»
ورغم فجاجة كلماتها، لم يفعل يوسْتار سوى الضحك بصوت خافت، ولم يحاول إيقافها.
تابعت أولغا، وقد وضعت الكوب على الطاولة بإهمال:
«أن يزوج أخاه الوحيد بساحرة؟ يا له من قلب جريء هل يحمل حقداً على أحد؟ عليك أنت، أم على تلك الساحرة الصغيرة؟»
هزّ يوسْتار رأسه ببطء.
«الأمر ليس كذلك لا على أحد… لا على أيٍّ منا أخي…»
توقف عن الكلام، ثم هز رأسه مرة أخرى ببطء لم يكن هذا وقت الحديث عن أود لا لأحد…
ولا حتى للايلا.
«على أي حال، أردتُك أن تعلمِي ذلك فعندما تنتهي المسألة سأعلن الأمر على أي حال… لبقية قادة المقرات أيضاً، وإن اقتضى الأمر، لبقية الأفراد كذلك.»
حدّقت أولغا فيه مجدداً بنظرة تنم عن الاستهجان، لكنها لوّحت بيدها وهي تدير ظهرها، وكأنها لا ترغب في التدخل أكثر.
«افعل ما تشاء، تزوج أو طلّق لكن أنصحك أن تصغي إلى نصيحتي: لا خير في الزواج بساحرة فالساحرات، من الأساس، لسن كائنات يعقدن الزواج ولا يحتجن إلى الحب أصلاً وتعرف السبب، أليس كذلك؟»
«أعرف.»
أجاب يوسْتار باقتضاب، وابتسم ابتسامة جانبية.
«ونادراً ما تجد أحداً يعرف هذا أفضل مني، أليس كذلك؟»
«وماذا تقول تلك الساحرة الصغيرة؟ هل تريد الزواج بك؟»
اهتز كتفا يوسْتار بخفة.
«على أي حال، حتى لو قالت لا، فسوف تحب الأمر قريباً أليس كذلك؟»
قالت أولغا ذلك بلهجة لاذعة، ثم نزعت معطفها الملطخ بالبقع ورمته جانباً.
بدت ذراعاها النحيلتان، المكشوفتان تحت الأكمام القصيرة، بيضاوين بلا جروح كذراعي فتاة عادية، لكن التمعّن يكشف غير ذلك؛ فقد كانت هناك نقاط صغيرة لا حصر لها، كأثر وخز الإبر، تمتد في خط مستقيم على طول المرفق وحتى المعصم.
تأمل يوسْتار بصمت تلك النقاط الباهتة على ذراعها ثم أخرجت أولغا من الخزانة معطفاً جديداً نظيفاً وارتدته قبل أن تستدير نحوه.
«هل أخبرتها بأن هذا خداع؟»
«خداع؟»
دارت عينا أولغا بضيق.
«أعني، هل أخبرتها بأنك تمارس عليها خداعًا الآن؟ أم أنك ستتظاهر بعدم فهمي؟»
قالت ذلك وهي تميل برأسها، وكأنها تؤكد على كلمة “خداع” ورغم أن وجهها كان دوماً متجهماً، إلا أنه بدا الآن أكثر حدة، وكأنها لا تغضب بقدر ما تعاتبه وتوبخه.
فأجاب يوسْتار:
«إن أخبرتها، فلن يكون خداعًا بعد الآن أليس كذلك؟»
أصدرت أولغا صوت نقر بلسانها في امتعاض، ثم قذفت بكلماتها:
«انصرف.»
«ألن ترسلي هدية زفاف؟»
«سأرسل لك عجةً مصنوعة من بيضة مخلوق، فلتتناولها على الإفطار.»
***
عندما خرج يوستار، كانت لايلا تنتظره وهي تضم يديها معًا كمن يشعر بالقلق ولما رأت أنه بخير، تحسن لون وجهها قليلًا، وإن لم تبدُ مرتاحة تمامًا.
“هل أنتِ بخير، لايلا؟”
سألها وهو يبتسم بلطف، فأرخَت تعابيرها قليلاً وهزّت رأسها إيجابًا.
“لنعد.”
“إلى القصر الملكي؟”
“بالطبع أم أنك تودِين الذهاب إلى مكان آخر؟”
هزّت لايلا رأسها نافِية باستغراب، فمدّ يوستار ذراعه يحيط بها طبيعيًا، وقادها نحو البوابة.
“كيف كان الأمر؟ المخلوقات السحرية تختلف عن الأشباح، أليس كذلك؟”
شعر يوستار بتوتر طفيف في كتفَي لايلا بدا أن التوتر والخوف اللذين لم تشعر بهما وسط الحدث قد اجتاحاها أخيرًا الآن.
“مختلفة جدًا… بشكل كبير.”
أجابت بحذر، ثم أومأت برأسها مضيفة:
“كانت مختلفة حتى عن المخلوقات التي عرفتها من قبل، تلك التي قرأت عنها في الكتب أمي كانت تملك بعضًا منها.”
“هذا متوقع، لايلا ستكون مختلفة فعلًا ولكن عليكِ أن تعتادي على ذلك.”
أطبقت لايلا شفتيها في صمت، وعيناها تنظران إلى الأسفل رمقها يوستار بنظرة جانبية، ثم قال بصوت هادئ وكأنه يواسيها:
“لا تقلقي لن أطلب منك أبدًا القيام بشيء خطير كما فعلتُ قبل قليل.”
“ما هذه النظرة يا لايلا؟ هل ظننتِ حقًا أنني سأطلب منك إسقاط مخلوق سحري ضخم من السماء؟”
ثم أومأ برأسه بتحية سريعة لعضو الفريق المسؤول عن ضبط إحداثيات البوابة، وأخذ بيد لايلا وصعد إلى البوابة.
قالت لايلا:
“ليس كذلك بالضبط، لكنني… في النهاية أنا هنا لأكون عونًا لك، أليس كذلك؟ لهذا السبب جئت تبحث عني لكنّ قدراتي لا ترقى إلى المستوى المطلوب.”
“قدراتك؟”
نظر إليها يوستار مبتسمًا بلطف.
“هذا تحديدًا لا داعي للقلق بشأنه.”
عندما أُدخِلت الإحداثيات، صدر صوت خافت بالنسبة للايلا، بدا كطنين خفيف في أذنها.
“الاستعدادات للانتقال قد اكتملت.”
قالها أحد أفراد الفريق، فأنزل يوستار ذراعه من على كتفها وأمسك بيدها ومع صوت طنين خافت، شعرت لايلا أن جسدها كله يتحول إلى جسيمات دقيقة تتناثر في الهواء.
“عندما نعود، ارتاحي جيدًا.”
رفعت لايلا رأسها تنظر إلى يوستار.
“فابتداءً من الغد، سيكون هناك الكثير من العمل.”
“ماذا تقصد ب—”
لكن كلماتها لم تكتمل فقد عملت البوابة، وبرقت عيناها، وشعرت أن جسدها يتحوّل إلى غبار ويرتفع في الهواء.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 31"