قالت أولغا بنبرة آمرة تطلب من لايلا ألا تلمس شيئًا، ثم حركت بعض البلورات بأصابعها، وبدأت تتمتم بتعويذة بكلمات قديمة لم تستطع لايلا فهمها بالكامل.
قالت أولغا: “والآن، راقبي جيدًا.”
سحبت أولغا أكثر البلورات قتامة إلى الأعلى كما لو كانت رافعة، فظهرت فجأة حركة متموجة داخل الفجوة المفتوحة، وكأن الماء ملأها.
انحنت لايلا إلى الأمام وكأنها ستُسحب إلى الداخل، متركزة بكل حواسها على الحركة الظاهرة وما إن توقفت التموجات التي بدأت من المركز، حتى بدأت تظهر بوضوح صور فرسان جرحى يلوّحون بسيوفهم ويصرخون.
ارتسمت على وجه لايلا نظرة إعجاب.
“إنه حقًّا سحر!”
ردّت أولغا بفتور: “يا لسخرية هذه الساحرة الصغيرة ألهذا الحد أنتِ صغيرة؟ بالطبع إنه سحر سحر حقيقي انظري جيدًا، ها هو الوحش إنه في النهر فلا يظهر بوضوح، لكنه يدور في نفس المكان وكأنه يحرس عشه.”
تحركت الصورة قليلاً، بحركة طبيعية كأن من ينظر قد أدار رأسه، فكادت لايلا أن تدير رأسها بدورها.
وما إن اختفى الفرسان من زاوية الرؤية، حتى ظهر رأس وجسم مخلوق أحمر كحممٍ تغلي كان يشبه تمساحًا ضخمًا مخيفًا، لكنه كان أكثر وحشية وشراسة.
تحدث يوستار:
“هل يهرب إلى النهر إن هوجم؟”
أجابت أولغا: “طبعًا وحين يتحرك داخل الماء، لا يمكن لأحد اللحاق به، حتى أنت يا يوستار ستجد صعوبة هل تعتقد أني لم أعطِ الفرسان أدوات سحرية؟ لقد فعلت، لكنها استُهلكت بالكامل استنزفنا كل طاقتنا وجهدنا لمجرد أن نحشره في فخ، ومع ذلك لم نتمكن من الإمساك به لو انهارت خطوطنا الدفاعية هذه المرة، فسينتهي كل شيء لو وصل إلى القرية التالية، فلن نجد بوابات تنقل سحرية هناك، وتصبح المساعدة الفورية من أي فرع مستحيلة.”
قال يوستار بهدوء: “إذًا، علينا الإمساك به هنا.”
نظرت إليه أولغا بنظرة منزعجة مليئة بالاستياء.
أما لايلا، فلم تلتفت إلى التوتر بينهما، بل ركزت كل انتباهها على حركة الوحش في الصورة.
الفرسان كانوا مصابين، لكن الوحش أيضًا بدا وكأنه تعرض لجراح رغم سرعته، إلا أن توازنه كان مختلًّا بعض الشيء.
أين يا ترى؟ فكّرت لايلا لم يكن من السهل ملاحظته لأن زاوية الرؤية كانت تتغير باستمرار.
عندها، أخرج أحد الفرسان، الذي كان الأقرب إلى الوحش، شيئًا مستديرًا يشبه التفاحة، ورفعه إلى فمه.
ثم أمال رأسه، فخرج من الجسم حلقة معدنية، ورماه نحو الوحش اهتزت الصورة قليلاً، ثم غطّى الدخان الأسود جسد الوحش.
قالت أولغا: “هذا لتشويش الرؤية لكنه الأخير على الأغلب لن يدوم تأثيره إلا لبضع دقائق لا وقت للتردد.”
أومأ يوستار، ثم نظر إلى لايلا.
“هيا بنا، لايلا.”
رفعت أولغا حاجبيها دهشة: “حقًّا ستأخذها معك؟”
رد يوستار: “متى كذبت من قبل؟”
قالت أولغا بسخرية: “لا فائدة من الندم بعد الموت افعل ما تريد هذه الساحرة الصغيرة هي من صنعت السم، وسأكون أنا من ينثره فقط أعطني إشارة، وأخبرني مسبقًا إلى أي جهة ستدفع الوحش.”
قال يوستار: “بعيدًا عن النهر سيكون الأفضل.”
ثم مد يده إلى لايلا كانت ترغب في البقاء ومراقبة الصورة أكثر، لكنها أدركت أنه لا وقت لذلك.
أعطاها يوستار زيًّا مناسبًا للحركة وقال:
“ارتديه، ثم اخرجي من خلال ذلك الباب الدائري هناك.”
أسرعت لايلا بتغيير ملابسها كان اللباس ملائمًا تمامًا لجسدها، لكنه أول سروال ترتديه، فشعرت بعدم الراحة، وكأنها لم ترتدِ ما يكفي.
فجأة، قالت أولغا بحدة:
“توقفي عن التلكؤ! ألهذه الدرجة لا تعرفين كيف ترتدين سروالًا؟!”
استدارت لايلا برعب، لكن أولغا لم تكن حتى تنظر في اتجاهها بل لم تكن مرئية من حيث كانت لايلا كيف عرفت إذًا؟ أمر مدهش!
لكن لم يكن لديها وقت للتفكير، وإلا لتلقت توبيخًا آخر حاولت لايلا تجاهل شعور الغرابة بين فخذيها وفتحت الباب الدائري كما قال يوستار.
“آه!”
اندفعت ريح قوية ضغطت لايلا على ركبتيها بغريزتها، لكنها تذكرت أنها لا ترتدي تنورة، فلم يكن هناك داعٍ.
عندها اتسعت عيناها.
“يوستار! لا يوجد طريق!”
خارج الباب لم يكن هناك سوى منصة نصف دائرية صغيرة بالكاد تتسع لشخصين.
أما الأسفل، فهاوية سحيقة، ووسطها نهر هائج يجري بين الجبال فزعت لايلا، وحاولت التمسك بالباب، لكن يوستار طوّق خصرها بذراعه بثبات.
قال قرب أذنها بسبب الضوضاء:
“لا تقلقي، لايلا لقد فعلنا هذا من قبل، أليس كذلك؟”
شعرت لايلا بوخز في أذنيها ووجنتيها من شدة القرب، وتمتمت:
“لكن… في المرة السابقة استخدمنا بوابة تنقل! لا تقل إن هناك واحدة هنا أيضًا!”
رد يوستار:
“لا، لا توجد بوابة لكن لو حاولنا الوصول إلى الوحش سيرًا، سترمينا أولغا طُعْمًا له.”
قالت لايلا بصوت مرتجف من الخوف:
“إذًا، ماذا سنفعل…؟”
لكنها لم تكمل حين التقت عيناها بعيني يوستار، أدركت ما كان سيحدث فورًا.
“انتظر، يوستار، لا تخبرني أنك…”
قال:
“تمسكي بي جيدًا طالما تمسكتي بي، ستكونين بخير لا داعي للخوف.”
لكن كلماته غطت عليها صرخة لايلا المفزعة قفز يوستار في الفراغ حاملاً لايلا بين ذراعيه هبّت رياح الوادي، فرفعت جسديهما للحظة، ثم هبطت بهما بسرعة.
صرخت لايلا:
“يوستار!!”
شعرت وكأن قلبها سيتوقف الرياح كانت تقطع أذنيها وخديها كالسكاكين.
صرخت برجاء:
“يوستار! أرجوك!!”
عندها، قال يوستار:
“قلت لكِ… فقط ثقي بي.”
ورغم الرياح العاتية، سمعت صوته بوضوح غريب.
في تلك اللحظة، أدركت لايلا أن السقوط المفزع قد توقف بل لم يتوقف فقط — لقد كانا يطيران.
يوستار كان يطير، ولايلا كانت متشبثة به.
قالت بذهول:
“ما… ما هذا…؟”
كان على ظهر يوستار زوج من الأجنحة الضخمة، تشبه أجنحة الصقور أو النسور، لكنها أكبر بكثير كان طول أحد الجناحين يقارب طول يوستار نفسه، وكانت الريشات تلمع كأنها حقيقية.
سألت لايلا بدهشة تكاد عيناها تخرجان من محجريهما، وهي تزفر بأنفاس مقطوعة:
“هل تعلمتَ التحوّل الجسدي؟ “
ضحك يوستار بخفة، وكأن الأمر أعجبه:
“لا، لستُ ساحرًا، لذا لا يمكنني تعلم تلك المهارة هذا أيضًا أداة سحرية تشبه التحوّل الجسدي إلى حدٍ ما… لكنها لا تغيّر الجسم بالكامل، بل أجزاء فقط.”
قالت لايلا بدهشة:
“وكيف حصلت على شيء كهذا؟”
أجاب يوستار:
“في تينتينيلّا، يوجد مطوّرون بارعون كثيرون.”
مطوّرون؟! تذكّرت لايلا أنها سمعت بهذا المصطلح من قبل.
يقال إن في المدن الكبيرة آلات تقوم بالحياكة والتطريز تلقائيًّا، ويُطلق على من يصمّم تلك الآلات اسم “المطوّر” لكنها لم تتخيّل أن يكون للمطوّرين وجود في عالم السحر أيضًا!
قال يوستار وهو ينظر بعيدًا:
“ها قد ظهرت حسنًا، لايلا سأُنزلُكِ في مكان آمن لا يمكنني مواجهة الوحش وأنا أحملكِ لكنني سأضعك في مكان يُمكنك فيه رؤية كل شيء بوضوح راقبي حركته، وحاولي أن تفكري: كيف يدافع؟ وكيف يمكن مهاجمته؟”
قالت لايلا:
“ألم تقل إنك ستعطيني درعًا للحماية؟”
ردّ يوستار:
“الزيّ الذي ترتدينه الآن هو درع بحدّ ذاته قد يبدو كزيّ عادي، لكنه ليس كذلك لا يمكن خدشه بسهولة، لكنه لن يصمد كثيرًا أمام ذلك الوحش، لذا لا تُفكّري في الدخول إلى المعركة بنفسك.”
قالت لايلا بقلق:
“لكن الوحش سريع جدًا، أليس كذلك؟ أين ستُنزلني؟ لستُ واثقة أنني سأتمكن من رؤية شيء بوضوح.”
ابتسم يوستار ونظر إليها من أعلى، فانحنت خصلات شعره الطويل نحو وجهها، تُداعب خدها وجبينها.
قال:
“لا تقلقي ستكونين في مقعد الدرجة الأولى.”
ثم خفق بجناحيه وارتفع إلى أعلى نظر إليه الجنود من أسفل، وصرخوا بهتاف عندما رأوه:
“السيد يوستار!”
“لقد جاء الأمير الملكي! اثبتوا قليلاً بعد!”
ارتفعت معنويات الجنود، فيما بدا الوحش في داخل الدخان الأسود وكأنه استشعر الخطر، فانخفض جسده واستعد للهجوم.
لكن الدخان الذي يحجب الرؤية لن يدوم طويلًا، وكان الجنود قد أعادوا ترتيب صفوفهم، ورفعوا أسلحتهم واستعدوا.
قال يوستار:
“راقبي من هنا.”
ثم أنزل لايلا على صخرة بارزة في قمة الوادي.
كانت صخرة طويلة معزولة، تشبه الشمعدان، وسطحها العلوي مستوٍ كأنه شرفة تطل على المسرح، ولهذا بدت فعلًا وكأنها مقعد الدرجة الأولى ورغم أن المسافة إلى الوحش كانت بعيدة، إلا أن الرؤية كانت ممكنة.
قال لها:
“سأعود لاحقًا.”
تأكد يوستار من أن لايلا وقفت بأمان، ثم دفع حافة الصخرة بقدمه وقفز منها، وانزلق في الهواء بخط منحني، وأثناء طيرانه أخرج سيفه من خصره، فظهر منه بريق أزرق بارد.
سيفٌ سحري؟ لا… قال إنه لا يستخدم السحر… فكرت لايلا.
انضم يوستار إلى صفوف الفرسان الذين كانوا يشكّلون خط دفاع، وما إن بدأ الدخان بالتبدّد، حتى تقدّم يوستار إلى الأمام رافعًا سيفه.
ظهرت ملامح الوحش تدريجيًا، ولايلا قبضت على يديها بتوتر لا إرادي.
عندما التقط الوحش رائحة غريبة، انتصبت الأشواك على ظهره فجأة قال أحد الفرسان المخضرمين، وكان وجهه مغطى بالدماء، محذرًا دون أن يبعد نظره عن الوحش:
“احذر، يا سيد يوستار مجرد خدش من تلك الأشواك يُسبب التسمّم فورًا.”
ضحك يوستار بسخرية:
“تقوم بوظيفة قرون الاستشعار والسمّ معًا، إذًا؟ من أين خرج هذا الشيء؟”
قال الفارس:
“يوجد حوض سينك في النهر كلما اشتد الهجوم، يقفز إلى النهر وكأنه يحمي السينك.”
ردّ يوستار بقسوة:
“هراء من يخرج من السينك لا يعود ليحميه السينك شيء، والوحش شيء آخر ليست بينهما علاقة تكافلية.”
—كييااااااااخ—!
دوّى صراخ حاد في جميع أنحاء الوادي، صدى الصوت وحده كان كافيًا لجعل الشعر ينتصب على الأجساد.
قبض يوستار على مقبض سيفه بإحكام وعندما انقشع الدخان بالكامل، انقض الوحش فجأة باتجاه يوستار وفي اللحظة ذاتها، غرس يوستار سيفه عموديًّا في الفك السفلي للوحش، خلف أنيابه مباشرة.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 29"