شعرت لايلا بعقلها يتناثر بياضًا عند سؤاله المفاجئ.
هل هذا سؤال حقيقي، أن يسأل عن ما إذا كانت تهتم حقًا؟ كان الجواب بديهيًا: بالطبع الإجابة الثانية.
أن تصبح زوجة الأمير يعني، على الرغم من عدم وضوح التفاصيل، أن يكون ذلك مشابهًا للإعلان أمام الجميع بأنكِ ساحرة
لن يكون بإمكانها أن تغطي شعرها بغطاء رأس، ولن تتمكن من ارتداء الملابس المرهقة التي لم تكن قد ارتدتها من قبل، بل ستصبح موضع سخرية للآخرين.
قالت وهي تشعر بالغضب
“لستُ وحشًا ذا ثلاثِ عيون ولستُ مهرّجًا يستعرض أمام السادة النبلاء رفيعي المقام! قد يكون رأيكم مختلفًا، ولعلّكم تظنّون أنّ وجود الساحرة لا يختلف عن ذلك، لكنني لستُ كذلك! أنا إنسان إنسان، أفهمتم؟”
في الحديقةِ الساكنة التي كانت أشعة الشمس الدافئة تتناثر فيها، دوّى صراخُ لايلا حادًّا، كقطع زجاج متناثرة تصيب الكاحل بجراح عشوائية.
ومن عينيها المغمضتين بشدّة، انهمرت الدموعُ أخيرًا ولم تتوقف رجفة كتفيها، فيما قبضت يديها بقوة حتى برزت مفاصل أصابعها بلون أبيض واضح.
كان يوسْتار يصغي في هدوء إلى شهقاتها، ثم أحاط كتفها بحذر.
“لايلا، انظري إليّ.”
“لا أريد ارحل عني دعني وحدي.”
“لا أستطيع ذلك الآن انظري إليّ هيا.”
” انظري إليه “لقد كادت لايلا تُجنّ من صوتٍ آخر أخذ يتردّد في أعماقها.
ذلك الصوت المجهول، الذي يجعلها عاجزة عن عصيان كلمات يوسْتار، أخذ يزداد وضوحًا شيئًا فشيئًا، كأنّه نبات متجذّر في قلبها ينمو بنهم.
تحرّكت عيناها ببطء كانت حدقتاها المحمرّتان بفعل الدموع تتلألآن مثل حبّات الرمّان.
قال يوسْتار:
“لن يجرؤ أحد على معاملتك بتلك الطريقة حتى لو أصبحتِ زوجتي، وحتى لو لم تُخفِي شعرك وعينيك، فلن أسمح لأحد بأن يسخر منك أعدك بذلك ولئلّا تنسي، أذكّرك مجددًا أنّني الأخ الوحيد لملك مملكة شيرو، ولا يملك سلطة إصدار الأوامر إليّ سوى جلالته وحده.”
“وماذا لو كان ذلك الشخص هو من يسخر مني؟ عندها لن تستطيع منعي ماذا لو أمرني أن أتشبّه بالوحوش وأزحف أمام الآخرين؟ ألن تكون عاجزًا حينها؟”
“أخي ليس شخصًا كهذا.”
“أخوك مجنون !”
صرخت لايلا وهي تدفع جسد يوسْتار بعيدًا عنها، لكنّه لم يتحرك قيد أنملة.
“صدّقيني يا لايلا، أخي ليس مجنونًا لا أعرف ما الذي يدفعه لتزويجك بي، وربما حتى لو سألته فلن يجيب لو كان ينوي إخبارنا بالسبب لفعل ذلك في حينه لكن أقسم لك، إن جلالته لن يهينك أو يجعلك أضحوكة أبدًا وإن فعل، فسأمنعه بنفسي.”
حدّقت لايلا في وجه يوسْتار الخالي من الابتسام أدركت أنّه يعني ما يقول.
لم تعرف السبب، لكنها كانت تعرف… لم يكن الأمر لمجرد أنها أرادت تصديقه، بل كان يقينًا راسخًا في ذهنها، كيقين أن الشمس إذا غربت أطلّت النجوم.
تابع يوسْتار كلامه:
“لكن من وجهة نظرك، أنتِ لا تريدين الزواج بي لقد مرّ على لقائنا أقل من أسبوع، وقلتِ من قبل إنك لا تحتاجين إلى الحب إذن فلنعقد اتفاقًا.”
لم ترغب لايلا بالرد، ولا بسماع المزيد، لكن شفتيها تحركتا رغمًا عنها:
“أي اتفاق؟”
“اتبعي أمر الملك تزوجيني وكوني زوجتي رسميًّا لكن ليس عليك القيام بأي من واجبات الزوجة سنتصرّف كزوجين حين تدعو الحاجة، وفي غير ذلك لن أتقرّب منك شخصيًّا أبدًا.”
“بالتأكيد أحتاج إليك لكن ذلك يخصّ شؤون تينتينلا، ولا علاقة له بكوننا زوجين فلنحدّد مدة زمنية إذن إن هدف تينتينلا هو إنهاء الظواهر الغريبة التي تحدث في سيرو الـسينك لم يكن موجودًا منذ القدم، بل بدأ في الظهور فجأة ذات يوم نحن نبحث عن السبب، وعندما نحلّ المشكلة من جذورها، لن يتكوّن سينك مجددًا.”
“وماذا بعد؟”
“وماذا بعد…”
عندما تراخى صوته، مدّت لايلا يدها فجأة ولمست خده، ربما لأن عينيه كانت تبدو حزينة، أو ربما بسبب الابتسامة الغريبة التي كانت على وجهه.
تابع يوسْتار كلامه:
“في اليوم الذي لن تحتاج فيه هذه البلاد إلى تينتينلا بعد الآن، يا لايلا، سأحررك سأجعل بإمكانك الذهاب حيث تريدين، ولن تكوني عرضة للاضطهاد في أي مكان وإن رغبتِ، سأمنحك أرضًا لا أحد بالقرب منها، وأبني لك هناك بيتًا جميلاً، لتعيشي بسلام، تمارسين ما تحبين من عمل، ولن يجرؤ أحد على توجيه أصابع الاتهام إليك.”
“هذا أمر مستحيل.”
“لا، بل هو ممكن ممكن تمامًا.”
أرادت لايلا أن تعارض مجددًا، لكن أفكارها وأفعالها أصبحت متناقضة لقد تلاشت هيئتها التي كانت تصرخ وتبكي، وتغرق في اليأس صحيح أنها ما زالت تبدو مضطربة، لكنها أصبحت أكثر هدوءًا بكثير.
— أرجوكِ، يا لايلا… افعلي ذلك من أجلي.
قال يوسْتار.
لا… لم يقل ذلك بصوتٍ مسموع كانت شفتاه مطبقتين في خط مستقيم، لم تتحركا قيد أنملة.
في اللحظة نفسها، دفعتْه لايلا بعيدًا واتسعت عيناها غير أنّ شفتيه ظلّتا مغلقتين، وكانت على وجهه ملامح الدهشة من ردّ فعلها المفاجئ.
قالت بصوت مرتجف:
“ما الذي فعلته للتو؟”
“أنا؟ ماذا فعلتُ؟”
“لقد خاطبتني داخل رأسي للتو! ما الذي فعلته؟ أأنت حقًّا لست ساحرًا؟”
كانت لايلا مرتبكة، لكن يوسْتار بدا أكثر ارتباكًا منها، وكأنه لم يفهم ما تعنيه ظل يحدّق بها لبرهة، ثم عقد حاجبيه فجأة.
“هل قرأتِ أفكاري؟”
“أفكارك؟ أأنا من قرأها؟”
“وما الذي قلتهُ أنا، حسب ما سمعتِ؟”
أطلقت لايلا أنفاسًا متقطعة وقالت:
“لقد قلتَ إنك ترجوني… أن أفعل ذلك من أجلك.”
“لم أنطق بهذا الكلام.”
“أنا أعلم! لم تقله بصوت عالٍ، بل كان في رأسي…”
“صحيح أنني فكرتُ بذلك، لكن أن يصلكِ الأمر…”
وفجأة، حدّق يوسْتار فيها بعينين فيهما لمعة اكتشاف.
“صحيح لكن الجوهر موجود حتى في الأشباح، وبالطبع في الأحياء أيضًا ربما بدأتِ تفتحين عينيك وأذنيك لتدركي ما يخص الأحياء كذلك.”
“إذن… هل هذا يعني أنني أستطيع سماع أفكار الآخرين؟ وسيستمر ذلك إلى الأبد؟”
هزّ يوسْتار رأسه نافيًا، لكن ملامحه كانت أكثر جدية من أي وقت مضى ولايلا لم تكن أفضل حالًا منه.
هل يعقل أن تتمكن من قراءة أفكار الآخرين فجأة، ودون أن ترغب في ذلك أصلًا؟!
“الآن…”
كاد أن يواصل حديثه، لكن وقع خطوات مسرعة جاء من جهة الرواق، واقترب منهما رجل غريب يعدو باتجاههما.
عرفت لايلا، بمجرد أن رأت ملابسه، أنها مطابقة تمامًا للزي الذي ارتداه يوسْتار حين التقته لأول مرة.
“سيدي يوسْتار.”
استدار يوسْتار إليه وقال:
“بارنس، ما الأمر؟”
انحنى الرجل المسمّى بارنس على عجل، وألقى نظرة جانبية نحو لايلا وقد لمحت في عينيه بريق دهشة عابر، مما جعلها تبعد نظرها عنه على الفور .
“سيدي يوسْتار، ورد اتصال من الفرع الثاني لقد ظهر سينك من المستوى الثالث قرب نهر كيزيل، في وادي كيزيل وقد اختفت ثلاث قرى بأكملها حول الوادي.”
“ماذا تقول؟ ثلاث قرى تختفي وأنتم واقفون مكتوفي الأيدي؟!”
ابتلع بارنس ريقه بتوتر وقال:
“الذي خرج من السينك هو وحش سحري من النوع الوحشي، سريع وماكر للغاية، وقد فقدنا خمسة من الأعضاء الموفدين للتعامل معه ولهذا، يطلب مدير المقر في هاباشوكا مقابلتكم للتشاور في الأمر.”
“يبدو أن أولغا تحت ضغط شديد فهمت.”
“هل أجهّز البوابة الفورية؟”
أومأ يوسْتار وهو يرفع شعره الطويل الذي كان منسدلًا، ويجمعه إلى أعلى.
“حضّرها فورًا وأضف تصريح عبور مؤقتًا آخر، باسم لايلا كريسْراد.”
التفتت لايلا نحوه بسرعة وحدّقت فيه حتى بارنس بدا عليه الارتباك من هذا الأمر غير المتوقع، لكن لم يكن هناك وقت للتردد، فانصرف مسرعًا.
“وحش سحري، تقول؟”
“نعم ليس لدينا وقت، سأشرح لكِ باختصار ونحن في الطريق.”
“أتعني أن أذهب وأنا مرتدية هذا الثوب؟”
رفعت لايلا طرف فستانها الفاخر لتريه له بدا على يوسْتار ملامح حرج وكأنه تذكّر الأمر للتو، لكنه سرعان ما أومأ برأسه.
“لا بأس حين نصل إلى هناك، ستجدين ملابس لتبديلها ثم إنكِ اليوم لن تشاركي في القتال لكن من الضروري أن تري ما يجري، ولهذا ستذهبين معي.”
أسرع يوسْتار في خطاه، واضطرت لايلا إلى الإسراع للحاق به.
وحين أخذ الفستان يتعثر عند قدميها ويعيقها، جمعت طرفه بيديها حتى كاد ساقاها ينكشفان حتى ما فوق الساق بقليل، وركضت شبه لاهثة وراءه.
“هل يعني المستوى الثالث أنه خطر؟ لقد قلتَ إن الـسينك له خمسة مستويات.”
“صحيح أن هناك خمسة مستويات، لكن لم يظهر من قبل سينك من المستوى الخامس في شتاء العام الماضي، ظهر سينك بالغ القوة قرب منطقة سكنية للسحرة تقع أسفل نهر ديل تدخلت فرقتان كاملتان للتعامل معه، ومع ذلك فقدنا ما يقارب نصف أفرادنا، وكانت الخسائر جسيمة ومع هذا، لم يكن ذلك من المستوى الخامس.”
“إذن…”
“إذن، المستوى الثالث يعني أنه خطر بدرجة كبيرة.”
دخل الاثنان إلى داخل القلعة، ولم تمضِ لحظات حتى وصلا إلى مقر سيرسيتا الرئيسي حين جاءت لايلا أول مرة، كان المكان خاليًا، أما الآن فكان فيه خمسة أشخاص.
اتجهت أنظارهم جميعًا نحو لايلا لبرهة، لكنها لم تلحظ ذلك لانشغالها بجو التوتر الشديد الذي كان يخيّم على المكان.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 26"